ملخص
هذا الواقع يعكس أن حرباً لم تدم سوى 12 يوماً خلفت وراءها تبعات طويلة الأمد. فالتأخر في إعادة الإعمار لم يُؤدِّ فقط إلى استمرار الخسائر المادية وحسب، بل زاد من وطأة الجراح النفسية على المواطنين، فيما لا تزال المنازل التي كان يفترض أن تعود ملاذاً للأمل، عالقة في دائرة الغموض والانتظار.
أعلن مساعد غرفة عمليات صيانة المنازل المتضررة من الحرب التي استمرت 12 يوماً أن عملية إعادة إعمار المنازل التي لحقت بها أضرار طفيفة قد اكتملت بالكامل، مؤكداً أن هذا الجزء من المشروع تم إنجازه بنسبة 100 في المئة، وأضاف أن أعمال الترميم المتوسطة، التي تشمل نحو 2300 وحدة سكنية شارفت على الانتهاء من مرحلة تحديد المصير والأضرار، وبدأ التنفيذ الفعلي في إعادة الإعمار.
وعلى رغم مرور أكثر من 70 يوماً على إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، لا تزال أوضاع جميع المواطنين الذين تضررت منازلهم غير واضحة، ويعجز بعضهم عن مغادرة الفنادق التي يقيمون فيها موقتاً.
ويعد التباين في الإحصاءات المقدمة منذ الأيام الأولى، لا سيما في ما يتعلق بتصنيف المنازل بحسب حجم الضرر، من أبرز العوامل التي صعبت تقييم مدى التقدم في عملية إعادة الإعمار.
وفي السياق أفاد تقرير صادر عن بلدية طهران بأنه على رغم تشكيك بعض المنتقدين تم تحديد مصير نحو 90 في المئة من الوحدات السكنية المتضررة، وأوضح عمدة طهران علي رضا زاكاني أن سبب التأخير في عملية إعادة الإعمار يعود إلى تأخر بعض المواطنين في مراجعة الجهات المتخصصة. وقال زاكاني، في تصريح بتاريخ الـ19 من أغسطس (آب) الماضي إن من أصل 8415 وحدة سكنية متضررة، تم تحديد مصير نحو 7481 وحدة، أي ما يعادل نحو 89 في المئة، على رغم أن عديداً من الجهات لا تعد هذه الإحصاءات دقيقة، وأضاف أن 5172 وحدة سكنية من بين هذه الوحدات كانت في حاجة إلى إصلاحات طفيفة، وقد شارف العمل على صيانتها على الانتهاء.
وفي ما يتعلق بملف الإيواء الموقت أشار زاكاني إلى أنه تم إيواء 665 عائلة في 11 فندقاً بصورة طارئة، بينما أدرجت 555 عائلة ضمن خطة الإيواء الموقت لمدة تراوح ما بين عام وعامين. ولفت إلى أن 355 منزلاً كانت مستأجرة من قبل المواطنين، وأسهمت البلدية في تغطية الكلف من خلال تقديم وديعة مالية بقيمة 1.5 مليار تومان (15 ألف دولار)، إلى جانب دفع 30 مليون تومان كإيجار (300 دولار).
وعلى رغم التصريحات الرسمية حول جهود إعادة إعمار المنازل المدمرة أثار تصريح رئيس مجلس بلدية طهران الذي أكد فيه أن عملية إعادة البناء لم تبدأ بعد، تساؤلات جادة في شأن أسباب عجز الجهات المعنية، من الحكومة إلى البلدية، عن التوصل إلى رقم موحد يعبر عن حجم الأضرار وخطط الترميم. ويبدو أن الخلافات في التقديرات وآلية تخصيص الموازنات وتعدد الجهات الرقابية المعنية، من مؤسسة الإسكان إلى بلدية العاصمة، كلها عوامل أسهمت في بطء تنفيذ المشاريع.
وفي السياق نفسه أكد رئيس لجنة الإعمار في البرلمان الإيراني حميد رضا رضايي كوتشي في تصريح بتاريخ الـ11 من أغسطس الماضي وجود تباين واضح في الأرقام بين مؤسسة الإسكان وبلدية طهران، مشيراً إلى أن البلدية قدرت عدد الوحدات السكنية التي تحتاج إلى ترميم بنحو ثمانية آلاف وحدة في حين أن الحكومة ترى أن العدد لا يتجاوز أربعة آلاف.
أما في ما يخص المنازل التي تحتاج إلى إعادة بناء كاملة، فقد أفاد رضايي كوتشي بأن عددها يصل إلى 300 وحدة سكنية، بينما قال رئيس مجلس بلدية طهران مهدي تشمران إن العدد لا يتجاوز 50 وحدة فقط.
موازنات غامضة وتضارب في الأرقام
أسفر الارتباك الإحصائي في عملية إعادة إعمار المنازل المتضررة عن حال من الغموض المحيط بتخصيص الموازنات المعلنة. فخلال الأسبوعين الأولين من إعلان وقف إطلاق النار، أعلن المتحدث باسم الحكومة عن إقرار موازنة قدرها ألف مليار تومان (10 آلاف دولار) لتوفير سكن موقت وإعادة إعمار الوحدات السكنية المتضررة جراء الحرب.
لكن بعد أيام قليلة فحسب قدم رئيس منظمة إدارة الأزمات في طهران رقماً مغايراً، مشيراً إلى أن بلدية طهران خصصت في المرحلة الأولى ما مجموعه 2000 مليار تومان (20 ألف دولار) لإسكان العائلات المتضررة موقتاً. وهذا التفاوت الواضح يعكس غياب التنسيق الفعال بين الجهات الرسمية المعنية، ويعزز الشكوك حول مدى شفافية وجدية تنفيذ برامج الإغاثة وإعادة الإعمار.
تقديرات غير واقعية تشكل عائقاً جديداً أمام عمليات إعادة الإعمار
من جهة أخرى شكل عدم دقة تقديرات كلفة البناء لكل متر مربع عقبة جدية في تقدم مشاريع إعادة الإعمار. ووفقاً للتعليمات الرسمية تم تحديد كلفة بناء كل متر مربع من الوحدات السكنية بـ20 مليون تومان (200 دولار)، فيما تراوحت كلفة الإصلاح بين مليون (ألف دولار) إلى 8 ملايين تومان (8 آلاف دولار) حسب درجة الضرر. إلا أن هذه الأرقام تختلف، بصورة كبيرة، عن واقع أسعار مواد البناء وأجور العمال. ففي عديد من مناطق شمال العاصمة والأبراج المرتفعة المتضررة جراء الحرب، حتى كلفة المعدات الأساسية لا تتوافق مع المبالغ المعلنة، مما أدى إلى تباطؤ أو توقف عملية إعادة الإعمار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المنازل المهدمة والقلوب المجروحة
في ظل التباين في الأرقام والروايات المتضاربة تبرز صور المنازل نصف المهدمة وسكانها المتشردين لتذكر بأبعاد الأزمة الإنسانية، إذ أكد أحد سكان طهران أن "ادعاء البلدية بانتهاء عمليات الترميم الجزئي يقتصر في الغالب على استبدال الزجاج المكسور وإجراء إصلاحات بسيطة في المباني التي لم تتعرض لأضرار جسيمة، في حين أن المباني المدمرة ما زالت فعلياً في مرحلة إزالة الأنقاض"، وأشار إلى الأبراج المتضررة في أحياء غرب طهران، مضيفاً أن البلدية ومؤسسة الإسكان لم تقدما خطة واضحة لتحسين قدرة المنازل على مثل حوادث كهذه أو جدولاً زمنياً لإعادة الإعمار. ولفت إلى أنه حتى الجيران لا يعلمون كيف وأي جهة ستتولى تقييم السلامة ومستوى الضرر المحتمل في الهيكل الأساس للوحدات السكنية.
وتظهر إحصاءات الأسر المقيمة في فنادق العاصمة أنه وسط هذه الخلافات والتأجيلات لا أحد يلتفت إلى صعوبة العيش القسري في غرف فندقية صغيرة، إذ إن بعض العائلات تقضي أشهراً في ظروف غير مستقرة من دون أفق واضح للعودة إلى منازلها.
ونشرت صحيفة "هم ميهن" في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي تقريراً يعكس جزءاً من معاناة هذه الأسر، بدءاً من استيائهم من بُعد أماكن إقامتهم الحالية عن أحيائهم السابقة، وصولاً إلى جودة الخدمات الأساسية مثل توزيع الغذاء، وأكد عديد منهم معاناتهم مشاعر اليأس والضياع. وعلى رغم أن بعض العائلات عادت إلى منازلها بعد إجراء إصلاحات بسيطة كتركيب الأبواب والنوافذ التي دمرها القصف الإسرائيلي، فإن آخر الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدداً كبيراً من المواطنين لا يزالون يقيمون في الفنادق.
حيرة النازحين جراء الحرب في طهران
نشرت بلدية طهران في السادس من سبتمبر (أيلول) الجاري آخر الإحصاءات المتعلقة بالإسكان الموقت للأسر المتضررة من الحرب. ووفقاً للتقرير تم إسكان 385 أسرة تضم 1150 فرداً في فنادق مختارة، وتشير هذه الأرقام إلى أن 109 أسر فقط تمكنت من مغادرة الفنادق، وهو رقم يعكس بطء وتيرة الإسكان الدائم وعمليات إعادة الإعمار في طهران، ويجب إضافة عدد الأسر التي، بحسب تصريح رئيس البلدية، استأجرت منازل بأنفسها بعد تسلم ودائع وإيجارات من البلدية، إضافة إلى الأسر التي انتقلت للسكن مع أقاربها، وهي فئة غير مذكورة في الإحصاءات الرسمية.
النازحون جراء الحرب يواجهون وعود المسؤولين المتضاربة بسؤال واحد: متى تنتهي إعادة الإعمار؟ واللافت في الأمر أن وعود بلدية طهران تشير إلى أن 85 إلى 90 في المئة من الوحدات السكنية ستكون صالحة للسكن بحلول نهاية العام الحالي، الـ20 من مارس (آذار) عام 2026، بينما أعلنت منظمة الوقاية وإدارة الأزمات أن مدة إعادة الإعمار تراوح ما بين سنة وسنتين، بالتالي فإن هذا التناقض يزيد من معاناة الأسر المشردة ويعمق حال التردد والضياع لديهم.
في هذا الخصوص قال أحد سكان طهران، الذي يقيم أقاربه في فنادق العاصمة، إن "المشكلة الأساسية هي حال اللايقين التي يمر بها ممن تضررت منازلهم. لو أن الحكومة أو البلدية أعلنت موعداً دقيقاً لانتهاء عملية إعادة الإعمار، لتمكنت العائلات من التخطيط لحياتها، لكن كل مسؤول يصرح بتاريخ مختلف، وهذا ما يزيد من ارتباك الناس".
وعلى رغم مرور أكثر من 70 يوماً على نهاية الحرب لا تزال آثار الدمار بادية في كثير من أحياء طهران، من الوحدات المتضررة في المجمعات السكنية إلى المنازل التي تهدمت بالكامل ولم يتعد العمل فيها مرحلة إزالة الأنقاض. وفي بعض المناطق تم تطويق المباني نصف المهدمة بأغطية بلاستيكية بهدف إخفائها عن أنظار المارة.
هذا الواقع يعكس أن حرباً لم تدم سوى 12 يوماً خلفت وراءها تبعات طويلة الأمد. فالتأخر في إعادة الإعمار لم يُؤدِّ فقط إلى استمرار الخسائر المادية وحسب، بل زاد من وطأة الجراح النفسية على المواطنين، فيما لا تزال المنازل التي كان يفترض أن تعود ملاذاً للأمل، عالقة في دائرة الغموض والانتظار.