Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكبح مصر التهجير بفزاعة الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا؟

تحذير السيسي لستارمر من موجات هجرة باتجاه أوروبا فتح الملف مع تصاعد السجال مع نتنياهو

الحشد المصري لرفض التهجير استند في البداية إلى رفض تصفية القضية الفلسطينية (رويترز)

ملخص

الربط بين احتمالية تهجير الفلسطينيين وتعرض أوروبا لموجات هجرة غير شرعية جاء للمرة الأولى خلال محادثة السيسي وستارمر، في تطور لافت للخطاب المصري الذي يسعى لخلق رأي عام مضاد لدعوات إسرائيل المدعومة أميركياً... فهل تفلح هذه الورقة في إيقاف مخطط التهجير؟

منذ اليوم الأول للحرب على غزة أعلنت مصر موقفاً ثابتاً برفض تهجير الفلسطينيين، وهو ما أكدته مراراً في العامين الأخيرين، وسعت إلى حشد الدعم الدولي لموقفها في مقابل إصرار إسرائيل على دفع سكان غزة جنوباً نحو الحدود المصرية، والدعوات المتكررة من رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى إخراج الفلسطينيين من القطاع، التي تدعمها أطروحات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لتحويل غزة إلى "ريفييرا" في شرق المتوسط، وهو ما يتطلب إخلاؤها من السكان.

الحشد المصري لرفض التهجير استند في البداية إلى رفض تصفية القضية الفلسطينية، وأضاف لاحقاً التحذير من أنه يهدد الأمن القومي المصري والعربي، ودعمتها القاهرة بتقديم خطة لإعادة إعمار قطاع غزة من دون تهجير سكانه، لكن السردية المصرية عززت في الأيام الأخيرة بتحذير القارة الأوروبية من أن "تهجير الفلسطينيين قد يفضي إلى موجات غير مسبوقة من النزوح والهجرة غير الشرعية نحو أوروبا"، وهو ما جاء على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأسبوع الماضي، وكرره السيسي خلال اجتماع في الدوحة على هامش القمة العربية- الإسلامية جمع زعماء مصر والأردن وقطر، بمشاركة إلكترونية من الرئيس الفرنسي ورئيسي وزراء كندا وبريطانيا.

الربط بين احتمالية تهجير الفلسطينيين وتعرض أوروبا لموجات هجرة غير شرعية جاء للمرة الأولى خلال محادثة السيسي وستارمر، في تطور لافت للخطاب المصري الذي يسعى لخلق رأي عام مضاد لدعوات إسرائيل المدعومة أميركياً، وهو ما أتى بعد أيام من زعم نتنياهو أن مصر تمنع الغزيين من الخروج عبر إغلاق معبر رفح، وادّعى أن ذلك ليس "طرداً جماعياً"، وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية المصرية باستهجان تلك التصريحات، وأكدت أن مصر لن تكون أبداً شريكاً في تصفية القضية الفلسطينية، أو أن تصبح بوابة للتهجير. مشددة على أن ذلك "خطاً أحمر غير قابل للتغيير"، فيما عقّب مكتب نتنياهو في بيان بأن مصر تفضّل "سجن الفلسطينيين" داخل غزة.

الإشارة إلى التحذير من موجات الهجرة تجاه أوروبا لم ترد في البيان الصادر عن رئاسة الحكومة البريطانية، في حين ذكرته الرئاسة المصرية، في ما يبدو إثارة ملف الهجرة مع ستارمر حالياً ذو أهمية خاصة، بعدما أصبحت القضية الأكثر إلحاحاً على الساحة السياسية في لندن، مع مواجهة البلاد عدداً قياسياً من طلبات اللجوء ووصول أكثر من 28 ألف مهاجر عبر القنال الإنجليزي هذا العام، وهو ما يشكل ضغطاً على الاقتصاد المتعثر، ويثير حنق أنصار اليمين الذين نظموا تظاهرات عدة، كان آخرها السبت الماضي في لندن بمشاركة 100 ألف شخص، في أكبر تظاهرة لليمين في تاريخ المملكة المتحدة.

وعلى رغم إعلان لندن في عدة مناسبات عن رفضها تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم واعتزامها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن زيارة الرئيس الأميركي ترمب إلى المملكة المتحدة قد تعتبر مناسبة لإثارة الملف الفلسطيني، وعرض الموقف المصري الذي أبداه الرئيس السيسي.

أوروبا ستتجاوب مع مصر

يعتقد الدبلوماسي البريطاني المتقاعد جيمس موران أن الاتحاد الأوروبي "سيتجاوب مع طلبات مصر لمزيد من الدعم إذا أُجبر الفلسطينيون على مغادرة غزة". لكنه يرى، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنه من غير المرجح حدوث نزوح جماعي للفلسطينيين، موضحاً أن إسرائيل تعاني بالفعل تحت وطأة الرأي العام الدولي المضاد لها، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي. ومضيفاً أنه "حتى حكومة نتنياهو لها حدودها".

وعلى الصعيد الأوروبي تعد الهجرة غير الشرعية من أكبر الهواجس في الاتحاد الأوروبي، الذي يخصص مليارات اليورو لدول جنوب المتوسط، ومنها مصر، للحد من تدفق المهاجرين نحو الشمال. ومنذ عام 2017، بلغ الدعم الأوروبي لمصر في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية 241 مليون يورو، وفق تصريحات تلفزيونية للمتحدثة باسم بعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة، رشا سري، في مايو (أيار) الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعبرت بروكسل في مناسبات سابقة عن دعمها الموقف المصري الرافض تهجير الفلسطينيين، ورحبت بخطة إعمار غزة التي قدمتها مصر واعتمدتها القمة العربية بالقاهرة مارس (آذار) الماضي. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خطاب أمام البرلمان الأوروبي منذ أيام أن المفوضية ستنشئ مجموعة مانحين للشعب الفلسطيني الشهر المقبل، بما في ذلك أداة لإعادة إعمار قطاع غزة.

وأوضح الرئيس المصري خلال اجتماع الدوحة ما يريده من الدول الأوروبية والغربية عموماً، بالقول إن "نقطة البداية للحيلولة دون تهجير الفلسطينيين تكمن في وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما يستدعي وجود موقف أوروبي ودولي حازم وقوي لوقف إطلاق النار بشكل فوري"، وفق بيان للرئاسة المصرية.

ترى المحللة السياسية الأميركية جينجر تشابمان أن على مصر الضغط على الولايات المتحدة للكفّ عن دعم مخططات التهجير من خلال تبني خطاب أن إيواء النازحين الفلسطينيين سيكون مكلفاً على الاقتصاد المصري ما يدفعها إلى طلب الدعم من واشنطن، بالتالي يتحمّل دافعو الضرائب الأميركيون عواقب سياسة إسرائيل.

وقالت تشابمان، لـ"اندبندنت عربية"، إن واشنطن تدرك أن خطة تل أبيب هو جعل الأوضاع في غزة مزرية للغاية، مما يدفع مصر إلى الرضوخ وفتح حدودها لإنشاء معسكرات لاجئين في سيناء، وهو ما يعني تكاليف باهظة لإنشاء بنية تحتية لتلك المعسكرات وحمايتها. موضحة "عندما يُبلّغ دافعو الضرائب الأميركيون بهذه التكاليف الباهظة، تزداد معارضتهم لتمويل الحروب التي لا تنتهي، وإعادة الإعمار في مناطق الحرب التي صنعناها بأنفسنا".

الاستخدام السياسي للمهاجرين

ووفق حديث رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب فخري الفقي، خلال مناقشات برلمانية، يحصل 9 ملايين لاجئ ومهاجر في مصر على خدمات بقيمة 6 مليارات دولار سنوياً، وعلى رغم ذلك لم تشر مصر إلى استخدام المهاجرين كورقة سياسية، ما يجعل حديث الرئيس السيسي عن خروج موجات هجرة غير شرعية باتجاه أوروبا إذا جرى السماح بتهجير الفلسطينيين مثيراً للانتباه.

وفي مايو الماضي، قال الرئيس المصري خلال زيارته إلى أثينا إنه لم يخرج مركب هجرة واحد انطلاقاً من مصر إلى أوروبا منذ سبتمبر (أيلول) 2016 "في إطار توجه مصري بعدم السماح أخلاقياً وإنسانياً أن يتم ضياع المهاجرين في البحر أو يتسبب في مشكلات لأصدقائنا في أوروبا". وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020، قال الرئيس السيسي إن مصر لم تلجأ إلى استغلال قضية المهاجرين إلى أوروبا إلى أداة للتفاوض أو استغلالها لتحقيق استفادة مادية أو سياسية "كما تفعل دول أخرى".

يستبعد مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة السابق، السفير معتز أحمدين خليل، أن تلجأ القاهرة إلى ورقة السماح بـ"الهجرة غير الشرعية" إلى أوروبا كورقة ضغط لرفض تهجير الفلسطينيين. قائلاً إنها مسألة تمس أمن مصر القومي وتضر بهيبة النظام المصري. وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن مصر تتفاخر بإحكام قبضتها على مراكب الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية، بالتالي فك القيود عنها سيعطي انطباعاً بانفلات أمني. مشيراً إلى أن القاهرة نجحت في إقناع الدول الأوروبية الفاعلة مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا برفض التهجير، كذلك لم تستخدم أميركا حق الفيتو تجاه قرارات في مجلس الأمن أقرت رفض التهجير القسري للفلسطينيين.

وحول تصاعد السجال بين مصر وإسرائيل بشأن ملف التهجير، أرجع الدبلوماسي المصري السابق هجوم نتنياهو على مصر أخيراً إلى تعزيز مصر وجودها العسكري في سيناء، وهو ما يبدو أنه جرى جزئياً من دون تنسيق مع الجانب الإسرائيلي رداً على سيطرتها على محور "فيلادلفي" على الحدود بين مصر وغزة، بما يحبط مخطط تل أبيب لإطلاق الفلسطينيين باتجاه الأراضي المصرية بطريقة تظهر أنها "عفوية".

الاستفادة من الزخم الأوروبي

وبالنظر إلى الموقف الأوروبي الرافض من الأساس لتهجير الفلسطينيين، برز التساؤل بشأن لماذا أثارت القاهرة مسألة الربط بين تهجير الغزيين والهجرة لشمال المتوسط؟ وهو ما أجاب عنه الأكاديمي في مجال الاتصال السياسي، حسام فاروق، قائلاً لـ"اندبندنت عربية" إن الأسابيع الماضية شهدت زخماً أوروبياً مناصراً للقضية الفلسطينية، من خلال إعلان عديد من الدول الأوروبية عزمها الاعتراف بدولة فلسطين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن بينها بريطانيا وفرنسا والبرتغال وغيرها، بالتالي يبدو أن مصر رأت أن الأجواء مواتية لكسب مزيد من الدعم السياسي لموقفها المناهض لمخططات التهجير، وبما يقطع الطريق على تحركات نتنياهو الأخيرة لدفع أهالي غزة خارج القطاع، ويشكل مزيداً من الضغط السياسي على تل أبيب التي تواجه سخطاً دولياً متزايداً إزاء الكارثة الإنسانية في غزة، وهو ما ترجم في القرار الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أيّد حل الدولتين بغالبية ساحقة.

ويرى فاروق أن القاهرة تدرّجت في التعامل مع ملف التهجير بدءاً من إعلان موقف سياسي واضح بأنه يشكل "خطاً أحمر"، ثم حاولت استمالة الرأي العام الدولي، بخاصة الأميركي بتقديم بديل يضمن مستقبل آمن لغزة بعد الحرب، وهي خطة التعافي وإعادة الإعمار، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل واصلتا الحديث عن إخراج الفلسطينيين من أراضيهم.

وفي مطلع الشهر الجاري، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن خطة متداولة داخل إدارة ترمب لنقل سكان غزة وإعادة بنائه منتجعاً سياحياً ومركزاً صناعياً. وقالت الصحيفة إن مليوني فلسطيني سيغادرون "موقتاً" إما خارج القطاع أو لمناطق محظورة داخله، مع منح كل مالك أرض يغادر غزة 5 آلاف دولار نقداً ودعماً مالياً وغذائياً، وهو ما يتوافق مع تصريحات ترمب في فبراير (شباط) الماضي حول إدارة الولايات المتحدة للقطاع وإعادة بنائه ليكون "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد إعادة توطين السكان الفلسطينيين في أماكن أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير