ملخص
بدأت إسرائيل حملة برية مثيرة للجدل ضد غزة، وسط احتجاجات داخلية وانقسامات عسكرية غير مسبوقة، فيما تسعى في الوقت نفسه إلى القضاء على "حماس" وتأمين إطلاق سراح رهائنها. تتزايد الشكوك حول قدرة نتنياهو على الاستمرار، إذ إن السابع من أكتوبر يُنظر إليه بوصفه الفشل الأمني الذي دشّن بداية نهايته السياسية.
بدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد مدينة غزة، مصحوبة باحتجاجات في المدن الإسرائيلية، وإدانات دولية واسعة النطاق. المتصور أن تكون هذه العملية البرية المرحلة الأخيرة في الحملة الإسرائيلية لتدمير حركة "حماس"، باعتبارها القوة المسؤولة عن هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وهي عملية محفوفة بالأخطار مثل أي من الهجمات السابقة التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة، بل تعد من أكثرها إثارة للجدل.
استغرق المجلس الوزاري الأمني المصغر يوماً كاملاً تقريباً لإقرار العملية قبل أسبوعين، مع إعراب كبار القادة العسكريين علناً عن شكوكهم. الاحتجاجات في الشوارع ضد أخطار العملية نفسها، وضد استدعاء 60 ألف جندي احتياط (مع دعوات غير مألوفة من بعضهم للمجندين برفض الالتحاق)، إضافة إلى المخاوف من أن تجعل هذه العملية الجديدة في غزة عودة الرهائن الإسرائيليين المتبقين، والذين قد يكون 20 منهم لا يزالون على قيد الحياة، احتمالاً أبعد مما هو عليه بالفعل.
وكانت المفاوضات مع كل من قطر ومصر قد استؤنفت للتوصل لوقف لإطلاق نار جديد، وإمكان إطلاق سراح الرهائن، لكن مع تمسك إسرائيل بأن أي وقف لإطلاق النار مشروط بعودة جميع الرهائن، وبعد فشل الجولات السابقة، لا يكاد يوجد تفاؤل بالنجاح. في هذه الأثناء، تستمر عملية الإجلاء القسرية لأكثر من مليون فلسطيني عن مدينة غزة إلى باقي أنحاء القطاع المدمر.
ويتصدر المشهد رئيس الوزراء الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية لنحو 30 عاماً، بنيامين نتنياهو، الذي ساعدته قدرته على الصمود السياسي على البقاء في منصبه على رغم الأزمات والفضائح التي هددت بإسقاطه. ومع بدء العملية في مدينة غزة، يبرز سؤال مشروع حول ما إذا كانت هذه المرة ستكون مخاطرة تتجاوز حدود الاحتمال.
العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، التي كان هدفها المعلن تدمير حركة "حماس"، تحولت في جوانب كثيرة إلى حملة غير معتادة من جانب إسرائيل. فقد بدت العملية مرتبكة، وتفتقر إلى القيادة العامة، ومفرطة في استخدام القوة النارية، وقاسية في حجم الخسائر البشرية، وغير فعالة، وانتقامية في ما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية.
من الصعب فهم كيف يمكن، في مواجهة خصم ضعيف التجهيز نسبياً، لدولة وجيش معروفين بدقتهما العسكرية في أماكن أخرى أن يتسببا في مثل هذا الدمار على مدى فترة طويلة، وفي أرض يعرفانها جيداً من احتلالهما السابق لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يكون جزء من التفسير هو عدم التكافؤ بين القدرات لدى الجانبين، وحقيقة أن حركة "حماس" كانت وما زالت مندمجة داخل السكان المدنيين، لكن سبباً آخر كان بالتأكيد هو وجود الرهائن الإسرائيليين، إذ وجدت إسرائيل نفسها تسعى إلى تحقيق هدفين متعارضين: القضاء على "حماس"، وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن، أحياءً إن أمكن.
لو لم يكن هناك رهائن، لكانت العمليات الإسرائيلية في غزة أبسط بكثير، وإن لم تكن أقل وحشية. وربما كان إدراك "حماس" للقيمة التي توليها إسرائيل لحياة مواطنيها جزءاً من منطق هجومها في السابع من أكتوبر. وكان أثر ذلك لا يقتصر على تعقيد الخطط العسكرية الإسرائيلية، بل أدى أيضاً إلى انقسام بين الإسرائيليين: بين من يرون أن على قيادتهم أن تكون أكثر استعداداً للقبول بوقف إطلاق النار أملاً في تسريع عودة الرهائن سالمين، وبين من يعتبرون أن هزيمة "حماس"، والانتقام لهجوم السابع من أكتوبر، هو الأولوية القصوى.
كما ظهرت انقسامات بين قطاعات من الجيش الإسرائيلي، حيث كان رئيس الأركان من بين الذين شككوا علناً في جدوى الهجوم على مدينة غزة. وتجلت الانقسامات أيضاً بين بعض قدامى المحاربين الرافضين لإعادة التجنيد، وبين جنود الاحتياط الذين أعلنوا أنهم سيرفضون تلبية الاستدعاء. وهذا مستوى غير مسبوق تقريباً من المعارضة في بلد تعتبر فيه الخدمة العسكرية ركناً من أركان العقيدة الوطنية، ويستثنى منها فقط اليهود الأرثوذكس.
قد تكون هذه الانقسامات في النهاية قاتلة بالنسبة إلى نتنياهو، ولكن ليس بعد.
فلقد بقي نتنياهو في السلطة تحديداً لأنه الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على التحالفات المعقدة التي تفرزها الانتخابات الإسرائيلية. وربما، كما يقال أحياناً، فإن تمسكه بالسلطة يعكس خشيته من الملاحقة القضائية بتهم الفساد إذا غادر منصبه، لكن بقاءه الطويل في الحكم ربما يعكس أكثر تردداً شعبياً في تغيير القيادة في وقت ينظر فيه إلى أمن الدولة على أنه مهدد.
أما السؤال عما إذا كانت هذه العملية، التي تبدو في هذه المرحلة دموية وسيئة الإدارة ولم تتمكن حتى الآن من هزيمة "حماس"، ستشكل الفشل الذي ينهي مسيرة نتنياهو ويطبعها، فأفضل القول إن الأحداث التي أدت إلى اندلاعها هي التي ستحدد ذلك، إذ إن عمليات القتل التي وقعت في السابع من أكتوبر 2023 تمثل فشلاً ذريعاً للاستخبارات والأمن في بلد ينظر إليه على نطاق واسع بوصفه مرادفاً للتفوق في المجالين، وقد حدث ذلك في عهد نتنياهو. من المفهوم أن يختار البقاء في منصبه ليقود الرد، ثم يواصل تحدي كل انتكاسة بإصرار في سعيه لتحقيق الهدف المنشود.
لكن، ومهما سيكون عليه مستقبل غزة، فإن السابع من أكتوبر سيظل إلى الأبد بداية النهاية لمسيرة نتنياهو.
© The Independent