ملخص
تصاعد الغضب داخل إسرائيل ضد خطة نتنياهو لتوسيع الحرب في غزة، وسط دعوات من عائلات الرهائن لوقف القتال وإبرام صفقة تبادل، وتحذيرات من أن استمرار الهجوم سيعني حكماً بالإعدام للمحتجزين وتفاقم الكارثة الإنسانية التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح.
"الإسرائيليون يريدون السلام، ويريدون لجيشهم الخروج من غزة. هذا لا يمثلنا – نحن لسنا حكومتنا، ويجب وضع حد لإسرائيل".
هذه هي النداءات اليائسة ليوتام كوهين، الذي أسر شقيقه الأصغر نمرود، وكان حينها جندياً إسرائيلياً في الخدمة الإلزامية يبلغ من العمر 19 سنة، وأخذ إلى غزة على يد مسلحي "حماس" خلال هجومهم الدامي على جنوب إسرائيل قبل نحو عامين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
يوتام كان انضم في نهاية الأسبوع الماضي إلى عشرات الآلاف من الأشخاص الذين انطلقوا في مسيرة نحو مقر الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، رافعين صور أحبائهم ولافتات تطالب قادة العالم بالتدخل. وسجلت التظاهرة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المثيرة للجدل، والهادفة إلى تصعيد الهجوم المستمر منذ نحو 22 شهراً على غزة - وهي خطة كان نتنياهو دافع عنها يوم الأحد، متعهداً في مؤتمر صحافي بـ"إنهاء المهمة... وإنهاء ’حماس‘".
في هذه التظاهرة الحاشدة، دعا بعض أفراد العائلات الجنود إلى رفض المشاركة في القتال الموسع، داعين المعارضة إلى تنظيم إضراب عام، وجاء ذلك بعد موجات من التظاهرات في أنحاء البلاد لإسرائيليين يطالبون حكومتهم بالعودة لطاولة المفاوضات.
يقول يوتام بلهجة حاسمة: "يجب إيقاف إسرائيل، يجب وضع حد للحكومة الإسرائيلية، يتعين الضغط على ’حماس‘ للتوصل إلى اتفاق، لكن المشكلة الأساسية في الوقت الراهن هي الحكومة الإسرائيلية".
يشار إلى أن قرار توسيع نطاق الحرب في القطاع كان قد جرى تمريره الأسبوع الماضي في الكابينت الإسرائيلي (مجلس الوزراء الحربي المصغر)، على رغم صدور معارضة شديدة له أبداها رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير وعدد من كبار المسؤولين السابقين في أجهزة الأمن والاستخبارات.
الخطة تتضمن دخول القوات الإسرائيلية - التي تسيطر عملياً على نحو 85 في المئة من قطاع غزة وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة - إلى آخر مناطق القطاع الصغير، بدءاً من مدينة غزة، وذلك بهدف فرض سيطرة أمنية كاملة عليه.
إلا أن كثيرين في إسرائيل يخشون أن تؤدي هذه الخطوة إلى تورط الجيش الإسرائيلي في صراع مكلف وطويل الأمد، قد لا يفضي إلى انتصار واضح، إضافة إلى أنها قد تشكل "حكماً بالإعدام" على الرهائن الـ20 المتبقين – من بينهم نمرود - الذين يعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة، كما أنها قد تقضي على أي أمل في استعادة جثث نحو 30 أسيراً آخرين قتلوا وما تزال جثثهم لدى المسلحين.
وقد عبرت أيضاً عائلات إسرائيلية عدة لـ"اندبندنت"، عن قلقها البالغ من الخسائر الإنسانية التي وقعت في صفوف المدنيين الفلسطينيين، مع تجاوز عدد قتلى القصف 61 ألفاً، وفق ما تقوله السلطات المحلية، وانتشار المجاعة نتيجة القتال المستمر والحصار الإسرائيلي.
وقال يوتام بنبرة هادئة لكن مليئة بالعزم: "كإسرائيلي، أولاً وقبل كل شيء نحن لسنا حكومتنا. الإسرائيليون يريدون السلام، ويريدون الخروج من غزة، ولا يدعمون ما يحدث الآن في غزة".
وأضاف: "إن حكومتنا - من يفترض أنهم ممثلونا المنتخبون - يستخدمون الآن باسمنا السلطة الديمقراطية التي كنا قد منحناهم إياها، لارتكاب فظائع: سواء لجهة قتل جنود إسرائيليين، أو رهائن إسرائيليين، أو مدنيين فلسطينيين. إن هذا لا يمكن أن يحدث باسمنا".
أما شاي ديكمان فأعربت هي أيضاً عن هذا الشعور باليأس، وروت كيف عانت عائلتها التداعيات المأسوية لانهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وتفضيل إسرائيل اللجوء إلى القوة العسكرية بدلاً من المفاوضات.
يشار إلى أنه كان من المقرر أن تكون كارمل غات ابنة عم شاي، البالغة من العمر 41 سنة - وهي اختصاصية علاج وظيفي من تل أبيب - في عداد الرهائن الذين كان سيفرج عنهم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2023، لكن الهدنة انهارت في اليوم المحدد لإطلاق سراحها.
في شهر أغسطس (آب) من عام 2024، ومع تقدم القوات الإسرائيلية إلى رفح، أقدم مسلحو "حماس" على قتلها مع خمسة آخرين داخل نفق، وتعتقد عائلتها أنها كانت لا تزال على قيد الحياة قبل 48 ساعة فقط من وصول الجنود الإسرائيليين إلى مكان احتجازها.
قالت شاي والدموع تنهمر من عينيها أثناء احتجاج سابق نظم أمام منزل وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه يوآف غالانت، في وسط إسرائيل: "قبل نحو عام من اليوم، كانت ابنة عمي لا تزال على قيد الحياة. شعرت بأمل وخوف في الوقت نفسه، تماماً كما شعرت به الأسر المجتمعة هنا اليوم".
وتوجهت إلى الحكومة الإسرائيلية قائلة: "أناشدكم أن تعقدوا صفقة الآن لإعادة جميع الرهائن الـ50، هذا ما يريده شعب إسرائيل، هذا ما نتمناه".
وتابعت: "إلى العالم أجمع: نحن بحاجة إلى مساعدتكم، نريد أن ينتهي هذا الألم. لا أحد يجب أن يتضور جوعاً، ولا أحد يجب أن يعاني، ولا أن يعاني من منظمة إرهابية، لا الرهائن ولا الفلسطينيون، كل ما نريده هو أن نعيش بسلام وأمان. نحن بحاجة إلى عودة الرهائن، نحن بحاجة إلى أن تنتهي هذه الحرب".
يذكر أن القوات الإسرائيلية، وفي رد على الهجمات الدموية التي قامت بها حركة "حماس" في عام 2023 على جنوب إسرائيل واحتجز خلالها مسلحون 251 رهينة وقتلوا أكثر من ألف شخص وفقاً لتقديرات إسرائيلية، قصفت بصورة غير مسبوقة قطاع غزة.
ومنذ ذلك الحين، أسفرت الغارات الجوية المتواصلة واستمرار الحرب مع "حماس"، إضافة إلى فرض حصار على غزة، عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتدمير أكثر من 90 في المئة من المنازل، ودفع هذا الشريط الساحلي الضيق الذي لا يتجاوز طوله 25 ميلاً (40 كلم) إلى حافة المجاعة.
وبحسب معلومات "اندبندنت" فإنه جرى حتى الآن إطلاق سراح 148 رهينة - ثمانية منهم كانوا قد توفوا - وذلك من خلال عمليات تبادل أو اتفاقات أخرى، بينما استعاد الجيش الإسرائيلي 49 جثة. ولم تنقذ قوات الأمن سوى ثمانية رهائن أحياء، وهو ما يفسر خشية العائلات من عدم فاعلية التدخل العسكري.
أما بالنسبة إلى الرهائن الـ50 الذين ما زالوا في الأسر، فترجح السلطات الإسرائيلية أن 27 منهم لقوا حتفهم حتى الآن، في حين أشار بنيامين نتانياهو إلى وجود "شكوك" في شأن مصير عدد آخر منهم.
يشار إلى أن التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير المخطط له في قطاع غزة، أثار غضباً واسع النطاق على المستويين المحلي والدولي. فبعد إعلان الخطة الإسرائيلية، حذر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من أن القرار "لن يكون من شأنه سوى إراقة مزيد من الدماء".
وانضمت المملكة المتحدة إلى عشرات من الدول، بما فيها النمسا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية وكل من مصر وقطر اللتين تتوسطان لتحقيق وقف إطلاق نار، في إصدار بيانات منفصلة تدين قرار الحكومة الإسرائيلية.
وفي نيويورك، ناقش سفراء الأمم المتحدة، يوم الأحد، هذه الخطط، فيما حذرت دول أوروبية عدة من أن الهجوم الإسرائيلي الجديد "يهدد بخرق القانون الإنساني الدولي"، ودعا المندوب البريطاني السفير جيمس كاريوكي الطرفين إلى "الابتعاد من طريق الدمار".
حتى ألمانيا، التي كانت حليفاً قوياً لإسرائيل خلال النزاع، أعلنت أنها ستوقف جميع صادراتها من المعدات العسكرية إلى إسرائيل، التي يمكن استخدامها في قطاع غزة، وذلك حتى إشعار آخر.
في الداخل الإسرائيلي، يتجاوز الإحباط من استمرار الصراع، الأشخاص المتضررين منه مباشرة، مع تنامي الاستياء من الاستدعاءات المتكررة لقوات الاحتياط، وارتفاع عدد القتلى النسبي في صفوف الجنود الإسرائيليين، والمخاوف على مصير الرهائن. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ثلاثة أرباع السكان يؤيدون وقفاً فورياً للحرب، وإطلاق سراح جميع الرهائن كجزء من الاتفاق.
كذلك تتزايد المخاوف في ما يتعلق بسمعة إسرائيل على الصعيد الدولي، في ظل تصاعد الإدانة للمجاعة التي تتفاقم في قطاع غزة، نتيجة الحصار الإسرائيلي، وهو اتهام تنفيه السلطات الإسرائيلية وتلقي باللوم فيه على حركة "حماس". ويخشى بعض أفراد أسر الرهائن من أن إسرائيل قد تتحول إلى دولة منبوذة على الساحة الدولية.
ويقول روبي تشين، والد الجندي إيتاي - الذي كان يخدم في لواء المدرعات وقتل على يد "حماس" في السابع من أكتوبر، ثم نقلت جثته إلى غزة حيث ما تزال هناك - إن "هناك كثيراً من الانتقادات الدولية لأسلوب تصرف إسرائيل، ويبدو أن هذه الحكومة لا تبالي بسماعها".
ويضيف أن نتنياهو "أساء التقدير، واختار تفكيك حركة ’حماس‘ على استعادة الرهائن"، وهو ما يتعارض مع رغبة الشعب الإسرائيلي.
ويتابع: "هذه الأزمة الإنسانية في غزة، سواء بالنسبة إلى الرهائن أم إلى ما يحدث لأهلها هناك، طالت بما فيه الكفاية. ينبغي أن يكون هناك تدخل دولي إذا كان رئيس الوزراء يخطئ في حساباته، ومن المؤسف أن الولايات المتحدة، بصفتها الوسيط، لا تجمع الطرفين وتقول 'كفى'. نشعر أننا ثمن جانبي للحرب".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن يوم الأحد الماضي، أنه يضع "جدولاً زمنياً قصيراً نسبياً" في ذهنه للخطوات المقبلة في غزة، لكنه لم يعط تفاصيل أوفى، وأصر على أن سيطرته العسكرية على القطاع هي الوسيلة الأسرع لإنهاء الحرب.
وقد وجهت في الاحتجاجات الإسرائيلية دعوات مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب - وهو أقرب حليف لإسرائيل وأكبر مزود لها بالأسلحة - إلى التدخل ودفع المفاوضات قدماً نحو التوصل إلى اتفاق.
في غضون ذلك، أشارت تقارير إلى أن المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف التقى رئيس الوزراء القطري عبدالرحمن آل ثاني في إسبانيا يوم السبت، لمناقشة مسألة إنهاء حرب غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن والأسرى المتبقين، في محاولة واضحة لمنع إسرائيل من توسيع هجومها الذي خططت له.
وتجري في الوقت الراهن مفاوضات مكثفة بين الولايات المتحدة وقطر ومصر، في محاولة لاستئناف المحادثات.
لكن كثيرين يتخوفون من أن يقوض الاقتراح الجديد الذي قدمه بنيامين نتنياهو هذه الجهود، ويتزايد الضغط في إسرائيل، خصوصاً بعدما نشرت حركة "حماس" الأسبوع الماضي فيديوهات جديدة ومرعبة لرهينتين إسرائيليتين هزيلتين، تقبعان في أنفاق غزة، مما دفع بالحكومة الإسرائيلية إلى اتهام الحركة بتعمد تجويع أسراها.
في أحد تلك الفيديوهات، وصفت عائلة إفياتار ديفيد - الذي كان قد اختطف من "مهرجان نوفا الموسيقي" - بأنه "هيكل عظمي حي" بسبب نحافته الشديدة. ويظهر في الفيديو وهو يحفر قبره بيديه، ويتحدث عن قضائه أياماً من دون طعام.
نعمة، ابنة عم الجندي، التي تبلغ من العمر 28 سنة، قالت لـ"اندبندنت": "لا نستطيع الأكل، لا نستطيع النوم، ولا حتى التنفس بصورة طبيعية، ونحن نعلم ما يمر به إفياتار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المرأة التي كانت تقف أمام مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، أكدت أنها كانت "تصرخ طلباً للمساعدة"، داعية إسرائيل إلى الدفاع عن مواطنيها، لأن "هذا هو واجبكم الأول كقادة، فإذا ما ماتوا هناك، سيكون دم الرهائن على أيديكم"، على حد تعبيرها.
وأضافت نعمة متوجهة إلى قادة العالم: "نحتاج منكم الوقوف، والتعبير عن موقفكم ضد حركة ’حماس‘".
أما ليشاي ميران، وهي أم لطفلين وكان زوجها أومري البالغ من العمر 48 سنة، قد اختطف من "كيبوتس ناحال عوز" فقالت: "إن هذا ليس مجرد قرار عسكري، بل هو حكم بالإعدام على أحبائنا".
وكان المسلحون احتجزوا ليشاي نفسها لفترة وجيزة مع ابنتيها، وكانت أصغرهن لا تتجاوز ستة أشهر فقط. وتقول المرأة بصوت يطغى عليه الألم، إن ابنتها "تجاوزت الآن سنتين ولا تتذكر والدها".
وتختم بالقول: "إن قرار نتنياهو سيقضي عليهم جميعاً - علينا الضغط على إسرائيل، وكذلك على ’حماس‘، وعلى قطر، وعلى الجميع، فلم يتبق هناك كثير من الوقت".
© The Independent