ملخص
رغم مغازلات الإخوان المتكررة لم تتعاط القاهرة رسمياً معها، وأخبر مصدر أمني مصري "اندبندنت عربية" في حديث مقتضب أنه لا "مجال ولا فرصة متاحة للتفاوض مع من تلوثت أيديهم بدماء المصريين"، على حد وصفه، معتبراً أن محاولة الجماعة للترويج لفكرة المصالحة ما هي إلا "مناورة من تنظيم مأزوم ومنقسم على نفسه للعودة للمشهد المصري وهو ما يرفضه الشعب قبل الحكومة".
جددت دعوات بعض من يصفون أنفسهم بـ"معارضة الخارج" حول مع اعتبروه "ظروفاً مواتية لإجراء مصالحة مع الدولة المصرية"، بما في ذلك جماعة "الإخوان المسلمين" المُصنّفة "تنظيماً إرهابياً"، طرح "ملف المصالحة الشائك" في مصر بين نقاشات الأوساط السياسية على رغم إقرار السلطات الرسمية في أكثر من مناسبة رفضها القاطع للأمر أو الإقدام عليه لا سيما مع من "تلوثت أيديهم بدماء المصريين".
الدعوات الأخيرة التي أطلقها كل من المعارض المصري أيمن نور، والقيادي الإخواني محمد عماد صابر، في شأن "الاستعداد للمشاركة في أي حوار حقيقي يقود إلى حل لحال الانسداد السياسي"، على حد وصفهم، والمشاركة في أي جهد يُبذَل من أجل تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد، في ظل التحديات التي تفرضها الظروف الإقليمية الراهنة، أوحت لبعض المراقبين أن ثمة "مبادرة سياسية قد تكون قيد التشكل بأية صيغة كانت لإعادة النظر في الملف" بصورة أو أخرى، في ضوء "ترتيبات إقليمية ودولية جديدة قد تشهدها المنطقة"، إلا أن مصدراً أمنياً رفيع المستوى نفى الأمر جملة وتفصيلاً في حديث إلى "اندبندنت عربية"، قائلاً إنها "لا تعدو كونها محاولات يائسة من الجماعة وأتباعها للعودة إلى المشهد مجدداً بلا أي صدى أو جدوى".
أية دلالات يحملها توقيت تجدد مثل هذه الدعوات، وإلى أي مدى يمكن أن تصل إليه، وهل يمكن أن تقدم الدولة المصرية على التعاطي الجاد معه في الوقت الراهن؟، أسئلة كثيرة طرحها المراقبون خلال الأيام الماضية في شأن توقيت وأبعاد عودة الجماعة طرح مثل هذه المواقف، على رغم عدم استجابة الدولة رسمياً مع مطالبها خلال الأعوام الماضية.
مبادرة جادة أم "جس نبض"؟
خلال حديث لهما مع صحيفة "الشرق الأوسط"، قال كل من المعارض المصري أيمن نور (مقيم في الخارج)، والقيادي الإخواني محمد صابر (مقيم في الخارج)، إن هناك ظروفاً مواتية لإجراء مصالحة بين الدولة المصرية والمعارضة بالخارج، بما في ذلك جماعة "الإخوان"، معلنين الاستعداد للمشاركة في أي حوار "حقيقي" يقود إلى حل لحال الانسداد السياسي، والمشاركة في أي جهد يُبذَل من أجل تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد، في ظل التحديات التي تفرضها الظروف الإقليمية الراهنة، على حد وصفهم.
وذكر أيمن نور أن التطورات في المنطقة "أشارت إلى أن هناك إمكاناً لاستيعاب شخصيات وتيارات انخرطت في الإرهاب، ويتم التسامح معها، في حين تُسد الطرق أمام الحوار والتفاهم والانفتاح على تيارات معتدلة، مثل الإخوان، بسبب الانغلاق على فكرة معينة، فيما السياسة تقوم على الحوار والانفتاح"، على حد تعبيره في إشارة إلى النموذج السوري، مشيراً إلى أن "الأمور تحتاج إلى تطبيع والقفز على حال الانغلاق القائمة، عبر انفتاح سياسي يشمل الجميع، يقوم على حوار وطني حقيقي، يتضمّن معالجة قضايا مثل المعتقلين، من خلال برنامج زمني يمتد عاماً، يمكن من خلاله إنهاء الأزمة الحقوقية، عبر تصور قانوني يقوم على ثلاث مراحل، تتضمن وضع حلول للمشكلات وقواعد للتفاهم"، وهو ما سيقود إلى تحسين الوضع السياسي الذي سيكفل القضاء على المشكلة الاقتصادية المتفاقمة في مصر ومعالجة الآثار الاجتماعية لها.
في الاتجاه ذاته، قال القيادي الإخواني عماد صابر (رئيس ما يعرف بالبرلمان المصري في الخارج)، إن جماعة الإخوان "مستعدة، بل تتمنى أن يكون هناك حوار مع الدولة، بشرط أن يكون حواراً حقيقياً"، مشدداً "أقول هذا بصفتي قيادياً أمضى 45 عاماً في صفوف الجماعة، وموجوداً في هياكلها القيادية حتى الآن، إن الإخوان تتمنى حواراً حقيقياً قائماً على الانفتاح".
صابر الذي اعترف في حديثه بـ"وقوع الإخوان المسلمين في أخطاء قديماً وحديثاً"، أقر كذلك بأن "على الجماعة القيام بمراجعات، والتخلي عن فكرة أن يكون تنظيماً موازياً داخل الدولة"، حاول مغازلة المؤسسة العسكرية المصرية بقوله إن الجماعة "وقعت في خطأ بعدم تسجيل نفسها تنظيماً أو جماعةً تعمل في إطار القانون، كذلك فإن فكرة الصدام المستمر مع المؤسسة العسكرية هي فكرة خاطئة، فالجيش المصري هو نقطة القوة الأساسية لمصر وضمانة لأمتها العربية، والجيوش التي تُهدم لا تعود".
وفي أعقاب تصريحات نور وصابر، بدت الجماعة نفسها تتبنى إعادة الطرح ذاته بعدما أعلنت في بيان لها على صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي، كتبه المتحدث باسمها صهيب عبدالرازق، قائلاً إن "المسؤولية الوطنية على الجميع تقتضي سرعة معالجة أزمات مصر، ويعتقد الإخوان المسلمون أنه لا سبيل لذلك إلا عبر الحوار الوطني الشامل من أجل تحديد المسار الآمن لهذا التغيير: حوار بين القوى السياسية والنخب الفكرية، وحوار بين من هم في السلطة ومن هم في المعارضة، حوار بين مؤسسات الدولة الوطنية وكل قوى المجتمع المتنوعة والمتعددة. ولذلك فإن الحوار ليس مبادرة من أي طرف، وإنما نعدّه طريقاً وحيداً لتجاوز أزمة البلاد".
عبدالرازق أوضح في بيانه، أن الجماعة أكدت في مناسبات عدة استعدادها للحوار "ليس بهدف التوصل لصفقة ثنائية ضيقة مع أي طرف، وإنما لتدشين مرحلة جديدة من التوافق الوطني العام، تنهي معاناة المعتقلين، وتفتح المجال السياسي لكل الحريصين على مصلحة البلاد، وتوحد كل الجهود الوطنية من أجل مواجهة التهديدات التي تعصف بالبلاد، كذلك فإن جماعة الإخوان كانت واضحة – وما زالت – في تأكيد موقفها بتجنب الصراع على السلطة، وأن تكون الأولوية لتعزيز التوافق الوطني وتمتين التماسك الاجتماعي". مشيراً إلى أن الإخوان ليسوا "في عداء مع مؤسسات الدولة، ولن يكونوا، وأن واجب الجميع هو صيانة كل مؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب، ومنجز قومي لأجيال المصريين المتعاقبة".
ومنذ عام 2013 تصنف الحكومة المصرية جماعة "الإخوان المسلمين" بأنها "إرهابية"، وحظرت نشاطها وتحفظت على أصولها وأصول عدد من منتسبيها وتقوم بملاحقة من يثبت انتماؤه إليها، ويقبع معظم قادتها داخل السجون المصرية شديدة الحراسة بعد إدانتهم بموجب أحكام قضائية نهائية في اتهامات تتعلق بارتكاب أنشطة إرهابية والتحريض على العنف ضد مؤسسات الدولة وقوات الأمن.
وخلال الأعوام الأخيرة طفا الشقاق بين قيادات الجماعة المقيمة بالخارج على السطح وظهرت جبهات متنافسة في ما بينها على القيادة وإدارة شؤون الجماعة، والتي كان أبرزها ما يعرف بجبهة إسطنبول وجبهة لندن وجبهة المكتب العام، فضلاً عن الإخوان المستقلين الذين يرفضون التحيز مع أية جبهة من الثلاث.
"لا مصالحة مع الإخوان"
وبينما لم تتعاط القاهرة رسمياً مع تلك الدعوات، التي تأتي بعد نحو عام من آخر دعوة مماثلة أطلقها القيادي في الجماعة حلمي الجزار، إلا أن مصدراً أمنياً مصرياً أخبر "اندبندنت عربية" في حديث مقتضب أنه لا "مجال ولا فرصة متاحة للتفاوض مع من تلوثت أيديهم بدماء المصريين"، على حد وصفه، معتبراً أن محاولة الجماعة للترويج لفكرة المصالحة ما هي إلا "مناورة من تنظيم مأزوم ومنقسم على نفسه للعودة للمشهد المصري وهو ما يرفضه الشعب قبل الحكومة".
ومنذ عام 2013 تدرج موقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من "إمكان عودة أنصار ’الإخوان‘ المسلمين في مصر إلى العمل السياسي شريطة نبذ العنف" إلى الرفض المطلق لأي احتمال لأن يكون للتنظيم دور في المشهد المصري خلال فترة وجوده في السلطة، مؤكداً أن شعب مصر لن يقبل عودتهم "لأن فكر الإخوان غير قابل للحياة ويتصادم معها"، على حد وصفه.
ففي عام 2014، بعد أشهر قليلة من وصوله السلطة، قال السيسي خلال حوار له مع وكالة "أسوشيتد برس" "كان لدى ’الإخوان‘ فرصة حكم مصر" لكن المصريين رفضوهم، موضحاً أنه "يمكن لأنصار الجماعة العودة إلى السياسة لو نبذوا العنف"، وأضاف "مصر متسامحة للغاية مع أي شخص لا يستخدم العنف... فرصة المشاركة موجودة، إلا أن ’الإخوان‘ اختاروا المواجهة".
وخلال يونيو (حزيران) 2016 طرح وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب المصري آنذاك، مجدي العجاتي إمكان التصالح مع الجماعة "شريطة نبذ العنف"، قائلاً "يمكن أن نتصالح مع الإخواني إذا لم تلوث يده بالدم لأنه مواطن في النهاية، ما دام لم ينسب إليه أي فعل إجرامي". وشدد العجاتي حينها على أهمية توافر "نيات صادقة" لدى الجماعة بعيداً من المناورة، وأن يعترفوا بأخطائهم ويدينوا الهجمات "الإرهابية" الأخيرة التي وقعت في مصر.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018 رفض الرئيس السيسي أي دور للإخوان في المشهد المصري خلال فترة وجوده في السلطة، مؤكداً أن شعب مصر لن يقبل عودتهم "لأن فكر ’الإخوان‘ غير قابل للحياة ويتصادم معها"، واتهم السيسي حينها الجماعة بأنها "قادت الفوضى في عدد من البلدان العربية كاليمن وليبيا"، موضحاً أن "ما يسمى الربيع العربي جاء بسبب واقع خاطئ بمعالجة خاطئة"، معتبراً أن قرار المصالحة "يعود إلى الشعب المصري".
وخلال أكتوبر عام 2020 عاد السيسي مؤكداً رفضه أية مصالحة مع "الإخوان" قائلاً خلال "ندوة تثقيفية" للقوات المسلحة في مناسبة الذكرى الـ47 لحرب أكتوبر 1973 إن محاولات استهداف الدولة المصرية لن تتوقف من قبل من يقومون بها، وذلك لأن هدفهم هو تدمير الدولة، مضيفاً "لو ترغبون في الراحة مما يحدث لكم يومياً فعليكم بالمصالحة، ولو تريدون المصالحة أخبروني، لكن أنا لن أستطيع المصالحة مع من يريد هدم بلدي وإيذاء شعبي وأولادي، فالأمر ليس مجرد اختلاف بل دمار وخراب أنتم (الإخوان) لا عندكم دين ولا ضمير ولا إنسانية"، وأصبح هذا الموقف الرسمي والمعلن باستمرار من جانب الحكومة المصرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاءت آخر دعوة من الجماعة في شأن المصالحة عام 2024، عندما فتحت رسالة منسوبة إلى نائب القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم والمقيم في لندن، حلمي الجزار وهو أحد أبرز قيادات تنظيم "الإخوان المسلمين" في الخارج تطالب بالعفو عن الجماعة وإطلاق سراح "معتقليها" في السجون المصرية مقابل التخلي عن العمل السياسي، لتفتح الباب مجدداً في مصر للحديث حول احتمالات وفرص تحقيق تلك "المصالحة"، بعد أعوام من إطاحتهم من الحكم خلال يوليو (تموز) 2013.
في تلك الرسالة التي نقلها أحد الإعلاميين المحسوبين على الجماعة، قال فيها إن "الجزار طلب منه أن ينقل عن لسانه أن الجماعة جاهزة للتصالح مع السلطات والقوى السياسية في مصر، وقبول مبادرتها في الصلح متعهداً بأن تتخلى الجماعة عن العمل في السياسة لمدد تراوح ما بين 10 و15 عاماً، ونسيان ما فات خلال الـ11 عاماً الماضية منذ إطاحة حكم الجماعة خلال يوليو من عام 2013".
إلا أنه سرعان ما ظهر تضارب المواقف بين صفوف الجماعة، بعدما خرج الجزار في بيان جادل خلاله في شأن ما قاله عن "ممارسة ’الإخوان‘ العمل السياسي"، قائلاً إن "عدم المنافسة على السلطة الذي أعلنته الجماعة وما زالت متمسكة به لا يعني أبداً الانسحاب من العمل السياسي الذي يظل من ثوابت مشروع الجماعة الإصلاحي"، مشيراً إلى أن الجماعة ترى في نفسها أنها "جزء أصيل من الشعب المصري تدافع عن حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل ميدان، ولا تتخلى عنه كواجب شرعي ووطني"، على حد قوله. مضيفاً أن "مطلب ترك ممارسة السياسة الذي تحوم حوله الإشاعات والتطلعات يؤكد عدم قبول التعددية السياسية، بل أحادية نظام الحكم"، ثم عاد وقال إن "’جماعة الإخوان‘ أعلنت سلفاً أن من مد لها يداً فلن يجد منها إلا الوفاء، وأنها ترحب بأية مبادرة جادة في سبيل تحرير المعتقلين السياسيين".
إلى أين تذهب هذه المحاولة؟
بينما لم تتعاط الحكومة المصرية أو أي من المؤسسات الرسمية مع تلك الرسائل حتى الآن، يستبعد كثير من المراقبين أن "تجد مثل تلك الدعوات أو المحاولات من جانب الجماعة أو المحسوبين عليها"، صدى لها على أرض الواقع في ما يتعلق بنظرة السلطات الحالية للتنظيم، واعتبار عودته "خطراً على مفاهيم الدولة الوطنية في حد ذاته".
ويقول الباحث في قضايا الأمن الإقليمي والإرهاب أحمد سلطان، إن "فتح الإخوان المسلمين ما يعرف بملف المصالحة أصبح أمراً متكرراً ولم يعد يلقى صدى كبيراً لدى متخذي القرار في مصر، بقدر ما يعكسه من عمق التأزم الذي يعانيه الإخوان المسلمون"، موضحاً في حديثه إلينا "إلى جانب أنه حتى الآن ليس هناك إجماع واضح داخل صفوف الجماعة التي تعددت جبهاتها، إلا أن الطرح الأخير لا يعدو كونه استمراراً لمحاولات الجماعة التي استمرت خلال الأعوام الأخيرة سواء بصورة مباشرة أو عبر وسطاء، لطرح الفكرة، وفي كل مرة تلقى رفضاً مطلقاً من جانب السلطة في مصر".
سلطان ذكر أن "مثل هذه الأفكار والأطروحات تخرج من وقت إلى آخر من قبل أعضاء من الجماعة أو محسوبين عليها نتيجة فشلها وانسداد الأفق أمامها، وذلك على رغم أنه ليس هناك أي حديث حقيقي عن أية مفاوضات ونيات لدى الحكومة المصرية للإقدام على ذلك"، مشيراً إلى سجالات عدة ومحادثات تدور بين قيادات الجماعة في الخارج في شأن هذا الأمر على مدى الأعوام الأخيرة، إلا أنه ومع كل مرة ينتصر الجانب المتشدد من الإخوان ويتمسك بموافقه السابقة وعدم تغيير أفكاره وهو ما تدركه السلطات في مصر.
وتابع سلطان "تبدو دعوة 'الإخوان' الأخيرة للتحاور كمحاولة للعب على الحبال، ففي وقت تلوح فيه باستمرار فكرة العنف عبر ما يسمى حركة 'حسم' والتصعيد الإعلامي والدعائي ضد مصر يتحدث بعض منهم عن استعداده للتفاوض والحوار، وهو ما يعكس الرسائل المتضاربة"، مضيفاً، "في ظل هذه الأمور يطرح سؤال مهم وهو على ماذا يتم التفاوض، أي صانع قرار يدخل تفاوض من أجل تحقيق مكاسب أو تقليل خسائر، وبالنسبة لمصر لم تعد الجماعة بالقوة ذاتها أو صاحبة تأثير حقيقي في المجتمع، وعليه فلا جدوى من التفاوض معها". مكرراً، "الجماعة الآن مأزومة ولا تملك أية مسارات عمل واضحة في الخارج فضلاً عن تحرك كثير من الدول للتدقيق في أنشطتها، ومن ثم فهي تريد العودة إلى مصر باعتبارها المركز في فكرها وعقيدتها وهو ما تدركه السلطات المصرية"، مشيراً إلى أن توقيت طرحها مرتبط بصورة رئيسة بالظرف الإقليمي وتحديداً ما حدث في سوريا، إذ رأت الجماعة في النموذج السوري مثالاً يمكن تكراره في مصر.
من جانبه يقول الكاتب المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب "أعتقد أن سعي الجماعة بعد قرابة 13 عاماً من الخصومة مع النظام السياسي في مصر، والدولة والشعب، تأتي انطلاقاً من حجم الخسائر التي مني بها التنظيم ورغبته في تعويضها أو في أقل تقدير وقف هذا النزف بالنسبة إليها"، موضحاً في حديثه معنا أن "هذه الخسائر لا تتوقف على قادتها ورموزها من هم في السجون، بل أيضاً أن الجماعة لم يعد لها مكان في الحياة السياسية وتجذر رفضها على المستوى الشعبي، فضلاً عن حجم الضغوط التي يتعرض لها التنظيم من قبل المجتمع الدولي والدول الغربية".
وذكر أديب أن "هناك خسائر مستمرة بالنسبة إلى الإخوان ومشروعهم، وربما باتوا يدركون أن استمرار تصنيفهم على قوائم الإرهاب في القاهرة، يعزز من احتمال وضعهم على القوائم السوداء للإرهاب في أميركا"، مشيراً إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في وقت سابق من الشهر الجاري بأن الولايات المتحدة في طور تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
وأوضح أنه "طوال الأعوام الماضية حاول تنظيم الإخوان مراراً وتكرراً التقرب من السلطة في مصر والأخيرة ترفض، ورفض القاهرة قائم على محددات ومرتكزات أبرزها الأحكام القضائية النهائية والباتة الصادرة ضد قادة التنظيم وعناصرها المتهمين في قضايا عنف وإرهاب"، معتبراً أن حجم العنف الذي ارتكبه عناصرها في الأعوام الماضية، يجعل الدولة تتمسك بمواقفها الرافضة أي نوع من المصالحة مع أية "ميليشيا أو جماعة أو تنظيم مارس العنف وتلوثت أيديه بدماء المصريين".
وبحسب أديب فإن "الإخوان يريدون أن يتصالحوا على نفس هيئتهم ووضعهم، من دون التراجع عن مواقف سابقة، ومن ثم فإن تصالح الحكومة المصرية معهم يمثل خطراً ليس فقط على الحكومة ولكن مفاهيم الدولة الوطنية ذاتها"، مضيفاً، "ما يطرح من قبل جبهة إسطنبول أو جبهة لندن أو حتى من قبل تيار ليبرالي يتحدث باسم الجماعة هو لا قيمة له على أرض الواقع، ولكن فقط محاولة لغسل السمعة لإشراكهم في العملية السياسية وهم (الإخوان) يدركون أن هناك حالاً من الفوضى تعم المنطقة العربية، وأن المنطقة ربما تكون مقبلة على تشابكات سياسية إقليمية ودولية ومن ثم يحاولون إعادة الحضور في الوضع الجديد والعودة مجدداً".
ويختم حديثه بالإشارة إلى أن الحكومة الآن في مصر ليس من مصلحتها "التفاوض مع الإخوان أو الانخراط في أية مصالحة"، قائلاً، "النظام السياسي في مصر هو نظام قوي غير مضطر بأية صورة كانت للإقدام على مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن، كان يمكن قبول مثل هذه الأطروحات في وقت مبكر بعد إطاحة حكم الجماعة، لكن لماذا تضطر إلى الإقدام على هذا الآن وهي في حال قوة فضلاً عن رفض الشعب لهم".