ملخص
أمن أوكرانيا لن يتحقق إلا عبر دعم أوروبي فعّال ومستدام عسكرياً ومالياً، مع دمجها تدرجاً في الاتحاد الأوروبي و"الناتو"، لأن قوتها وسيادتها تمثل خط الدفاع الأول عن أوروبا في مواجهة الطموحات الروسية لتقويض النظام الأمني لما بعد الحرب الباردة.
في الأسابيع التي تلت اجتماع القمة في ألاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، اتضح أمران. الأول وهو أن إقناع روسيا بإنهاء الحرب هو أصعب بكثير مما توقعه ترمب. فبعد أيام من اجتماعه مع بوتين، شنت روسيا واحدة من كبرى الهجمات على الإطلاق ضد كييف، مستخدمة ما يقارب 600 طائرة مسيرة وعشرات الصواريخ، وفي السابع من سبتمبر (أيلول) الجاري، شنت هجوماً أكبر بالمسيرات والصواريخ، استهدف للمرة الأولى مبنى حكومياً رئيساً في العاصمة. أما الثاني، فهو أن توفير ضمانة أمنية لأوكرانيا بعد وقف إطلاق النار، التي كثيراً ما أصرت عليها كجزء من أي حل للحرب، قد أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. فعلى رغم أن وصول كييف إلى أقصى درجات الأمن يعتمد على احتفاظها بجيش قوي وقادر، فإنه يجب طمأنة أوكرانيا أيضاً بأن الدول الأوروبية والولايات المتحدة تدعمها، ويجب أن تقتنع موسكو بأن استئناف الحرب بأي شكل سينطوي على صراع مع دول حلف شمال الأطلسي "الناتو".
إن أفضل وأقوى ضمانة لأمن أوكرانيا هي عضوية حلف "الناتو"، لكن ترمب استبعد ذلك. كما ذكرت إدارته أنه يتعين على أوروبا، وليس الولايات المتحدة، أن تتحمل العبء الرئيس لأية ضمانات، رافضة التعهد بأي شكل محدد من أشكال التدخل الأميركي. وقد دفع هذا القادة الأوروبيين إلى الإسراع في وضع صيغة يمكن أن توفر ما هو مطلوب. وقد اتخذت خطوة أساسية في سبتمبر، عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن 26 من الحلفاء الغربيين مستعدون لدعم أوكرانيا "براً وبحراً وجواً" بمجرد توقف القتال. بيد أن تفاصيل هذه المساهمات لا تزال غامضة، بالنظر إلى أن بريطانيا وإستونيا وفرنسا وليتوانيا فقط هي التي تعهدت علناً حتى الآن بنشر قوات على الأرض في أوكرانيا.
يتمثل المأزق الذي تواجهه أوروبا حالياً في كيفية ترجمة تصميمها على طمأنة أوكرانيا إلى واقع ملموس. وفي سبيل تحقيق ذلك، سيتحتم على القادة الأوروبيين التأكد من أن تكون القوات الأوكرانية قوية وقادرة حسب المستطاع، والاستفادة من إمكانات حلف شمال الأطلسي بغية تقديم الدعم لتلك القوات، حتى لو كان حصول أوكرانيا على العضوية الكاملة لـ"الناتو" غير وارد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ينبغي على الزعماء الأوروبيين أن يتقبلوا الوضع الحالي، أي إنهم سيعولون على قدراتهم وحدها عندما يتعلق الأمر بتقديم ضمانات أمنية ملموسة لأوكرانيا. ستكون أية إسهامات أميركية ضئيلة في أحسن الأحوال. إن دعم الجيش الأوكراني ونشر قوات كبيرة في أوكرانيا وحولها كجزء من عملية لحلف شمال الأطلسي يوفران أفضل طريقة من أجل طمأنة كييف بأن التزامات أوروبا تجاهها حقيقية. لن يكون هذا سهلاً، غير أن القيام بذلك ضروري بغية وضع مسار موثوق نحو إنهاء الحرب وضمان أمن أوكرانيا. وفي نهاية المطاف، فإن أوكرانيا القوية والحرة والمستقلة تعتبر شرطاً أساساً من أجل حماية أمن أوروبا.
الحصن الفولاذي
من أجل تطوير ترتيبات أمنية فعّالة وطويلة الأمد لأوكرانيا يجب على القادة الأوروبيين أن يركزوا على ثلاثة عناصر مكملة. أولاً، ينبغي عليهم أن يدركوا أهمية جيش أوكرانيا الكبير والالتزام الاستثنائي لشعبها بالحفاظ على سيادتها واستقلالها. وتُشكّل هذه القوى جوهر قدرة أوكرانيا على تحقيق أمنها، وتتطلب دعماً أوروبياً مستداماً مع مرور الزمن. ثانياً، يجب على الدول الأوروبية أن تكون على استعداد لنشر قوات برية وجوية وبحرية كبيرة في أوكرانيا وحولها بقصد مساعدة قواتها المسلحة في حال تجدد الهجوم عليها. ومن شأن هذا الالتزام أن يوجّه إشارة لا لبس فيها إلى روسيا مفادها أن أمن أوكرانيا يمثل خط الدفاع الأول بالنسبة إلى أوروبا. وأخيراً، لن يتحقق ضمان أمني حقيقي إلا عندما تُدمج أوكرانيا بالكامل في المؤسسات الأوروبية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وفي نهاية المطاف، بحلف "الناتو".
إن أي اتفاق مع روسيا لإنهاء الحرب يجب أن يحافظ على هذه الركائز الثلاث. وهذا يعني أن اتفاق سلام لا يمكن أن يفرض أي قيود على القوات المسلحة الأوكرانية أو سيادتها واستقلالها. وعلاوة على ذلك، فإن نشر أية قوات أوروبية في أوكرانيا يجب أن يكون أمراً تقرره كييف وشركاؤها الأوروبيون، وليس موسكو. ولا يمكن أن يُسمح لروسيا بإبداء رأيها على الاطلاق في شأن تحالفات أوكرانيا الأمنية في المستقبل أو حول انضمامها إلى المؤسسات الأوروبية وغيرها. لا شك أن روسيا ستعترض بشدة على هذه المبادئ. إذ إن حرمان أوكرانيا من كل واحد من هذه العناصر الأمنية هو هدف أساس للحرب التي شنها الكرملين. ولهذا السبب، لا يبدو أن نهاية للقتال تلوح في الأفق حالياً. ولكن إذا استمرت التكاليف الاقتصادية والبشرية للحرب في الارتفاع، فقد تقرر أوكرانيا وروسيا وضع حد للقتال والموافقة على وقف إطلاق النار أو حتى على التوصل إلى هدنة أكثر رسمية. ولكن حتى في هذه الحال، يجب السعي إلى تحقيق كل واحد من هذه العناصر الثلاثة من أجل ضمان الأمن الأوكراني.
مع امتلاكها ما يقارب مليون جندي وخبرة قتالية هائلة، تُقدم أوكرانيا أقوى ضمانة أمنية لنفسها. ويتمثل التحدي الرئيس بالنسبة إلى أوروبا في تقوية دفاعات أوكرانيا بغية تحويلها إلى "حصن فولاذي"، كما أشارت كبيرة الدبلوماسيين الأوروبيين، كايا كالاس. بمعنى آخر، يجب أن تكون أوكرانيا قادرة على القيام بردّ قوي على أي عدوان روسي يستهدفها في المستقبل. ولبلوغ هذه الغاية، يجب على أوروبا مواصلة تزويد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، والطائرات المقاتلة، والصواريخ البعيدة المدى، التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها ضد قوة روسية أكبر. وعلى رغم أن إدارة ترمب قد أوضحت أنها لن تدفع بعد الآن نفقات الدفاع عن أوكرانيا، فإن الرئيس الأميركي قد رحّب بفكرة شراء الدول الأوروبية معدات أميركية نيابة عن أوكرانيا. وبعض أوائل المشتريات الرئيسة الجديدة، بما في ذلك ما اشترته ألمانيا والنرويج من أنظمة دفاع جوي إضافية من طراز باتريوت، ومشتريات الدنمارك وهولندا التي تقترب من 1000 صاروخ جو-أرض، هي حالياً في طريقها بالفعل إلى أوكرانيا.
كذلك سيكون الدعم المالي الأوروبي المستدام لصناعة الدفاع الأوكرانية مهماً أيضاً. ويمكن للصناعة الدفاعية الأوكرانية أن تعتمد على تاريخ طويل من الخبرة. فقد أدت أوكرانيا على امتداد عقود من الزمن دوراً محورياً في بناء آلة الحرب السوفياتية. وعلى رغم ضمور قطاع الدفاع الأوكراني بعد استقلال البلاد عام 1991، فإن الغزو الروسي الشامل عام 2022 قد أعاد تنشيط هذه القاعدة الصناعية مرة أخرى. في عام 2024، أنتجت أوكرانيا ما تقترب قيمته من 10 مليارات دولار من المعدات الدفاعية، ومن المتوقع أن يرتفع إجمال هذا الإنتاج بنسبة 50 في المئة أخرى لتصل قيمتها إلى 15 مليار دولار هذا العام. وقد أشار وزير الصناعة الإستراتيجية السابق الذي يشرف في الوقت الحالي على الصناعة الدفاعية في أوكرانيا، أوليكساندر كاميشين، إلى أن البلاد تتمتع بالقدرة الصناعية التي تؤهلها لإنتاج معدات دفاعية بقيمة 35 مليار دولار كل عام، لكنها تعاني نقصاً في التمويل. لذلك، يجب أن يكون توفير الموارد المالية اللازمة على رأس أولويات شركائها الأوروبيين.
بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من الحرب، أصبحت الصناعة الدفاعية الأوكرانية أكثر مرونة وكفاءة من نظيراتها الأوروبية والأميركية. خذ على سبيل المثال قذائف المدفعية. لا تزال الولايات المتحدة تكافح لكي تنتج مليون قذيفة في السنة، بينما أنتجت مصانع أوكرانيا 2.5 مليون قذيفة عام 2024، وهو رقم من المقرر أن يتزايد أكثر فأكثر هذا العام. لقد شهد تصنيع الطائرات المسيرة في أوكرانيا طفرة كبيرة أيضاً، إذ إنها أنتجت عام 2024 مليوني طائرة مسيرة بنظام الرؤية المباشرة، ومن المنتظر أن يصل هذا العدد إلى 5 ملايين مسيرة العام الحالي. إضافة إلى ذلك، حددت أوكرانيا هدفاً من أجل تصنيع 30 ألف مسيرة بعيدة المدى، و3 آلاف صاروخ كروز بعيد المدى، فضلاً عن مئات الصواريخ الباليستية الجديدة خلال العام المقبل أو نحو ذلك. وكانت للشركاء الأوروبيين إسهامات حاسمة في إحراز هذا التقدم. فقد أدت الصناعة الأوروبية دوراً بالغ الأهمية في تعزيز الإنتاج الدفاعي الأوكراني وذك عبر مشاريع مشتركة تُوفر المعرفة التكنولوجية. وأسهم التمويل الذي قدمته الحكومات والاتحاد الأوروبي في توسيع نطاق الإنتاج. ومن خلال دمج الصناعة الدفاعية الأوكرانية المتنامية في القاعدة الصناعية الدفاعية التي تتزايد في أوروبا، بمقدور الحلفاء الأوروبيين أن يساعدوا في بناء أسس متينة لأمن أوكرانيا على المدى الطويل.
القوات وعناصر المساندة
إضافة إلى دعم عملية بناء الموارد العسكرية لأوكرانيا، يتعين على الحلفاء الأوروبيين أن يتعهدوا بإرسال قواتهم الخاصة من أجل توفير أمن البلاد على المدى الطويل. ولدى أوكرانيا حالياً قوات مسلحة هي الأكبر على الإطلاق في أوروبا والتي صقلتها المعارك أكثر من أية قوات أخرى في القارة. وحجم قوتها يعني أن ردع روسيا عن استئناف الحرب - وتقديم الدعم لدفاع أوكرانيا حال أقدمت موسكو على ذلك - لن يتطلب نشر قوات أوروبية على نطاق واسع في الخطوط الأمامية الأوكرانية. بوسع أوكرانيا أن تعتمد على نفسها لتوفير معظم القدرات اللازمة. ومع ذلك، فإن توفير ضمانات أمنية تتسم بالصدقية، يقتضي من أوروبا أن تقدم التزاماً بإسهام قواتها الخاصة إسهاماً كبيراً من أجل دعم أوكرانيا والبقاء على استعداد للمساعدة في صدّ أي هجوم روسي عليها.
تستند هذه الصدقية إلى نشر القوات الأوروبية. ففي الأقل، تحتاج الدول الأوروبية إلى نشر أربعة ألوية قتالية، أي ما يقارب 20 ألف جندي، في أوكرانيا، بمن في ذلك مزيج من الألوية الميكانيكية وألوية المشاة. وينبغي أن تشمل هذه الوحدات دفاعات جوية متنقلة، وقدرات هجومية بعيدة المدى، وقوات ذات إمكانات حركية عالية مستعدة وقادرة على مواجهة القوات الروسية. إضافة إلى ذلك، ينبغي للقوات الجوية الأوروبية تخصيص ما لا يقل عن 10 أسراب من القوة الجوية القتالية، أي نحو 200 طائرة مقاتلة، بهدف تأمين سماء أوكرانيا وحماية القوات البرية من الغارات الجوية. وينبغي نشر وحدات بحرية أوروبية كبيرة في البحر الأسود من أجل تأمين ساحل أوكرانيا وخطوط الاتصال البحرية.
إن وجود قوات ضامنة على هذه الشاكلة من شأنه أن يمثل التزاماً كبيراً من جانب الدول الأوروبية. وقد تولت حتى الآن فرنسا والمملكة المتحدة زمام المبادرة لناحية التعهد بتقديم قوات، وانضمت إليهما الآن بعض دول البلطيق. غير أن دولاً أوروبية أخرى، بما في ذلك بولندا وألمانيا، كانت أكثر تردداً. وقد صرحت وارسو وبرلين بأنهما تريدان إبقاء تركيز القوات على المهمات الدفاعية الحالية، التي تشمل في حال ألمانيا النشر الذي سيصبح دائماً في وقت وشيك للواء قتالي في ليتوانيا. إن من الممكن تفهم هذه المخاوف ولكنها قصيرة النظر. إذا كان أمن أوكرانيا ذا أهمية وجودية حقيقية بالنسبة إلى أوروبا، مثلما يُصرّ الزعماء الأوروبيون بصورة صائبة، وإذا كانت أوكرانيا تمثّل خط الدفاع الأول للقارة، فإن ضمان أمن أوكرانيا هو أهم إسهام يُمكن أن تُقدّمه ألمانيا وليتوانيا وبولندا، وحتى أوروبا بأكملها. ينبغي على القادة الأوروبيين إدراك أن نشر قوات في أوكرانيا سيكون وسيلة أفضل للإسهام في تعزيز الأمن الوطني والإقليمي من إبقاء هذه القوات في الداخل.
يجب إقناع موسكو بأن استئناف الحرب بأي شكل سينطوي على صراع مع دول حلف "الناتو"
منذ بدأ هذا النقاش في فبراير (شباط) الماضي، شدد القادة الأوروبيون على أهمية دعم الولايات المتحدة أية عمليات نشر أوروبية للقوات وتوفير شكل من أشكال "المساندة" لهذه العمليات. تملك الولايات المتحدة بعض القدرات، لا سيما في مجالي الاستخبارات والاستطلاع، التي تفتقر إليها الدول الأوروبية وهي ستكون ضرورية لنجاح الدفاع الأوكراني. وفضلاً عن ذلك، إذا تمددت الحرب من أوكرانيا إلى دولة مجاورة من أعضاء "الناتو"، يكاد يكون من المؤكد أن الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في الحلف سيضطرون إلى التدخل.
ونظراً إلى وجود خطر تمدد أي عدوان على أوكرانيا إلى أراضي "الناتو"، يجب أن تكون عمليات نشر القوات الأوروبية في أوكرانيا بقيادة "الناتو"، أي أن تكون مخططة، ومعتمدة، وموجَّهة من قِبل الحلف. ولا يمنع ذلك حقيقة أن أوكرانيا ليست عضواً فيه، كما لا يشترط مشاركة جميع أعضاء الحلف. وقد استعمل "الناتو" في العقود الأخيرة بعثات عدة لم يعتمد في نشر أي منها على المادة الخامسة، بما في ذلك في أفغانستان والبلقان وليبيا والعراق. ففي ليبيا، على سبيل المثال، وافق حلف "الناتو" على إطلاق عملية جوية وبحرية لحماية المدنيين الذين استهدفهم الجيش الليبي ولفرض حظر على الأسلحة. وعلى رغم أن المهمة كانت تابعة لـ"الناتو"، فإن نصف أعضاء المنظمة فقط أسهموا بمعدات وقطع بحرية وجوية. وقد اقتصرت مشاركة الولايات المتحدة على تقديم القدرات التي تستطيع أميركا وحدها توفيرها، وهي بصورة رئيسة إعادة التزود بالوقود والمعلومات الاستخباراتية. ويمكن لبعثة طمأنة أوكرانيا أن تعمل بالمثل تحت مظلة "الناتو"، بمشاركة قوات من دول الحلف ودول أخرى.
وقد تقرر الولايات المتحدة عدم الإسهام في مثل هذه الحملة، أو قد تكتفي بتقديم مساعدة محدودة، مثل الدعم الاستخباراتي وتعزيز الدفاع الجوي. في الوقت نفسه، ستُتيح عملية تابعة لـ"الناتو" لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 32 دولة الوصول إلى رؤية واضحة للمهمة. ومن شأنها أيضاً أن تعزز الردع من خلال التوضيح لروسيا أنه في حال تمدد الحرب بأي شكل إلى أراضي "الناتو"، سيكون من المحتمل تماماً أن يلجأ أعضاء الحلف إلى المادة الخامسة ويدافعون عن الحليف.
مستقبل أوروبا يلفه الغموض
في نهاية المطاف، أفضل ضمانة لأمن أوكرانيا هي اندماجها في المؤسسات الأوروبية الأطلسية، بما يجعل أمنها غير قابل للتمييز عن أمن الدول الأوروبية الأخرى مثل ألمانيا وبولندا وإسبانيا. وتمضي كييف بسرعة في مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن استكمال هذه المسيرة سيتطلب إصلاحات بعيدة المدى إضافية. أما بالنسبة إلى "الناتو"، فقد وعد أعضاؤه منذ عام 2008 بأن أوكرانيا "ستصبح عضواً"، وأعلنوا العام الماضي أن أوكرانيا تسير في "مسار لا رجعة فيه" نحو الانضمام إلى الحلف. وعلى رغم أن انضمامها تعرقل بفعل تردد بعض الأعضاء، بما فيهم الولايات المتحدة، فإن أوكرانيا حرّة ومستقلة ينبغي أن تكون عضواً في "الناتو".
وبالطبع، لن يكون الانضمام ممكناً ما دامت الحرب مستمرة، لكن غياب سلام متفاوض عليه بالكامل لا ينبغي أن يشكل عائقاً أمام عضوية أوكرانيا. ففي عام 1955، انضمت ألمانيا الغربية إلى "الناتو" حتى مع استمرارها في المطالبة رسمياً بألمانيا الشرقية. وقد أوضح أعضاء حلف "الناتو" أن التزامهم الأمني يقتصر على ألمانيا الغربية فقط، ولا يشمل الشرقية. وبالمثل، يمكن أن تنطبق شروط عضوية أوكرانيا فقط على الأراضي الخاضعة لسلطتها الإدارية، وليس على الأراضي التي ستبقى تحت الاحتلال، مع تفهم واضح بأن "الناتو" لن يتدخل في أية عملية عسكرية لاستعادة تلك الأراضي المحتلة.
إن حرب روسيا ضد أوكرانيا لها أهداف أوسع نطاقاً بكثير من إخضاع دولة مستقلة. فهي ترى الحرب كخطوة أولى نحو تفكيك تسوية ما بعد الحرب الباردة التي جلبت الأمن والازدهار لمئات الملايين من الأوروبيين ممن عاشوا طويلاً تحت نير هيمنة موسكو. ولذا، فإن أوكرانيا تقف على الخطوط الأمامية ذات طابع وجودي أكبر. إن السلام والأمن لجميع الأوروبيين، والأميركيين أيضاً، يستدعي وجود أوكرانيا آمنة مستقلة تتمتع بالسيادة. بيد أن الأمر متروك اليوم لأوروبا في ما إذا كانت تمتلك الحكمة والإرادة لتحقيق ذلك الهدف.
إيفو دالدر باحث بارز في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد، وقد شغل منصب السفير الأميركي لدى حلف "الناتو" بين عامي 2009 و2013.
مترجم عن "فورين أفيرز"، 10 سبتمبر) أيلول) 2025