ملخص
لا يزال الاتفاق غامضاً في تفاصيله، وتنشر بنوده وسائل إعلام دون تأكيد رسمي، في حين يرى مراقبون أن دمشق مصرة على حصر السلاح بيد الدولة، وبدأت بالتعاون مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وتنسق سياسياً مع إسرائيل، وتحظى بدعم عربي وإقليمي واسع النطاق.
في تغريدة على حسابه الرسمي عبر منصة "إكس"، أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك "توصل سوريا وإسرائيل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار"، بعد تصعيد غير مسبوق في الجنوب السوري بين قوات الحكومة ومسلحي حكمت الهجري، إلا أن براك لم يوضح تفاصيل وماهية هذا الاتفاق، لكن ما لفت نظر المراقبين للمشهد هو أن مبعوث ترمب عد طرفي الصراع هما سوريا وإسرائيل، على رغم أن الأخيرة لم تكن بالأصل طرفاً وإنما نفذت ضربات دعماً لمسلحي الهجري بدعوى "حماية الدروز"، وفي جميع العمليات العسكرية التي شهدها الجنوب السوري بعد إعلان براك لم تنفذ أية ضربات في سوريا، واقتصر دعمها للهجري بالتصريحات الإعلامية والسياسية.
حتى لحظة إعداد هذا التقرير لم يصدر توضيح رسمي من أي طرف حول بنود الاتفاق الذي يبدو مبهماً، في ظل تطورات سياسية متسارعة توجت بلقاء بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في باريس، لكن هدوءاً على الأرض مستمر منذ أيام يؤكد أن الأطراف بالفعل اتفقت على إنهاء الصراع.
ميداني جديد
بحسب مصادر "اندبندنت عربية"، فإن الاتفاق يتضمن حل الفصائل الخارجة عن القانون ودمج من يرغب منها في لجان محلية تحت رقابة مجتمعية، وتقليص دور الأجهزة الأمنية الرسمية ميدانياً مقابل دور رمزي غير تدخلي، وحصر الوضع الأمني في المحافظة ضمن أطر محلية مع ضمان عدم استهداف الدولة أو مؤسساتها، والالتزام بعدم تهريب السلاح والمخدرات، وتشكيل لجنة مجتمعية مدنية تتولى التواصل مع السلطة، وعدم وجود أي دور عسكري للجيش السوري في مدينة السويداء.
هذه البنود أو غيرها من التسريبات الكثيرة التي نشرتها وسائل الإعلام لا يوجد تأكيد رسمي لأي منها، لكن الواقع يشير إلى أن اتفاقاً رسم واقعاً ميدانياً جديداً في المحافظة، فكيف ستتعامل السلطة معه وكيف ستعيد ترتيباتها العسكرية والسياسية؟ وكيف ستتعامل مع العناصر المنفلتة، خصوصاً بعد انتشار تسجيلات مصورة لبعض الانتهاكات، مما دفع وزارة الداخلية لإصدار بيان يدين هذه الانتهاكات ويتعهد بالمحاسبة.
موقف غير تقليدي
الباحث والصحافي السوري أسامة الأحمد يقول إن "السلطة السورية تجد نفسها اليوم أمام موقف غير تقليدي، فالاتفاق لم يفرض من مركز الدولة إلى الأطراف بل تم بتوافق إقليمي، وهذا بحد ذاته سابقة، والآن الدولة السورية أمام خيارات محدودة أولها القبول بالأمر الواقع واتباع سياسة الاحتواء، وبذلك تستطيع دمشق إعادة ترتيب وجودها العسكري في الأطراف لا في المركز، وتراقب الاتفاق من بعيد من دون تدخل مباشر، وتحافظ على قنوات تواصل مع الزعامات المحلية لضمان الحد الأدنى من السيطرة، خصوصاً مع وجود وجهاء دروز مؤيدين للسلطة في دمشق، ويعارضون ما قام به حكمت الهجري، وعلى وجه الخصوص بعد استعانته بإسرائيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح الأحمد أنه "على الصعيد العسكري قد تختار دمشق خطة إعادة الانتشار من دون الدخول في صدام، بمعنى آخر تعزيز وجودها العسكري في أطراف السويداء مثل مناطق صلخد وشهبا والحدود الإدارية مع درعا، وتقوية النقاط الثابتة حول اللواء 52، ومراقبة البادية من جهة تل أصفر، وأيضاً بالإمكان نشر وحدات استخباراتية يمكنها مراقبة المشهد عن قرب".
ويرى الأحمد أن "الخلافات الداخلية بين فصائل مدينة السويداء نقطة في غاية الأهمية، وتصب في مصلحة الحكومة بصورة مباشرة، ويمكنها استثمار ذلك من خلال مواصلة دعم الشخصيات التي تدعو للعودة الكاملة إلى الدولة مثل الشيخ ليث البلعوس".
مكافحة العناصر المنفلتة
وفي ما يتعلق بالعناصر المنفلتة، يرى الباحث السوري أن "هذه العناصر تحد كبير أمام الحكومة، لأنها تسيء لسمعتها، وكذلك تتسبب في تأليب الرأي العام، ويمكن للحكومة إذا حصلت على مزيد من الاستقرار حل مشكلة هؤلاء العناصر، لكن السؤال الجوهري هو هل تنوي الدولة فعلاً محاربة هذه الظاهرة؟ فالقدرة على تحييدهم تنبع من الجواب عن هذا السؤال، أعتقد أن الدولة لا تزال قوية بما فيه الكفاية، وقادرة على ضبط العناصر المنفلتة في حال قررت ذلك، وهذا لا يعني أن دمشق تدعم العناصر المنفلتة بل أرى أنها تتغاضى أحياناً، وربما قد يكون سبب تغاضيها هو انشغالها بمسائل أهم تخص الأمن القومي للبلاد بعدما تحولت قضية السويداء من شأن محلي إلى إقليمي، وهو أمر ليس بمصلحة أي من الطرفين، بالنسبة إلى الحكومة كونها وصلت إلى مرحلة مواجهة مباشرة مع إسرائيل وهي لا تريد ذلك على الإطلاق، وبالنسبة إلى فصائل السويداء كونها سقطت أخلاقياً من عيون السوريين بسبب الاستعانة بإسرائيل، كون المواطن السوري يرى في إسرائيل عدواً طالما اعتدى على سوريا، وبالتحديد على العاصمة دمشق".
عمليات أمنية وعسكرية
المحلل العسكري العقيد عبدالله الأسعد يقول إن "المنطقة ستشهد عمليات عسكرية وأمنية ضد العناصر المنفلتة وضد التنظيمات الإرهابية، وستكون العملية ضد كل السلاح الخارج عن سلطة الدولة، ويمكن دمج العناصر المنفلتة التي لم تتلطخ يدها بالدماء ضمن جسم الدولة السورية بهدف ضبط الجميع".
قبل أن تنتهي عملية دفن ضحايا أعمال العنف التي جرت في السويداء، أعلنت القيادة المركزية الأميركية أنها نفذت عملية ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة الباب بمحافظة حلب شمال سوريا، موضحة في بيان رسمي أنها تمكنت من قتل "القيادي البارز في تنظيم "داعش" ضياء زوبع مصلح الحرداني، وابنيه عبدالله ضياء الحرداني وعبدالرحمن ضياء زوبع الحرداني، إذ شكلت تلك العناصر تهديداً للقوات الأميركية وقوات التحالف، وكذلك للحكومة السورية الجديدة"، وفق البيان الأميركي.
من هو ضياء زوبع؟
بالمتابعة الميدانية، أكدت مصادر مقتل ضياء الزوبع وأفراد من عائلته، موضحة أن الزوبع يتحدر من قرية الرمانة في ريف محافظة الأنبار العراقية، وانضم إلى تنظيم "داعش" الإرهابي قبل نحو 15 عاماً، وتدرج في المناصب القيادية حتى أصبح الرجل الثاني في التنظيم بمنطقة البوكمال شرق دير الزور، ويعرف الزوبع باسم "أبو فاطمة الحرداني"، وشغل خلال عام 2015 منصب "أمير القاطع الغربي لولاية الفرات"، وعمل في تهريب السلاح والمخدرات، وهو معروف بين أبناء ريف دير الزور الشرقي بسبب كثرة الانتهاكات والاستيلاء على ممتلكات الأهالي خلال فترة سيطرة التنظيم على المنطقة، وبعد هزيمة التنظيم عام 2019، اختفى الزوبع وسط شكوك بأنه قتل، قبل أن تتمكن معلومات استخباراتية من تحديد موقعه في منطقة الباب، وتنفيذ العملية الأخيرة التي أسفرت عن مقتله".
العملية التي نفذت أخيراً، هي أول عملية مشتركة بين قوات التحالف الدولي والحكومة السورية الجديدة، ولعلها أول عملية مشتركة بين سوريا والولايات المتحدة، كون الحكومات السورية السابقة لم تكن تتعاون مع الولايات المتحدة في ملف مكافحة الإرهاب، هذه العملية حملت رسائل متعددة أبرزها أن "العمليات الأمنية ضد التنظيمات الإرهابية ستتواصل على رغم كل ما جرى في السويداء، وثانيها قد تكون رسالة لقوات سوريا الديمقراطية بأن التحالف الدولي بدأ بالفعل بالعمل على الأرض مع الحكومة السورية، مما من شأنه أن يسرع عملية اندماج ’قسد‘ بالدولة السورية".
في الوقت ذاته، يرى مؤيدو الحكومة السورية أن "هذه العملية بداية لعمليات أخرى تهدف للقضاء على أي تهديد إرهابي في سوريا، وستشمل أيضاً العناصر المنفلتة، وحصر السلاح بيد الدولة".
إذاً، هناك اتفاق أمني في السويداء، باطنه غامض وظاهره تقويض سلطة الدولة السورية جنوب البلاد، وتزامناً مع هذا تواجه الحكومة تحدياً في انتشار ظاهرة العناصر المنفلتة، ووجود خلايا لتنظيم "داعش" الإرهابي، لكن بالتوازي مع ذلك تنفذ قوات التحالف الدولي بالتعاون مع الحكومة السورية عملية ضد "داعش"، وفي عالم السياسة تستضيف باريس لقاء رفيع المستوى هو الأول من نوعه منذ 25 عاماً بين وزير سوري وآخر إسرائيلي، وعلى رغم كل التصعيد تبرز قوى إقليمية مثل تركيا والسعودية والأردن تتفق على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها الإقليمية واستقرارها، وتتطلع لبرنامج تنموي يعيد إعمار البلاد.