Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبعا مقابل الجولان... جس نبض أم قواعد اشتباك جديدة؟

هناك من يرى أن السلطة في دمشق تفتقر إلى أدوات التفاوض التقليدية فلا يوجد توازن قوة عسكري ولا أوراق ضغط سياسية ولا حتى شبكة تحالفات صلبة

مقترح إسرائيلي بنقل مناطق مزارع شبعا وجبل الروس إلى السيادة السورية الكاملة مقابل تخلي الأخيرة تماماً عن المطالبة بالسيادة على هضبة الجولان (أ ف ب)

ملخص

الجولان جرى تثبيت وضعه القانوني في قرارات مجلس الأمن، ولا يمكن نقله إلى منطق الترتيبات المرحلية أو المبادلات الجغرافية من دون أن يعني ذلك عملياً الاعتراف بالاحتلال.

كشفت قناة "كان 11" التابعة لهيئة البث الإسرائيلية في تقرير لها عن أن إسرائيل كانت تدرس بجدية إمكان نقل مناطق مزارع شبعا وجبل الروس المحتلين من قبلها إلى السيادة السورية الكاملة مقابل تخلي الأخيرة تماماً عن المطالبة بالسيادة على هضبة الجولان، وتلك المناطق بالعموم سيطرت عليها إسرائيل عقب ما عرف بنكسة عام 1967.

التقرير الإسرائيلي أكد أن البحث كان جارياً بجدية حول هذا الموضوع الذي يتطلب موافقة 80 عضواً في الكنيست الإسرائيلي، ولكن الموضوع عُلق على خلفية أحداث السويداء في يوليو (تموز) الماضي، من دون استبعاد إمكان استئناف البحث في المسألة ذاتها خلال الأيام المقبلة.

مصدر سوري مقرب من السلطة قال لهيئة البث الإسرائيلية إن "مسألة ربط مزارع شبعا وجبل الروس بملف الجولان قد تكون ممكنة بعد التوصل إلى اتفاق أمني بين البلدين"، لكنه أوضح أن هذا الموضوع لم يطرح خلال المحادثات الخاصة بالاتفاق الأمني، وأضاف أن "هناك الآن قضايا أكثر إلحاحاً مثل أوضاع جبل الدروز، أما قضية مزارع شبعا وجبل الروس فيجب أن تحل في إطار ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وإسرائيل".

في حين أكد مصدر مطلع آخر على المفاوضات للهيئة ذاتها أن الموضوع ليس مطروحاً حالياً على جدول الأعمال، ولكنه قد يطرح للنقاش لاحقاً.

حقوق الملكية السيادية

وبطبيعة الحال فإن مزارع شبعا هي موضع نزاع إسرائيلي – سوري – لبناني، وكانت سوريا تطالب بها على الدوام معتبرة إياها جزءاً من الجولان، فيما تعتبر المزارع أحد أسباب تمسك "حزب الله" بسلاحه، وكانت ترفض إسرائيل سابقاً أي نقاش حولها. ويذكر أن الزعيم اللبناني، الرئيس السابق لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط أدلى خلال أول زيارة له إلى دمشق بعد سقوط النظام بتصريح علني لوسائل الإعلام معترفاً بسوريّة مزارع شبعا وحقها بممارسة السيادة القانونية عليها، حاسماً بذلك ملفاً شائكاً حمل في طياته خلاف أحقية الملكية لعقود طويلة.

سياسة النشر والنفي

ومع انتشار أخبار التفاوض تلك ونيلها الحيز الواسع من التداول الإعلامي والسياسي، خرج تصريح لاحق عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ قال "الخبر الذي يفيد بأن إسرائيل درست تسليم (مزارع شبعا) هو خبر كاذب تماماً"، مما رآه متخصصون تصريحاً طبيعياً يعكس السياسة غير التنازلية التي يمثلها نتنياهو نفسه عبر اليمين المتشدد في إطار محاولة حثيثة للحفاظ على المظهر القوي الذي لا يقبل بالمقايضات، ولا يرتضي إلا بإملاء الشروط. وفي هذا الصدد يقول الخبير المتابع للشأن الإسرائيلي إسماعيل مهنا "تلك المفاوضات والأحاديث تمت فعلاً، وأكدتها إسرائيل نفسها، وأكدها مسؤولون سوريون رفيعون، لكن سياسة الظل في إسرائيل شيء، وما يجري تسريبه في الإعلام شيء آخر، وفي الحالتين قد يكون الهدف أحياناً واحداً من السماح بإعلان أمر ثم نفيه، هذه سياسة معقدة تتبعها جهات وأحزاب وتنظيمات عدة خلال الحروب أو المفاوضات، وهي رسائل موجهة للشعوب أولاً لاختبار مدى قابليتها بالفكرة، قبل أن تكون في جوهرها تحمل رسائل خارجية لترى ردود الفعل عليها، وقد تكون القصة لا تتعدى موضوع جس نبض وتحوير أنظار عن ملفات أخرى".

اختبار وضغط

الباحث الأكاديمي مالك الحافظ أوضح كثيراً من النقاط المرتبطة بما جرى طرحه، معتبراً أن الحديث الذي ظهر في الإعلام الإسرائيلي لا يمكن التعامل معه كعرض جاد أو مقترح تفاوضي مكتمل، بقدر ما هو اختبار لمدى مرونة الطرف السوري خلال المرحلة الحالية والتي سبقت تطورات السويداء، ويبدو أن ما تلاها كان رغبة إسرائيلية لزيادة الضغوط على دمشق الانتقالية التي لا تملك خيارات تفاوضية. "فالسلطة الانتقالية لا تمتلك اليوم مؤسسات سيادية قادرة على إنتاج قرار استراتيجي حول قضايا كبرى، وإنما هي محاطة بظروف ضاغطة تجعلها في موقع المتلقي أكثر من الفاعل".

وأضاف أن "من الناحية النظرية، أية مقايضة من هذا النوع تبدو متناقضة مع أبسط القواعد التي حكمت الملف السوري–الإسرائيلي منذ عام 1967. الجولان جرى تثبيت وضعه القانوني في قرارات مجلس الأمن، ولا يمكن نقله إلى منطق الترتيبات المرحلية أو المبادلات الجغرافية من دون أن يعني ذلك عملياً الاعتراف بالاحتلال. لكن الإشكال لا يتوقف عند هذا البعد القانوني أو المبدئي، بل عند القدرة الواقعية لسوريا الانتقالية على إدارة هذا الملف".

"تعبير رمزي"

ويرى الحافظ أنه في الحال الراهنة، السلطة في دمشق تفتقر إلى أدوات التفاوض التقليدية، فلا يوجد توازن قوة عسكري ولا أوراق ضغط سياسية ولا حتى شبكة تحالفات صلبة يمكن أن تمنحها موقعاً مستقلاً، مما يعني أن أي حديث عن قبول أو رفض ليس انعكاساً لإرادة وطنية جامعة، وإنما انعكاس للتوازنات التي تفرضها القوى الإقليمية والدولية الفاعلة. من هنا، يصبح "الرفض السوري" إذا صدر رسمياً تعبيراً رمزياً أكثر منه قراراً سيادياً حاسماً. إنه رفض نابع من إدراك أن إعلان القبول سيؤدي إلى اهتزاز إضافي في المشهد الداخلي، لكنه لا يخفي حقيقة أن النقاشات الخلفية قد تظل مفتوحة على مستويات أخرى، خصوصاً تلك التي تتعلق بالترتيبات الأمنية.

"في المحصلة، المسألة لا تتعلق بقبول أو رفض بالمعنى الكلاسيكي، وإنما بغياب القدرة السورية على الدخول في مقايضات بهذا الحجم أصلاً، في ظل ظرف انتقالي هش وبيئة إقليمية متحركة".

توازنات إقليمية حرجة

"اندبندنت عربية" تواصلت مع مصدر أوروبي مطلع على الشأن السوري حاول تفنيد الموقف والوقوف على معطياته، معتبراً أنه يجب البدء من الخلفية الحزبية اليمينية التي يمثلها نتنياهو شخصياً والتي بطبيعة الحال لا تسعى أساساً إلى أفضل علاقات مع السلطات السورية القائمة، ولكن من يعمل دائماً كوسيط في تلك العلاقات وهو ذاته من حصل على تعهدات الأطراف بالهدوء ما أمكن في هذه القضية، هو ترمب، "وعلى رغم ذلك إسرائيل في جانب منها تتردد حول الاتفاق الأمني نفسه، وكلما تحدث المبعوث توم براك عن اقتراب موعد الاتفاق تقوم إسرائيل بعمل عدواني من قصف وغيره".

ويرى المصدر أن القضية بين سوريا وإسرائيل أبعد بكثير من مزارع شبعا ومن أي اتفاق، إذ إن الموضوع يخضع لتوازنات إقليمية تحمل في طياتها عداءً واسعاً، فماذا يعني اعتراف نتنياهو بالمجازر الأرمينية أخيراً؟ هذا يعني أن "معركته مع أنقرة حليفة دمشق هي كسر عظم"، ويضيف أن "اللاعب التركي في هذه الحال مؤثر حيوي وقوي على الإرادة السورية نفسها، فسلطة دمشق اليوم بين ناري أنقرة وتل أبيب، الموضوع اليوم ليس بيد السوريين على رغم قسوة هذه الكلمة، لكن المهمات اليوم هي أدوار وظيفية للاعبين محليين عبر أطراف دولية وإقليمية، ولو الموضوع بيد دمشق لكانت الأمور تغيرت قبل ذلك بكثير".

ويتابع "ولنكُن واضحين، وأجزم بذلك واطلعت عليه أيضاً عبر كثير من الدبلوماسيين الأوروبيين الآخرين، إسرائيل مناورة كبيرة، لن تعيد شبراً واحداً سيطرت عليه يوماً، ولو كان ذلك سيحصل لما كانت إسرائيل وضعت عينها على السويداء، ولما كان نتنياهو مستمراً بالمجاهرة بحلم دولته الكبيرة. الوضع عملياً معقد جداً، واليوم مسعى ترمب النهائي أن يجعل من دول الخليج بيئة متناسقة ومتلاحمة مع إسرائيل، وفي السياسة الإقليمية هذا لا يمكن أن يحصل قبل أن توقع سوريا ولبنان على اتفاقات سلام الذي قال الشرع نفسه إنه لا يمكن استنساخه في سوريا، ومجدداً إسرائيل نفسها هي من تجيد اللعب على حبال التفاهمات وفق مصالحها، لكن البقية في سلطة دمشق وجمهورها ورعاتها الإقليميين والضغط المتفجر في المنطقة من صراعات حيوية حتى إن "حزب الله" ليس بعيداً منها ولو كيل إليه التهديد بالقوات السورية نفسها. وأعتقد في هذا المضمار بأن الحزب لا يمكن تهديده داخل أراضيه من قبل سلطة دمشق، وهذه المعطيات كلها مترابطة ضمن قراءة المشهد والواقع على أرض الميدان بتفاصيله الدقيقة للخروج بهذه الخلاصات الاستعجالية التي قد تحتاج إلى شروحات مطولة في تفنيدها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يمكن الاستنساخ

وكان رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع صرح أخيراً بأنه لا يمكن نسخ تجارب "اتفاقات السلام" في سوريا. وحول ذلك يعود الباحث الحافظ ليعلق قائلاً "حديث الشرع لا يخرج عن أنه محاولة لتفادي الإحراج السياسي أمام الداخل السوري، أكثر مما هو تعبير عن موقف سيادي أو رؤية استراتيجية. فالمعادلة في سوريا تختلف جذرياً، إذ لا تملك السلطة الانتقالية أوراق قوة أو مكاسب اقتصادية يمكن أن تغطي على صفقة من هذا النوع، ولا تستطيع أن تدخل في أي مسار علني شبيه من دون أن تخسر سياسياً".

ويردف "وأما أن الشرع متمسك بالجولان، فسوريا لا تملك أصلاً أدوات استعادة ولا مقومات تفاوض جدية، وما يصدر عن الشرع لا يتجاوز خطاباً يعيد إنتاج المقولات التقليدية من دون قدرة على تحويلها إلى سياسة. التمسك يفترض امتلاك أدوات أو خطة استعادة، مما لا تملكه السلطة الانتقالية. ومضمون التصريح يعبر عن طبيعة المأزق الحالي المتمثل في العجز عن تحويل الخطاب والشعارات إلى سياسة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير