ملخص
أسئلة تبقى منتظرة الإجابة أو اجتهادات الإجابة، بينما تتوالى بروتوكولات التعاون بين وزارة الأوقاف من جهة، وغيرها من الوزارات التي كانت حتى الأمس القريب لا تمت بصلة من قريب أو بعيد للمؤسسات الدينية، إذ كل يعمل في مجال تخصصه.
بعد إسقاط حكم جماعة "الإخوان المسلمين" عقب تظاهرات شعبية عارمة خلال عام 2013، تكررت دعوات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عشرات المرات في فعاليات مختلفة لـ"تجديد الخطاب الديني"، وتخليصه مما لحق به على مدار عقود من تشدد وتضييق وتطرف وانغلاق ورفض للتنوع، واعتبار التدين الحق هو اقتصار المشهد على الإسلام والمسلمين أو الاعتقاد أن الجنة حكر عليهم دون غيرهم.
مضت الأعوام، ومضت معها دعوة "تجديد الخطاب الديني" متأرجحة بين نقيضين، الأول قلة كانت متفائلة مستبشرة بفكرة التجديد، لتخليص مفاصل الدولة والمجتمع من سطوة رجال الدين وأدعيائه، والثاني غالبية معتبرة أن تجديد الخطاب معناه إلغاء الدين، وهي غالبية تتكون من القاعدة العريضة في المجتمع ممن وقعوا في فخ نسخة التدين السبعينياتي، ومعهم القائمون على أمر كثير من المؤسسات الدينية.
كرر الرئيس الدعوات، لكن يبدو أن عدم الاتفاق أو وضوح الرؤية حول المقصود بالتجديد أدت إلى تعدد الرؤى واختلاف المفاهيم، على رغم أن المتفقين والمختلفين يستخدمون العبارة نفسها "تجديد الخطاب الديني". هذا التعدد المصحوب بشد معلن تارة وجذب مشهر تارة أخرى، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى اشتعال الأوضاع داخل المنطقة والأخطار على الحدود، جميعها أدى إلى جمود الدعوات وإصابة المهتمين بملل طول الانتظار، إلى أن جد في الأمور جديد.
الجديد لم يحدث بين يوم وليلة ولم يُعلن عنه بصورة صريحة. يبقى الجديد شعوراً شبه يقيني ومشاهدات تتمثل في أخبار "إيجابية" مصحوبة بتحليلات وتفسيرات "تمجيدية" ورأي عام لقاعدة عريضة ترى في المشهد الجديد روعة، وفي التوجه الفريد عظمة، والأهم أنه تأكيد على "دينية" المجتمع، وتهديد لكل من تسول له نفسه الحديث أو التلويح عن فصل الدين عن الدولة.
سلسلة من اللقاءات "الوزارية" والفنية والثقافية مرت مرور الكرام، باستثناء قلة عدتها غريبة بعض الشيء. على مدار الأشهر القليلة الماضية، ظلت أخبار استقبالات ولقاءات وزير الأوقاف أسامة الأزهري لأقرانه من الوزراء، وكذلك شخصيات عامة تعمل في شتى المجالات مادة يومية في وسائل الإعلام والـ"سوشيال ميديا". وزراء التربية والتعليم والتعليم الفني، والإسكان والمجتمعات العمرانية، والعمل، ونقيب المهن التمثيلية، ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ورؤساء جامعات، ورؤساء مراكز بحثية، ونواب برلمان وغيرهم التقوا الأزهري لأسباب مختلفة.
بعدها، بدأت أخبار توقيع البروتوكولات والاتفاقات تتواتر. الاتفاقات ليست مع مؤسسة الأزهر أو جامعاته ومعاهده المنتشرة في ربوع مصر، أو مع الأئمة والدعاة، أو حتى مع واضعي مناهج التربية الدينية الإسلامية في مراحل التعليم المدرسي، بل مع مؤسسات الدولة المختلفة التي كان يعتقد أنها مؤسسات متخصصة، كل في مجال الخدمة التي تقدمها للمواطنين. على سبيل المثال، جرى توقيع بروتوكول بين وزارة الأوقاف ووزارة التربية والتعليم، للاستفادة من المساجد، لتقديم خدمات رياض الأطفال فيها، لتعزيز القيم والأخلاق والانتماء منذ نعومة الأظافر.
التعليم في المسجد
البروتوكول يهدف "إلى استخدام المساجد مراكز تعليمية لرياض الأطفال خلال الفترة الصباحية، مع توفير معلمين ووسائل تعليمية وألعاب مناسبة، على أن تبدأ الفعالية تجريبياً داخل محافظة قنا، تمهيداً للتوسع على مستوى الجمهورية". هذا التعاون تجري الإشارة إليه باعتباره ضمن "جهود غرس القيم الأخلاقية وتعزيز الهوية الوطنية لدى النشء".
قبلها، كانت مبادرة عودة الكتاتيب أثارت قدراً بالغاً من الترحيب بين القاعدة المرحبة بمزيد من دور الدين في الدولة، وقلة عدتها ردة كبيرة نحو الرجعية ومزيد من تديين المجتمع. آخرون تساءلوا عن موقف المصريين المسيحيين وأبنائهم، وأثر رياض أطفال المساجد التي ستقتصر بالطبع على الأطفال المسلمين الذين سيتتلمذون ويخضعون لعمليات غرس القيم وتعزيز الهوية على أيدي معلمين ومشايخ في رحاب المساجد.
المتسائلون بعضهم مسلمون من الأقلية القلقة على مدنية الدولة والمتريبة من الدور المتنامي للمؤسسات الدينية الإسلامية داخل مؤسسات الدولة الأخرى، بعضهم مسيحيون يجمعهم الهم نفسه، إضافة بالطبع إلى متسائلين عن موقف دور العبادة المسيحية في ضوء هذه التطورات، وموقف المنظومة التعليمية ككل.
الكاتب في صحيفة "وطني" ذات القاعدة والجمهور القبطي المصري نادر شكري تساءل في ضوء رياض أطفال المساجد "هل نرسخ التعليم الديني؟ وهل تدعم التعليم رياض الأطفال في الكنائس؟" (يوليو ’تموز‘ 2025) ومضى قدماً في أسئلته "هل ستحظى دور العبادة المسيحية بذات الدعم المؤسسي والتربوي من قبل الدولة؟ وهل ستمنح حضانات الكنائس فرصاً مماثلة في التعاون مع وزارة التعليم، لتقديم خدمات ما قبل التعليم الإلزامي؟"، منبهاً إلى ضرورة تبني الدولة نموذجاً شاملاً للتعليم المبكر، يرتكز على الهوية الوطنية الجامعة بدلاً من ترسيخ نماذج دينية منفصلة قد تؤدي لاحقاً، في تقييمه، إلى شرخ مجتمعي في بنية التعليم ومخرجاته.
وتساءل عن مدى تداخل البعد التعليمي مع البعد الديني، لا سيما في مرحلة ما قبل المدرسة، التي يفترض أن تكون مرتكزاً لغرس الهوية الوطنية الجامعة والمواطنة المشتركة. وطرح سؤالاً حول مدى كفاية شبكة المعاهد والمدارس الأزهرية المنتشرة في مصر، والممولة من موازنة الدولة، التي يسهم فيها المواطنون المصريون، مسلمين وأقباطاً، على رغم أن الطلاب في هذه المعاهد يتلقون منذ الطفولة وحتى التخرج في جامعة الأزهر تعليماً "دون أن يختلطوا أو يتفاعلوا مع زملائهم المختلفين دينياً أو فكرياً، وهو ما يعمق الفجوة ويضعف مبدأ التعددية الذي يفترض أن يرسخ منذ الأعوام الأولى في التعليم".
أسئلة تبقى منتظرة الإجابة أو اجتهادات الإجابة، بينما تتوالى بروتوكولات التعاون بين وزارة الأوقاف من جهة، وغيرها من الوزارات التي كانت حتى الأمس القريب لا تمت بصلة من قريب أو بعيد للمؤسسات الدينية، إذ كل يعمل في مجال تخصصه.
وللثقافة والتموين نصيب
وزارة الثقافة هي الأخرى لها نصيب من البروتوكولات مع الأوقاف لـ"مواجهة الفكر المتطرف". وكان وزير الثقافة أحمد هنو أشار مطلع العام الحالي إلى 1960 فعالية ثقافية استفاد منها 43 ألف مواطن، ضمن مبادرات إعادة بناء الإنسان وتثقيفه وتوعيته، وذلك ضمن جهود معركة الوعي لاستعادة الهوية والتاريخ المصريين.
ووصل قطار بروتوكولات وزارة الأوقاف إلى وزارة التموين، وجرى توقيع بروتوكول بينهما في مجال توفير السلع الأساس للمواطنين، ويتضمن توريد نحو ألف طن من السلع الأساس مثل السكر والرز والمعكرونة لتلبية حاجات الفئات المستحقة.
ومن السكر والرز والمعكرونة إلى النقل والطرق والكباري والسلامة على الطريق، إذ وقعت وزارة الأوقاف بروتوكول تعاون مع وزارة النقل تحت شعار "صحح مفاهيمك سلامتك تهمنا". والهدف المعلن هو "دعم الأنشطة التوعوية والدعوية الخاصة بأخلاقيات استخدام الطرق والتعامل مع وسائل النقل والمواصلات بمختلف أنواعها، بما يسهم في المحافظة على أرواح المواطنين والممتلكات العامة، وتعزيز القيم الدينية والاجتماعية الإيجابية، من خلال تنفيذ برامج تدريبية وتوعوية، وتنظيم الندوات والمحاضرات وورش العمل، وتبادل المواد العلمية والمحتوى الرقمي بين الجانبين".
الدين والمواصلات
وبعيداً من روح الدعابة التي يتمتع بها المصريون، التي دفعت بعضاً إلى السؤال عن "موقف الإخوة المسيحيين" في السلامة على الطريق، وهل تنطبق عليهم المعايير نفسها، أم أن هناك معايير سلامة إسلامية وأخرى مسيحية، وكذلك طرق التعامل مع وسائل النقل والمواصلات وإن كانت الطرق الإسلامية تختلف عن غيرها، فإن تساؤلات أخرى تدور حول أسباب ضلوع وزارة الأوقاف في أمور تتعلق بالسلامة على الطريق ووسائل المواصلات، التي يفترض أن يجري غرسها عبر التعليم والتوعية والتأكد من تطبيقها بالقانون.
كل ما سبق ظل في كفة، ظن كثر أنها نهاية مطاف ضلوع الشؤون الدينية في التعليم والتموين والنقل والثقافة والرياضة، وذلك إلى أن جرى الإعلان عن مسألة "النوازل الفقهية المستجدة" قبل نحو أسبوعين.
نوازل الفضاء
جموع المتابعين المصريين للأخبار انقسموا ثلاث مجموعات أمام خبر "الملتقى العلمي حول النوازل الفقهية المستجدة في أحكام الفضاء". الموضوع، النوازل الفقهية. المجال، الفضاء. الجهة المنظمة، وكالة الفضاء المصرية. المشارك، وزارة الأوقاف وعلماء المسلمين وعلماء وباحثو الفضاء.
بحسب التصريحات الرسمية، أتت الفعالية "في إطار التعاون البناء بين المؤسسات الدينية والعلمية، لتناول القضايا الفقهية المعاصرة، وتعزيز جهود الاجتهاد الجماعي وضبط الفتوى في ضوء المستجدات العلمية، بما يسهم في بناء خطاب ديني مستنير يواكب تطورات العصر".
وفي كلمته، أعلن وزير الأوقاف أسامة الأزهري دعمه الكامل لمبادرة إصدار موسوعة علمية فقهية متخصصة تتناول النوازل الفقهية لرواد الفضاء، وذلك بالتنسيق بين المؤسسات الدينية والعلمية المتخصصة. وتحدث عن أهمية توسيع نطاق النشر لهذه البحوث، وتعزيز الحضور العلمي للأئمة والخطباء في هذا الميدان الحيوي، مشيراً إلى استعداد الوزارة (الأوقاف)، للمشاركة في رحلات ميدانية ودورات تدريبية للأئمة والوعاظ في المراصد الفلكية، بما يسهم في رفع وعي الدعاة بكيفية تفكير العالم، وربط الرسالة الدينية بالمعرفة العلمية المعاصرة.
سعادة وشك
المجموعة الأولى تلقت الخبر كغيره من الأخبار. نوازل فقهية، وعلوم فقهية، ورحلات أئمة ودعاة، جميعها بدا عبارات عادية في نشرات الأخبار، وطالما لا تتعلق بفاتورة الكهرباء أو مصروفات المدارس أو الشقق المستأجرة أو الضرائب المحصلة، فلا ضرر ولا ضرار. المجموعة الثانية تستبشر خيراً، وتسعد قلوبها، وتطرب آذانها، وتطمئن مشاعرها كلما وأينما وكيفما ضلع الدين في أمر من أمور الحياة أو الممات. وعاظ وأئمة في الفضاء، نوازل فقهية في الكواكب، فتاوى وأحكام في المجرات جميعها أمور طيبة ومدعاة للسعادة، وسبب للتفاؤل حيث التمسك بالدين ودعم المتدينين.
المجموعة الثالثة ما زالت تضرب أخماساً في أسداس، وتتساءل مستنكرة وتتعجب آسفة على علاقة وزارة الأوقاف بالفضاء بالأئمة بعلماء الفضاء ووكالة الفضاء. هذه المجموعة لا تمثل سوى الأقلية، وهي الأقلية نفسها التي حلمت بتجديد الخطاب الديني، وظنت أن الفصل بين الدين والدولة على وشك التحقق قبل أعوام. وهي الأقلية أيضاً التي تجد نفسها في ظل التركيبة الثقافية والمعرفية والدينية الحالية للمجتمع المصري في خانة الاتهام الشعبوي، وذلك على اعتبار أنها تعادي الدين وتكره المتدينين.
مجموعة منبوذة
يمكن القول إن السبب الوحيد الذي يجعل لهذه المجموعة الأخيرة المنبوذة المغلوبة على أمرها الموصومة بفكرها الليبرالي والمتهمة بتركيبتها الثقافية والفكرية باعتبارها "معادية للدين" صوتاً، أن بعضاً من الكتاب والمثقفين ينتمي إليها، وهو ما يعني قدرتهم على الكتابة والمجاهرة عبر الإعلام التقليدي وغير التقليدي برؤاهم.
الطبيب والسياسي والكاتب المخضرم محمد أبو الغار أشار تحت عنوان "أخطار الخلط بين أبحاث علوم الفضاء وفقه أحكام الفضاء" (أغسطس ’آب‘ 2025) إلى استغراب كثرٍ من محاولة الخلط بين العلوم الطبيعية للفضاء والنوازل الفقهية المستجدة لأحكام الفضاء، قائلاً "الفضاء علم متقدم وشديد التعقيد، وله ارتباط وثيق بعلوم الطبيعة والكيمياء والجيولوجيا وجميع فروع علم الطيران، وكذلك العلوم المرتبطة بصناعة أنواع متقدمة من الصواريخ وأجهزة الكمبيوتر شديدة التعقيد".
يقول أبو الغار إن مصر ما زالت في أولى خطوات مجال الفضاء وإن إنشاء الوكالة المصرية للفضاء أمر جيد، وإن تقدمه مرهون فقط بالبحث العلمي التكنولوجي، حتى يتكون فريق يستطيع أن يطلق وحده قمراً اصطناعياً مصرياً، وهو ما يحتاج تركيزاً في البحث العلمي وتطويره بكل قوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "المركز الإسلامي للفلك" له وظيفة مختلفة تماماً وواضحة في مسمى المركز ووظيفته، فهو متخصص في العلوم الشرعية لمعالجة النوازل الفقهية المستجدة المرتبطة بالفضاء الخارجي، ووظيفته واضحة وهي الرأي الشرعي في الاختراعات أو المستجدات الحديثة في علوم الفضاء. والمركزان "الإسلامي للفلك" و"الفضاء المصري" لا علاقة بين عملهما وكل له تخصصه وهما منفصلان تماماً.
وأشار أبو الغار إلى أن "خطورة البيان الذي أصدره مجلس الوزراء وبه صورة تجمع وزير الأوقاف والسادة مشايخ الأزهر مع رئيس مركز الفضاء، وهو مؤسسة علمية بحتة، يعطى الإيحاء بأن البحث العلمي يتم بموافقة الهيئات الدينية، وأنه يجب أن يكون هناك تفاهم وتناغم بينهما، بينما المركزان لا علاقة لهما ببعض".
وأنهى وجهة نظره بالقول إن "للعلم قواعده ونظامه وناسه وأصولاً يسير عليها، ولهيئة الأزهر (والأوقاف) أن تضع ما تراه من قواعد شرعية قد تحتاج إليها بسبب البحوث العلمية الحديثة، وليس لعلماء الفضاء أن يتدخلوا في اللجنة الشرعية، وليس لعلماء الشريعة أن يتدخلوا في أبحاث الفضاء".
رؤية مغايرة للتجديد
وضمن الفريق الأخير أيضاً من يخشى أن تكون هذه الخطوات المتسارعة والمتواترة والمتعاظمة لما يبدو أنه توسع لقاعدة وأذرع وحضور، وربما سطوة، المؤسسات الدينية الإسلامية، على المؤسسات المدنية والخدمية وغيرها، "محاولة" لتجديد الخطاب الديني، ظناً من المحاولين أن ضلوع الدين في الفضاء والنقل والمرور والرياضة والتعليم ورياض الأطفال والثقافة والسكر والرز والمعكرونة هو التجديد كما ينبغي أن يكون.
في سياق آخر، كتب المتخصص في مجال العلوم السياسية نصر محمد عارف مقالاً عنوانه "تجديد الفكر الديني قبل تجديد الخطاب الديني" (أبريل ’نيسان‘ 2025)، تساءل فيه "عمن يجدد الخطاب الديني؟ هل يجدده من كان سبباً في جموده وركوده وتجميده وتعليبه في قوالب مغلقة؟ هل من المنطقي أن التجديد يأتي من داخل نفس المجتمع العلمي الذي كان حريصاً على جمود الخطاب الديني وانغلاقه؟ لا يعقل أن يقبل أي عاقل أن ينشر قيم التسامح والوسطية نفس التيار الديني الذي نشر لعقود مفاهيم التكفير والولاء والبراء، والمواجهة الدائمة والمخالفة المستمرة لكل من لا يقتنع بمقولاته العقدية والشرعية".
وتساءل عارف عن مصادر التجديد، فهل يمكن أن يُجدد الخطاب الديني من المصادر نفسها التي حافظت على جموده، وتكراره وإعادة تدويره؟ أم أن هناك مصادر أخرى للتجديد لم تكن موجودة أو لم تكن معروفة؟ مشيراً إلى أن كيفية التجديد يجب أن تكون سؤالاً يتعلق بمنهج التجديد، مع العلم أن الخطاب الديني منتج وليس أصلاً، أي إن الخطاب يكون نتيجة موعظة أو فتوى أو رأي، وجميعها نتائج وآراء وليست جوهراً للقضية أو أصلاً لها. وخلص إلى أن "الإشكالية الرئيسة وهي أن تجديد الخطاب الديني يستوجب أولاً تجديد التفكير الديني، سواء من حيث مناهج وطرق التفكير أو مصادر المعرفة أو كيفية إدراك الواقع، أو كيفية فهم النصوص الدينية أو كيفية الربط بين النصوص الدينية والواقع".
على أرض الواقع، لا يتحدث أحد أو يعلن عن الأهداف أو المخرجات أو الرؤية التي تدفع مؤسسات دينية، على رأسها وزارة الأوقاف لقيادة المسيرة في التعليم والرياضة والثقافة والتموين والنقل والفضاء والدراما وغيرها. المتاح للراغبين في الفهم يقتصر على تكهنات تعكس توجهات المتكهنين، بين قائل بأن هناك اتجاهاً لصناعة نسخة تدين "حديثة" للدولة، ومرجح بأن تكون الخطوات بغرض مغازلة ودغدغة مشاعر "الشعب المتدين بالفطرة"، كما يحلو لكثير من المصريين أن يصفوا أنفسهم، ومتوقع أن تكون خطوات لنبذ اتهامات دأبت جماعة "الإخوان المسلمين" وأبناء عمومها من أبناء وبنات تيار الإسلام السياسي أن الدولة تفصل بين الدين من جهة والسياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والتموين والثقافة وغيرها من جهة أخرى، ففكر بعض في أن يُداوى الاتهام بالذي كان هو الداء، ألا وهو التديين وصبغ كل مظاهر الحياة بألوان المظاهر الدينية.
وأخيراً وليس آخراً من يرى أن فكرة فصل الدين عن الدولة في منطقة الشرق الأوسط أقرب ما تكون إلى رابع المستحيلات، وهو ما يعني تقارباً يعقبه تباعد ثم تقارب وهلم جراً، يمضي بعض وقته في التفكير في ما يعنيه هذا التوسع، ويسعد الآخرون بالتوسع دون التدقيق في الغاية أو التفكير في الآثار.