ملخص
تراهن الشركات الكبرى على أن التوجه العالمي الحالي يعني تباطؤ التحول في مجال الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، وبالتالي سيظل الطلب على النفط والغاز عالمياً في منحى صعود قوي لعشرات السنين المقبلة
استغل رؤساء شركات الطاقة العالمية الكبرى موسم إفصاحات الشركات عن أدائها المالي للربع الثاني من العام الحالي، وخططها للمستقبلية لإعلان العودة للتركيز على استكشافات جديدة في مجال النفط والغاز، بعد سنوات من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. وبدأت الشركات الكبرى، مثل "بريتيش بتروليم" و"شيفرون" و"إكسون موبيل" و"شل" و"توتال انرجي"، زيادة الاستثمار في البحث عن احتياطات غاز ونفط جديدة.
وتراهن الشركات الكبرى على أن التوجه العالمي الحالي يعني تباطؤ التحول في مجال الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، وبالتالي سيظل الطلب على النفط والغاز عالمياً في منحى صعود قوي لعشرات السنين المقبلة.
ذلك مع تراجع توقعات التحول السريع في مجال الطاقة نتيجة زيادة كلف مشاريع الطاقة المتجددة، بسبب عودة ارتفاع التضخم واستمرار أسعار الفائدة مرتفعة.
كما أن الاضطرابات الجيوسياسية دفعت الحكومات نحو إعطاء الأولوية لأمن الطاقة، على حساب جهود مكافحة التغيرات المناخية وتقليل انبعاثات الكربون.
ويقود الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا التوجه، بدعوته إلى مزيد من الحفر والتنقيب والإنتاج للوقود الأحفوري.
وتقدر شركة "وود ماكنزي" الاستشارية أن تباطؤ التحول في مجال الطاقة نحو المصادر المتجددة سيجعل العالم بحاجة إلى الطاقة من الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم).
وطبقاً للتوقعات سيكون النمو السنوي للطلب العالمي على النفط بنسبة خمسة في المئة سنوياً مع منتصف العقد المقبل.
وبحسب تقديرات الشركة، كما نشرتها صحيفة الـ"فاينانشيال تايمز"، فإن العالم سيحتاج إلى أكثر من 100 مليار برميل إضافية من النفط والغاز من الاستكشافات الجديدة بحلول 2050 لسد فجوة العجز.
ما مدى استمرار الحاجة إلى النفط؟
تأتي تلك التوقعات بزيادة الطلب على النفط بعد سنوات من تراجع استثمار الشركات الكبرى في الاستكشاف والتنقيب والإنتاج.
وتقول مديرة أبحاث الاستكشاف في "وود ماكنزي" جيسيكا شيوسك إن "هناك حاجة هائلة إلى مزيد من النفط والغاز"، مضيفة "هناك فجوة معروض كبيرة لا يمكن لعمليات الاندماج والاستحواذ التغلب عليها على المدى الطويل"، موضحة "تعاود الشركات مد الخطوط ليس فحسب إلى المناطق التي تنتج منها، وإنما للوصول إلى المناطق التي سينقبون فيها وينتجون منها".
وترى شيوسك أن شركات الطاقة تحاول الآن "اللحاق بالركب"، بعدما أهملت الاستكشاف والتنقيب في السنوات الأخيرة إلى حد ما، واختارت التركيز على خفض الكلفة والاستعداد للتحول في مجال الطاقة نحو المصادر المتجددة، مما يؤكد النهج الجديد أنه في العام الماضي جرى استكشاف 5 مليارات برميل من النفط في العالم، وبحسب تقديرات شركة "رايتساد انرجي" للاستشارات في مجال الطاقة تمثل تلك الكمية نسبة 19 في المئة من الإنتاج النفطي العالمي.
تأتي شركة "بي بي" في مقدمة الشركات التي بدأت العودة للاستثمار في الوقود الأحفوري على حساب التوجه نحو الطاقة المتجددة الذي استثمرت فيه 15 مليار دولار منذ عام 2021، مما أثار قلق المستثمرين في الشركة، وتحت الضغط على الشركة كي تزيد الربحية وتعوض الاحتياطات لديها أعلنت في فبراير (شباط) الماضي أنها ستزيد الاستثمار في النفط والغاز بقوة.
ولدى الشركة الآن خطط لحفر نحو 40 بئراً استكشافية في مناطق عملها حول العالم، على مدى ثلاث سنوات مقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت "بي بي" أخيراً أكبر كشف نفطي لها في ربع قرن في مقابل شواطئ البرازيل، ووصف الرئيس التنفيذي للشركة موراي أوشينكلوس في حديثه إلى المحللين هذا الأسبوع الاستكشافات الأخيرة بأنها "تاريخية".
كذلك تتجه شركة "شيفرون" نحو تغيير المسار والعودة للاستثمار في النفط والغاز، بعد سنوات من التركيز على خفض الكلف والاستثمار فحسب في النفط الصخري، بدلاً من نفط المياه العميقة الأكثر كلفة، وأدى ذلك إلى انخفاض احتياطات الشركة النفطية إلى 9.8 مليار برميل فحسب العام الماضي، وهو أقل معدل احتياطات لها في أكثر من 10 سنوات.
وفي كلمته إلى المحللين هذا الشهر قال الرئيس التنفيذي مايك ويرث، إنه "ليس سعيداً بنتائج الاستكشافات في السنوات الأخيرة".
وسبق أن أعلن ويرث في مايو (أيار) الماضي أن الشركة تمد "خطوطاً لفرص مستقبلية" بإضافة 11 مليون فدان، من مناطق الاستكشاف منذ العام الماضي.
هل تكفي زيادة استثمارات الشركات لسد فجوة الطلب؟
لم تتوقف استثمارات شركات الطاقة الكبرى في النفط والغاز في السنوات الأخيرة، لكنها تراجعت بشدة لصالح الاستثمار في الطاقة المتجددة على أساس أنها مصدر الطاقة المقبل في ظل التحول العالمي بعيداً من الوقود الأحفوري، إنما في العام الأخير عادت الشركات للاستثمار في النفط والغاز مع تعديل توقعات الطلب بالارتفاع.
مع ذلك تظل الاستثمارات في النفط والغاز أقل بكثير، مما يكفي لسد فجوة العرض المتوقعة.
لذلك تتوسع شركة "إكسون موبيل" مثلاً في استثماراتها للتنقيب والاستكشاف، بعدما كان تركيزها في السنوات الأخيرة على غويانا التي أضافت الاكتشافات فيها نحو 11 مليار برميل لاحتياطاتها النفطية.
ووقعت الشركة الأميركية الكبرى هذا الأسبوع صفقة لدراسة أربعة أحواض استكشافية قبالة سواحل ليبيا، وتعمل على عودة نشاطها للتنقيب والاستكشاف في ترينيداد وتوباغو بعد توقفه لعقدين من الزمن.
كذلك أكدت شركتي "توتال انرجي" و"شل" الالتزام بالعمل على استكشاف احتياطات نفطية جديدة، إذ قال الرئيس التنفيذي لـ"توتال انرجي" الفرنسية باتريك بويان إن "الشركة أعادت ملء محفظتها الاستكشافية، بالفوز بتصاريح تنقيب في الولايات المتحدة وماليزيا وإندونيسيا والجزائر".
أما الرئيس التنفيذي لـ"شل" وائل صوان فوعد بإعلان "بعض الآبار المثيرة" في غضون فترة من 6 إلى 12 شهراً مقبلة، مشيراً إلى أهمية أحواض تعمل فيها الشركة في خليج المكسيك وماليزيا وسلطنة عمان.
لا يعني ذلك أن التحول في مجال الطاقة نحو المصادر المتجددة توقف، لكنه كما يقول المحلل في "رايستاد انرجي" بالزور شينغا فإن "هناك شعوراً متنامياً في صناعة الطاقة بأنه على رغم استمرار التحول، إلا أنه ليس بالسرعة التي كانت متوقعة، فحتى بحلول عام 2050 سيظل النفط والغاز يشكلان أكثر من نصف احتياجات الطاقة العالمية، مما يعني أن هناك فجوة كبيرة تحتاج إلى سدها".