ملخص
بعبقرية لا تشبه سواها، قادت أيتانا بونماتي منتخب إسبانيا إلى أول نهائي أوروبي في تاريخه، بهدف ذكي حطم صلابة ألمانيا وأحبط خططها، ليعيد للأذهان نهائي كأس العالم 2023 أمام إنجلترا، ويمنح "يورو 2025" لحظة خالدة في سجلات البطولة.
لو كانت أية لاعبة أخرى في العالم لربما تساءلت إن كانت تقصد ذلك حقاً، لكن لو كانت أية لاعبة أخرى في العالم فربما ما كانت إسبانيا لتكون أصلاً في ذلك الموقف الذي أتاح لها التسجيل، لكن الواقع أن بطلات العالم بلغن أول نهائي لهن في بطولة أوروبا "يورو 2025" للسيدات، بفضل عبقرية أيتانا بونماتي.
ذكاء تكتيكي يسبق التسديدة الحاسمة
لم يكن الأمر مجرد إبداع، بل ذكاء أيضاً. فقد أوضحت أيتانا لاحقاً أن منتخب إسبانيا درس تحركات آن كاترين بيرغر، وكيف أن حارسة المرمى تميل إلى الابتعاد من القائم القريب، فقامت صانعة الألعاب بوضع الكرة تماماً حيث يجب أن تكون، لتحقق فوزاً بنتيجة (1-0) على منتخب ألمانيا الصلب في اللحظة المناسبة تماماً، قبل دقائق من نهاية الشوط الإضافي الثاني.
وهكذا تجد إنجلترا نفسها أمام تكرار لنهائي كأس العالم 2023، انطلاقاً من لحظة لا يمكن لأية لاعبة أخرى أن تأمل حتى في تكرارها، وربما حتى تخيلها. فحتى قبل أن تسدد أيتانا بونماتي الكرة نحو الزاوية القريبة لمرمى بيرغر، كانت هناك لمحة من سحرها في تلك اللفة المراوغة.
ويمكن القول إن ألمانيا تلقت إنذاراً مسبقاً، على رغم أن التنبؤ بما يمكن أن تفعله لاعبة بهذا المستوى من الجودة يكاد يكون مستحيلاً. ومع ذلك، كانت أيتانا مهدت لذلك من قبل عبر تمريرة حاسمة في مباراة ربع النهائي أمام سويسرا، إذ تركت الكرة تمر من بين ساقيها لتلعبها بخفة إلى أثينيا ديل كاستيو. أما هنا، فقد أدارت جسدها وتقدمت، وتولت الأمر بنفسها.
سيتعين على إنجلترا أن تترقب تلك اللحظات، لكن المشكلة أنك لا تعرف أبداً متى ستحدث. وهذه هي متعة وجود لاعبة مثل أيتانا.
يكفي أن تنظر إلى بيرغر، وما تحمله لحظة التفوق على أفضل حارسة مرمى في البطولة حتى الآن من دلالة رمزية. الحارسة الألمانية تصدت لكل شيء حتى تلك اللحظة، سلسلة من التسديدات الدقيقة. لكن خلال هذه اللحظة الحاسمة، لم تتمكن حتى من رؤية التسديدة مقبلة.
لقد أشارت بيرغر إلى جهتها اليمنى، قبل أن تطلق أيتانا تسديدتها نحو اليسار.
وربما كانت العلامة الأوضح، قبل كلمات أيتانا نفسها، أنها لم تبحث حتى عن زميلة تركض أمامها. كانت تعرف تماماً ما ستفعله، وفعلته حين كانت اللحظة في أمس الحاجة إليه.
لقطات فردية حاسمة على رغم التفوق الجماعي لألمانيا
كم كانت إسبانيا في حاجة إلى ذلك الهدف. فأداء بيرغر القوي والمسيطر أسهم في تنامي الإحباط لدى المنتخب الإسباني، وبدا القلق جلياً وهو يؤثر في طريقة لعب الفريق، إذ لم يعودوا يضغطون بنفس الحدة، ولا في مناطق متقدمة من الملعب كما اعتادوا. حتى التمريرات فقدت حيويتها المعتادة.
وبفضل ثقة بيرغر، بدا الدفاع الألماني متماسكاً وواثقاً. فقد تألقت كل من كارلوتا وامسر ويانينا مينغه وريبيكا كناك، وغيرهن في أداء أدوارهن الدفاعية ببراعة.
كل شيء كان يشير إلى أن المباراة تتجه ببطء نحو ركلات الترجيح، وهو ما كان قد يصب حرفياً في مصلحة بيرغر.
ولزيادة العبء النفسي، كان هناك عامل تاريخي ثقيل بأن إسبانيا لم يسبق لها أن فازت على ألمانيا أبداً.
كان بإمكانك أن تشعر بأن ذلك العامل بدأ يؤثر مع مرور الوقت، ناهيك بسجل إسبانيا المتواضع نسبياً في الأدوار الإقصائية. ومن اللافت أن يقال ذلك عن بطلات العالم، لكن هذا لم يكن سوى سادس انتصار لهن خارج دور المجموعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلال المراحل الأخيرة المجهدة من الوقت الأصلي، ثم في الأشواط الإضافية، بدأت إسبانيا تتخذ بعض القرارات الغريبة. وشمل ذلك التبديلات، ولا سيما إخراج كلاوديا بينيا أو اختيار سالما بارالويلو على حساب فيكي لوبيز.
لكن بطريقة ما، فإن مثل هذه العيوب القابلة للنقاش لا تزيد إلا من تأكيد قوة إسبانيا. حتى عندما لا يكون الخليط متكاملاً أو لا يعمل الرسم التكتيكي على النحو الأمثل، فإن الفريق يمتلك عدداً هائلاً من اللاعبات القادرات على إلحاق الأذى بالخصم.
وفي قلب كل ذلك، تقف أيتانا دائماً قادرة على أن تنتج لحظة كهذه.
سيكون التحدي هائلاً أمام إنجلترا، لكن سارينا فيغمان يمكنها أن تشير إلى بعض الجوانب المشجعة من هذه المباراة.
لقد قدمت ألمانيا أفضل نموذج حتى الآن (على رغم أنه نمط يتكرر) لكيفية مواجهة إسبانيا. فقد أوقفوهن كما لم يفعل أي فريق آخر. وكدن يحسمن المباراة في نهاية الوقت الأصلي، بعدما أجبرت تسديداتهن الحارسة كاتا كول على تصد مزدوج يعد من أروع ما قدم في البطولة، ولا يقل عن تصديات بيرغر.
بدت تسديدة كلارا بول المنحرفة وكأنها ستسقط في الشباك كأوراق الخريف، لولا أن الحارسة مدت يدها وأبعدتها، ثم أظهرت رد فعل مذهلاً وقوة استثنائية لتنهض فوراً وتتصدى لمحاولة كارلوتا وامسر الثانية.
كانت تلك اللحظة لا تقل أهمية عن هدف أيتانا، حتى لو طغت عليه بطبيعة الحال في الذاكرة الجماعية لهذه المباراة نصف النهائية.
أداء إنجليزي منتظر أمام تحدٍ فني معقد
لقد احتوت المباراة كثيراً مما يستحق التأمل، وهو عنصر إضافي يجب الانتباه إليه. فقد اضطرت إسبانيا للذهاب إلى أقصى مدى، حتى نهاية الشوط الإضافي الثاني، وذلك بيوم أقل من الراحة مقارنة بإنجلترا.
ومع كل ذلك، ومع أداء يعد –وبصورة مفهومة– الأضعف لهن في البطولة حتى الآن، فإنهن ما زلن ينجحن في صناعة عدد من الفرص، وما زلن يقدمن عزيمة تضاهي عزيمة إنجلترا وما زلن يظهرن عبقريتهن، إضافة إلى الجودة الاستثنائية لنجمتهن الأولى.
بغض النظر عن آراء بعض حول ما إذا كان الهدف مقصوداً أم لا، فلا خلاف على ما يعنيه.
بطلات العالم بلغن أول نهائي لهن في بطولة أوروبا، في مواجهة كبرى مرتقبة أمام إنجلترا. ولحظة كهذه لا تزيد هذه المباراة إلا قيمة ومتعة وترقباً.
© The Independent