Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جزر إسرائيلي في الكونغرس... فهل يقابله مد مصري مضاد للتهجير؟

تصريحات ترمب سلّطت الضوء على تراجع تل أبيب في أوساط السياسة الأميركية وخبراء يعتبرونها "فرصة إستراتيجية"

قال ترمب إن إسرائيل لم تعد تملك النفوذ ذاته في الكونغرس (رويترز)

ملخص

يرى محللون أن الانقسام المتزايد حول إسرائيل في الولايات المتحدة يمكن أن تستثمره مصر وتغذي فكرة أن إسرائيل "قد تجاوزت حدودها"، حتى لدى المؤيدين التقليديين لتل أبيب. فهل تتحرك القاهرة وتستغل فرصة الانقسام؟

منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة قبل نحو عامين وجدت مصر نفسها في مواجهة مع إسرائيل عنوانها الدبلوماسية، وعتادها الأهمية الإستراتيجية التي تمثلها القاهرة لحليفتها الولايات المتحدة، في مجابهة تيار الدعم المطلق الأميركي لتل أبيب، إذ لم تعد مصر وسيطاً للسلام بل أصبحت مهددة بدعوات حكومة بنيامين نتنياهو لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، وهو ما تعتبره القاهرة "خطاً أحمر"، لذلك حين أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تراجع تأثير إسرائيل في دوائر السياسة الأميركية برز التساؤل في شأن كيف يمكن لمصر استغلال ذلك لكسب مزيد من الدعم لموقفها المناهض للتهجير، بما قد يغير رؤية ترمب في شأن تحويل غزة إلى "ريفييرا المتوسط" بعد تهجير سكانها.

وفي تصريح مفاجئ، اعترف ترمب أن إسرائيل "لم تعد تملك النفوذ ذاته في الكونغرس"، بعدما كانت تملك اللوبي الأقوى في المجلس "أقوى من أية شركة أو دولة أو جهة"، حسب تعبيره في مقابلة مع موقع "ديلي كولر" أخيراً، مضيفاً أن إسرائيل "تتعرض للأذى" بسبب خسارتها على مستوى العلاقات العامة، حتى وإن كانت تكسب الحرب، مشيراً إلى أن بعض الساسة الديمقراطيين جعلوا انتقاد إسرائيل "أمراً مسموحاً سياسياً خلافاً للماضي".

تناقص شعبية إسرائيل

حديث ترمب جاء مستنداً إلى كثير من المؤشرات على تدني شعبية إسرائيل في الأوساط السياسية الأميركية، بما في ذلك الحزب الجمهوري، إذ انتقدت عضو مجلس النواب الجمهورية مارجوري تايلور غرين الصمت على تمويل دافعي الضرائب "الإبادة الجماعية" التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة، في إشارة إلى الدعم العسكري الأميركي لتل أبيب المقدر بـ3.8 مليار دولار سنوياً، وتعتبر غرين أول عضو جمهوري في الكونغرس يصف ما يقع في غزة بـ"الإبادة الجماعية"، كذلك دعا عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري توماس ماسي، إلى وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل بسبب تزايد الضحايا المدنيين في غزة.

حتى داخل حركة MAGA (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً) التي أطلقها ترمب تصاعدت الأصوات الداعية للابتعاد عن الأجندة الإسرائيلية، ومن أبرزها مستشار ترمب في ولايته الأولى ستيف بانون، الذي اتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بمحاولة اختراق حركة أميركا أولاً وتحويل أموال دافعي الضرائب لخدمة أجندته الخاصة، معرباً عن رفضه إعطاء واشنطن شيكاً على بياض لقادة دول "تابعة" مثل إسرائيل حسب وصفه، كما وصف المذيع في شبكة "فوكس نيوز" الداعم البارز لحركة MAGA، مارك ليفين، إسرائيل بأنها "محمية" من جانب الولايات المتحدة، ولا يمكنها أن تتخذ القرارات أو تحدد السياسات.

وفي يوليو (تموز) الماضي، أيّد 27 عضواً في الكونغرس من أصل 100 مشروع قانون يدعو إلى وقف مبيعات بعض الأسلحة لإسرائيل، وعلى رغم عدم إقرار القانون لكنه أوضح تزايد رفض الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة.

ترى المحللة السياسية الأميركية، جينجر تشابمان، أن الانقسام المتزايد حول إسرائيل في الولايات المتحدة يمكن أن تستثمره مصر وتغذي فكرة أن إسرائيل "قد تجاوزت حدودها"، حتى لدى المؤيدين التقليديين لتل أبيب، كما يمكن للقاهرة أن تسلط الضوء على الكلف الباهظة التي من المرجح أن يتحملها دافعو الضرائب الأميركيون نتيجة استمرار دعمهم للسياسة الإسرائيلية، ومع قلق كثير من الأميركيين إزاء ديون البلاد الضخمة، قد يُسهم هذا في ترجيح كفة الرأي العام الأميركي بعيداً من الدعم المالي لإسرائيل.

وقدّر معهد ستوكهولم الدولي للأبحاث حجم المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل بين اندلاع الحرب ونهاية العام الماضي بنحو 22 مليار دولار، وفق ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.

وقالت تشابمان لـ"اندبندنت عربية" إن هناك فرصة أيضاً لتذكير الشعب الأميركي بأنه يبدو أن إسرائيل تُسيّر السياسة الخارجية الأميركية، موضحة أنه إذا اقتنع مزيد من الأميركيين بأن الرئيس الذي انتخبوه هو في الواقع تابع لإسرائيل، فقد يُطلب من الرئيس ترمب إظهار استقلاليته عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لوبي مصري

طبيعة التحركات التي من الممكن أن تقوم بها مصر لاستثمار التراجع الإسرائيلي أوضحها مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير فوزي العشماوي، قائلاً إن توسيع الحضور المصري قد يجري سواء عبر السفارات أو شركات العلاقات العامة المتخصصة أو من خلال اتصالات مباشرة مع المشرعين الأميركيين المؤثرين، مشيراً إلى أن المجتمع الأميركي، باعتباره مجتمعاً مفتوحاً، يسمح بتكوين جماعات ضغط "لوبيات" لها تأثير حقيقي في صناعة القرار، ومصر تمتلك خبرة واسعة في التعامل مع هذا النمط السياسي، مؤكداً أن الوقت الحالي هو الأنسب لتوسيع هذا الحضور.

وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية"، وصف العشماوي المرحلة الحالية بأنها تمثل "فرصة إستراتيجية" لمصر، لتعزيز حضورها داخل الأوساط السياسية الأميركية، خصوصاً في ملف رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وأضاف أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول تراجع النفوذ الإسرائيلي تشير إلى حالة "جَزْر سياسي" تشهدها إسرائيل داخل الولايات المتحدة، يمكن البناء عليها لصياغة رأي عام أميركي مضاد للسياسات الإسرائيلية ومؤيد للرؤية المصرية.

وأشار العشماوي إلى أن بعض الأصوات داخل المجتمع اليهودي الأميركي بدأت تشعر أن السياسات الإسرائيلية الحالية قد تؤدي إلى خسارة المشروع الصهيوني ذاته، مما يعكس تغيراً في المزاج العام تجاه تل أبيب، لافتاً إلى وجود تحرك إسرائيلي مضاد، بعد الكشف عن توقيع تل أبيب عقداً بقيمة 45 مليون دولار مع شركة "غوغل"، للترويج لسرديتها في الإعلام الرقمي، مؤكداً في المقابل أن الدول العربية تملك وفرة مالية وإعلامية، لكنها غير قادرة على استثمارها بفاعلية بسبب غياب الصورة الموحدة والرسالة السياسية الجامعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن تراجع تأييد إسرائيل لا يقتصر على نخبة واشنطن، بل امتد أيضاً إلى الأوساط الشعبية وبخاصة بين الشباب، وهو ما أظهره استطلاع مركز "بيو" للرأي العام بارتفاع الآراء غير الإيجابية تجاه إسرائيل من 42 في المئة عام 2022 إلى 53 في المئة مارس (آذار) الماضي، كما أشار استطلاع لمعهد بروكينغز إلى أن 84 في المئة يؤيدون وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة، ويؤيد مواقف نتنياهو 27 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع، وهو ما يضاف إلى مشاهد الاحتجاجات التي شهدتها الجامعات الأميركية العام الماضي.

وتشير تشابمان إلى وجود اختلاف بين جيلين في شأن إسرائيل، فالأكبر سناً لا يزالون يحتفظون بالتعاطف معها، بينما الشباب الذين يتابعون بثاً حياً لعملية قتل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لديهم شعور متزايد بالغضب تجاه إسرائيل.

كذلك، أكد الأكاديمي المصري في العلاقات الدولية، أشرف سنجر، لـ"اندبندنت عربية" أن السياسة الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تشهد تحولات ملحوظة، وبخاصة في أوساط الشباب الأميركي، حيث بدأت تتغير نظرتهم إلى السياسات الإسرائيلية، معتبرين أنها تتسم بعمليات "قتل وتطهير ديني وعرقي"، حسب ما أظهرت آخر استطلاعات الرأي للفئة العمرية من 35 سنة فأقل.

وأضاف سنجر، المقيم في الولايات المتحدة، أن النفوذ الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة يشهد تراجعاً، خصوصاً في أوساط الحزب الجمهوري، مشيراً إلى أن الصوت اليهودي الأميركي بات أكثر انتقاداً لإسرائيل، وهو ما يثير قلق الأوساط السياسية في تل أبيب، وبخاصة مع تزايد الانتقادات من شخصيات يهودية بارزة مثل جيفري ساكس وتوماس فريدمان.

هل يغير ترمب سياسته؟

الباحث السياسي الأميركي دينيس جاف، قال إن إسرائيل فقدت التعاطف الكبير الذي اكتسبته نتيجة أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مرجعاً ذلك إلى رد الفعل "غير المتناسب" الذي قامت به ضد المدنيين الأبرياء في غزة، مؤكداً صحة حديث ترمب عن فقدان تل أبيب نفوذها جزئياً في أميركا.

وأضاف جاف لـ"اندبندنت عربية" أن تغيير سياسة الولايات المتحدة لا يمكن التصور أن يحدث بسرعة، لكن تزايد انتقاد إسرائيل يمكن استغلاله من جانب داعمي فلسطين على الصعيد الإعلامي عبر رسائل إعلامية باللغة الإنجليزية توجه إلى المجتمع الأميركي، مما يزيد من الضغط الواقع على تل أبيب.

كما أوضح أن أعضاء إدارة ترمب ذوي الأصول العربية يستطيعون التأثير في الرئيس وإيصال الرسائل له، مثل مستشاره للشؤون الأفريقية مسعد بولس (لبناني الأصل)، والمرشحة السابقة لمنصب الجراح العام، جوليا نشيوات (أردنية الأصل)، ورئيس لجنة العرب الأميركيين بشارة بحبح (فلسطيني الأصل)، ومفوض الغذاء والدواء مارتن عادل مكاري (مصري الأصل).

جاف، وهو يهودي أميركي، قال إنه كان مؤيداً بشدة لإسرائيل وأصبح الآن ينتقدها، لأن نتنياهو ينتهك القيم اليهودية على حد قوله، من خلال ارتكاب "الفظائع" في غزة والمبالغة في الرد على أحداث السابع من أكتوبر، مشيراً إلى أن بعض كبار الساسة اليهود الأميركيين مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، يعارضون بقاء نتنياهو ويدعون إلى انتخابات في إسرائيل، مشيراً إلى أن هناك فرصة للدول الداعمة للفلسطينيين، للعمل على تشجيع الأصوات المناهضة لنتنياهو سواء في السياسة الأميركية أو داخل إسرائيل، وبخاصة أن نتنياهو كان يواجه بمعارضة داخلية شديدة قبل الهجوم على جنوب إسرائيل قبل عامين.

لكن إلى أي مدى يمكن لتغير المزاج الأميركي تجاه إسرائيل أن يغير من سياسة ترمب إزاء حكومة نتنياهو، وبخاصة في قضية التهجير؟ السفير فوزي العشماوي شكك في أن يكون دعم ترمب لنتنياهو "دعماً مطلقاً"، مشيراً إلى أن "ترمب لا يؤيد سوى نفسه، وقد يغيّر موقفه إذا شعر أن إسرائيل أصبحت عبئاً على مستقبله السياسي، خصوصاً إذا أثّرت في قاعدته الانتخابية"، ولفت إلى أن تمسك ترمب بفكرة التهجير شهد تغيراً، حيث خفتت لهجته بعد الموقف الحاسم لمصر وبعض الدول العربية الرافض لهذه السياسة، ثم عادت للظهور لاحقاً، مما يؤكد أن مواقفه قابلة للتبدل حسب الظروف السياسية.

بدوره، أكد الأكاديمي أشرف سنجر أن القاهرة بنت إستراتيجيتها على أساس أن الولايات المتحدة وسيط نزيه في التعامل مع القضية الفلسطينية، لكنه أبدى تشككه في استمرار هذا الدور مع تفاقم الأوضاع، مشيراً إلى أن القاهرة ثابتة في موقفها الرافض لأي سيناريو لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، موضحاً أن القاهرة تتحرك بقوة في المحافل الدولية لكبح أية محاولة لفرض تلك المخططات، مستفيدة من أصوات متزايدة داخل الكونغرس الأميركي.

وفي حين تستبعد المحللة الأميركية جينجر تشابمان أن "يتحرر" ترمب من نفوذ إسرائيل أو أن تدين واشنطن حليفتها تل أبيب، فإنها تشير إلى أن تغير السياسة الأميركية قد ينعكس في إجراءات مثل الامتناع عن التصويت ضد القرارات التي تدين إسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بدلاً من استخدام حق النقض "الفيتو" مرات عدة منذ بداية الحرب في غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير