Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكاية لوحة: "إيفان الرهيب" إمبراطور روسي قتل ابنه بيده

عمل فني ضخم اعتمد فيه الرسام على مقتنيات تاريخية واستعان بأصدقائه لإضفاء واقعية على المشهد الدرامي

ملخص

في مركز اللوحة يظهر القيصر إيفان الرابع محتضناً جسد ابنه المضرج بدمائه، في وضعية تجمع بين الذهول والندم. وعلى الأرض يبرز الصولجان الذهبي ملقى إلى جانب الجثة، كرمز صامت للفعل الدموي الذي ارتكبه القيصر، وليضيف بعداً رمزياً يشير إلى سقوط هيبة القوة أمام مأساة الأبوة.

عام 1581 وبلحظة انفعال وغضب، ارتكب القيصر الروسي إيفان الرابع، المعروف بـ"إيفان الرهيب"، فعلاً مروعاً حين قام بقتل ابنه وولي عهده.

تشير روايات تاريخية إلى أن الحادثة وقعت بعدما اتهم زوجة الابن بارتداء ملابس غير لائقة في البلاط، فيما تقول روايات أخرى إنه شك في ولاء ابنه له، فانهال عليه بضربة صولجان على رأسه تسببت بجروح قاتلة أدت إلى وفاته بعد أيام.

بحسب موقع "أرت أن كونتكست" المتخصص في تاريخ الفنون، تعد هذه الحادثة من أشد اللحظات مأسوية في التاريخ الروسي، إذ دفعت الإمبراطورية القيصرية لاحقاً إلى الدخول في ما عرف بـ"زمن المحن"، ذلك العصر المليء بالفوضى والاضطرابات السياسية.

إيليا ريبين يوثق المأساة

بعد مرور نحو ثلاثة قرون من جريمة الأب، قرر الرسام الروسي الواقعي إيليا ريبين أن يخلد هذه اللحظة عبر الفن.

وبحسب تقرير نشره موقع الفني "أرت أن كونتكست"، بدأ ريبين العمل على لوحته الشهيرة عام 1883 واستغرق ثلاثة أعوام حتى اكتملت عام 1885.

وعرفت بتسميات عدة، أبرزها "إيفان الرهيب وابنه إيفان في 16 نوفمبر 1581"، ويختصرها البعض إلى "إيفان الرهيب وابنه".

 

 

تفاصيل اللوحة

تعد لوحة "إيفان الرهيب وابنه" واحدة من أضخم أعمال إيليا ريبين من ناحية الحجم والدقة، إذ يبلغ ارتفاعها نحو 254 سنتيمتراً وعرضها 199.5 سنتيمتر.

وبحسب مصادر روسية متخصصة بالفن، فإن ريبين لم يكتف بتمثيل المشهد تخيلاً، بل حرص على الاستعانة بقطع أثاث ومقتنيات أصلية من متحف الكرملين ومتحف روميانستيف في موسكو، ليمنح عمله واقعية تاريخية دقيقة. ولهذا جاءت الخلفية محملة بتفاصيل حقيقية من زمن القياصرة، مما عزز صدقية المشهد أمام المتلقي.

في مركز اللوحة يظهر القيصر إيفان الرابع محتضناً جسد ابنه المضرج بدمائه، في وضعية تجمع بين الذهول والندم. وعلى الأرض يبرز الصولجان الذهبي ملقى إلى جانب الجثة، كرمز صامت للفعل الدموي الذي ارتكبه القيصر، وليضيف بعداً رمزياً يشير إلى سقوط هيبة القوة أمام مأساة الأبوة.

من الناحية التقنية، لجأ الفنان ريبين إلى استخدام ألوان كثيفة ودرامية. اللون الأحمر القاني للدماء يهيمن على المشهد، في تداخل واضح مع الظلال الداكنة التي تكثف الشعور بالتوتر النفسي. ووفق تحليلات فنية متخصصة، فإن التباين البصري بين الملابس المخملية الزاهية للأمير وملابس والده الداكنة يخلق مواجهة بصرية حادة تعكس الصراع الداخلي بين الحب والغضب، بينما تسهم الإضاءة المتسللة من نافذة ضيقة في تعميق الجو الدرامي للمشهد.

أما على صعيد الشخصيات، فقد استعان ريبين بأصدقائه كنماذج حية لتجسيد ملامح العمل. فقد ذكر موقع "أرت أن كونتكست" أن الفنان غريغوري مياسويدوف جسد شخصية إيفان الرهيب، بينما لعب الكاتب فسيفولود غارشين دور الابن. هذا الخيار منح اللوحة واقعية إضافية، إذ حملت الوجوه مشاعر إنسانية صادقة، عكست حجم الفاجعة وعمق الألم الذي أراد الرسام نقله عبر ريشته.

من أين حصل على الإلهام؟

كتب ريبين في مذكراته أن اغتيال القيصر ألكسندر الثاني عام 1881 كان له أثر مباشر في مخيلته. وأضاف أن موسيقى الملحن الروسي نيكولاي ريمسكي كورساكوف، خصوصاً مقطوعة "إنتر"، أسهمت في بناء الجو الدرامي.

كما كان لحضوره لمصارعة الثيران في إسبانيا دور في دفعه إلى تصوير لحظة العنف الأبوي كحدث إنساني مأسوي، بحسب ما أورد موقع "أرت أن كونتكست".

التلقي الفني والنقد

أثارت اللوحة جدلاً واسعاً منذ عرضها الأول عام 1885، ووفقاً لموقع "روسيا بيوند" الصادر بلغات عدة، فقد اعتبرها بعض المسؤولين إساءة لصورة القيصر كرمز وطني، حتى إن المدعي العام للسينودس المقدس طالب بمنع عرضها، لكن الفنان أليكسي بوجوليوبوف تدخل لإعادة عرضها، لتصبح لاحقاً واحدة من أعظم أعمال ريبين، أما الناقد الروسي إيفان كرامسكو فوصفها بأنها "أوركسترا من الدراما والألوان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبلغت القيمة السوقية للوحة مستويات عالية، فقد ذكرت صحيفة "ميدوزا" الروسية المستقلة أن قيمتها قبل عام 2018 كانت نحو 730 مليون روبل، أي ما يعادل 11.6 مليون دولار أميركي. في مايو (أيار) من العام نفسه، تعرضت اللوحة لهجوم من زائر استخدم قضيباً معدنياً لإتلافها، مما أدى إلى حدوث شقوق في الزجاج والإطار، وتكلفت عمليات الترميم نحو 30 مليون روبل (480 ألف دولار)، وبعد الترميم أعيد عرضها في صالة تريتياكوف بموسكو في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

على رغم مرور أكثر من قرن على إنجازها فلا تزال اللوحة تثير ردود فعل قوية، فقد وصف أحد محبي الفن على موقع الفنون الروسي مشاعره بالقول "اللوحة دائماً تصدمني. نظرة الرعب والندم في عيني القيصر، والدمعة على خد الأمير، تجعلها أكثر واقعية من أية صورة فوتوغرافية".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة