Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على مدى 77 عاما... إسرائيل تتوسع 95 كيلومترا سنويا

قراءة في كيف تعامل قادتها مع أحلام "أرض الميعاد" منذ إنشاء الدولة سنة 1948

أطماع "إسرائيل الكبرى" تمتد من شرق مصر (الوادي أو النيل) غرباً إلى نهر الفرات شرقاً (اندبندنت عربية)

ملخص

تكاد تكون إسرائيل الوحيدة من بين دول العالم التي لا حدود لها، فهي منذ إنشائها عام 1948 لم تعلن حدودها الرسمية بالكامل لأنها اعتمدت على المضي بالوعد الرباني للتوسع العملي من خلال الحروب والاستيطان.

لم تكُن أحلام "إسرائيل الكبرى" التي جهر بها رئيس الوزراء الأطول مدة في تاريخ إسرائيل بنيامين نتنياهو وليدة لحظة سؤال صحافي قناة "آي 24" ولا وليدة ما خلفه طوفان السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، بل هي عقيدة ووعد "سماوي" ورد في كتاب اليهود المقدس قبل نحو 4 آلاف سنة.

والوعد الذي تسرّه صدور أبناء داوود حيناً وتجهر به ألسنة دباباتهم حيناً آخر، بدأ بفكرة من ثيودور هرتزل (مؤسس الصهيونية) أواخر القرن الـ19 وانتهى به رئيس الحكومة الإسرائيلية الـ37 نتنياهو وهو يدك آخر ما بقي من حصون غزة و40 في المئة من سكانها في عداد المفقودين تحت ركامها، تحت 42 مليون طن من الأنقاض.

الشهر الماضي، سأل صحافي تابع لقناة "آي 24" الإسرائيلية نتنياهو عما إذا كان يتبنى "رؤية إسرائيل الكبرى"، عارضاً عليه "خريطة الأرض الموعودة"، فردّ نتنياهو مرتين "بالتأكيد"، ووصف الخريطة قائلاً إنها "إسرائيل الكبرى".

وتابع أول رئيس وزراء يولد في إسرائيل بعد إعلان إنشاء الدولة، "غالباً ما أفكر في والدي، بجيل آبائنا الذي كان عليه تأسيس الدولة، وجيلنا، جيلي. علينا ضمان استمرار وجودها، وأرى في ذلك مهمة عظيمة".

 

 

ونبوءات التوراة وأحلام "أرض الميعاد" تتعدى غزة المنهكة، وهي لا تأتي بخير لجيران تل أبيب الذين باتوا بعد هذا الوعيد يتحسسون أتربة أوطانهم، إذ تلا التصريح المثير غضب عربي وإسلامي، واعتبره الجيران العرب "تصعيداً" و"تهديداً لسيادة" دول المنطقة، والحديث هنا لمصر والأردن والعراق.  

وبالعودة لتاريخ الوعد المأثور الذي ورد في سفر التكوين ثمة جملة تذكر "في ذلك اليوم قطع الرب مع إبراهيم ميثاقاً، قائلاً ’لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات‘".

ووفق هذا التصور، فإن أطماع "إسرائيل الكبرى" تمتد من شرق مصر (الوادي أو النيل) غرباً إلى نهر الفرات شرقاً، وتشمل أراضي من فلسطين والأردن ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق وشمال شبه جزيرة سيناء.

 

 

وهذه الخريطة وإن كان من قبل يمكن اعتبارها مشروعاً أيديولوجياً ورمزياً أكثر من أنها واقع سياسي، لكنها باتت محل جدل بعدما رددها المسؤول الإسرائيلي أخيراً ويمكن اعتبارها في نظر بعضهم خريطة طريق تمضي عليها السلالة اليهودية جيلاً بعد جيل، ويجب التصدي لها.

لا حدود لها

وتكاد تكون إسرائيل الوحيدة من بين دول العالم التي لا حدود لها، فهي منذ إنشائها عام 1948 لم تعلن حدودها الرسمية بالكامل لأنها اعتمدت على المضي بالوعد الرباني للتوسع العملي من خلال الحروب والاستيطان.

مساحتها على مدى 77 عاماً

ويمكننا استعراض مساحة إسرائيل منذ نشأتها الأولى حتى ما آلت إليه اليوم.

عام 1947 كانت وفقاً للقرار الأممي الذي يعرف بـ"قرار التقسيم 181" والذي يقسم فلسطين التاريخية إلى دولتين مستقلتين دولة يهودية ودولة عربية، كانت المساحة المقررة آنذاك 14 ألف كيلومتراً للإسرائيليين مقابل 11 ألف كيلومتراً للعرب.

لكن بعد أقل من عام وفي سنة ما تعرف بـ"النكبة" 1948 سيطرت على نحو 20770 كم² وهي مساحة أكبر بكثير من القرار الأممي.

وإذا ما نظرنا إلى خريطة إسرائيل اليوم، فإن المساحة التي تحت سيطرتها 28060 كم²، أي إنها استطاعت على مدى 77 عاماً منذ قيامها التوسع بمعدل نحو 95 كيلومتراً مربعاً سنوياً ضمن الأراضي التي تسيطر عليها فعلياً، بما في ذلك الضفة وغزة.

هرتزل: قطعة صغيرة لإسرائيل ونتوسع لاحقاً حين نصبح أقوياء

ولنمضي في استعراض الوعد السماوي عبر الزمن وكيفية تعامل القادة الإسرائيليين انتهاء بالزمن الذي تدك فيه غزة بمن فيها وهي تشهد اليوم أكبر المجاعات في تاريخها.

 

 

ففي القرن الـ19، ولد مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل ومعه ولدت أحلام أرض الميعاد وهو أول من نظم المؤتمر الصهيوني في بازل عام 1897 وله يد في تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية.

يقول هرتزل في يومياته (1897) "إننا سوف نؤسس دولة يهودية على قطعة صغيرة من الأرض، وحين نصبح أقوياء سنوسع حدودها قدر ما نستطيع".

ويعترف صراحة بالقول إن "أرض إسرائيل تمتد من وادي مصر إلى الفرات"، وكشف عن أنه استند إلى النص التوراتي، لكن فكرته كانت براغماتية، إقامة دولة أولاً والتوسع لاحقاً.

 

 

وعلى رغم فشله المتكرر في إقامة دولة يهودية حتى وفاته عام 1904، أسس هرتزل المنظمة الصهيونية وشجع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، ساعياً إلى تشكيل دولة يهودية، وهو معروف بأبي دولة إسرائيل لأنه ملهم اليهود في إقامة دولتهم.

بن غوريون الذي قاد حرب الاستقلال

وكما لو أن إسرائيل تمضي بشعلة أولمبية عبر مؤسسيها بانتقال مبادئ وقيم فكرة "أرض الميعاد" أو "إسرائيل الكبرى"، فخلال مرحلة إنشائها 1948 في عهد ديفيد بن غوريون الذي قاد الحرب التي يطلق عليها الإسرائيليون "حرب الاستقلال"، رسخ مفهوم التوسع، على رغم أنه لم يعلن "إسرائيل الكبرى" رسمياً لكنه فتح الباب للتوسع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبن غوريون من المؤسسين لحزب العمل الإسرائيلي وتبوّأ رئاسة الوزراء الإسرائيلية لمدة 30 عاماً منذ تأسيس إسرائيل خلال الفترة ما بين 1948  و1963.

بيغن يرى أن الاستيطان حق

وآمن مناحيم بيغن بما آمن به من قبله، فخلال حقبته كرئيس للوزراء من عام 1977 إلى عام 1983 كأول رئيس وزراء من اليمين، إذ جاء من مدرسة جابوتنسكي التي آمنت بفكرة "إسرائيل الكبرى"، ركز على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية وغزة وسيناء قبل الانسحاب منها لاحقاً. وكان يرى أن الاستيطان تجسيد لحق تاريخي وديني لليهود.

وعلى رغم توقيعه اتفاق كامب ديفيد أول معاهدة سلام أو تطبيع مع دولة عربية وهي مصر، ظل يعتبر الأرض جزءاً من الميثاق التوراتي.

 

ويعرف بيغن بأنه مؤسس المنظمة الصهيونية العسكرية التي أطلق عليها اسم "إرجون" التي أسهمت في ترحيل الفلسطينيين من ديارهم.

ومن أشهر عمليات "إرغون" مذبحة دير ياسين التي راح ضحيتها 360 فلسطينياً، كما ذكر مناحيم بيغن ضمن كتابه "التمرد: قصة الإرغون".

شامير: أرضنا حق لا جدال فيه

ولم تكن رؤية إسحاق شامير أحد أكثر القادة الإسرائيليين تشدداً تختلف عن سلفه بيغن، إذ كان من خلفية تنظيم "ليحي" المسلح.

 

 

ورفض شامير الذي شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل ما بين عام 1983 وعام 1992 أية تنازلات للفلسطينيين وتمسك بفكرة أن "أرض إسرائيل الكاملة" حق لا جدال فيه. وبالنسبة إليه، فإن السلام مع العرب لا يكون على حساب الأرض لأنه كان يرى أن "إسرائيل الكبرى" هي الإطار الطبيعي لبقاء الدولة اليهودية.

إسحاق رابين نظرته إلى أرض الميعاد "براغماتية"

ومن بعده يأتي إسحاق رابين القائد العسكري الذي تحول إلى زعيم سياسي، إذ حاول السير نحو تسوية سياسية عبر اتفاق أوسلو. ووافق جزئياً على فكرة دولتين، لكنه شدد على أن السيطرة الأمنية يجب أن تبقى بيد إسرائيل.

ولم يتخلَّ الرجل الذي شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل ما بين عام 1992 وعام 1995 عن تصور أن الكتل الاستيطانية الكبرى ستظل جزءاً من إسرائيل، لكن نظرته إلى "أرض الميعاد" أصبحت أكثر براغماتية، مع تركيزه على الأمن لا الأسطورة الدينية.

 شارون "مهندس الاستيطان"

وفي مطلع الألفية، تسلم أرئيل شارون الذي يعرف بـ"مهندس الاستيطان" رئاسة مجلس الوزراء بدءاً من عام 2001 حتى عام 2006 وهو يرى أن الاستيطان واجب استراتيجي وديني وأمني.

ووسّع شارون المستوطنات بصورة كبيرة في الضفة الغربية، وعلى رغم قيامه بخطوة مفاجئة بالانسحاب من غزة عام 2005، فإنه اعتبرها انسحاباً تكتيكياً لا تنازلاً عن "أرض الميعاد".

 

 

وبالنسبة إليه، "إسرائيل الكبرى" كانت مشروعاً أمنياً وديموغرافياً قبل أن تكون مشروعاً دينياً.

وشارون الذي قضى في غيبوبته التي سبقت موته زمناً أكثر مما قضاه رئيساً لمجلس الوزراء كان يصرّح بأن الأردن يمثل الحل النهائي للفلسطينيين.

فكرة "إسرائيل الكبرى" أمر واقع

واليوم، تعيش تل أبيب في زمن نتنياهو أطول رؤساء الوزراء بقاء في الحكم، وهو الذي تسابق دباباته تصاريحه، إذ إن رؤيته تحولت إلى خطاب عملي يرفض الدولة الفلسطينية.

وركز نتنياهو على توسيع الاستيطان وفرض وقائع ميدانية تجعل فكرة "إسرائيل الكبرى" أمراً واقعاً.

 

 

ويقبع نتنياهو تحت ضغط غير مسبوق لإعلانه ضم الضفة من قبل حلفائه من الوزراء المتطرفين، وهم يشنون حملة على موقف بريطانيا وفرنسا من الاعتراف بدولة فلسطينية.

لكنه يتبنى رؤية توراتية وسياسية بأن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من "أرض الميعاد"، معتبراً ذلك تحقيقاً للحلم التاريخي لليهود.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير