Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجانات لبنان: من فيروز وبعلبك إلى نجوم "التيك توك"

يفتقد هذا الموسم الأعمال المسرحية الغنائية الضخمة بسبب نقص التمويل

اقترنت مهرجانات لبنان مع المشهديات الأسطورية وقدمت إلى العالم أسماء عظيمة منها صباح وفيروز ووديع الصافي (ا ف ب)

ملخص

في صيف 2025، استعادت المهرجانات الدولية زخمها، وسيطرت عليها الحفلات الغنائية للمشاهير على حساب إنتاج "المسرح الغنائي". وفيما يشبه "العدوى"، تنافست المناطق في تنظيم المهرجانات السياحية الصيفية، على رغم كونها لم تعكس روح وثقافة الجبل اللبناني.

لا تكاد تنجو منطقة لبنانية من إقامة مهرجان صيفي، أو احتفالية موسيقية وفنية من دون أن تنتج أثراً فعلياً في تلك المدن والبلدات اقتصادياً واجتماعياً، ولكن ما إن تنتهي هذه الفعاليات حتى تعود عجلة الحياة إلى رتابتها. مع استثناء كبير لمناطق الجنوب اللبناني، حيث الدمار لا يزال الحاضر الأبرز بسبب الحرب الأخيرة.

وعلى رغم المنافع الاقتصادية الكبرى لهذه الأعمال، فإنه بات ملاحظاً غياب الإنتاجات الفنية الضخمة، أو القصص الملحمية المعبرة والقامات اللبنانية الكبيرة لمصلحة "التريند"، باسثناء عودة مارسيل خليفة. وقد طغت المنافسة بين نجوم ومؤثري السوشيال ميديا للاستثمار في رحيل الموسيقار زياد الرحباني وكيل المديح وسيل التكريمات البلاغية.

وبين هذا وذاك، يحافظ بعض النجوم على مكانتهم المتقدمة على مسرح صيف لبنان، وتحديداً "قيصر الغناء العربي" كاظم الساهر، والنجوم اللبنانيون وائل كفوري وأليسا ومروان خوري والموسيقي غي مانوكيان.

تاريخ الفن اللبناني بطعمة سياسية

تاريخياً، اقترنت مهرجانات لبنان الدولية مع المشهديات الأسطورية، إذ قدمت إلى العالم أسماء عظيمة من صباح وفيروز وزكي ناصيف ووديع الصافي ونصري شمس الدين. وتحولت معها البلاد إلى "أيقونة الفن والجمال" في الشرق، لتصبح الإطلالة على هياكل بعلبك أو مسرح بيت الدين حلماً لكل فنان لتخليد اسمه في ذاكرة الأجيال.

يؤصل الصحافي اللبناني الفني روبير فرنجية "فلسفة المهرجانات الدولية في لبنان"، التي كانت تهدف إلى نشر الفولكلور والتراث اللبناني في كل بقاع العالم، وكانت البدايات مع الأسماء العريقة وفي مقدمها روميو لحود والأخوان عاصي ومنصور الرحباني، والموسيقار توفيق الباشا، وفرقة الأنوار، وعمالقة الغناء.

ويتوقف فرنجية عند رعاية تلك المهرجانات من قبل رؤساء الجمهورية، والزعماء السياسيين وكذلك الأحزاب السياسية، وقد اشتهرت بعض "السيدات الأُول" برعاية تلك المهرجانات كما هي حال السيدة زلفا شمعون زوجة رئيس الجمهورية السابق كميل شمعون، وسيدات أخريات بارزات مثل السيدة ماي عريضة. ويقول إن "تلك المهرجانات كانت أشبه ببطاقات بريدية للعالم عن لبنان خلال ستينيات القرن الماضي، إلا أن الحرب الأهلية (1975 – 1990) كانت مدمرة لكل شيء، حيث توقفت تماماً". مع انتهاء الحرب، بدأت المهرجانات بالعودة تدريجاً، مستذكراً الحفل الكبير للسيدة فيروز في قلب بيروت عام 1994، وهو ما شكل "عدوى إيجابية" ومناسبة لعودة مهرجانات الأمل إلى مختلف المناطق اللبنانية.

تطور في الهوية

يلاحظ فرنجية تغييراً في شخصية المهرجانات اللبنانية، في السابق كان طابعها تراثياً وفلكلورياً، قبل أن تشهد بعض التحولات وتتحول إلى مهرجان دولي، فعلى سبيل المثال، عندما أطلق الرئيس السابق سليمان فرنجية مهرجانات إهدن في الشمال كانت ذات نفحة فلكلورية، وشهدت تطوراً لتصبح "إهدنيات" الدولية، وتستقبل أسماء عالمية ومنها خوليو إغليسياس وديميس روسوس، وغلوريا غينير وآخرون. أما مهرجانات الأرز شمال لبنان أيضاً فقد عادت بنسخة مختلفة عما سبق، التي كانت تحتضن أعمالاً كبرى منها للأخوين رحباني كمسرحية "هلا والملك".

يتوقف فرنجية عند ما رأى أنه ازدهار في ظاهرة المهرجانات عقب انتخابات الرئيس الجديد للجمهورية جوزاف عون، وبدء انتظام المؤسسات الدستورية.

مهرجانات خارج التصنيف

يتطرق روبير فرنجية إلى ما سماه "مهرجانات خارج التصنيف" على غرار تنظيم عشرات الاحتفاليات المحلية الخاصة بأبناء البلدات والقرى، في المقابل "لا يتجاوز عدد المهرجانات السياحية التي يعتد بها أصابع اليد الواحدة، لأنها تقدم إنتاجات نوعية محلية، وتتضمن مهرجانات كبيرة، وتستقطب أسماء بارزة من الشرق والغرب"، لكن في الوقت نفسه يغيب الإنتاج المسرحي الغنائي على غرار ما كان يحصل سابقاً.

كذلك تستوقفه "موضة تكريمية" خلال هذه المهرجانات أو الأعمال الفنية، لعل آخرها توجيه التحية للفنان الراحل زياد الرحباني من بيروت إلى بعلبك، وإهدن، مشدداً على أن "تكريم زياد الرحباني لا يكون إلا بتنظيم احتفالية خاصة تليق باسمه ومسيرته".

غياب المسرح الغنائي

في الماضي، احتضنت المهرجانات الدولية "المسرح الغنائي اللبناني"، حين أسرت فرقة كركلا وجدان الجمهور اللبناني والدولي بجمالية استثنائية، قبل أن تتحول تلك المهرجانات إلى مجموعة من حفلات "الليلة الواحدة" الغنائية. يعزو أحد أبرز مؤسسي المسرح الغنائي اللبناني الفنان عمر كركلا تلك التحولات إلى العامل الاقتصادي والسياسي، إضافة إلى الوضع الأمني العام في منطقة الشرق الأوسط وتأثير جائحة كورونا الذي دام أعواماً، مؤكداً أن إنتاج الأعمال الفنية الراقية يحتاج إلى موازنة كبيرة، وإلى كثير من الوقت، والإمكانات المادية، لأن الفن مكلف، معتبراً أن "الأعمال الفنية مستمرة في لبنان بـاللحم الحي، أي بمجهود ذاتي من الفنانين وبعض الداعمين المتحمسين". ويقول كركلا "عندما أقرر القيام بعمل فني، لا بد من أن يكون ضخماً ومبهراً بجميع المعايير، وليس عملاً عادياً لإرضاء الأهل والأصدقاء". ويقول "ما نقدمه من صورة عن لبنان إلى العالم هو مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الفنان، ولا يمكن تقديم تنازلات في شأنها، لأن الأعمال الفنية المهمة لا تموت، وهناك عروض لأوبرا مستمرة لـ45 عاماً في لندن وفي باريس وبلجيكا، وهي أكبر مثال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر كركلا بارتباط بعض المهرجانات اللبنانية بالإنتاجات الفنية الضخمة والأعمال الجديدة مثلما هي حال مهرجانات بعلبك الدولية، إضافة إلى استقبال أهم الفرق الفنية الدولية للمرة الأولى، "كما كانت تستقبل مهرجانات رؤساء وملوك العالم، أما حالياً فقد أصبحت مهرجانات محلية على نطاق ضيق". ويضيف "قد يكون مبرراً لبعض المنتجين إقامة حفلات لأسماء غنائية مشهورة، إذ يأتي الفنان لقضاء ليلته، والغناء على المسرح، والسفر في اليوم التالي. وهو ما يختلف عن استقدام عمل استعراضي، إذ يفترض تأمين نفقات السفر والإقامة لعدد كبير من عناصر الفرقة، إذ يحتاج ما لا يقل عن ثلاثة أشهر بين بدء التحضيرات والعرض".

ويكشف عن أن عرضاً واحداً من عروض كركلا يتطلب إرسال ثلاث حاويات كبرى من الملابس والديكورات، وتستغرق أحياناً أشهراً للوصول، إضافة إلى إرسال الفرق المتخصصة في الموسيقى والرقص، وغيرها من الأمور كالبناء والتنظيم".

اختلاف الأذواق والأعمال الفنية

تراجع الأعمال الفنية الضخمة يثير تساؤلاً في لبنان حول اختلاف الأذواق بين الماضي والحاضر، ومن ثم عدم اقتصار الأسباب على الجانب التمويلي. يجيب الفنان عمر كركلا "يضع المنتج في حسابه إعادة الاستثمارات في الأعمال الفنية، وتحقيق الربح المادي. ولا يمكن إنكار تأثير التقدم الاتصالي التقني في هذا المجال، فقد أصبح المستخدم قادراً على متابعة أي حفل أو عرض مباشرة من خلال شاشة هاتفه، ولم تعد تستثيره فكرة الأحداث الفنية الكبرى"، مضيفاً "العمل الفني الناجح هو بمثابة القنبلة التي تفرض على الجميع تأثيرها، وهو ما لا تحققه مجرد أمسية فنية واحدة للتسلية والسهر".

من جهة أخرى يتعامل عمر كركلا بإيجابية مع ظاهرة المهرجانات بغض النظر عن قيمتها الفنية والإنتاجية، فهي في رأيه "تنشر حال الفرح بين الناس"، و"قد يكون فأل خير على البلد، وبارقة أمل بانطلاق مرحلة جديدة من التعافي على غرار ما كان لبنان في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية وفرصة لعودة المغتربين إلى مناطقهم، من شمال لبنان إلى بقاعه وجنوبه، أياً كانت طبيعة المهرجان"، مختصراً موقفه بـ"دع الناس تغني وتصفق خير لها من أن تتصادم وتتقاتل، ولتبقى كلمة الفرح أفضل من كلمة المآسي".  

التريند في المقدمة

شهدت مهرجانات لبنان "تريند" من نوع آخر، حين تنقلت بعض الأسماء المحببة لجيل الشباب بين منطقة وأخرى، فيما يبدو أنه محاولة تسويقية لبعض المناطق السياحية على حساب الإنتاج الفني الضخم.

يأتي المغني السوري "الشامي" في رأس القائمة التي تجتذب الآلاف من المراهقين، فهو حيثما حل، انتشر الجدل والجذب والرد حول شخصيته وأدائه والمحتوى المقدم. إضافة إلى المغني "سانت ليفانت" الذي حقق شهرة من خلال أغنية واحدة "الكلمنتينا". ناهيك باستفادة المغني محمد شاكر من الانتشار الكبير للديو مع والده فضل شاكر "كيفك ع فراقي"، أما النقطة البارزة فكانت بتنظيم أولى حفلات مؤثرة التيكتوك السورية بيسان إسماعيل، وما أعقبها من سيل الانتقادات بسبب أدائها بعض الأغاني.

وفي هذا السياق يشير الصحافي روبير فرنجية إلى أن "النجم الشامي يستقطب فئة عمرية شبابية ومعظمهم من أبناء 14-18 سنة، إذ نجد أن حفلاته دائماً مكتملة الحضور، وعليه فإنه نجم من نجوم شباك التذاكر، ولكن في المقابل، إذا ما أخذنا كاظم الساهر لوجدنا أن جمهوره لم يقتصر على المحلي اللبناني، وإنما جاءت شريحة واسعة من العراق ودول عربية وخليجية، وشكل فرصة لاستقطاب السياح من الخارج".

مبادرات مستمرة بإطار محلي

بعيداً من التقييمات المعيارية لمهرجانات صيف لبنان، إلا أنها تشكل عنصراً جذاباً لـلمغترب اللبناني، وتحاول شريحة كبرى ترتيب زيارتها إلى موطنها مع مواعيد بعض المهرجانات. في المقابل، تستفيد بعض المناطق من الإقبال الصيفي، وتحويله من مناسبة ظرفية عابرة إلى محاولة للترويج السياحي المستدام لبعض المناطق، وتشجيع بعض المبادرات التي تهدف إلى تمكين المرأة، كما هي حال مبادرة "الضيعة هون" في بلدة بخعون الشمالية التي شكلت فرصة لعرض عشرات العائلات والمؤسسات والسيدات منتجاتها اليدوية والبيتية.

أما في مدينة الميناء، حيث تجتمع مواهب فنية متنوعة، فتقدم عروض فنية وموسيقية عدة في شارع يعقوب اللبان التراثي.

ويلفت العازف محمد قدور أن "الهدف ليس مادياً أو بيع كثير من البطاقات للعروض الفنية بقدر ما هو محاولة جذب الناس إلى المنطقة الجميلة التي تتمتع بمزايا سياحية فريدة"، مشيراً إلى أنها "فرصة لإحياء السياحة في المدينة الشمالية، وتقديم عروض متنوعة عربية وأجنبية لمحبي الحياة". كذلك يتحدث عن تقديم أسماء موهوبة وجديدة خارج ظل الأسماء الكبيرة في المهرجانات الكبيرة، إضافة إلى الفرق التي تجمع الموسيقى والغناء. وتتطلع تلك المبادرات للسير على خطى المهرجانات "الجبلية" التي أسهمت في تنشيط الحركة السياحية في المناطق المرتفعة على رغم بعد المسافة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات