ملخص
شهدت الأشهر الثلاثة الماضية بروزاً لافتاً لمصر كلاعب دبلوماسي في الملف النووي الإيراني، بعدما تكثفت لقاءات وزير خارجيتها بدر عبدالعاطي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي. هذا التحرك يعكس رغبة القاهرة في أداء دور الوسيط بين طهران وواشنطن، خصوصاً مع تصاعد التوترات وعودة تفعيل آلية العقوبات الأممية "سناب باك". وعلى رغم أن العلاقات المصرية - الإيرانية اتسمت تاريخياً بالعداء منذ 1979، فإن التقارب الأخير بين البلدين، بدعم من الصين ورغبة إيران في كسب شرعية إقليمية، فتح الباب أمام هذا الدور.
ظهور لافت أبدته مصر خلال الأشهر الثلاثة الماضية على طاولة المحادثات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، فمنذ اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي ونظيره الإيراني عباس عراقجي مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي، في القاهرة مطلع يونيو (حزيران) الماضي، أبدت مصر جهوداً نشطة كحلقة وصل بين الطرفين في شأن البرنامج النووي الإيراني.
بين يونيو الماضي وسبتمبر (أيلول) الجاري التقي وزير الخارجية المصري أو تحدث هاتفياً مع نظيره الإيراني في نحو سبع مناسبات مختلفة من بينها ثلاث مرات في أغسطس "آب" الماضي. وإضافة إلى مشاركة غروسي في اثنين من هذه اللقاءات المباشرة والهاتفية، فإن عبدالعاطي التقى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو تحدث معه هاتفياً في خمس مرات أخرى جميعها تتعلق بإعادة تنشيط مسار التفاوض مع إيران وتعزيز المسار السياسي والدبلوماسي في شأن ملفها النووي. وجاء أحدث لقاء مباشر جمع الرجلين خلال منتدى بليد في سلوفينيا في الأول من سبتمبر الجاري.
وفق بيان وزارة الخارجية المصرية، فإن لقاء عبدالعاطي وغروسي في سلوفينيا، تناول الجهود الحثيثة التي تبذلها مصر بالتنسيق مع الأطراف المعنية لخفض التصعيد في المنطقة وتهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني، بخاصة عقب بدء تفعيل آلية فرض العقوبات الأممية "سناب باك" من خلال مجلس الأمن. واستعرض الوزير المصري "الاتصالات الجارية لإيجاد المناخ الملائم لإتاحة الفرصة للحلول الدبلوماسية والحوار، والمساهمة في التوصل إلى تسوية مستدامة تراعي مصالح جميع الأطراف لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي".
تضرر مصالح مصر
بروز مصر كوسيط في المحادثات النووية التي لم تكن قبلاً طرفاً في خطة العمل المشتركة الشاملة الموقعة بين طهران والقوى الدولية عام 2015، أثار اهتمام المراقبين الذين أشاروا إلى أن دخول القاهرة المشهد هو نتاج خيار سياسي مصري يتعلق بالمصلحة المباشرة في خفض التصعيد في المنطقة لا سيما في البحر الأحمر، فهجمات الحوثيين المدعومين من إيران، تسببت في عرقلة حركة الشحن الدولي عبر قناة السويس مما أدى بدوره إلى خسارة مصر نحو 3 مليارات دولار من الإيرادات السنوية العام الماضي. غير أن الجهود المصرية في شأن الاتفاق النووي الإيراني الذي بلغ مرحلة متعثرة منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، واستمرار المفاوضات الدولية بوساطة أوروبية بينما واصلت طهران تخصيب اليورانيوم وفق تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تثير كثيراً من التساؤلات في شأن دوافعها وحدود فاعليتها.
وفق مراقبين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" من القاهرة وواشنطن، فإن الجهود المصرية ترتبط بصورة وثيقة بتحسن العلاقات بين القاهرة وطهران في الآونة الأخيرة، جنباً إلى جنب مع رغبة مصر في استعادة موقعها إقليمياً، إذ من شأن التحركات الإيجابية المتوازنة في هذا الملف أن تنعش صورة القاهرة كلاعب مؤثر في الشرق الأوسط، في وقت يشهد منافسة إقليمية على النفوذ مع تراجع الدور المصري. وفي حين أثيرت تساؤلات من قبل الإعلام الإيراني في شأن الحراك الدبلوماسي المصري، فإن الإيرانيين يرون أن من خلال مثل هذه الجهود الوساطية، تحاول القاهرة استعادة دورها التاريخي ومكانتها في المنطقة وفي السياسة الدولية.
القاهرة - طهران بين 1979 و2025
ربما كان التحسن الذي طرأ على العلاقات بين القاهرة وطهران لاعباً أساساً في دفع مصر إلى لعب دور دبلوماسي جاد لمنع التصعيد في المنطقة، لا سيما أن خطر اشتعال حرب أوسع تزايد بعد حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي.
وقطع البلدان العلاقات عام 1979 بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد، حين أصدر آية الله الخميني، باعتباره قائد الثورة الإيرانية، قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر احتجاجاً على توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو ما اعتبرته القاهرة تدخلاً سافراً في الشأن المصري. وذهب النظام في إيران لإطلاق اسم خالد الإسلامبولي، الإرهابي منفذ عملية اغتيال الرئيس السادات، على أكبر شوارع العاصمة طهران، وهو ما تراجعت عنه إيران أخيراً في خطوة اعتبرها المراقبون تنازلاً استراتيجياً في سبيل التمهيد لتطبيع العلاقات مع القاهرة.
وعام 1980 استضافت القاهرة الشاه المخلوع رضا بهلوي وعائلته الذي توفي بعد ذلك بوقت قصير ودفن في مصر. وكان دعم مصر العراق خلال حرب الخليج الأولى ضد إيران بين 1980 - 1989 مصدراً جدياً آخر للعداء بين الدولتين. وعلى رغم أن الرئيس العراقي صدام حسين دان مصر لقبولها السلام مع إسرائيل، فبحسب معهد إنتربرايز الأميركي، فإن مصر زودت العراق بما يقدر بنحو 5 مليارات دولار من الأسلحة في الفترة من 1980 إلى 1987، بما في ذلك الدبابات والذخائر ونسخة من صاروخ سكود بي السوفياتي، وأدى تحالف مصر الوثيق مع الولايات المتحدة إلى تفاقم الخصومة مع المسؤولين الإيرانيين.
وظلت القاهرة في عهد مبارك في مصر تنظر إلى إيران ودعمها جماعتي "حماس" و"حزب الله" كتهديد للأمن الإقليمي. ونظرت الحكومة المصرية إلى دعم إيران "حماس"، التي استولت على قطاع غزة عام 2007، كتدخل في الشؤون الداخلية لمصر وتحدٍّ لأمنها القومي. وتضخمت مخاوفها من دعم إيران "حزب الله" عندما اعتقل المسؤولون المصريون خلية من 25 من أعضاء "حزب الله" عام 2009 لتخطيطهم لمهاجمة سفن تمر عبر قناة السويس، ودس المتفجرات في المواقع السياحية المصرية، وتهريب الأسلحة إلى المسلحين في قطاع غزة. واتهمت الحكومة المصرية إيران بدعم جماعة "الجهاد" الإرهابية المسؤولة عن اغتيال السادات.
حسابات باردة
غير أن الانفراج الناشئ حديثاً في العلاقة بين البلدين، أشار إليه معهد كوينسي الأميركي للأبحاث السياسية، باعتباره لا يعكس مودة مستجدة بقدر ما يعكس حسابات باردة وسط أزمات متشابكة. فأولاً، ضربت هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر، التي أطلقت تضامناً مع الفلسطينيين في غزة بدعم من الأسلحة والتدريب الإيراني، شريان الاقتصاد المصري، وتبخرت مليارات الدولارات من عائدات قناة السويس مع تحول مسارات السفن حول أفريقيا. وتعتقد القيادة المصرية أن إيران قادرة على ممارسة تأثير ملموس لاستعادة أمن الملاحة، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات عبدالعاطي خلال اتصال هاتفي مع عراقي مارس (آذار) الماضي، مؤكداً "حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر" في إشارة إلى هذه الأولوية الحيوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بالنسبة إلى إيران، التي ما زالت تتعافى من الضربات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة ضد بنيتها النووية والعسكرية، فإن التطبيع مع مصر، التي تشكل قلب العالم العربي الثقافي وحليفاً مهماً للولايات المتحدة، يمنحها شرعية إقليمية ويوسع خياراتها الدبلوماسية. وتزداد أهمية هذا الانفتاح في وقت يتراجع فيه "محور المقاومة" التقليدي، مع تضرر "حزب الله" في لبنان، و"حماس" في غزة، وإزاحة بشار الأسد من السلطة في سوريا.
ويقول الباحث لدى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد عباس ناجي، إنه ربما تكون إيران هي من طلبت من مصر الوساطة، ويشير إلى أن علاقة مصر بالطرفين وتوافق الطرفين على القبول بدور مصر يعد أداة مهمة، فمصر ترتبط بعلاقات "ممتازة" بالوكالة الدولية ولديها تعاون جاد معها، وفي الوقت نفسه فإنها تحظى بموقف إيجابي لدى إيران تعزز بفعل موقفها من حرب يونيو الماضي ورفضها استخدام القوة. ومن ثم فإن أهم شروط الوساطة هو قبول الأطراف جميعها بدور الوسيط مما يمهد الطريق للتوصل إلى تفاهم. ويضيف أن الاتصالات واللقاءات المكثفة خلال الأسابيع الماضية بين وزير الخارجية المصري وإيران والوكالة الدولية تشير إلى التعويل على قدرة مصر في أداء دور حتى يصل الطرفان إلى نقطة التقاء.
توحيد الجهود العربية
ويعتقد الزميل الرفيع لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن روس هاريسون، أن السؤال عن الجهود الدبلوماسية المصرية يندرج ضمن سؤال أوسع حول كيف يمكن لإيران استخدام جيرانها العرب، مثل السعودية والإمارات ومصر، لتحقيق الاستفادة في هذا الصدد. ويرى هاريسون أن على الدول الثلاث توحيد جهودها لأداء دور الوسيط في المسألة النووية، قائلاً "أعتقد أن مقدار النفوذ والصوت الذي يملكونه (المصريين) بصورة فردية، قليل جداً، وربما يكون ممكناً بصورة كبرى إذا عملوا بالتعاون مع الرياض وآخرين". ويضيف أنه عندما زار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرياض في وقت سابق من العام الحالي، كان هناك مطلبان سعوديان أساسيان هما رفع العقوبات عن سوريا والاستمرار في التفاوض مع إيران، وفي حين لبى الرئيس الأميركي الطلب الأول، لكن الإسرائيليين تدخلوا ولم يستمع للاستمرار في التفاوض مع إيران.
وتابع هاريسون في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، متسائلاً "إلى أي مدى يمتلك السعوديون نفوذاً؟ أعني، هم جزء من الصورة، بالتأكيد، لكن الإسرائيليين، خصوصاً منذ حرب الأيام الـ12، لدي مخاوف من أن لهم صوتاً أقوى في التأثير في ما يقوله ترمب وما يفعله، مقارنة بالسعوديين أو المصريين". ومع ذلك يرى المحاضر لدى جامعة بتسبيرغ أن على كل من القاهرة والرياض "إيصال الرسالة بأن أي صراع إضافي مع إيران سيكون ضاراً بالاستقرار الإقليمي، وسيكون سيئاً لكل المنطقة ولأجل الأمن العالمي".
دعم صيني لجهود مصر
فيما تعتقد أستاذة السياسة المصرية وزميل جامعة لوند في السويد نادية حلمي، أن الصين دفعت إيران إلى تنسيق مواقفها مع القاهرة. وكتبت في مقال بموقع "مودرن دبلوماسي"، قبيل زيارة عراقجي للقاهرة يونيو الماضي، مشيرة إلى أن بكين تعول كثيراً على زيارة وزير الخارجية الإيراني للقاهرة، فإضافة إلى أن إيران تمثل نقطة أساس في مشروع طريق الحرير الصيني، فإن بكين تسعى إلى حماية مصالحها في الشرق الأوسط وبخاصة تدفقات التجارة والنقل البحري واللوجيستيات عبر قناة السويس، وهناك اتفاق مصري - صيني مشترك على ضرورة إعادة الحركة الملاحية الطبيعية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر والحد من هجمات الحوثيين على السفن العابرة لقناة السويس. وقد شددت الصين على ضرورة وقف التصعيد في غزة والحد من هجمات الحوثيين، لتفادي الانزلاق نحو حرب إقليمية شاملة سيكون لها تداعيات خطرة على مصالح الصين، ولهذا الغرض تقول حلمي إن بكين تشجع المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة للحفاظ على الاستقرار.
شرق أوسط خال من الأسلحة النووية
في حين اتسقت مواقف إسرائيل ودول الخليج مع ترمب في ما يتعلق بالاتفاق النووي الذي وقعته إيران وست قوى دولية بينها الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس باراك أوباما عام 2015، فإن مصر رحبت بالاتفاق باعتباره خطوة نحو شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، وهي قضية أخرى بذلت مصر فيها جهوداً طويلة. فمنذ سبعينيات القرن الماضي طرحت مصر مبادرات متكررة لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وكانت من أوائل الدول الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي عام 1968وصادقت عليها في مطلع الثمانينيات.
وداخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقود مصر جهوداً لتبني قرارات تدعو إسرائيل إلى إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية، وكانت القاهرة من أبرز الدول التي دفعت إلى عقد مؤتمر أممي عام 2019 حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وهو مؤتمر دوري يعقد سنوياً منذ ذلك الحين بمبادرة عربية مصرية. ويقول عباس إن مصر تعتقد أن الاتفاق النووي من شأنه منع طهران من امتلاك سلاح نووي، كما أن الاتفاق كان يدعم فكرة اخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وهي دعوة مصرية منذ عقود، مضيفاً أن جهود مصر لا تتعلق بإيران فحسب بل تتحدث القاهرة صراحة عن إسرائيل أيضاً.
وثمة تطورات عدة ربما تسهم في الضغط على إيران لدفعها نحو التوصل إلى نتائج إيجابية، فرغبة إسرائيل في الحرب وقرار دول "الترويكا الأوروبية" فرنسا وبريطانيا وألمانيا الأسبوع الماضي، تفعيل آلية "سناب باك" التي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، ربما تسهم في تسهيل مهمة مصر. وفي حين يقلل المراقبون من جدوى إعادة فرض العقوبات، فإنهم يرون أن استعداد تل أبيب لاقتناص أي فرصة لشن حرب جديدة ضد إيران تدمر بموجبها البرنامج النووي أو تستهدف إسقاط النظام، يشكل عامل خطر. ويقول عباس "إذا لم تتعاون إيران مع وكالة الطاقة الذرية فإن الأمر لن يقف عند العقوبات الدولة، فلا نستبعد استخدام القوة ضدها مجدداً".
وفيما يتوقع هاريسون أن يذهب الإيرانيون خلال الـ30 يوماً المقبلة نحو نوع من المفاوضات الجادة، يشير إلى أن الخطر بالنسبة إلى الإيرانيين ليس متعلقاً بالعقوبات بحد ذاتها، فبلادهم تخضع للعقوبات منذ 47 عاماً، بل برد فعل المجتمع الدولي تجاه إيران. ويضيف أن ثمة احتمالاً مطروحاً أمامهم وهو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ويضيف، "أفترض أن هذا ما يتحدثون عنه داخلياً، وهو أنهم هددوا بأنه إذا تم تفعيل عقوبات ’سناب باك‘، فلن يوقفوا التخصيب فحسب، بل قد ينسحبون فعلياً من معاهدة عدم الانتشار... التهديد قائم، وسيكون ذلك ضربة لحظر الانتشار النووي".
أزمة ثقة وخط أحمر
تمثل الثقة أزمة حقيقية في المفاوضات النووية في الوقت الحالي، فعندما شنت إسرائيل حربها ضد إيران بدعم أميركي يونيو الماضي، كانت سلطنة عمان تستضيف جولات تفاوض. ويشير زميل معهد الشرق الأوسط إلى أن الإيرانيين يبحثون بمساعدة الصينيين والروس، مسألة كيف يمكنهم أن يفرضوا نفوذاً إذا دخلوا في المفاوضات. "أعتقد أن المسألة تتعلق بكيف يمكنهم تحسين موقفهم التفاوضي، وأيضاً ما قيمة التفاوض مع شريك هاجمك في منتصف المفاوضات"، أعتقد أن هذه هي الذهنية في إيران، فالموضوع ليس "هل هم جادون أم لا، فهذه ليست القضية".
تظل هناك خطوط حمر ترفض إيران تجاوزها، إذ يستبعد المراقبون أن يتنازل الإيرانيون عن مسألة تخصيب اليورانيوم التي كثيراً ما كانت خطاً أحمر منذ عامي 2013 و2015 أثناء التفاوض مع إدارة أوباما. ويقول هاريسون "إذا كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة تحاول تجريدهم تماماً من برنامجهم للتخصيب النووي، فهذا ببساطة لن ينجح، أعتقد أن المسألة في جوهرها هي مسألة النفوذ الذي يحاولون طرحه على طاولة المفاوضات".
ويوضح أن الأمور معقدة لأنه في حين تتحدث إيران عن عدم تطوير سلاح نووي، فإنهم وصلوا بالفعل إلى نسبة تخصيب 60 في المئة، و"الطريقة الوحيدة لاستخدام تخصيب يبلغ هذه النسبة هي صنع نوع من السلاح، لكنهم كانوا مستعدين للعودة به إلى 3.5 في المئة وتقديم كل صور الضمانات والتعهدات... هم يقولون: نحن نملك الحق في التخصيب، نحن مستعدون لتقييد شدة التخصيب أو مستوى التخصيب، لكننا غير مستعدين للتخلي عن التخصيب، إنه حق لنا بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية".
ويشير هاريسون إلى أن استراتيجية إيران حالياً غير واضحة على عكس ما أبدته منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018. ويشرح أن الإيرانيين التزموا البقاء في الاتفاق على رغم فرض واشنطن عقوبات ضغط قصوى. و"السبب في هذه الاستراتيجية التفاوضية أنهم كانوا يعتمدون على الموقعين الآخرين على خطة العمل الشاملة المشتركة، وبخاصة الأوروبيون، لتجاوز هذه العقوبات والتعاون، فحتى لو كانت الولايات المتحدة خارج الاتفاق، فيمكن لإيران الاستفادة من الأوروبيين، غير أن ذلك لم يسر على ما يرام".
ويمضي زميل معهد الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنه بحلول أبريل (نيسان) 2019، بدأت الاستراتيجية التفاوضية تتغير واتجهت إيران لاستخدام القوة، فهاجمت السفن في مضيق هرمز، وكذلك منشآت "أرامكو" في السعودية، كما بدأت بتصعيد برنامج التخصيب، إذ سعى الإيرانيون إلى إرسال إشارة لواشنطن بأن حملة الضغط القصوى لها كلف، وأن الانسحاب من الاتفاق له ثمن. وفي الوقت نفسه إرسال إشارة إلى الحلفاء بأن دعمهم حملة الضغط الأقصى للولايات المتحدة ستكون له كلفة عليهم. ويضيف أنه عندما جاءت إدارة الرئيس جو بايدن، كانت استراتيجية إيران تقوم على التفاوض بطريقة غير مباشرة. ويقول "في رأيي، كان ذلك خطأ. ولم تؤد تلك المفاوضات إلى أي نتائج، ومن ثم، ما كانت تفعله إيران هو محاولة خلق ضغط وتخصيب كاف، ليس بالضرورة للوصول إلى سلاح، لكن كاف لتكون لديها ورقة تفاوض. وهكذا بدأت مفاوضات الـ60 يوماً مع إدارة ترمب".
ما يزيد القلق ليس عدم وضوح الاستراتيجية الإيرانية حالياً فحسب، لكن ضغط التيار المتشدد بالداخل على الحكومة، ربما ينعكس ذلك في بعض المصادر المجهلة التي تحدثت للإعلام الإيراني أخيراً عن رفضها الوساطة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فيشير الباحث لدى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، إلى أنه مثل هذه التقارير المناهضة للوساطة المصرية لا تمثل الموقف الرسمي للدولة الإيرانية، قائلاً إن التيار المتشدد يدفع باتجاه التصعيد ويغامر بفكرة الحرب مجدداً.