ملخص
تعود جذور هذه الأزمة للوضع المالي المتأزم للمستشفيات، منها تضخم تكاليف العلاج، وتراكم ديون شركات التأمين، وضعف الدعم الحكومي. كل هذا دفع المستشفيات إلى اللجوء لأساليب غير قانونية وغير إنسانية لتأمين السيولة، لكن تحويل الجثث إلى وسيلة لتحصيل الديون ليس فقط عملاً غير قانوني، بل مدمر أخلاقياً واجتماعياً.
يتحمل بعض ذوي المتوفين في مستشفيات إيران ضغوطاً مضاعفة لدى المطالبة بتسديد تكاليف المستشفيات، بخاصة أن بعضها يحتجز جثامين المتوفين حتى تسديد فواتير فترة تلقي العلاج.
وروى شاب من شرق طهران المآسي، التي واجهها بعد وفاة والدته في المستشفى، قائلاً "والدتي، وبعد أسبوعين من بقائها في قسم العناية المركزة بأحد مستشفيات طهران، فارقت الحياة. لم يكن وضعنا المالي جيداً، قد أنفقنا خلال سنوات مرضها الطويلة كل مدخراتنا، واضطررنا إلى بيع ما نملك، منها سيارة والدي. مع وفاتها كان علينا الاستعداد لمراسم الدفن والعزاء، لكن المستشفى اشترط لتسليم الجثمان دفع دين قدره 780 مليون تومان (7900 دولار). الضغط النفسي، الذي سببه احتجاز المستشفى الجثمان، كان شديداً لدرجة أنه غطى على حزني بفقدان أمي، كنا نخشى كلام الناس وتأخير مراسم الدفن. وبعد كثير من التوسلات، وافقوا أخيراً على أن نسلمهم شيكين، بشرط أن يكونا باسم موظف حكومي أو أن يضمنهما شخص معتبر". وأضاف "كنت قد سمعت كثيراً أن المستشفيات لا تسلم جثث الموتى حتى تسديد الحساب كاملاً، لكن حين واجهت الموقف بنفسي، أدركت حجم المعاناة والضغط النفسي الذي تتكبده العائلات".
وتروي سيدة في منتصف العمر، توفي زوجها بعد ثلاثة أسابيع في العناية المركزة، قائلة "كان المستشفى خاصاً، ولأن الأطباء كانوا شبه متأكدين من أن زوجي لن ينجو، كانوا يجبرونني على دفع الفواتير كل يومين أو ثلاثة أيام كي لا تتراكم وتصبح المبالغ كبيرة أعجز عن دفعها".
أحد الأطباء العاملين في مستشفى خاص بطهران يقول إن "ربط تسليم الجثث بتسوية تكاليف المستشفى عمل غير إنساني، ولا أحد يمكن أن ينكر أن العائلات ترهق فوق حزنها، لكن الواقع أن معظم المستشفيات على وشك الإفلاس، وشركات التأمين لا تفي بتعهداتها". وبحسب قوله، فالمستشفيات تخشى أنه إن سلمت الجثمان، فلن تتمكن بعدها من تحصيل الديون.
وروى شاب يدعى فرشاد فقد والدته قبل نحو عام أنه "في حدود الـ11 صباحاً، حين كنت في عملي، اتصلوا بي ليخبروني أن والدتي فارقت الحياة. حين ذهبت إلى المستشفى رافقني بعض زملائي، ثم لحق بنا والدي مع عدد من الجيران. وبينما كان الأصدقاء ينظمون لمراسم العزاء لتخفيف العبء عنا، كان همنا أنا وأبي أن المستشفى لن يسلم جثمان والدتي إلا إذا دفعنا تكاليف المستشفى"، وتابع "لم يكن معنا وقتها سوى جزء من المبلغ المطلوب، وكان علينا أيضاً التفكير في تكاليف الدفن والعزاء، فلم يكن أمامنا سوى الاستدانة".
احتجاز الجثامين
هذه الحوادث ليست سوى نماذج من عشرات الحالات في مستشفيات إيران، إذ تحتجز جثث الموتى حتى تسدد الفواتير. هذه الممارسة تضيف عبئاً نفسياً واقتصادياً هائلاً على العائلات، وعلى رغم تكرار نشر تقارير إعلامية عنها، إلا أن مسؤولي وزارة الصحة في الحكومات المتعاقبة يتنصلون من المسؤولية.
أخيراً نشرت صحيفة "بیام ما" الإيرانية تقريراً عن رجل سبعيني متقاعد من إحدى الدوائر الحكومية، نقل إلى مستشفى خاص في طهران بعد فشل علاجه في مستشفى حكومي. دفع أهله في البداية أكثر من 600 مليون تومان (6000 دولار)، لكنه توفي بعد 14 يوماً. وعلى رغم إعلان وفاته، رفض المستشفى تسليم الجثمان إلا بعد دفع 600 مليون تومان (6000 دولار) إضافية.
وقبل ذلك أثارت وسائل الإعلام قضية مشابهة في مستشفى خيري بمدينة يزد، إذ احتجز جثمان مريض، واعترف مدير المستشفى آنذاك بفعل موظفيه قائلاً إنه "لو كانت العائلة لا تملك المال، لكان عليها أن تفكر بالأمر مسبقاً".
المشكلة الجوهرية أن هذه ليست حالات فردية، بل ممارسة متكررة في مستشفيات إيران. وزارة الصحة لا تواجهها إلا على الورق في التعاميم واللوائح، من دون أية إرادة حقيقية لوقفها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حقوق الموتى
بحسب تقارير صحافية، أكدت وزارة الصحة في تعاميمها أن تسليم جثمان المتوفى لا يجوز تأخيره بسبب ديون أو مسائل مالية، وأن المستحقات يجب أن تحصل عبر الطرق القانونية.
قانونياً، الامتناع عن تسليم الجثة لا يجوز إلا بأمر قضائي ولغرض التحقيق في سبب الوفاة، وليس لتحصيل الفواتير، أي أن حجز الجثمان من دون سند قانوني يعتبر جريمة.
القانون الجنائي والمدني الإيراني يؤكد احترام حرمة الميت وضرورة تسليم الجثمان لعائلته، فالمادة 633 من قانون العقوبات الإسلامي تنص على أن "كل من يمنع دفن الميت يعاقب". كما تنص المادتان 867 و869 من القانون المدني على أن حقوق الميت تتقدم على حقوق الدائنين، ويجب أولاً دفنه ثم متابعة موضوع الديون، لكن هذه القوانين تبقى حبراً على ورق.
الضغط النفسي على العائلات المفجوعة
في الثقافة الإيرانية، للدفن ومراسم العزاء مكانة دينية واجتماعية راسخة. يعتقد أن الجثمان يجب أن يدفن في أسرع وقت، وأي تأخير يسبب حرجاً اجتماعياً فوق ألم الفقد. معظم هذه العائلات أصلاً استنزفت مدخراتها خلال سنوات المرض، ولم يبق لديها ما تدفعه. وحين يشترط المستشفى دفع المال لتسليم الجثمان، يتضاعف الألم. كثيرون من الأهالي يصفون شعورهم بالإذلال والقلق الشديد، والإحراج أمام أقاربهم ومعارفهم.
إن احتجاز الجثث ليس فقط عملاً غير قانوني، بل يتناقض صراحة مع المبادئ الشرعية والأخلاقية التي تزعم الحكومة الإيرانية التمسك بها، بينما في كثير من دول العالم يعتبر تسليم الجثمان حقاً إنسانياً بدهياً لا يمكن ربطه بأي التزامات مالية.
انتشار هذه الظاهرة في إيران أمر واسع، حتى أن معظم الناس يعرفون حالة مشابهة من محيطهم. ومع ذلك، لا توجد إحصاءات رسمية حول عدد الشكاوى أو العقوبات. وزارة الصحة ونقابة الأطباء تكتفيان بالإشارة إلى القوانين، من دون تقديم بيانات واضحة.
وتعود جذور هذه الأزمة للوضع المالي المتأزم للمستشفيات، منها تضخم تكاليف العلاج، وتراكم ديون شركات التأمين، وضعف الدعم الحكومي. كل هذا دفع المستشفيات إلى اللجوء لأساليب غير قانونية وغير إنسانية لتأمين السيولة، لكن تحويل الجثث إلى وسيلة لتحصيل الديون ليس فقط عملاً غير قانوني، بل مدمر أخلاقياً واجتماعياً.