ملخص
على رغم ازدهار السياحة في اليونان، يعاني كثير من اليونانيين "فقر العطلة"، إذ تحول ارتفاع الأسعار وتباطؤ نمو الأجور من دون قدرتهم على السفر، مما يدفعهم للاكتفاء برحلات يومية منخفضة الكلفة بينما يجوب ملايين السياح البلاد.
تسلحت ديامانتولا فاسيليو بكوبون خصم للحافلات، وانطلقت في رحلة استمرت لأربع ساعات إلى شاطئ أفلاكي، على بعد ساعة من شمال أثينا. وكانت من بين آلاف اليونانيين الذين قرروا القيام برحلات مماثلة هذا الشهر، حاملين في غالب الأحيان ببرادات بلاستيكية للرحلات ووجبات غداء معدة في المنزل، يعتبرها كثيرون من السمات المميزة لعطلة الصيف في زمن التقشف.
وفي تفسير للسبب الذي يدفعها، منذ أربع سنوات، إلى استبدال الإجازات الممتدة على أسبوع كامل برحلات يومية، أفادت بالقول: "نأتي إلى هنا لأننا نفتقر إلى المال"، في تناقض صارخ بين هذا الواقع القاسي والازدهار الذي يشهده قطاع السياحة في اليونان.
في هذه الدولة، تحولت المياه البلورية الصافية إلى منجم لمنشورات "إنستغرام" المثيرة للحسد، وسط توقعات بأن ترتفع أعداد الأجانب الوافدين إلى اليونان، هذا العام، إلى ما يعادل أربعة أضعاف عدد سكان البلاد، البالغ 10 ملايين نسمة، فتكون هذه البيانات مطابقة لتلك المسجلة عام 2024. بيد أن عدداً كبيراً من اليونانيين يراقبون هذا الواقع من الكواليس، ولا يعيشونه، في نتيجة مباشرة لارتفاع الأسعار وتباطؤ نمو الرواتب والأجور.
ومن جهتها، كشفت بيانات الاتحاد الأوروبي أن نصف اليونانيين تقريباً لم يتمكنوا من تحمل كلفة الذهاب في إجازة لمدة أسبوع العام الماضي، لتحل اليونان في المرتبة الثانية في هذا الصدد بعد رومانيا ضمن التكتل. وعلى سبيل المقارنة، يطاول هذا الواقع شخصاً واحداً من كل ثلاثة أشخاص في إيطاليا، وشخصاً واحداً من كل خمسة أشخاص في فرنسا، في تحسن طفيف للغاية مقارنة بمستويات عام 2019، الذي أعقب نهاية الأزمة المالية الحادة في اليونان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وازدادت المنتجعات الفاخرة على حساب بيوت الضيافة ومواقع التخييم المتدنية الكلفة التي كانت تسمح، في ما مضى، بجعل وجهات مكلفة مثل سانتوريني وميكونوس وباروس في متناول العائلات اليونانية.
ومن المعروف أن السياحة تعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد اليوناني إذ تمول، بصورة مباشرة، نحو 12 في المئة من الناتج المحلي للبلاد. لكن مع سعي الشركات أكثر فأكثر إلى استقطاب زوار أجانب، لم تعد عدد منها تغلق أبوابها في الصيف، وهو ما يحرم العاملين المحليين من فرصة أخذ قسط من الراحة.
ومن بين هؤلاء يوسف سولاناكيس، الذي ظل واقفاً، ظهيرة يوم هادئ من دون نسمة هواء في شهر أغسطس (آب)، بانتظار زبائن عند سفح الأكروبوليس، في أثينا، ليقلهم في جولة بعربته الكهربائية.
وقال ضاحكاً: "الدخل الذي أجنيه صيفاً يجب أن يكفيني للأشهر التي يكون العمل فيها خفيفاً. أما البحر، فلا أزوره إلا إن تمكنت من اقتناص بضع ساعات للراحة".
تجدر الإشارة إلى أن المخاوف في شأن "فقر العطلة"، وهو تعبير صاغته الاتحادات العمالية، تنتشر في أرجاء أوروبا، وسط ارتفاع الكلف والأسعار، الذي يقوض مشاريع فصل الصيف.
وفي إيطاليا، استعان رواد الشواطئ بوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن انزعاجهم من ارتفاع أسعار المظلات وكراسي الاسترخاء، التي تشكل جزءاً أساساً من تجربة الإجازة على الشاطئ الإيطالي. فإن أردت أن تحجز مكاناً، مع سرير شاطئ للاستمتاع بالشمس، على أحد الشواطئ الرائجة على امتداد الريفييرا الإيطالية، قد تصل كلفته إلى 80 يورو (93 دولاراً) لليوم الواحد، في حين تتقاضى المنتجعات الفاخرة بضع مئات من اليورو في مقابلها.
أما في اليونان، فيعمد كثيرون إلى إحضار مظلاتهم الخاصة، ويجلبون علباً بلاستيكية فيها أطعمة أعدوها في المنزل – في مشاهد تذكر بثمانينيات القرن الـ20 – ويفضلون الصعود على متن الحافلات، بدلاً من الاعتماد على العبارات أو الطائرات للوصول إلى وجهتهم.
والملفت أن كلفة رحلة ستة أيام إلى إحدى الجزر، لعائلة مؤلفة من أربعة أفراد، قد تصل إلى 3500 يورو (4070 دولاراً)، في بلد لا يزيد متوسط الدخل الشهري فيه على 1000 يورو (1160 دولاراً)، وفق ما كشفه يورغوس ليخوريتيس، رئيس "معهد حماية المستهلك" في اليونان، علماً بأن هذا الدخل يتبخر، في معظمه، بسبب رسوم الإيجار وفواتير الخدمات المتزايدة على الدوام.
وقال ليخوريتيس: "عليك أن تعيش بما تبقى - وهذا هو الفقر بحد ذاته".
ومن جهته، لفت نيكوس مارغاريتيس، وهو رجل متقاعد كان متجهاً إلى أفلاكي، إلى أن أسعار أماكن الإقامة السياحية أصبحت خارج متناوله، بسبب موازنته المحدودة.
وأوضح "من عمل طوال 35 أو 40 عاماً يجب أن يحظى بدعم أكبر"، مضيفاً "لقد عملت 42 عاماً. وبالتالي، ألا أستحق ما هو أفضل؟ طبعاً، أستحقه".
أسهمت الكاتبة كولين باري، من وكالة "أسوشيتد برس"، في كتابة هذه المقالة من ميلانو.