ملخص
لعل أحد أقدم خطوط النفط التي يمتلكها العراق، هو الأنبوب المار عبر الأراضي السورية، والذي يربط نفط كركوك بميناء بانياس السوري، بطاقة تصل إلى 300 ألف برميل باليوم بطول يمتد إلى 800 كيلومتر، وتم انشاؤه في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن الأزمات الأمنية التي مرت بها المنطقة أدت إلى إغلاقه ما أدى إلى تضرره بشكل كبير وبات يتطلب أعمال صيانة مكلفة.
يبدو أن العراق بات يفكر جدياً في إيجاد بدائل لتصدير نفطه، لا سيما وأنه يعتمد بنسبة 95 في المئة على واردات النفط في تغذية موازنته السنوية. وعلى رغم امتلاك العراق خطاً لتصدير النفط الخام عبر ميناء جيهان التركي إلا أن سعة الأنبوب لا تتجاوز في أحسن الحالات وبعد تطويره المليون برميل يومياً.
ويُسمح للعراق، بحسب حصته في منظمة "أوبك"، أن يصدّر 3.3 مليون برميل، وبذلك يحتل المرتبة الثانية في بلدان المنظمة بعد المملكة العربية السعودية.
وكان العراق في سبعينيات القرن الماضي يمتلك عدداً من الأنابيب النفطية مع الدول المجاورة استخدمها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لا سيما في حربه مع إيران (1980 – 1988)، إضافة إلى موانئه على الخليج العربي التي يصدر حالياً عبرها نفطه، بعد توقف الأنبوب عبر ميناء جيهان التركي، إثر الدعوى القضائية التي رفعها ضد تركيا وكسبها نتيجة سماح تركيا بتصدير نفط إقليم كردستان من دون موافقة حكومة بغداد.
ولعل أحد أقدم خطوط النفط التي يمتلكها العراق، هو الأنبوب المار عبر الأراضي السورية، والذي يربط نفط كركوك بميناء بانياس السوري، بطاقة تصل إلى 300 ألف برميل باليوم بطول يمتد إلى 800 كيلومتر، وتم انشاؤه في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن الأزمات الأمنية التي مرت بها المنطقة أدت إلى إغلاقه ما أدى إلى تضرره بشكل كبير وبات يتطلب أعمال صيانة مكلفة.
ويبدو أن الإدارة السورية الجديدة أدركت أهمية الأنبوب النفطي وحاجة العراق إلى التوسع في إنشاء أنابيب جديدة. وأجرى وزير الطاقة السوري محمد البشير محادثات مع المسؤولين العراقيين في 12 أغسطس (آب) الجاري، لبحث إحياء الأنبوب.
وخلال اللقاء الذي جمع البشير بنظيره العراقي حيان عبد الغني، أبدى الأخير رغبة بلاده في إعادة إحياء خط النفط السوري- العراقي، واقترح الاستعانة بجهة استشارية متخصصة لتقييم الوضع الحالي، بما في ذلك دراسة إمكانية إعادة تأهيل الخط القديم أو إنشاء خط جديد.
وأشار عبد الغني إلى أن "التطورات الأخيرة في المنطقة قد تؤثر في مسارات صادرات النفط العراقي"، مما يجعل البحث عن منافذ بديلة أمراً ضرورياً. وأضاف أن "العراق حقق إنجازات كبيرة في مجالات استثمار الغاز ومجال تكرير النفط، ويسعى إلى زيادة الطاقات التصديرية من المنافذ الجنوبية، واستئناف التصدير من الأنبوب التركي عبر ميناء جيهان، فضلاً عن دراسة مقترحات التصدير عبر خط بانياس السوري وخط طرابلس اللبناني".
ويدرس العراق حالياً خيارات عدة لتصدير نفطه لا سيما في ظل رفع قدرته الإنتاجية، وعزمه زيادة انتاجه من 4 ملايين برميل باليوم إلى 8 ملايين برميل بنهاية عام 2027، ومن هذه الخيارات أنبوب "بصرة- عقبة" الذي لقي اعتراضات كبيرة بسبب الأوضاع الأمنية في سوريا والخلافات السياسية المستمرة بين بغداد ودمشق وعدم الجدوى الاقتصادية.
الخط السوري والتاريخ السيئ
ويشير رئيس قسم تسويق النفط والغاز في جامعة المعقل، نبيل المرسومي، إلى أنه "لا جدوى اقتصادية من إنشاء أنبوب نفط كركوك بانياس"، مشدداً على "ضرورة تطوير خط نفط كركوك جيهان بدل إنشاء هذا الخط". وأضاف المرسومي أن "تاريخ خط كركوك- بانياس مليء بالمشكلات منذ إنشائه في خمسينيات القرن الماضي، ففي عام 1956 تم تفجير محطات ضخ النفط في الجانب السوري احتجاجاً على حرب السويس في عام 1956، وفي عام 1973 عدلت سوريا ومن جانب واحد الاتفاقية الموقعة بينها وبين العراق مما أدى إلى زيادة رسوم المرور من 22 سنتاً لكل برميل إلى 43 سنتاً، وفي عام 1982 أغلقت سوريا هذا الخط، وعاد من جديد في عام 1997 قبل أن يتوقف في عام 2003".
وصلتُ اليوم إلى العاصمة العراقية بغداد لبحث آفاق التعاون المشترك في قطاع النفط مع الأشقاء في العراق، ومناقشة سبل إعادة تأهيل وصيانة خط كركوك – بانياس بما يخدم مصالح بلدينا الشقيقين ويعزز التكامل في مجال الطاقة. pic.twitter.com/X5bBCftzJT
— م. محمد البشير (@EMAlbasheir) August 11, 2025
15 مليار دولار
وبيّن المرسومي أن "طاقة الخط هي 300 ألف برميل يومياً"، مشيراً إلى "تشكيل لجنة من وزارة النفط للعمل مع شركة إيطالية في عام 2009 لتقدير كلفة إحياء الخط، وقد قُدِّرت كلف التأهيل بـ 780 مليون دولار، فيما قُدِّر إنشاء خط جديد بـ 11 مليار دولار وفق أسعار عام 2009. واستبعد المرسومي إمكانية تأهيل الخط مرة أخرى، معتبراً أن المشروع يحتاج إلى إعادة بناء خط جديد بكلف أعلى تقارب الـ 15 مليار دولار، بينما إنتاج النفط في حقول كركوك قليل ولا يلبي سوى الاستهلاك اليومي لمصافي النفط في العراق، إذ يبلغ إنتاجه 300 ألف برميل باليوم".
من دون جدوى اقتصادية
من المستبعد أن ينفق العراق 14 مليار دولار حتى يربط نفط كركوك بميناء بانياس السوري وميناء طرابلس اللبناني، حتى يصدّر نحو 200 ألف برميل يومياً كونه غير مجدٍ اقتصادياً بحسب المرسومي الذي أكد أن العوامل السياسية والأمنية في سوريا لا تساعد على إنشاء هذا الخط.
ولفت المرسومي إلى وجود |خيارات أخرى فيها جدوى اقتصادية، أحدها مد أنبوب يمتد من حقول البصرة وصولاً إلى الخط التركي الذي يصل إلى ميناء جيهان، وبهذا ممكن إحياء الخط الاستراتيجي السابق الذي يربط حقول الجنوب بحقول الشمال. والخط الاستراتيجي هو أنبوب نفطي يربط حقول الجنوب بحقول الشمال".
وشدد المرسومي على "ضرورة ابتعاد العراق من البحث عن منافذ تصدير تمر بالمنطقة العربية كونها منطقة ملتهبة وغير مستقرة سياسياً وأمنياً، وإنما التمسك بخطه القديم إلى ميناء جيهان التركي بعد ربطه بحقول الجنوب كونه سيوفر أسواق تصدير جديدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورقة ضغط ضد الأتراك
بدوره بيّن الخبير في مجال الطاقة كوفند شيرواني أن "طرح مسألة أنبوب كركوك بانياس هو أسلوب ضغط ضد الأتراك في ظل المفاوضات المقبلة حول تجديد الاتفاق النفطي بين العراق وتركيا".
وقال شيرواني، "منذ سبعينيات القرن الماضي أصبح خط كركوك- بانياس خارج الخدمة وتم تركه لفترة طويلة ولذلك لا يمكن إصلاحه، إلا أنه من الممكن إنشاء خط جديد بنفس المسار من حقول كركوك إلى ميناء بانياس بطول أكثر من 800 كيلومتر وهي مسافة طويلة تحتاج إلى أموال كبيرة تصل إلى 10 مليارات دولار، ومن الصعوبة تأمين هذا المبلغ". وأضاف أن "إنشاء خط جديد يعني زيادة سعة الأنبوب النفطي الذي كان ينقل 300 ألف برميل باليوم، وسيكون منافساً لخط كركوك جيهان بحسب شيرواني، الذي أشار إلى أن إنشاء مثل هذا الخط في ظل الظرف غير المستقر في سوريا غير مجدٍ".
وذكر شيرواني أن "خط كركوك- بانياس من الممكن زيادة سعته لتصل إلى مليون برميل باليوم، وبذلك يمكن تصدير كل نفط الشمال، بما فيه نفط الموصل وصلاح الدين وكركوك، فضلاً عن حقول إقليم كردستان، وهو خط مكتمل ويمثل مساراً جيداً لايصال النفط العراقي إلى الأسواق الأوروبية".
منافذ تصدير جديدة
وأفاد شيرواني بأن "العراق يبحث عن أكثر من منفذ ويحاول أن يجد بدائل عن الخليج العربي كونه منطقة قابلة للاشتعال في أي وقت، ولذلك جميع خطوط التصدير البديلة مهمة سواء عبر موانىء جيهان أو بانياس أو طرابلس اللبناني أو العقبة الأردني، إلا أنه يجب البحث عن أفضل الخطوط الذي فيه جدوى اقتصادية للعراق". وخلص إلى القول إن "العراق يحاول أن يضغط على تركيا من خلال التلويح بإنشاء الخط (كركوك- بانياس)، لا سيما في ظل المفاوضات المرتقبة لتجديد الاتفاق النفطي مع تركيا بشأن مرور النفط العراقي، لا سيما وأن الاتفاق المقبل سيشمل الكثير من الموارد منها الكهرباء".
دعم سياسي واقتصادي
في السياق، قال الصحافي باسم الشرع إن إنشاء أنبوب كركوك- بانياس يشكل دعماً سياسياً واقتصادياً لسوريا. وأضاف أن "العراق ومنذ عام 2003 يحاول فتح معابر عدة لتصدير نفطه، غير خط الخليج وتركيا، ولهذا فإن القضية السياسية حاضرة في هذا الأمر كون العراق يريد علاقات جيدة مع الإدارة السورية الجديدة ويريد وصولاً سريعاً لنفطه إلى البحر المتوسط".
وبيّن الشرع أن "العراق يفكر سياسياً بهذه القضية التي تشكل ورقة اقتصادية مهمة في المنطقة، لا سيما بوجود النظام الحالي في سوريا. وأعتقد أن قرار إنشاء هذا الخط يشكل جزءاً من الدعم الاقتصادي لسوريا ويحظى بدعم أميركي، إلا أن هذا المشروع قد يُعرقَل بسبب الكلفة الباهظة".