Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جنية الأسنان اللبنية"... حكاية الجدات عبر الحضارات

كان محاربو الفايكنغ يصنعون من أسنان الأطفال قلادات لجلب الحظ في المعارك وفي فرنسا وإسبانيا وإيطاليا أصبح الفأر الصغير هو الذي يترك المال تحت الوسادة

انتشرت عادة وضع المال تحت وسادة الطفل تعويضاً عن خسارة السن اللبنية (Pixabay)

ملخص

شاعت فكرة جنية الأسنان في الولايات المتحدة في أوائل القرن الـ20، لكنها تطورت على مدى زمن طويل ومركب من أساطير فلكلورية مختلفة في أوروبا.

فقدان السن على رغم أنه حدث بسيط فإنه يلقى اهتماماً في كل حضارة تقريباً، من أقاصي الإسكيمو إلى مجاهل الأمازون، لأنه أول حدث يفقد فيه الطفل جزءاً من جسده من دون أن يستبدل على الفور.

توهم جنيات الأسنان الأطفال بأن سقوط أسنانهم ليس نهاية لطفولتهم البريئة، بل بداية لعهد من المكافآت يبدأ من تحت الوسادة.

شاعت فكرة جنية الأسنان في الولايات المتحدة في أوائل القرن الـ20، لكنها تطورت على مدى زمن طويل ومركب من أساطير فلكلورية مختلفة في أوروبا وبخاصة في الثقافات الإسكندنافية والجرمانية، حين كان فقدان الأسنان اللبنية مناسبة تحيط به طقوس دفن وحرق خشية أن يعثر عليها ساحر شرير أو شيطان ويستخدمها للسحر أو للسيطرة على الطفل. وكان محاربو الفايكنغ يعتقدون أن أسنان الأطفال تجلب الحظ في المعارك، فصنعوا منها تمائم وقلادات. وفي المقابر السلتية والجرمانية القديمة، عثر على أكياس صغيرة من الأسنان قد تكون طلاسم أو قرابين أو حتى أدوات للسحر.

في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا كانت شخصية الفأر الصغير بدلاً من جنية الأسنان، وهو الذي يأخذ السن ويترك تحت الوسادة قطعة من المال. ومع شيوع أدب الجنيات في القرنين الـ17 والـ18 تأثرت الحكايات الشعبية بأعمال شكسبير وبخاصة "حلم ليلة منتصف الصيف"، وظهرت الجنية كرمز للطفولة والبراءة والسحر والرقة. في مسرحيته قدم ويليام شكسبير جنيات على خلاف ما كانت عليه الأساطير الشعبية في العصور الوسطى، حين كانت الجنيات مرعبة أو خبيثة ومرتبطة بالسحر الشرير. أما في مسرحية شكسبير فجاءت الجنيات بروح مرحة بريئة وكأنهن من عالم الأطفال، وهذا التعديل شكل جسراً ثقافياً إلى أن أصبحت "الجنية" رمزاً لطيفاً للأطفال بدل الأرواح الشريرة وأقل تهديداً وأكثر سحراً وجمالاً.

في الولايات المتحدة يبدو أن اختراع جنية الأسنان بشكلها الحديث ظهر بين 1920 و1950 مع القصص المصورة والإعلانات التجارية وبرامج الراديو، التي بدأت تخاطب الأطفال بقصص أشبه بالأحلام بعد الحرب العالمية الثانية. وفي النهاية فإن قصة الجنية لم تكن فقط سحرية بل أداة تربوية تخفف من قلق الطفل عند فقدان السن وتحول الألم والدم إلى مكافأة تعزز القيم المالية. ويقال إن مثل هذه القصص تدخل الطفل في عالم الأساطير كنوع من الطقوس الانتقالية من الطفولة إلى الصبا.

في بعض المجتمعات الآسيوية تُرمى السن إلى السقف أو تُغرس تحت التراب مع ترديد تعاويذ مثل "خذ سن اللبن، وامنحني سناً دائمة"، وفي بعض مناطق العالم العربي، تُرمى السن نحو الشمس ويقال "يا شمس يا شمس، خذي سن الحمار وأعطني سن الغزال".

لكن الجانب المظلم لقصص ساحرات الأسنان في الأساطير السلافية تدل على مخلوقات تدعى Zubok تسرق أسنان الأطفال لإطعام الأرواح الشريرة. وفي بعض التقاليد الأفريقية، يعتقد أن الأرواح يمكنها استخدام السن لربط روح الطفل إذا لم يتلف.

أما طقوس الحماية من زوبوك فتكون بلف السن في قطعة قماش بيضاء، ووضعها تحت الوسادة مع قليل من الرماد أو الملح، وترديد تعاويذ شعبية لطرد الأرواح، مثل، "يا زوبوك ليس لك طعام هنا... هذا الطفل ابن النور لا يمس".

في بعض المناطق البدوية، كان يقال إن السن يجب ألا ترمى في القمامة، بل تُدفن، لأنها تحمل بركة الطفولة. وفي اليمن والسودان، كان هناك تقليد بوضع السن في صدفة بحرية ثم إلقائها في النهر أو البحر، كطقس تطهيري. ثم تحول الأمر في معظم المجتمعات الإنسانية في العصر الحديث، وبخاصة في المجتمعات الغربية والطبقات الوسطى في المدن العربية إلى عملية ترك مبالغ رمزية تحت الوسادة.

أما علم النفس الحديث فقد فسر هذه العملية كطقس عبور من مرحلة الطفولة غير الواعية إلى الوعي بالجسد. وقد أظهرت دراسة من جامعة أكسفورد عام 2006 أن الأطفال الذين يحتفل بسقوط أسنانهم يشعرون بأقل توتر وألم، من أولئك الذين لا يعير والداهم هذا الحدث اهتماماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن لماذا هذا الهوس بالأسنان وليس بأي عضو آخر قد يخسره الطفل؟ ذلك لأن السن هي عضو عظمي تسقط من الفم من دون ألم كبير على رغم أنها تمثل انفصال جزء من الجسد عن الجسد. وهي صلبة ويمكن الاحتفاظ بها ولا تتأثر بالعوامل الخارجية أو تحتاج إلى طريقة حفظ معينة. يقول اليابانيون "إذا لم تُرم السن العلوية إلى الأسفل والسن السفلية إلى الأعلى، فستنمو سنك معوجة لأن الأرواح الساخطة ستحرف نموها". وفي الفيليبين يعتقد أنه إذا وجدت السن وقرأت عليها تعويذة سوداء فقد يصاب الطفل بلعنة الصمت أو التأتأة، أما في البرازيل فيقال إذا أخذ شخص سن الطفل اللبنية من دون إذن ستسرق جزءاً من حيويته. وتعد الجنية الرمز السحري الذي يقع في المرتبة الثانية بعد سانتا كلوز في الأساطير الأميركية للطفولة.

فقدان السن على رغم أنه حدث بسيط فإنه يلقى اهتماماً في كل حضارة تقريباً، من أقاصي الإسكيمو إلى مجاهل الأمازون، لأنه أول حدث يفقد فيه الطفل جزءاً من جسده من دون أن يستبدل على الفور. وهذه اللحظة تسمى الفراغ الرمزي والزمني، لأنها المرة الأولى التي يكتشف فيها الطفل أن جسده يمكن أن يتغير ويتناقص، ثم يعيد بناء أجزائه الناقصة. وحديثاً باتت تعتبر هذه التجربة أول علاقة للطفل مع الاقتصاد الرمزي، أي إنه يأخذ شيئاً من جسده ويبيعه رمزياً مقابل عملة معدنية. وهذه التجربة تجهز الطفل نفسياً لتقبل فكرة العمل مقابل مكافأة في إطار آمن وخيالي. وجنية الأسنان بعكس "سانتا كلوز" لا تعاقب ولا تميز، بل تكافئ فقدان جزء من الجسد، أي إنها تحتفي بالتحول لدى الطفل لا بسلوكه. وفي كل الأحوال تثير هذه العملية التي يمارسها الأهل مع أطفالهم تساؤلات كثيرة من مهتمين واختصاصيين حول تهيئة الطفل لفهم عملية التبادل والمنطق الاستهلاكي عن عمر مبكر.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات