ملخص
بحثت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه مع رئيس الأركان العامة للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية، محمد الحداد، أمس الخميس، الملفات المهمة في طرابلس قبل إحاطتها المقبلة أمام مجلس الأمن الدولي في 21 أغسطس الجاري.
تكثف الأمم المتحدة من تحركاتها في الغرب الليبي بهدف تثبيت الهدنة في العاصمة طرابلس وبحث خطوات توحيد المؤسسة العسكرية والذهاب نحو استحقاقات انتخابية في البلاد.
وبحثت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه مع رئيس الأركان العامة للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية، محمد الحداد، أمس الخميس، الملفات المهمة في طرابلس قبل إحاطتها المقبلة أمام مجلس الأمن الدولي في 21 أغسطس (آب) الجاري.
تطورات تأتي بالتزامن مع حديث رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة عن أهمية وجود جيش وطني موحد، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية باتت "قادرة وفاعلة في وجه كل المجرمين".
وطالب الدبيبة بإنهاء جميع المظاهر الخارجة على سلطة الدولة، وجعل السلاح حصراً في يد المؤسسات النظامية، وذلك بمناسبة الذكرى 85 لتأسيس الجيش الليبي في التاسع من أغسطس عام 1940.
وتزامن حديث الدبيبة حول حصر السلاح تحت راية الدولة، مع تأكيدات عربية أخرى مماثلة على غرار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي شدد على أنه "لا مبرر لوجود أي سلاح خارج مؤسسات الدولة"، وكذلك قرار مجلس الوزراء اللبناني يقضي بتكليف الجيش وضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة، بما في ذلك سلاح "حزب الله" قبل نهاية العام الحالي.
عملية صعبة
وسبق وأكدت تقارير أممية ودولية وجود 29 مليون قطعة سلاح خارج الأطر القانونية للدولة الليبية ما يؤكد صعوبة حصر الأسلحة الموجودة بيد المجموعات المسلحة التي ينحدر أغلب عناصرها من مختلف القبائل وفق تأكيدات المتخصص في الشأن الأمني العميد عادل عبد الكافي الذي يصف حصر السلاح في ليبيا بـ"المهمة الصعبة".
ويقول عبد الكافي في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن هذا التوجه يتطلب حكومة موحدة لديها سلطة على كامل التراب الليبي، منوهاً إلى أن التقارير الأممية التي تحدثت عن انتشار 29 مليون قطعة سلاح "غير دقيقة". ونوه بأن العدد وصل إلى 31 مليون قطعة سلاح متنوعة بين أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة منتشرة في المنطقة الغربية والشرقية والجنوبية بطريقة غير شرعية.
وأوضح المتخصص في الشأن الأمني أن ارتفاع الأسلحة راجع إلى تدفقها عن طريق الفيلق الأفريقي الروسي وأيضاً هو دليل على فشل عملية "إيريني" التي أقرها الاتحاد الأوروبي لمنع دخول الأسلحة إلى ليبيا بطريقة غير قانونية.
وقال العميد الليبي إن عملية نزع السلاح تحتاج إلى دولة مستقرة بمؤسساتها العسكرية، فالحكومة الوطنية تتحدث عن حصر السلاح في مناطق سيطرتها فقط أي في بعض مناطق الغرب الليبي وليس كله باعتبار أن الدبيبة لا يسيطر على جميع مناطق القطب الغربي، وحكومته لا تمتلك قرار تبعية جميع التشكيلات المسلحة، لذلك لا يمكن حصر السلاح في كل المناطق على رغم قيام الحكومة بعدة عمليات أمنية ضد أوكار المسلحين.
ونبه إلى أن التقارير الأممية والدولية التي تشير إلى وجود 29 مليون قطعة سلاح هي غير دقيقة، لأن هناك ممرات أخرى للأسلحة تأتي إلى الأراضي الليبية وتخزن شرقاً وجنوباً، ثم يعاد شحن كميات منها إلى السودان والساحل والصحراء الأفريقية عبر النيجر بوركينا فاسو ومالي، موضحاً أن حجم الأسلحة في تزايد وتصاعد بخاصة في ظل الوجود الروسي الذي يعمل على تزويد قائد قوات الجيش الليبي بالمنطقة الشرقية خليفة حفتر بالسلاح.
ويعتقد عبد الكافي بأن حصر السلاح في ليبيا عملية صعبة ومعقدة خصوصاً أن غالبية قادة هذه الكيانات المسلحة تنحدر من قبائل معروفة، باعتبار أن التركيبة الاجتماعية في ليبيا تسودها القبلية، على رغم أن معظم هذه التشكيلات تعتبر مشرعنة على رغم انقسام تبعيتها بين المجلس الرئاسي والحكومة ورئاسة الأركان ووزارتي الدفاع والداخلية، لذلك غالبية التشكيلات المسلحة هي مشرعنة ولديها قراراتها. وذكر أن الحكومة الوطنية لا تقصد بحصر السلاح في ليبيا كل من الجنوب والشرق الليبي لأنها مناطق تقع خارج سيطرتها.
شروط ضرورية
بدوره، قال عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نالوت إلياس الباروني، إن جميع الحكومات المتعاقبة على مدار الأعوام الماضية فشلت في حصر السلاح وإنهاء المظاهر المسلحة في ليبيا، واصفاً حصر السلاح بالأمر الصعب على المدى القريب.
واستدرك الباروني بأن الأمر ممكن في المدى البعيد ولكن بشروط يبقى أولها وجود سلطة شرعية موحدة ومنتخبة من الشعب الليبي، إضافة إلى توازن القوى بين الجماعات المسلحة لأن معظمها تحولت إلى كيانات قائمة الذات تمتلك مصادر تمويل ولها علاقات إقليمية ودولية، على رغم أن عدداً منها مندمج شكلياً ضمن مؤسسة الدولة على غرار وزارات الداخلية والدفاع، ولكنها لا تزال تتصرف باستقلالية.
وأوضح أن وجود مشروع وطني شامل لتوحيد المؤسسات الأمنية ونزع السلاح ضروري لحصر السلاح في ليبيا، فبحسب التقديرات الأممية هناك 29 مليون قطعة سلاح في بلد تعداد سكانه أقل من سبعة ملايين نسمة يعد تحدياً كبيراً، مؤكداً أن السلاح لم يعد مقتصراً على الجماعات المسلحة بل امتد للمواطنين الليبيين، إذ أصبحت غالبيتهم تمتلك السلاح في بيوتهم كجزء من الشعور بالحماية الشخصية من بطش الجريمة المنظمة.
وأكد الباروني أنه من غير الواقعي الحديث حول عملية حصر للسلاح في الظرف الحالي من دون توحيد لمؤسسات الدولة ووجود اتفاق سياسي شامل ودعم دولي فعال.
فتنة قبلية
وعن عملية حصر السلاح بيد الدولة، حذر المتخصص في العلوم السياسية إلياس الباروني من أن هذا الأمر قد يشعل نار الفتنة من القبائل وحكومة الدبيبة، بخاصة أن غالبية عناصر الجماعات المسلحة تنحدر من قبائل معروفة.
وأوضح أن هذا التوجه من الممكن أن يؤدي إلى ردود فعل قوية من القبائل بل وحتى إلى فتنة داخلية إذا لم يجر التعامل مع هذه الإشكالية بحذر سياسي وذلك للأسباب التالية، كالطابع القبلي للمشهد الليبي حيث لا تزال القبيلة تلعب دوراً محورياً في التوازنات السياسية والاجتماعية وهو شق سلبي سيضعف عملية حصر الأسلحة، إضافة إلى أن الكثير من التشكيلات المسلحة ترتبط بهوية قبلية وأصبحت حتى جهوية داخل العاصمة طرابلس.
وذكر أن غياب الثقة في الدولة واستقلالية القضاء سيدفع تجاه عدم تسليم القبائل لأسلحتها، مؤكداً أن المحاولات السابقة لحل الجماعات المسلحة جميعها فشلت أو نتجت منها صدامات، ولعل ما حدث في طرابلس في الفترة الأخيرة عند محاولة حل جهاز دعم الاستقرار خير شاهد على ذلك. ونوه بأن جميعها سوابق تعزز خشية احتمالات الفتنة.
وأبرز أن أي محاولة لحصر السلاح من دون حوار قبلي ومجتمعي واسع وضمانات متفق عليها قد تجعل ليبيا مقبلة على فتنة داخلية عميقة ستعيد الاصطفافات المسلحة، خصوصاً إذا طبق القرار بشكل انتقائي على جماعة من دون أخرى، مشيراً إلى أن حصر السلاح أمر ضروري لكنه معقد جداً في ليبيا، فوجود مقاربة وطنية أمر غير كافٍ بل يجب أن تسبقه مصالحة وطنية، يسبقها بدورها حوار مجتمعي، وأيضاً ينبغي أن يكون هناك مشروع سياسي جامع.
خريطة طريق
الباروني ذكر أن التواصل مع القيادات القبلية هو مفتاح نجاح هذه العملية لتجنب الاقتتال داخل ليبيا، ولتفادي دخول البلاد في حرب بسبب حصر السلاح يقترح خريطة طريق سياسية لحصر السلاح في ليبيا لتجنب فتيل الفتنة، تبدأ أولاً بتمهيد سياسي واجتماعي قبل أي خطوة نزع سلاح تحت رعاية أممية محايدة، ثم تليها دعوة لزعماء القبائل والقيادات المسلحة للمشاركة في طاولة حوار حول مستقبل الأمن في ليبيا.
وقال إن تقديم ميثاق شرف وطني لضمان عدم استهداف أي مكون أمني أو سياسي خلال عملية حصر السلاح ضروري جداً، يليه إعلان عن خريطة إصلاح أمني تدريجي متكامل تشمل إعادة هيكلة وزارتي الدفاع والداخلية لتكوين مؤسسات مهنية، إضافة إلى دمج تدريجي للجماعات المسلحة في قوات الأمن النظامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن إنشاء قوة وطنية محايدة مشتركة للإشراف على عملية حصر السلاح يبقى أهم خطوة في خريطة طريق تنهي وجود السلاح خارج الأطر القانونية في ليبيا.
وعن الآلية المقترحة لتنفيذ خريطة حصر السلاح، أشار الباروني إلى إمكانية تشكيل قوة وطنية مكونة من عناصر من الشرق والجنوب والغرب بإشراف لجنة محلية ودولية لضمان النزاهة، منوهاً إلى أنه من الضروري بعث برنامج للتنمية والبدائل لتعويض المحاربين حتى تنجح هذه العملية، إضافة إلى تقديم حوافز لمن يسلم السلاح على شكل قروض لبعث مشاريع اقتصادية، ودمج المقاتلين السابقين في القطاع الأمني والمدني عبر برامج تأهيل تشرف عليها وزارة التعليم التقني والفني لتأهيل هؤلاء المقاتلين.
وطالب بأن يرافق هذه العملية إصدار قانون عفو مشروط عن الأفعال السابقة مقابل الالتزام بالسلم وتفكيك الجماعات المسلحة، موضحاً أنه بعد اكتمال آلية التنفيذ تأتي مرحلة الحصر الفعلي للسلاح، بحيث تبدأ العملية في المناطق الأكثر استقراراً وتعاوناً ثم الانتقال تدريجاً للمناطق الأكثر تعقيداً، وإنشاء ما يعرف بـ"آلية الإنذار المبكر" أي تشكيل لجان محلية لرصد مؤشرات التوتر القبلي، لرصد أي توتر بالوساطة عند ظهور أي بادرة من الفتنة أو احتجاز مسلح.
ويعتقد الباروني أن تثبيت المسار عبر دستور وانتخابات تنظم الحياة السياسية للدولة الليبية خطوة مهمة جداً في عملية حصر السلاح، باعتباره ليس قراراً أمنياً بل سياسي واجتماعي واستراتيجي يتطلب حواراً قبلياً شاملاً حتى نتجنب الصدام، مؤكداً أن الهدف من هذه الخريطة هو معالجة البعد المعيشي والاقتصادي الذي يدفع الكثير من الأفراد لحمل السلاح وأيضاً تقليل الاعتماد على القوة كوسيلة للبقاء.