ملخص
قال محللون لـ"اندبندنت عربية"، إن مسيرة السوق المالية السعودية في عام 2025 كشفت عن مراحل جديدة في نضجها، إذ أظهرت قدرة السوق على التكيف مع الضغوط العالمية التي أسهمت في تراجعها.
تواجه الأسهم السعودية خطر تسجيل إحدى أسوأ الأسواق العالمية أداءً منذ بداية العام الحالي، إذ تقع تحت ضغط تحديات معقدة تتمثل في تقلبات أسعار النفط، والتوترات الجيوسياسية، والتأثيرات المباشرة لقرارات السياسة النقدية الأميركية.
في الوقت ذاته، تحتفظ السوق بجاذبية متميزة بفضل سيولتها العالية، وإصلاحاتها التنظيمية، وانضمامها إلى مؤشرات عالمية مرموقة مثل "مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال" و"فوتسي راسل".
وبحسب إحصائية أعدتها "اندبندنت عربية" استناداً لبيانات السوق المالية السعودية، تراجع مؤشر السوق المالية السعودية (تاسي) بنسبة تجاوزت 9 في المئة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية يوليو (تموز) الماضي، مع تداوله حالياً بالقرب من 10900 نقطة، وذلك بعدما فقد نحو 7.2 في المئة خلال الربع الثاني من 2025، مسجلاً ثالث خسارة فصلية على التوالي.
يعني ذلك أن أداء "تاسي" السنوي لا يزال ضعيفاً مقارنة بأسواق أخرى ناشئة ومتقدمة وسط تعرضه لعمليات بيعية وضغوط على أسعار الأسهم من قبل المؤسسات، تزامناً مع تأثره بالتطورات الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط.
وخلال الفترة ذاتها، حقق مؤشر "مورغان ستانلي" للأسواق الناشئة مكاسب تتخطى الـ 17 في المئة، كما سجل مؤشر الأسواق المتقدمة ارتفاعاً بنحو 16.2 في المئة.
وسجل متوسط قيم التداول اليومية بالسوق المالية السعودية في الربع الأول نحو 5.9 مليار ريال (1.57 مليار دولار)، ثم انخفض في الربع الثاني إلى 5.5 مليار ريال (1.47 مليار دولار)، ووصل إلى 4.5 مليار ريال (1.2 مليار دولار) في الربع الثالث.
وبلغت الخسائر السوقية الإجمالية منذ بداية العام الحالي نحو 1.16 تريليون ريال (310 مليارات دولار)، وخلال أول سبعة أشهر من العام الحالي، اتجهت المؤسسات السعودية للبيع مسجلة صافياً بلغ 17.94 مليون ريال (4.78 مليون دولار)، فيما اتجه الأجانب والأفراد السعوديون للشراء محققين صافي شرائي بقيمة 18.91 مليار ريال (5.04 مليار دولار).
الجميع بانتظار الفائدة
مع وضع السوق يتلمس المستثمرون قرارات الفائدة الأميركية، إذ يشكل ذلك محركاً للأسواق هذا الأسبوع، ومن المنتظر نشر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليوليو (تموز) الماضي خلال هذا الأسبوع، ومن المقرر أن يتضمن تفاصيل عن أسباب قرار إبقاء الفائدة من دون تغيير.
وعلى رغم أن الأسهم السعودية بدأت تشهد تحسناً في نمط التداول، بعد أدائها المتراجع منذ مايو (أيار) الماضي، وبعدما خسر المؤشر الرئيس قرابة تسعة في المئة، منذ مطلع 2025 فإن عدداً من المحللين يرون تحسناً متوقعاً خلال الفترة المقبلة.
خسائر مليارية
قال محللون لـ"اندبندنت عربية"، إن مسيرة السوق المالية السعودية في عام 2025 كشفت عن مراحل جديدة في نضجها، إذ أظهرت قدرة السوق على التكيف مع الضغوط العالمية التي أسهمت في تراجعها.
وأشار المحللون إلى أن هذا الأداء، على رغم أنه متأخر عن المكاسب الكبيرة التي حققتها المؤشرات الأخرى، يعكس خصوصية السوق المرتبطة بتركيزه على القطاعات غير النفطية والاستراتيجيات التنموية ضمن "رؤية 2030"، ما يمنحها ميزة جوهرية لا يمتلكها كثير من الأسواق الناشئة الأخرى.
وأوضح المحللون أن ارتباط السوق السعودية بقرارات الفائدة الأميركية لا يزال عاملاً مؤثراً، إذ يضغط على شهية المخاطرة وكلفة التمويل عبر منهجية "سايبور".
مع ذلك، لفت المحللون إلى أن السوق أصبحت أكثر قدرة على التكيف مع هذه المتغيرات، من خلال آليات سيولة داخلية متطورة، وأكدوا أن أي تيسير نقدي أميركي مرتقب، قد يحفز من تدفق السيولة ويخفض كلفة رأس المال، ما يزيد من جاذبية الاستثمار في القطاعات التي تعتمد على التمويل كالعقارات.
وبين المحللون أن سلوك المستثمرين في السوق تظهر تبايناً واضحاً بين النشاط المكثف للمستثمرين الأفراد، الذي يسبب تذبذباً على المدى القصير، وبين الاستراتيجيات طويلة الأمد للمؤسسات التي تضيف عمقاً واستقراراً للسوق.
وأضافوا أن انضمام السوق السعودية إلى مؤشرات عالمية كبرى لم يكن مجرد اعتراف دولي بجودة بنيتها السوقية، بل أدى إلى جذب مليارات الدولارات من التدفقات النقدية التلقائية، ما عزز السيولة واستقطب أموالاً نشطة لاحقاً، لافتين إلى أن السوق السعودية تتميز بكونها واحدة من أكبر أسواق المنطقة، مدعومة بمشاريع كبرى مرتبطة بـ"رؤية 2030"، التي تمنحها قاعدة نمو قوية.
حساسية مفرطة لتقلبات النفط
ونوه المحللون إلى أن السوق لا تزال حساسة لتقلبات أسعار النفط، بخلاف أسواق مثل الهند التي تعتمد على قاعدة استهلاكية داخلية ضخمة تمنحها مرونة أكبر.
وأشاروا إلى أن استمرار الإنفاق الرأسمالي الكبير في السعودية يشكل تحدياً للاستدامة المالية، في حين أن طريق السوق نحو تصنيف ضمن الأسواق المتقدمة يتطلب تعزيز الاستقرار المالي وتطوير قطاعات ديناميكية جديدة.
هيكلة تنظيمية
قال نائب الرئيس التنفيذي لشركة "أف أتش كابيتال" طارق قاقيش، إن مقارنة أداء السوق السعودية في عام 2025 مع الأسواق العالمية يكشف عن مراحل جديدة في مسيرة السوق، على رغم تراجعها، وذلك بفضل هيكله التنظيمي وبنيته التحتية التي تهيئ لتحقيق ردود إيجابية أسرع في المستقبل.
وأشار إلى أن ارتباط السوق بسعر الفائدة الأميركية لا يزال مؤثراً، لكن هذا الارتباط أصبح أكثر قدرة على التكيف.
وبالنسبة لسلوك المستثمرين، أكد قاقيش، على أن المستثمرين المؤسسيين أصبحوا قوة موازنة للتقلبات، فيما أسهمت زيادة الوعي المالي في رفع مستوى مشاركة الأفراد.
وعند مقارنتها بالأسواق الناشئة، أوضح أن السعودية تتميز بنموذج اقتصادي متوازن، على رغم تحديات حساسية الاقتصاد لتقلبات النفط، ولفت إلى أن الطريق نحو تصنيف السوق ضمن الأسواق المتقدمة يتطلب تعزيز الاستقرار المالي وتطوير قطاعات ديناميكية.
كلفة وتقييمات
أوضحت المحللة المعتمدة لدى أكاديمية "كي ويلث" بالرياض مها سعيد، أن المؤشر العام للسوق المالية السعودية (تاسي) تخلف عن معظم الأسواق الناشئة والمتقدمة، التي استفادت من زخم قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأكدت أن قرارات الفائدة الأميركية تؤثر مباشرة في كلفة التمويل وتقييمات الأسهم، مشيرة إلى أن الدراسات الصادرة عن صندوق النقد الدولي تؤكد هذا الارتباط البنيوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت سعيد، بأن بيانات التداول ليناير (كانون الثاني) الماضي تظهر أن الأفراد استحوذوا على 56.8 في المئة من قيم الشراء، مما يسبب تذبذباً أكبر على المدى القصير.
وبينت أن انضمام السوق المالية السعودية إلى مؤشرات عالمية شكل نقطة تحول كبيرة، إذ راوحت التدفقات المرتبطة بمؤشر "فوتسي" ما بين 15 و18.75 مليار ريال (4 و5 مليارات دولار) و"مورغان ستانلي" ما بين 37.5 و48.75 مليار ريال (10 و13 مليار دولار) أثناء مراحل الإدراج.
ثقة مؤسسات
قال نائب رئيس إدارة البحوث في "كامكو إنفست" رائد دياب، إن السوق المالية السعودية سجلت أسوأ أداء بين أسواق دول الخليج خلال السبعة أشهر الأولى من العام الحالي، بتراجع بلغت نسبته 7.2 في المئة، وذلك بسبب التوترات الجيوسياسية وتراجع أسعار النفط، إضافة إلى بقاء أسعار الفائدة مرتفعة نسبياً.
وأشار إلى أن المستثمرين المحليين كانوا صافي بائعين بقيمة 5.2 مليار ريال سعودي (1.39 مليار دولار)، بينما سجل الأجانب صافي مشتريات بقيمة 4.9 مليار ريال (1.31 مليار دولار)، ما يشير إلى ثقة المؤسسات العالمية في مستقبل السوق.
وأضاف أن انضمام السعودية إلى المؤشرات العالمية وخططها التنموية الطموحة ضمن "رؤية 2030" تجعلها وجهة استثمارية جاذبة على المدى الطويل.
اعتماد قواعد الاستثمار الأجنبي
في السياق ذاته، اعتمد مجلس هيئة السوق المالية السعودية القواعد المنظمة للاستثمار الأجنبي في الأوراق المالية المدرجة، وتعليمات الحسابات الاستثمارية، وفق ما أوردته صحيفة "أم القرى" الرسمية.
وتهدف القواعد المنظمة إلى بيان الأحكام المنظمة للاستثمار الأجنبي في الأوراق المالية المدرجة وأدوات الدين وصناديق الاستثمار.
وتهدف تعليمات الحسابات إلى تنظيم فتح الحسابات الاستثمارية وتشغيلها من قبل مؤسسات السوق المالية عند تقديمها أي خدمات تتعلق بأعمال التعامل، أو الإدارة، أو الحفظ، أو الاستثمار من عبر منصات التمويل الجماعي بالأوراق المالية.
ونصت القواعد على تقييد استثمارات الأجانب غير المقيمين في السوق الرئيسية بفئات محددة تشمل المستثمر الأجنبي المؤهل، والمستثمر الاستراتيجي الأجنبي، والمستفيد النهائي في اتفاقية مبادلة مبرمة مع مؤسسة سوق مالية، إضافة إلى العملاء الأجانب للمؤسسات المالية المرخص لها من الهيئة في ممارسة أعمال الإدارة، شريطة أن تكون مؤسسة السوق المالية عُيّنت بشروط تمكّنها من اتخاذ القرارات الاستثمارية كافة نيابةً عن العميل من دون الحاجة إلى الحصول على موافقة مسبقة منه، وكذلك الأجانب المقيمون أو الذين سبق لهم الإقامة في السعودية أو إحدى دول مجلس التعاون وفتح حساباً استثمارياً أثناء إقامته في السعودية أو في إحدى دول مجلس التعاون.
وتتضمن القواعد تحديد سقف لملكية الأجانب مجتمعين (بجميع فئاتهم سواء المقيمون منهم وغير المقيمين، فيما عدا المستثمرين الاستراتيجيين الأجانب) لا يتجاوز 49 في المئة من أسهم أيّ مُصدر تكون أسهمه مدرجة أو أدوات الدين القابلة للتحويل الخاصة بالمُصدر، فيما لا يجوز للمستثمر الأجنبي غير المقيم – باستثناء الاستراتيجي – تملك 10 في المئة أو أكثر من أسهم أي مُصدر تكون أسهمه مدرجة أو أدوات الدين القابلة للتحويل الخاصة بالمُصدر.
وأشارت القواعد إلى إلزام المستثمر الاستراتيجي الأجنبي بالاحتفاظ بالأسهم التي يمتلكها لمدة لا تقل عن عامين من تاريخ تملكه لها، كذلك منعت الشخص الأجنبي الذي يستثمر بشكل مباشر في أدوات الدين تحويلها إلى أسهم مدرجة في السوق الرئيسة، ما لم يكن ذلك الشخص من إحدى فئات المستثمرين الذين يُسمح لهم بالاستثمار بشكل مباشر في تلك الأسهم، أو يصبح مستفيداً نهائياً في اتفاقية مبادلة وفق أحكام الباب الرابع من هذه القواعد.
ونصت القواعد على أن يكون المستثمر الأجنبي ذا صفة اعتبارية، وأن تبلغ قيمة الأصول التي يملكها أو يديرها أو يحفظها هو أو مجموعته عند التقدم بطلب فتح حساب استثماري 1.875 مليار ريال (500 مليون دولار) أو أكثر، مع استثناء بعض الفئات من هذا الشرط مثل صناديق التقاعد، والصناديق الوقفية، وعميل صانع السوق، والجهات الحكومية والصناديق السيادية، إضافة إلى المنظمات الدولية التي تكون السعودية عضواً فيها.