ملخص
استخدام تطبيقات في الهاتف النقال تسمى Blue Wolf (ذئب أزرق) تقوم بالتقاط صور وجوه الفلسطينيين ومطابقتها مع قاعدة بيانات ضخمة لصور وهويات ومعلومات عن الفلسطينيين، ويعطي التطبيق إشارات بألوان مختلفة على الشاشة، للفت نظر الجندي إن كان يجب توقيف أو اعتقال أو ترك الفلسطيني يذهب في سبيل حاله.
عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، خرج خالد نجار (71 سنة) من سكان تجمع "قوايوس" في منطقة تلال جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية، من منزله وهو يحمل فانوساً ليطمئن على حماره الذي كان مربوطاً على بعد نحو 30 متراً من المنزل، خشية أن يقوم مستوطنون من بؤرة "متسبيه يئير" الاستيطانية القريبة بسرقته. إلا أنه تفاجأ بهجوم مباغت من ثلاثة مستوطنين ملثمين ومسلحين بالهروات، أسقطوه أرضاً وضربوه على كل أنحاء جسده طوال بضع دقائق، مما تسبب بكسور في وجهه وجمجمته وإصابة في أنسجة الدماغ. وبينما كان نجار ينزف من رأسه وجبينه ولا يقوى على الكلام، واصل المستوطنون هجماتهم على عدد من بيوت القرية وشوهدوا وهم يحرقون عدداً من المركبات والحظائر ويحطمون نوافذ المنازل، قبل أن يلوذوا بالفرار بعدما ظهر شبان فلسطينيون هبوا لنجدة الرجل. وجاءت الحادثة بعد يومين من هجوم واسع نفذه المستوطنون في قرية كفر مالك القريبة من رام الله وأدى إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين وإحراق منازل ومركبات. وبحسب تقرير للجيش الإسرائيلي، فإن الاعتداءات المتصاعدة وغير المسبوقة للمستوطنين المتطرفين طاولت قيام عشرات الملثمين منهم قبل نحو ثلاثة أسابيع، بإحراق منشأة أمنية إسرائيلية في الضفة الغربية وخطوا كتابات باللغة العبرية على جدران الموقع، من بينها "انتقام" و"إطلاق نار". إلى جانب ضرب وخنق ورشق عناصر الشرطة بالحجارة ومحاولة دهس أحد أفرادها، مما دفع قائد المنطقة الوسطى آفي بلوط، إلى إصدار أمر عسكري جديد يمنع ارتداء غطاء الوجه (لثام) في أنحاء الضفة الغربية سواء من فلسطينيين أو مستوطنين.
وارتفعت وتيرة الهجمات اليهودية على الفلسطينيين في الضفة وأصبحت تتكرر في جميع أنحائها بصورة شبه يومية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وخلال مايو (أيار) الماضي، ارتكب المستوطنون 415 اعتداء بالضفة الغربية، وفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية) التي قالت أيضاً إن العدد الإجمالي للاعتداءات التي نفذها المستوطنون والجيش خلال النصف الأول من العام الحالي بلغ 11280 اعتداء، بينها 2154 نفذتها جماعات من المستوطنين قتلت خلالها ستة فلسطينيين. فيما أقر الجيش الإسرائيلي في يونيو (حزيران) الماضي، "بالتصاعد الحاد في إرهاب المستوطنين"، وأظهرت معطياته تسجيل ارتفاع بنسبة 30 في المئة في "جرائم قومية" نفذت بالضفة خلال النصف الأول من عام 2025. ووفقاً لبيانات أوردتها إذاعة الجيش، فقد تم تسجيل 414 اعتداء إرهابياً من المستوطنين منذ مطلع العام، في مقابل 318 في الفترة نفسها من العام الماضي، و679 اعتداء في مجمل عام 2024، وتشمل هذه الاعتداءات أعمال حرق وكتابات عنصرية على الجدران ورشق حجارة واعتداءات جسدية وعمليات تخريب.
ملاحقة وسجن
وأفادت هيئة البث العام الإسرائيلية "كان 11" بأن القرار الجديد سيفرض على كل من يغطي وجهه في المنطقة حكماً بالسجن، لمدة تصل إلى ستة أشهر. وفي حال ارتداء اللثام خلال تنفيذ مخالفة أو جريمة، فإن العقوبة قد تصل إلى عامين من السجن الفعلي. ويستثني القرار العسكري ارتداء غطاء الوجه لأسباب دينية، أو عند استخدامه من القوات الإسرائيلية أثناء تأدية مهمات عملياتية داخل الضفة الغربية. ويأتي هذا الأمر ضمن ما وصفه الجيش الإسرائيلي بـ"الجهود لمحاربة الجرائم ذات الدوافع القومية والإرهاب اليهودي"، التي ترتكب غالباً من أشخاص ملثمين بهدف التهرب من التعرف على هويتهم أثناء تنفيذ الاعتداءات، إلا أن الوقائع الميدانية التي رصدتها منظمات حقوقية إسرائيلية، تظهر أن الجيش يتساهل مع اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، ويمنحهم الحماية خلال تنفيذ تلك الاعتداءات، ولا يتدخل لوقفها إلا عندما تطاول هجماتهم أفراد الجيش أنفسهم، كما في حالات "شبيبة التلال" و"عصابات تدفيع الثمن" التي غالباً ما تبقى خارج دائرة المحاسبة. وقالت منظمة "يش دين" الإسرائيلية لحقوق الإنسان إن العنف الذي يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية يستمر ويزداد دموية يوماً بعد يوم، تحت رعاية الحكومة وبدعم من الجيش. وبحسب ما نقلته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصادر في جهاز الأمن، فإن الشرطة الإسرائيلية تمتنع عن تنفيذ معظم أوامر الإبعاد الإدارية التي أصدرت ضد ناشطي اليمين المتطرف في الضفة الغربية، وأن الشرطة تؤخر أيضاً تسليم الأوامر للمستهدفين بها. وتعد أوامر الإبعاد أداة مركزية يستخدمها جهاز "الشاباك" والجيش الإسرائيلي لإبعاد المستوطنين المتورطين باعتداءات إرهابية، وتوقع عادة من قائد المنطقة الوسطى وتنص على حظر الوجود في بلدات أو مناطق محددة، وأحياناً تشمل الإبعاد الكامل من الضفة، وتكون مدة سريانها بين ثلاثة وستة أشهر، وقد استخدمت لأعوام كأداة إدارية موازية للاعتقال الإداري. وبحسب معطيات نقلها الجيش، فقد شهد استخدام أوامر الإبعاد تراجعاً تدريجياً، ففي عام 2024 وقع 20 أمراً فقط، في مقابل 38 في عام 2023 و42 في 2022، وذلك في ظل "السياسات الرسمية للحكومة الإسرائيلية التي تشكل غطاء لإرهاب المستوطنين" بحسب وصف الصحيفة، خصوصاً بعد إعلان وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقف إصدار أوامر اعتقال إداري ضد المستوطنين سواء كانوا ملثمين أم لا.
رمز فلسطيني
في السياق الفلسطيني يحمل اللثام خصوصية ورمزية لما له من دلالات عميقة في السياق المجتمعي والسياسي، إذ يعتبر منذ عقود رمزاً يعبر عن هويتهم وثقافتهم، وهو في ذهن جيل كامل ممن عايشوا تجربة الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى نهاية الثمانينيات والثانية عام 2000، مرتبط بمن يقود التظاهرات والإضرابات ويلقي الحجارة على الآليات العسكرية الإسرائيلية ويغلق الطرقات ويكتب على الجدران وغيرها. وحتى اليوم لا تجد نقطة تماس أو مواجهة مع الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية إلا وفيها عشرات الشبان الفلسطينيين يلبسون اللثام بألوانه المختلفة، يغطون بها وجوههم كاملة. ووفقاً لكثيرين لا يعد اللثام قطعة من القماش وحسب، بل يعبر عن الهوية والتراث الثقافي، ويعتبر جزءاً من الزي التقليدي للفلسطينيين الذي يعكس التقاليد المتوارثة عبر الأجيال. كما أنه يستخدم في المناسبات الوطنية والدينية وأثناء الاحتجاجات والتظاهرات لتعزيز الشعور بالانتماء للقضية الفلسطينية. وكان لثام الوجه من الطرق التي اتخذها الفلسطينيون بداية الثورة الفلسطينية عام 1965، إذ عمد الشباب إلى ارتدائه على الوجه، من أجل مراوغة الجنود وإخفاء تفاصيل الوجه لتجنب الإيذاء والاعتقال، ولاقت هذه الطريقة رواجاً بين الشباب والمطاردين والمطلوبين لإسرائيل، فتلثموا بالكوفية الفلسطينية ذات اللونين الأبيض والأسود في غالب الأحيان، إلى جانب اللثام الأسود الذي بالكاد يبرز عيونهم فقط. ويرى المحلل السياسي والخبير الأمني يوسف الشرقاوي، أن "كثرة ارتداء الشباب للثام في الأعوام الأخيرة جاءت لأسباب أمنية، خصوصاً مع كثرة استخدام الجيش الكاميرات وتصوير المواجهات أو تلك المنصوبة عند المستوطنات والمواقع العسكرية وبعض الطرق الالتفافية". وأضاف "اللثام يعرقل قدرة الجيش على اعتقال وملاحقة المشاركين بالمواجهات، نظراً إلى صعوبة تمييز الوجوه". ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإن الجيش الإسرائيلي يجري عملية رصد واسعة في الأراضي المحتلة لمراقبة الفلسطينيين عبر تقنيات التعرف على الوجوه من خلال شبكة واسعة من الكاميرات، وعبر تصويرهم بالهواتف الذكية، ويشمل في جزء منه استخدام تطبيقات في الهاتف النقال تسمى Blue Wolf (ذئب أزرق) تقوم بالتقاط صور وجوه الفلسطينيين ومطابقتها مع قاعدة بيانات ضخمة لصور وهويات ومعلومات عن الفلسطينيين، ويعطي التطبيق إشارات بألوان مختلفة على الشاشة للفت نظر الجندي إن كان يجب توقيف أو اعتقال أو ترك الفلسطيني يذهب في سبيل حاله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التعرف على الوجه
وبدأ الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع جهاز الأمن العام "الشاباك" منذ عام 2014 الذي شهد مئات العمليات الفردية لفلسطينيين ضد أهداف إسرائيلية، بنشر عدد كبير من الكاميرات على "الطرق الالتفافية" بالضفة الغربية والمستخدمة كشبكة طرق متكاملة تصل بين المستوطنات المتفرقة في أنحاء الضفة، وذلك بهدف مراقبة جميع مفترقات الطرق وتحركات الفلسطينيين، بخاصة في المناطق القريبة من المستوطنات ومراكز الجيش والحواجز المنتشرة، تحت مسوغات "أمنية - دفاعية" كمنع وإحباط "العمليات" وملاحقة مرتكبيها، إضافة إلى الحفاظ على أمن المستوطنات ودوريات الجيش في هذه المناطق. وبالفعل، تمكنت السلطات الإسرائيلية من وضع آلاف كاميرات المراقبة المرئية والمخفية في هذه المناطق. ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، تحتوي قاعدة البيانات البيومترية على "5.5 مليون صورة وجه و3.8 مليون بصمة إصبع، إلى جانب تقنيات استشعار أصوات والتمييز بين إطلاق النار والألعاب النارية. في حين وثقت منظمة العفو الدولية في تقرير، أن أنظمة التعرف على الوجه التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والمتوفرة لدى إسرائيل، مدعمة ببنية تحتية مادية هائلة من أجهزة المراقبة. فداخل حي تل الرميدة في الخليل، الذي يقع على مقربة من الحاجز رقم "56"، المعزز بتجهيزات عسكرية كثيرة، ما لا يقل عن 24 جهاز مراقبة سمعية - بصرية وأجهزة استشعار أخرى. كما تشغل إسرائيل، في القدس الشرقية وفقاً للمنظمة، شبكة تضم الآلاف من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة في شتى أنحاء البلدة القديمة، تعرف باسم مبات 2000، التي عملت السلطات الإسرائيلية على تطويرها منذ عام 2017، لتحسين قدراته على التعرف على الوجوه، ومنح نفسها إمكانات مراقبة غير مسبوقة. ففي مختلف أرجاء منطقة مساحتها 10 كيلومترات مربعة في القدس الشرقية ومن ضمنها البلدة القديمة والشيخ جراح، عثر على كاميرا واحدة أو اثنتين في كل خمسة أمتار.
وأكدت لجنة العلوم والتكنولوجيا البرلمانية في معهد أبحاث الكنيست، في قضية "الآثار المختلفة لاستخدام تقنيات تشخيص الوجوه في الأماكن العامة"، أن قدرات تحليل الفيديو تسمح بتلخيص وتركيز الصور التي جرى التقاطها على مدى ساعات طويلة، خلال بضع دقائق فقط، وفقاً لمقاييس بحث متعددة ومفصلة، تشمل الجنس والعمر والعرق وأنماط الملابس وأنواع المركبات واللون ورقم لوحة الترخيص، وتتضمن تحليل سلوكيات الأفراد أو المجموعات من خلال تشخيص الوجوه. وأضافت اللجنة أن "هذه التقنية تسمح بالتحقق من هوية الأشخاص أو التعرف عليهم من خلال تصوير ملامح وجوههم، وأن تشخيص الوجوه جزء من تقنيات قياسات حيوية بيومترية، تستخدم الخصائص الجسدية، مثل ملامح الوجه والصوت وبصمة الإصبع وشبكية العين وغيرها".