ملخص
حققت الانتفاضة عندما كانت بالحجارة ما لم تحققه صواريخ "التنك" التي استغلها الإجرام الصهيوني لمحو غزة من الخريطة حتى تحول القطاع إلى خراب، وبقي الأبرياء وحدهم يدفعون الثمن، بينما قيادات التنظيم تتنعم في العواصم مرفهة تزايد على جراح مواطنيها الجوعى والمكلومين لتصوغ بطولات وهمية من خلف المكاتب.
ليس من السهل على تنظيم مثل "حماس" أن يتقبل فكرة الدولة، فالمسألة بالنسبة إليه وجودية لا تقبل المساومة وغير قابلة للتفاوض، فالتنظيم لا يعترف بالمسار السياسي ولا بالمؤسسات المدنية التي تقدم فيها المصالح الوطنية على الشعارات الفارغة والمغامرات العبثية، و"حماس" تعلم ألا أحد يرضى بكيان مسلح داخل دولة، وأنه لا وجود لسيادة في ظل جناح عسكري مستقل بقراره أو يأتمر بأجندة عابرة للحدود، والمثال حاضر في لبنان حيث تحولت الفصائل المسلحة إلى شماعة تستخدمها إسرائيل كلما أرادت إذلال النخبة السياسية واختراق سيادة الدولة اللبنانية العاجزة عن بسط سلطتها والمحرجة أمام شعبها، والعالم الذي يمد يده لمساعدتها وينتظر منها أن تمارس صلاحياتها ليتعامل معها كدولة ذات سيادة على كامل أراضيها.
لهذا لا يبدو مستغرباً أن تقف "حماس" اليوم ضد أي مسعى إلى إقامة الدولة الفلسطينية، بما في ذلك المؤتمر الدولي الذي نظمته السعودية بالشراكة مع فرنسا كأول تحرك دولي جاد منذ عقود لإعادة القضية الفلسطينية لمسار الحل السياسي، وإحراج الكيان الاستيطاني أمام العالم، فـ "حماس" لا ترى الدولة إلا نهاية لدورها وتكبيلاً لمغامراتها، ولا ترى أي حل سياسي إلا تهديداً لعقيدتها، ولذلك تقاتل مؤسسات الدولة ووجود الدولة كما تقاتل الاحتلال، وترفض المسار السياسي لأنه ببساطة بحر عميق لا مجال فيه لمن اعتاد الاصطياد في المياه العكرة والسباحة عكس التيار، وهنا نتذكر ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" من وثائق عُثر عليها في أحد أنفاق غزة حين اعترف يحيى السنوار لقادة حركته قبل عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بأن الهدف من العملية هو "إحباط الاتفاق السعودي - الأميركي"، قائلاً "نحتاج إلى عمل استثنائي لإحباط التطبيع".
وهكذا اُختصرت القضية في تعطيل مسارات السلام بدلاً من اقتناص الفرص لمصلحة الشعب الفلسطيني، ثم جاء "العمل الاستثنائي كما سمّاه السنوار ليجر على غزة أسوأ مأساة في تاريخها بعشرات آلاف القتلى والجرحى والمكلومين والجوعى، ودمار غير مسبوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد حققت الانتفاضة عندما كانت بالحجارة ما لم تحققه صواريخ "التنك" التي استغلها الإجرام الصهيوني لمحو غزة من الخريطة حتى تحول القطاع إلى خراب وبقي الأبرياء وحدهم يدفعون الثمن، بينما قيادات التنظيم تتنعم في العواصم مرفهة تزايد على جراح مواطنيها الجوعى والمكلومين وتصوغ بطولات وهمية من خلف المكاتب، حتى سُلم القرار الفلسطيني من خلال "حماس"، طوعاً أو سذاجة، إلى المحور الخاسر بكل ما يحمله من شعارات فارغة ومشاريع عبثية، وقدّمت الحركة الشعب الفلسطيني كبش فداء في معركة إقليمية وحسابات لا ناقة له فيها ولا جمل.
كل ما جرى بعد السابع من أكتوبر 2023 من تعاطف دولي وتحرك شعبي وانكشاف لوجه الاحتلال لم يكن نتيجة عبقرية التخطيط بل نتيجة هول الفاجعة، فالعالم لم ينتبه لما يحدث في غزة لأن "حماس" نجحت في مغامرتها، بل لأنه صدم من مشهد الموت الجماعي وصور الأطفال تحت الركام، بينما انشغلت "حماس" ببناء سلطتها وتسلطها، وكرّست الانقسام الداخلي بدلاً من بناء جبهة وطنية موحدة حتى تحولت القضية الفلسطينية، بفعل هذا الانقسام، إلى ملف تتنازعه الأجنحة والأجندات أكثر مما يوحده العدو، في مشهد عبثي بلا أفق.
تبني السعودية مع شركائها اليوم رؤية سياسية واقعية تنطلق نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تحفظ الكرامة وتفتح الأفق، والواجب أن نؤمن بهذه الرؤية وندعمها بوصفها المسار الوحيد القادر على إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق وحفظ الدم الفلسطيني، أما دعوات الخراب والانتحار التي تعادي هذا النهج وتدعي احتكار النضال فقد ثبت فشلها الذريع خلال الـ 100 عام الماضية، إذ لم تجلب سوى الهزائم والانقسامات والدمار.
مسار السلام اليوم يعني وقف النزف والانقسام الفلسطيني وإنقاذ ما بقي من الأرض والبشر، وإنقاذ شعب صمد طويلاً وآن له أن يعيش تحت ظل دولة لديها مؤسساتها وقراراتها المسؤولة، دولة تدرك أن القضية لا تحتاج إلى صواريخ عشوائية ولا شعارات جوفاء، بل تحتاج قيادة موحدة تمثل شعبها وتدرك مصالحه في السلم قبل الحرب.