Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان البندقية ينطلق الليلة بين متعة وسباق محموم

فسيفساء من أصوات ورؤى وأساليب يتقاطع فيها الخيال بالواقع والسياسة بالقلق الفردي والتجريب بالتقليدية

السجادة الحمراء تنتظر زحمة الإفتتاح الليلة (أ ف ب)

ملخص

مع أواخر شهر أغسطس (آب) من كل عام، تبدأ مدينة البندقية بارتداء وجهها السينمائي، متخلية شيئاً فشيئاً عن ثوبها الصيفي المعتاد. تكتسي جزيرة الليدو بألوان "الموسترا" الشهيرة: الأحمر والأبيض، في إشارة إلى انطلاق أقدم المهرجانات السينمائية في العالم. تفرش السجادة الحمراء بعناية، وتقام التحضيرات لاستقبال آلاف القادمين من مختلف أنحاء العالم، من صناع السينما: مخرجين، ومنتجين، وممثلين، إلى الصحافيين والنقاد، وصولاً إلى جمهور متعطش للفن السابع.

في حين تستعد أوروبا بأسرها لعودة روتين الخريف الرتيب، تختار هذه البقعة في شمال إيطاليا أن تعيش هذا الانتقال بأسلوبها الخاص. فموعد المهرجان ليس مجرد مناسبة سنوية تسجل على روزنامة الحياة الثقافية، بل هو طقس له إيقاعه الفريد، لا يدركه إلا من وطأت قدماه أرض الليدو. هناك، حيث يفرض الجمال نفسه في كل زاوية، تتكدس الضغوط، ويغدو حضور المهرجان رحلة متأرجحة بين متعة لا تضاهى وسباق يومي محموم لاقتناص كل مستجد ومثير في عالم الشاشة.

ثلاثة إلى خمسة أفلام يومياً، مقالات تكتب في سباق مع الوقت، مقابلات متلاحقة، وأروقة تعج بالأحاديث واللقاءات. هذه هي تفاصيل يومياتنا في البندقية، طوال 11 يوماً من الانغماس الكامل في صخب المهرجان. هي بلا شك لعبة ممتعة، لكنها أيضاً اختبار قاس للأعصاب، يتطلب قدراً عالياً من التركيز والمرونة. فكل قرار في جدولك اليومي قد يكلفك تفويت فيلم لن يعاد عرضه قبل أشهر، حين يصبح متاحاً للجمهور العام.

الدورة الحالية، التي تنطلق هذا المساء (الـ27 من أغسطس / آب - السادس من سبتمبر / أيلول)، تعد بأن تكون واحدة من أكثر الدورات كثافة من حيث الأسماء الكبيرة. من باولو سورنتينو إلى جيم جارموش، مروراً بفرنسوا أوزون وصوفيا كوبولا وماركو بيللوكيو وألكسندر سوكوروف. قائمة نادرة يصعب أن تجتمع بهذا الشكل، حتى في مهرجانات كبرى ككان.

وبين هذه الأسماء اللامعة، تتوزع الطموحات والأسئلة: من سيفاجئ الجميع؟ من سيخيب الآمال؟ ومن سيخط سطراً جديداً في سجل السينما المعاصرة؟ بعض المستعجلين بدأوا منذ الآن يطرحون السؤال التقليدي: من سيحمل "الأسد الذهبي" خلفاً لألمودوفار العام الماضي، الجائزة المهيبة التي ستمنحها هذا العام لجنة تحكيم برئاسة المخرج الأميركي ألكسندر باين؟

أوكلت مهمة الافتتاح في هذه الدورة إلى فيلم "النعمة" أو "العفو" (يصح العنوانان) للمخرج الإيطالي باولو سورنتينو، وهي مهمة حساسة تتسلط عليها الأنظار منذ اللحظة الأولى. سورنتينو، الذي كثيراً ما قسم النقاد بين من يرى فيه شاعر الصورة وساحرها، ومن يتهمه بالوقوع في فخ الاستعراض المبالغ فيه، يعود للبندقية في لحظة تحمل أكثر من بعد. فهذه العودة ليست فقط استعادة لصلة أولى جمعته بالمهرجان في بداياته، بل هي أيضاً تجديد لعلاقته الفنية الراسخة مع الممثل توني سرفيللو، الذي بات بمثابة مرآته السينمائية. أما القصة، فتتناول رئيس إيطالي متخيل يواجه أسئلة وجودية قبل بضعة أشهر من نهاية عهده. لكن من يعرف سورنتينو، يدرك أن خلف هذه الرقة غالباً ما يختبئ مزيج بالغ الخصوصية من الغموض والعاطفة والميلانكوليا.

فسيفساء سينمائية

المسابقة فسيفساء من الأصوات والرؤى والأساليب، يتقاطع فيها الخيال بالواقع، والسياسة بالقلق الفردي، والتجريب بالتقليدية. المخرج الإيطالي جيانفرانكو روزي يعود بفيلم وثائقي من ضواحي نابولي، في حين يغامر الفرنسي فرنسوا أوزون بمحاولة جريئة لترويض رواية "الغريب" لألبر كامو سينمائياً. أما الأميركي جيم جارموش، فيسعى إلى استعادة لمعانه عبر ثلاث حكايات عائلية، بينما يقدم اليوناني يورغوس لانثيموس جديداً يجمعه مرة ثالثة بالممثلة إيما ستون، في لعبة سينمائية تمزج بين العبثي والفانتازي.

العدد الكبير من الأفلام المتنافسة في المسابقة الرسمية يعد بموسم نقدي حافل، وسنعود لأبرز هذه الأعمال تباعاً على صفحات "اندبندنت عربية"، كلما أدهشنا عمل أو أغضبنا، أو واجهنا بمرآة الواقع القاسي الذي نعيشه.

على المستوى المناطقي، تبدو المنافسة موزعة على نحو لافت: الولايات المتحدة تشارك بخمسة أفلام، تليها إيطاليا بأربعة، ثم فرنسا بثلاثة، مع حضور قوي لكل من المجر والصين، اللتين تحضران بفيلمين لكل منهما.

عربياً، تسجل التونسية كوثر بن هنية مشاركة لافتة بفيلمها "صوت هند رجب": عمل مأخوذ من مأساة واقعية في غزة، عن فتاة صغيرة لقيت حتفها تحت القصف، بينما كانت تستغيث بالهاتف، مأساة فردية تتحول إلى شهادة سينمائية. خارج المسابقة، يبرز عدد من المشاركات العربية: فيلمان لبنانيان هما "هدوء نسبي" للانا ضاهر، و"نجوم الأمل والألم" لسيريل عريس، إلى جانب "رقية" للجزائري يانيس كوسيم. وللمرة الأولى، يحضر فيلم ليبي في البندقية بعنوان "بابا والقذافي" للمخرجة جيهان ك.، فيما تسجل السينما السعودية خطوة جديدة إلى الأمام، مع مشاركة شهد أمين بفيلمها "هجرة"، في تأكيد أن الجهود المبذولة للنهوض بالحركة السينمائية في المملكة بدأت تعطي ثمارها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى كونه منصة عرض، المهرجان هو أيضاً مناسبة للاحتفاء بذاكرة السينما الحية. هذا العام، يكرم المخرج الألماني فرنر هرتزوغ، الذي أعاد عبر مسيرته تعريف معنى المغامرة السينمائية، إلى جانب النيوزيلندية جاين كامبيون والممثلة الأميركية الأيقونية كيم نوفاك (92 سنة)، فيما تمنح جوائز شرفية لكل من الأميركيين غاس فان سانت وجوليان شنايبل المشاركين في هذه الدورة بعملين جديدين.

هل تكون الدورة الـ82 دورة كبيرة تتجاوز ما قدمته النسخة الأخيرة من كان؟ المنافسة بين المهرجانين على أشدها. ومن الصعب فصل "الموسترا" عن علاقتها التاريخية المعقدة بكان، فكلاهما ولد في مناخين سياسيين متضادين، بل ومعاديين في لحظتهما التأسيسية. ومع ذلك، فإن العلاقة بينهما ليست عدائية بقدر ما هي تكاملية. "السعفة الذهبية" تظل الرمز الأرفع دولياً من حيث البريق والاعتبار، بينما تحول "الأسد الذهبي" في السنوات الأخيرة إلى بوابة مرموقة نحو جوائز الـ"أوسكار".

غير أن أبرز نقاط الاختلاف بين المهرجانين تكمن في تعاملهما مع منصات البث، فبينما يصر كان على إغلاق أبوابه أمام هذا النوع من الإنتاجات متمسكاً بنقائه السينمائي، تبدو البندقية أكثر انفتاحاً، تتعامل مع المنصات باعتبارها جزءاً من المشهد السينمائي الحديث. ومع ذلك، لا يلام الفرنسيون على هذا التشدد، فهم يقاتلون لحماية صالات السينما الفرنسية من تهديد منصات العرض التدفقي، وهي صالات ما زالت تشكل مصدر الإيرادات الأول في أوروبا، في حين تعاني إيطاليا تراجع في الإقبال ولم تعد بعد للأرقام التي كانت تسجلها قبل الوباء وقد لن تعود أبداً.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما