Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد تأجيل دام 23 عاما... لبنان "ينظّم" قطاعي الكهرباء والاتصالات

المجتمع الدولي يشترط ربط أي دعم مالي بوقف الفساد والهدر وتفعيل الحوكمة

قطاع الكهرباء راكم عجزاً بمليارات الدولارات منذ التسعينيات (غيتي)

ملخص

يشكل تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات في لبنان بعد عقدين من التعطيل محطة مفصلية بين وعود الإصلاح وواقع الأزمات المتراكمة. فالقرار يعكس ضغوطاً داخلية وخارجية تشترط ربط أي دعم مالي أو استثماري بتفعيل الحوكمة وفصل السياسة عن الإدارة. على الورق، تَعِد هذه الهيئات بإنهاء تضارب الأدوار بين المنظم والمشغل، وتعزيز الشفافية والمنافسة، وحماية المستهلك، وفتح الباب أمام استثمارات خاصة في الطاقة المتجددة والاتصالات الحديثة، غير أن التحديات لا تقل خطورة: خطر التسييس وضعف الموارد وتنازع الصلاحيات وانعدام الثقة الشعبية ما لم تلمس العائلات تحسناً فعلياً في الكلفة والخدمة.

يجد لبنان نفسه اليوم على مفترق طرق حاسم، فإما أن يشق طريقاً جدياً نحو الإصلاح الاقتصادي والحوكمة الرشيدة، وإما أن يستمر في الدوران داخل الحلقة المفرغة من الانهيار والعجز. خطوة تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات قد تبدو للوهلة الأولى إنجازاً مؤسساتياً متأخراً، لكنها في الواقع تشكل اختباراً مصيرياً لصدقية الدولة أمام مواطنيها كما أمام المجتمع الدولي. فالعالم، من صندوق النقد إلى الشركاء الأوروبيين والعرب، لم يعد يمنح لبنان صكوك دعم مجانية، بل يشترط تغييرات ملموسة في الأداء السياسي والاقتصادي، تبدأ بوقف مزاريب الهدر والفساد التي استنزفت الخزانة، وتمر بإعادة الاعتبار لدولة القانون والمؤسسات، وتنتهي بترسيخ الشفافية في إدارة القطاعات الحيوية.

إن أي برنامج مساعدات أو حزمة تمويل لن ترى النور قبل أن يثبت الحكم في لبنان أنه قادر على تحويل الشعارات إلى وقائع، وعلى فصل السياسة عن الإدارة، وعلى منح الهيئات المستقلة استقلالية حقيقية تضمن المنافسة العادلة وحماية المستهلك. لذلك، يشكل هذا التعيين بداية طريق لا نهاية مسار، فإن ترافقت الخطوة مع إرادة سياسية صلبة وإجراءات عملية لردم فجوات الفساد والهدر، يكون لبنان قد فتح الباب أمام انطلاقة جديدة، أما إذا بقيت محاصصة مموهة أو محاولة لامتصاص الضغوط، فلن يكون أمام البلد سوى مزيد من الانحدار وفقدان ما تبقى من ثقة الداخل والخارج.

 

فبعد أكثر من عقدين من التعطيل، حسم مجلس الوزراء اللبناني في جلسته بتاريخ الـ11 من سبتمبر (أيلول) الجاري ملف تعيين أعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء والهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات. جاء القرار في وقت يرزح البلد تحت تخلف رقمي واضح وتراجع حاد في خدمات الاتصالات، وفي ظل استمرار انهيار أزمة الكهرباء. وبين من يراها خطوة إصلاحية مفصلية طال انتظارها، ومن يخشى أن تتحول إلى واجهة شكلية تدار بمنطق المحاصصة، تطرح لحظة التعيين أسئلة صريحة، وهي هل نحن أمام بداية تغيير في قواعد اللعبة؟ أم أمام استجابة ظرفية لامتصاص ضغوط الداخل والخارج؟

قوانين منذ عام 2002 بلا تطبيق

القانونان المرجعيان معروفان منذ مطلع الألفية... القانون 462/2002 الذي ينشئ هيئة ناظمة للكهرباء تتمتع باستقلال إداري ومالي وفني، والقانون 431/2002 الذي ينشئ هيئة ناظمة للاتصالات، هدفها تحرير القطاع وتنظيمه وفصل دور الدولة كمنظم عن دورها كمشغل. كان إنشاء الهيئات مطلباً ثابتاً للمانحين الدوليين منذ مؤتمر "باريس 1"، وتكرس لاحقاً في كل مفاوضات الدعم (ومنها مؤتمر سيدر وصندوق النقد والبنك الدولي). لكن الواقع مضى في اتجاه آخر، وهو احتفاظ الوزارات بالصلاحيات، وإبقاء مؤسسة كهرباء لبنان و"أوجيرو" وشركتا الخلوي تحت وصاية شبه مطلقة، والتذرع دائماً بتعديلات يجب أن تسبق التعيين.

في الكهرباء تعاقبت فرق سياسية على الوزارة لعشرات السنوات مع نزوع دائم لتوسيع صلاحيات الوزير وتقليص صلاحيات الهيئة، مما عطل صدور المراسيم التطبيقية ودفن الفكرة عملياً. وفي الاتصالات، بقيت الدولة اللاعب المهيمن عبر "أوجيرو" و"ألفا" و"تاتش" بعقود موقتة، فتلاشت الحدود بين المنظم والمشغل، وتشظت المسؤولية وانعدمت المنافسة. هكذا، ترسخ فراغ تنظيمي فتح أبواب الهدر والزبائنية، وترك البلد يتراجع عاماً بعد عام في المؤشرات، حتى هبط ترتيب لبنان إلى حدود 196 من أصل 200 في سرعة الإنترنت بأحد التصنيفات، فيما تتقدم المنطقة بخطى ثابتة نحو الجيل الخامس والتحول الرقمي.

تخلف "رقمي"

لم يكن التعطيل مجرد مسألة مؤسساتية. في الكهرباء تراكم العجز بمليارات الدولارات منذ التسعينيات وتحول القطاع إلى عبء مالي مزمن على الخزانة وعلى العائلات معاً. لم تبن معامل جديدة بصورة مستدامة، واستعيض عن التخطيط بعقود موقتة وبواخر وحلول ترقيعية، وارتفعت خسائر الشبكة، وتعمق اعتماد الناس على المولدات، وصارت فاتورة الكهرباء تزاحم الغذاء والدواء في أولويات الأسر. وفي الاتصالات، أدى غياب المنافسة والحوكمة إلى بطء مزمن في الشبكات، وارتفاع غير متناسب في الأسعار خلال سنوات الانهيار، وإضرابات وأعطال متكررة في السنترالات، وصولاً إلى انقطاعات واسعة جنوباً خلال فترات التوتر. كل ذلك ضرب الاقتصاد الرقمي، وأضعف بيئة الشركات الناشئة، وعمق الفجوة الرقمية بين لبنان وجواره.

 

سياق داخلي وضغط خارجي

داخلياً، جاء التعيين في ظل حكومة الرئيس نواف سلام ومع رئيس للجمهورية هو جوزاف عون، وفي مناخ سياسي أعلن صراحة الحاجة إلى نقل الإصلاح من خانة الشعارات إلى التنفيذ. خارجياً، كانت الرسائل أوضح من أي وقت مضى... لا دعم بلا حوكمة. صندوق النقد والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي واللجنة الخماسية العربية ربطت أي تقدم مالي وطاقوي ورقمي بتفعيل الهيئات المستقلة وفصل السياسة عن التنظيم. كذلك، فرضت ملفات استثمارية داهمة، من الطاقة المتجددة والغاز البحري إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، وجود جهة تنظيمية ذات صدقية قادرة على إعطاء التراخيص وضبط المنافسة وحماية المستهلك.

ولم يكن عبثاً أن تقترن التعيينات بموافقة الحكومة على ترخيص "ستارلينك" لتقديم الإنترنت الفضائي في لبنان، وتكليف الهيئتين بمتابعة تنظيم هذه الخدمة الجديدة، إشارة عملية إلى أن الباب يفتح أمام تقنيات غير أرضية لسد فجوات التغطية والسرعة، ولكن تحت مظلة تنظيمية تمنع الفوضى وتراعي قواعد السوق العادلة.

من هم المعينون؟

في الهيئة الناظمة للكهرباء، سمي محمد مروان جمال رئيساً، ودانيال جحا وسورينا مرتضى وهنري ضاهر وزياد رحمة أعضاء. التشكيلة تميل إلى الخبرات الاختصاصية لا الوجوه السياسية. يعرف جمال بخبرة تنظيمية دولية، منها عمله مديراً للشؤون القانونية والتنظيمية في مكتب تنظيم الكهرباء والمياه في دبي، وهو خبير معتمد في تنظيم الطاقة، إشارة إلى نزوع واع لرفد الهيئة بالعصب الفني لا بالولاءات.

وفي الهيئة الناظمة للاتصالات، تولت جيني الجميل رئاستها، ومعها كأعضاء هيثم سرحال ومحمد أيوب ورجاء الشريف وديانا بو غانم. الجميل استشارية أولى في "أوجيرو" ورئيسة قسم الإحصاء والتدقيق فيها، وأستاذة جامعية تحمل دكتوراه في إدارة الأعمال ودراسات عليا في الرياضيات وعلوم الحاسوب من فرنسا، مزيج بين الإدارة والتحليل الكمي يحتاج إليه جهاز تنظيمي يتعامل مع طيف واسع من السياسات التقنية مثل طيف الترددات والترقيم وجودة الخدمات والمنافسة والتسعير.

فصل السياسة عن الإدارة

في الكهرباء يعيد القانون 462 رسم الأدوار. فالسياسة العامة عند الوزارة ومجلس الوزراء، أما التراخيص وضبط المنافسة ومراقبة الجودة واقتراح التعرفة وحماية المستهلك فعند الهيئة. عملياً، يعني ذلك نقل قرارات مفصلية طالما احتكرها الوزراء إلى جهة مستقلة تضع قواعد اللعبة وتراقب حسن التنفيذ. من هنا، وصف وزير الطاقة جو الصدي إنشاء الهيئة بأنه حجر الأساس لتطبيق القانون، وأن بعض صلاحيات الوزير ستمارس من خلال الهيئة، بما يسهم في تحييد القطاع عن التدخلات وفتح الباب أمام استثمارات الطاقة المتجددة والشراكات مع القطاع الخاص وفق مناقصات شفافة.

وفي الاتصالات يعيد القانون 431 الاعتبار إلى الفلسفة الأصلية... تحرير تدريجي بإشراف منظم مستقل، منح التراخيص وتحديد شروط الدخول والخروج، ضمان المنافسة العادلة ومنع إساءة استغلال القوة السوقية، ضبط الأسعار وجودة الخدمة، وإدارة الموارد الوطنية كطيف التردد وخطة الترقيم. بعبارة مباشرة: لم تعد الوزارة حكماً ولاعباً في آن، بل تصبح الهيئة حكماً محترفاً، فيما يذهب التشغيل إلى حيث تحكم الكفاءة والتنافس.

الواقع على الأرض

لا تكفي القوانين وحدها، ما يهم اللبنانيين هو تبدل نوع الخدمة وكلفتها. في الاتصالات، وعلى رغم سنوات التراجع، بدأنا نلحظ محاولات جدية لردم الفجوة. "أوجيرو" أعلنت في مطلع 2025 أنها وصلت الألياف الضوئية إلى نحو 221 ألف منزل في 2024، وتستهدف إضافة 406 آلاف مشترك خلال 2025، مع ترقية Wi-Fi في مطار رفيق الحريري الدولي إلى Wi-Fi 7 بسرعات تصل إلى 3.5 غيغابايت/ ثانية، ورفع سعة الشبكة الخلفية من 20 إلى 40 غيغابايت/ ثانية، كما تقرر إنشاء 215 محطة جديدة في الجنوب وبعلبك (شرق) لتعويض أضرار الحرب، وإطلاق برنامج طاقة شمسية لتغذية نحو 358 محطة بقدرة إنتاجية تقارب 4 ميغاواط وتخزين كبير يوفر ملايين الدولارات سنوياً. هذه أرقام واعدة إذا وضعت تحت مظلة تنظيمية تلزم المشغلين بمؤشرات أداء واضحة، وترسخ شفافية العقود والكلفة.

سياسياً ومؤسساتياً، صدرت في أغسطس (آب) عام 2025 ورقة سياسات من SMEX (منظمة غير ربحية تدافع عن حقوق الإنسان وتعمل على تعزيزها في الفضاءات الرقمية في غرب آسيا وشمال أفريقيا) وواصف منصور تقترح فصل الملكية عن الإدارة في الخلوي، وتشكيل مجالس إدارات مستقلة، وتعزيز رقابة ديوان المحاسبة، واعتماد مؤشرات أداء للمشغلين MIC1 وMIC2، بعدما خسر القطاع أكثر من 40 في المئة من قدرته الإيرادية بين عامي 2012 و2020 بفعل تضخم الكلف وسوء التعاقد. تضع هذه الورقة خريطة طريق عملية لوضع حد لمرحلة الانتقال الموقت التي امتدت عقدين، وتدفع نحو شراكات منظمة مع القطاع الخاص.

على الضفة الأخرى، لا يزال قطاع الكهرباء العقدة الأصعب. التغذية الرسمية في معظم المناطق نحو ست ساعات يومياً، ما يحول المولد الخاص إلى سلعة قسرية تثقل الفواتير المنزلية. تقارير حقوقية وصحية وثقت أثر الانقطاع على الصحة والمياه والتعليم، وكيف باتت فاتورة الطاقة تحدد قدرة العائلة على شراء الطعام والدواء. الإصلاح هنا يبدأ من مزيج متوازن: إعادة هيكلة التعرفة على أسس الكلفة والعدالة مع دعم مستهدف للفئات الأضعف، تخفيض خسائر الشبكة، إطلاق معامل جديدة تعمل على الغاز والطاقة المتجددة، وتحسين الجباية، وكلها ملفات تحتاج هيئة قادرة على فرض إيقاع التنفيذ بعيداً من الحسابات الزبائنية.

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

في موازاة التعيينات، أنشأت الحكومة عام 2025 وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأسندت حقيبتها إلى كمال شحادة، مع برنامج تعاون مع شركة Roland Berger لصوغ استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تشمل الهوية الرقمية الوطنية والدفع الإلكتروني وتحديث البنية التحتية والتشريعات وبناء القدرات البشرية. هذه خطوة فوق بنيوية صائبة، لكن نجاحها مشروط ببنية تحتية كهربائية واتصالية موثوقة. وبهذا المعنى، تصبح الهيئتان الناظمتان جزءاً من منظومة التحول: تعطيان إشارة استقرار مؤسسي للمستثمرين في الألياف والجيل الخامس ومراكز البيانات، وتؤسسان لسياسات أمن سيبراني وتوطين للخدمات السحابية، بدل الارتهان لشبكات متهالكة وحلول إسعافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التنفيذ والعراقيل

وعلى رغم الأهمية الكبيرة لخطوة تعيين الهيئات الناظمة، يبقى السؤال الأساس مرتبطاً بما ستقدمه هذه الهيئات فعلياً على الأرض. فالمكاسب الممكنة واضحة للعيان: إذ يفتح وجود هيئات مستقلة الباب أمام فصل السياسة عن التنظيم، بالتالي إنهاء تضارب الأدوار بين المنظم والمشغل، وهو ما يمهد لمرحلة جديدة من الشفافية في منح التراخيص والعقود وفي آليات التسعير. كذلك، من شأن هذه الهيئات أن ترسخ بيئة تنافسية مدارة، تؤدي بطبيعة الحال إلى تخفيض الأسعار وتحسين الجودة وجذب استثمارات خاصة طال انتظارها، إلى جانب دورها المحوري في حماية المستهلك عبر ضبط التعريفات ومراقبة مؤشرات الجودة والاشتراطات الفنية، كما أن تعميم هذه المقاربة يتيح توسيع قاعدة الطاقة المتجددة، ما يخفف من كلفة الكربون ويعزز أمن الطاقة في بلد مثقل بالأزمات.

غير أن المطبات المحتملة لا تقل خطورة: فالتجارب السابقة تظهر خطر تسييس الهيئات وخنق استقلاليتها عبر التمويل أو التعيينات الثانوية، فضلاً عن احتمالات تنازع الصلاحيات مع الوزارات والمؤسسات القائمة، مما قد يبدد الوقت ويعيد البلاد إلى نقطة الصفر. كذلك، فإن ضعف الموارد البشرية في حال غياب موازنات مستقلة قادرة على جذب الخبرات، يشكل تهديداً مباشراً لنجاح أي تجربة إصلاحية. وفوق ذلك، يظل عنصر الثقة الشعبية على المحك: فإذا لم تترجم القرارات سريعاً إلى تحسن ملموس في الخدمة والكلفة، فإن أي إنجاز سيبقى حبراً على ورق.

من هنا، يبدو أن نجاح هذه الخطوة يحتاج إلى ثلاثية متكاملة: إصدار مراسيم تطبيقية واضحة وسريعة تحدد الصلاحيات بلا التباس، وتخصيص موازنات مستقلة مستدامة تضمن استمرارية العمل، وأخيراً التزام سياسي صريح بعدم التدخل في شؤون الهيئات، على أن ترفق هذه المنظومة بآلية مساءلة علنية من خلال نشر القرارات ومؤشرات الأداء والتقارير الفصلية، بما يرسخ الشفافية ويعيد الثقة إلى الدولة.

تحجيم القطاع الرديف

في هذا السياق، أوضح المتخصص الدستوري المحامي أنطونيو فرحات أن الهيئات الناظمة تعد مؤسسات عامة مستقلة تنشأ بموجب قوانين خاصة، وتناط بها مهمة تنظيم قطاعات محددة كالاتصالات والكهرباء وغيرها، بهدف ضمان الشفافية والمنافسة وحماية المستهلك. وفي ما يخص قطاع الكهرباء، أشار إلى أن الهدف من إنشائها فصل الدور السياسي المتمثل بالوزير عن مهام تنظيم ومراقبة القطاع التي تتولاها الهيئة، "وتشمل صلاحيات الهيئة منح التراخيص، ومراقبة أداء المؤسسات، وضمان المنافسة، وفض النزاعات بين المنتجين والموزعين أو بينهم وبين المستهلكين، ومراقبة مدى الالتزام بالقوانين والعقود"، وبرأيه أيضاً، "الهيئة تعد ركيزة أساسية في تطوير قطاع الكهرباء وجذب الاستثمارات، لا سيما عبر فتح المجال أمام مشاركة القطاع الخاص في إنتاج وتوزيع الكهرباء، بعدما كان هذا الدور محصوراً بمؤسسة كهرباء لبنان"، ورأى أن هذا التوجه يسهم في تعزيز الشفافية وتحقيق إصلاح تدريجي للقطاع، لافتاً إلى أن تأخير التعينات لعقدين، نتيجة الخلافات السياسية، أدى إلى تراجع اهتمام القطاع الخاص بالمساهمة في إدارة الكهرباء بصورة منظمة، وأبقى البلاد في أزمة مستمرة من الانقطاع والتقنين.

واعتبر أن إنشاء الهيئة الناظمة هو المدخل الأساس لأي إصلاح جدي لقطاع الكهرباء، بخاصة في ظل التعقيدات التي فرضها نشوء قطاع رديف يتمثل بالمولدات الخاصة، مشدداً على أن الإرادة الحقيقية للإصلاح ومكافحة الفساد تفرض العودة إلى هذا الملف بجدية، وتشكيل الهيئة للقيام بدورها، وإعطاء لبنان فرصة تاريخية للخروج من دائرة العتمة المحدقة.

الدولة مدير الفاشل

من ناحيته أكد المحامي محمود الناطور منسق الشؤون السياسية في "خط أحمر" أن إنشاء الهيئات الناظمة بات أولوية ملحة لإصلاح القطاعات العامة في لبنان، وفي طليعتها قطاع الكهرباء، مشدداً على أن هذه الهيئات تضع حداً للتوظيف العشوائي وتؤسس لحوكمة حديثة تقوم على الكفاءة والخبرة. وأوضح أن "الواقع تغير جذرياً مع وجود الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، ولم يعد ممكناً أن يترقى موظف داخل الشركة من عامل عادي إلى عضو مجلس إدارة من دون امتلاك المؤهلات اللازمة"، مشيراً إلى أن "عضوية المجلس يجب أن تقتصر اليوم على خبراء حقيقيين في المجال، لهم باع طويل محلياً أو دولياً". ورأى أن شركة كهرباء لبنان كانت تتمتع سابقاً بالحصرية الكاملة في إنتاج وتوزيع ونقل الكهرباء، بموجب قانون إنشائها، مما جعل العمل في هذا القطاع محصوراً بالكامل بالمؤسسة الرسمية، باستثناء حالات نادرة كمبادرة كهرباء زحلة. وأضاف "سقط الاحتكار، وأصبحت الهيئة المخولة بإعطاء التراخيص لمختلف الجهات، مما يفتح الباب أمام شركات خاصة للمساهمة في الإنتاج والتوزيع".

على صعيد مماثل استشهد بتجربة قطاع الاتصالات، إذ كانت شركتان خاصتان تديران الشبكة اللبنانية بإشراف دولي، وحققت أرباحاً تجاوزت مليار دولار سنوياً، لكن بعدما استعادت الدولة إدارة القطاع، تراجعت الأرباح إلى نحو 250 مليون دولار، بسبب "الفساد، البيروقراطية، وارتفاع الكلف التشغيلية"، وأشار إلى أن الشركات الخاصة تلتزم معايير تكنولوجية وعمليات تشغيل متقدمة لا تستطيع الدولة التقليدية مجاراتها بسهولة، مما ينعكس سلباً على جودة الخدمة، مؤكداً أن "فتح السوق أمام شركات خاصة، يؤدي إلى تحسين الخدمات، خفض الأسعار، وتقديم حلول تكنولوجية متطورة"، لافتاً إلى أن "شركات، مثل سيمينز، قادرة على إنتاج الكهرباء بكفاءة، وتقديم خدمات كعدادات ذكية ونظام الدفع المسبق، ما يمكن المواطن من متابعة استهلاكه بصورة مباشر"، وأضاف أن "شركة كهرباء لبنان، بسبب ارتباطها بموازنة الدولة، غير قادرة على مجاراة السوق، وتتعرض لشلل كلما تأخرت الدولة عن شراء الفيول أو تعديل التعرفة"، وفي سياق الحديث عن الهيئات الناظمة بصورة عامة قال الناطور إن "الفكرة الأساسية منها هي إخراج الدولة من دور المدير الفاشل من دون خصخصة كاملة"، مشدداً على أن "الهيئة تعمل ككيان مستقل داخل الدولة، يديره مجلس محترف يعين وفق معايير واضحة، ليؤدي الدور التنظيمي والرقابي بفاعلية"، وأوضح أن دور الهيئة يشمل "وضع السياسة العامة للقطاع، منح التراخيص بشفافية، مراقبة الأداء والامتثال، تسوية النزاعات، جذب الاستثمارات وتحفيز الاقتصاد"، معتبراً أن "نجاح الهيئة الناظمة في الكهرباء يمكن تعميمه على باقي القطاعات، ومنها الاتصالات والنفط والطاقة والطيران".

المزيد من تقارير