ملخص
أسست كاترين ابنة الكاتب الفرنسي الراحل ألبير كامو قبل نحو 50 عاماً، نوعاً من مركز "علمي" يتابع كل ما له علاقة بوالدها، منشورات أعماله وترجماتها إلى عدد كبير من لغات العالم، وأرقام المبيعات، وكل ما يكتب عنه في أية لغة من اللغات
على رغم أن السؤال الذي نطرحه منذ عنوان هذه المقالة هنا، يبدو وجودياً بل حتى ميتافيزيقياً لا يبدو للوهلة الأولى وكأنه يرتبط بأية حقائق علمية أو بوقائع تاريخية محددة، فإن ثمة اليوم في ما يتعلق، في حالتنا هنا، بما آلت إليه أحوال الكاتب الفرنسي ألبير كامو المولود في الجزائر التي أحبها كوطن له ومسقط لرأسه وميدان لكثير من أعماله الإبداعية، ثمة ما يسفر عما يعاكس تماماً تلك الأبعاد ليضعنا، وتحديداً بالنسبة إلى ما يتعلق بسؤالنا الافتتاحي، أمام حقائق مادية، بل رقمية، تأتي لتؤكد مقولة جاءت يوماً عرضاً في مطلع أغنية فرنسية فحواها أن الشعراء لا يموتون، ما دام إبداعهم يبقى محلقاً في الفضاء من حول أرواح الناس وقلوبهم.
والحقيقة أن هذه المقولة لا تعود هنا، في وجه الحقائق المادية والرقمية، مجرد أمنية أو بيتاً من الشعر. ذلك أن كاترين، ابنة ألبير كامو التي رافقته في حياته طويلاً وكانت على الأرجح القارئة الأولى لمعظم ما كتب، وفي الأقل منذ شبت عن الطوق وصارت قادرة على القراءة والفهم، كاترين هذه التي تعدت اليوم الـ75 من عمرها، لم تكتف بحفظ ذكرى أبيها الراحل كما نعرف في عام 1960 وكانت هي بعد في الـ14 من عمرها، فما الذي فعلته كاترين ويستحق كل هذا التقديم؟
مركز علمي عاطفي
أسست كاترين قبل نحو 50 عاماً من الآن، نوعاً من مركز "علمي" يتابع كل ما له علاقة بالكاتب الراحل، منشورات أعماله وترجماتها إلى عدد كبير من لغات العالم، وأرقام المبيعات، وكل ما يكتب عنه في أية لغة من اللغات... والأطروحات الجامعية التي تتناوله وأعماله، وشتى أنواع الإحصاءات والاستطلاعات المتعلقة بتلك الأعمال، واقتباساتها السينمائية وغير السينمائية. ناهيك باكتشاف نصوص ورسائل كان يكتبها أو يتلقاها إضافة إلى تلقي المركز يومياً وحتى الآن بصورة منتظمة، بعد مرور 65 عاماً على رحيله، رسائل قراء موجهة إليه، ودعوات باسمه لحضور ندوات ومؤتمرات، واستئذانه لتقديم هذه المسرحية من مسرحياته أو اقتباس تلك الرواية في فيلم سينمائي وتلفزيوني أو عبر كل الوسائط الجديدة المتاحة اليوم... طلبات تأتي من أماكن عدة وغير متوقعة من العالم.
هل ترانا هنا أمام وكالة متخصصة في إدارة شؤون كامو وتراثه؟ أمام هيئة تتولى تأبيد ذكراه؟ أمام مكتبة تضم أرشيفه وتحافظ عليه؟ بل أكثر من ذلك كله بكثير: أمام مركز يعمل ويتصرف "وكأن ألبير كامو لا يزال بيننا" تقول كاترين وهي تبتسم بكل هدوء مؤكدة: "نعم تلكم هي الوسيلة الأفضل كي يبقى بيننا. صحيح أن بقاءه هو فقط من طريق ما ترك لنا وهو كثيف ورائع، لكنه في رأيي البقاء الأكثر ثباتاً و... بقاءً، أليس كذلك؟".
في زمن الأرقام
لقد اعتادت كاترين كامو التي لا يمكن لأحد، ومنذ ما لا يقل عن نصف قرن، أن يتصرف أدنى تصرف بأي نص أو أثر من كامو من دون أن توافق هي عليه، اعتادت أن تضع محاورها حين تلمس جديته وحماسه لتراث أبيها، أمام ما يشاء من الحقائق، الرقمية بصورة خاصة. وهي حقائق تملكها هي بالتفصيل غير الممل ما دامت تتعلق بما يكشف، بحسب قولها، عن وقائع شديدة الراهنية والدلالة تتعلق بالكاتب الكبير الذي يأتي دائماً وفي مجمل استطلاعات الرأي والإحصاءات الفرنسية حول الكاتب المفضل للفرنسيين ثانياً، بعد فكتور هوغو المعتبر من أحب الكتاب الفرنسيين إلى قلوبهم وعقولهم.
ومن عادة كاترين حين تستعرض أمام محاورها معلومات من هذا النوع، أن تزود المحاور بكل ما يدعم ما تقوله من وثائق ومستندات تشتغل عليها بدأب مع مساعدة لها أو اثنتين على مدى العام.
ولعل من أحب الأرقام إلى قلبها في هذا المجال، الرقم الإجمالي 24 مليوناً الذي تؤكد أنه مجموع النسخ المبيعة، في الأصول الفرنسية وحدها، من مجمل كتب كامو حتى عام 2020 أي بعد 60 عاماً من رحيله، ومنذ الطبعات الأولى لكل كتاب. وهي في هذا السياق تؤكد الدلالة المقروئية بالفعل لكون طبعات "كتاب الجيب" المتعلقة على سبيل المثال برواية كامو "الغريب" قد باعت 6 ملايين و700 ألف نسخة مما يشكل أعلى رقم مبيعات في الطبعات الشعبية لأية رواية فرنسية على الإطلاق.
وفي السياق نفسه تلفت كاترين النظر إلى أن نص مسرحية "الطاعون" في الطبعة الشعبية (كتاب الجيب أيضاً) باعت 3 ملايين و650 ألف نسخة، بينما كان على نص "السقوط" أن يكتفي بالمليون ونصف المليون من النسخ التي باعها على رغم أنه ليس من أعمال كامو الشهيرة.
ترجمات من كل زوايا البسيطة
في السياق نفسه تخبر كاترين كامو محاورها أن روايات كامو ومسرحياته المطبوعة وكتبه الفلسفية قد ترجمت إلى ما يزيد على 50 لغة لكن "الغريب" وحدها ترجمت إلى 68 لغة معظمها من لغات العالم المعروفة على نطاق واسع، لكن من بينها ترجمات إلى لغات قد تبدو للقارئ العادي بالغة الغرابة كالكريول المارتينيكية والباسكية والبريتونية (التي ينطق بها سكان الغرب الفرنسي وكثر من سكان كيبيك الكندية)، والكردية والأوردو والبنغالية ولغات التامول والتيبيتية والغاليسية والأفركانية (لغة سكان جنوب أفريقيا من أصول هولندية).
وأمام هذا العرض تبتسم كاترين كامو قائلة إن رواية "الغريب" هي ثاني أكثر كتاب فرنسي يقرأ في شتى أنحاء العالم تالياً لكتاب سانت اكزوبري "الأمير الصغير".
وهنا لا تختم كاترين كلامها من دون إطلالة ترى أنه لا بد منها على ميدان لم يكن لألبير كامو شأن به عند رحيله بالنظر إلى أنه – أي الميدان – لم يكن موجوداً عند ذلك الرحيل: ميدان صفحات "فيسبوك" وما شابهها.
وكانت إحصاءات الابنة الرسمية التي تعود بالنسبة إلى المعلومات المتوافرة لموضوعنا هذا، إلى عام 2020، تقول إن عدد المشتركين كان في ذلك العام وبحسب ترتيب البلدان الأكثر اهتماماً بكامو في ذلك المجال على الشكل التالي: المركز الأول للولايات المتحدة الأميركية بما يتجاوز 150 ألف مشترك، تليها تركيا بنحو 110 آلاف قبل فرنسا التي تكتفي بنحو 100 ألف، ثم المكسيك (81 ألفاً) فالبرازيل (72 ألفاً) وتونس (52 ألفاً) فالجزائر (50 ألفاً)، والهند (45 ألفاً) والأرجنتين (45 ألفاً بدورها) ما يصل بالمجموع إلى مليون و600 ألف مشترك وثمة من يقترح اليوم على أية حال، وبعد خمسة أعوام من ذلك الإحصاء الأخير، إضافة ضعفي هذا الرقم إلى ما هو مذكور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما عدا... فرنسا
وتختم كاترين كامو هذا العرض بقولها إنها منذ نحو 50 عاماً أي منذ صارت المالكة الحصرية لتراث أبيها وأنشأت هذا المركز، "بت أقيس وبصورة يومية وعبر صفحات ’فيسبوك‘ المكرسة لألبير كامو التي نتولى إدارتها خلال الأعوام الأخيرة حضور هذا الكاتب في العالم. ولعل ما يفاجئني حقاً ويوماً بعد يوم ويؤثر فيَّ ما ألاحظه من أن شخصية كامو وجوهر كتاباته يتوجهان إلى الحضارات كافة من الولايات المتحدة إلى أميركا اللاتينية وأفريقيا والهند واليابان وغيرها من مناطق أتلقى منها يومياً ما معدله 20 رسالة، وبخاصة من قراء شبان وأقل شباباً يخبرونني كيف أن كامو قد ساعدهم في إحداث تبديل في حياتهم وطريقة تفكيرهم".
وتخبر كاترين محاوريها بأنها في عام 2013 لمناسبة المئوية الأولى لولادة ألبير كامو لو أنها وافقت على الاستجابة لكل الدعوات التي وجهت إليها للمشاركة في الاحتفالات "لكنت قد قمت بجولة حقيقية حول العالم".
ثم تصمت بعض الشيء لترتسم على محياها نظرة شديدة الحزن وهي تتمتم قائلة "بيد أن البلد الكبير الوحيد في العالم الذي لم أتلق منه أية دعوة إلى الاحتفال بتلك المناسبة إنما كان... فرنسا. وطننا الذي لم ينظم أي احتفال رسمي كبير بالذكرى المئوية لولادة كاتبه الذي يعلن الشعب الفرنسي حبه له في كل مناسبة واستطلاع رأي. ففي بلدنا من المؤكد أن والدي لا يزال يبدو مزعجاً لبعض الناس... لكني أصارحكم بأن هذا يبعث فيَّ سروراً خفياً".