Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياج أمني صاعق على أنقاض منازل الفلسطينيين في رام الله

أصدرت تل أبيب منذ السابع من أكتوبر 14 أمراً عسكرياً بإنشاء مناطق عازلة حول المستوطنات لتتحول القرى إلى سجون كبيرة

تتكلف إسرائيل سنوياً بما معدله 44 مليون دولار لصيانة الجدار وسد الفجوات ومئات الفتحات التي يحدثها الفلسطينيون فيه (اندبندنت عربية)

ملخص

على رغم كل هذا التفوق والتطور الإسرائيلي منقطع النظير في مجال الجدران العازلة وصناعتها، لا تزال إسرائيل وفقاً لتقرير "مراقب الدولة" الإسرائيلية لعام 2023 "عاجزة" عن ضبط حدودها مع الضفة الغربية، إذ تبيّن أن نحو نصف الجدار يعتبر غير مؤهل للرقابة وغير قادر على تحقيق غايته المرجوة.

على رغم الطبيعة الخلابة التي تعيش فيها أمل فقهاء (11 سنة) من بلدة سنجل شمال رام لله، لم يكن بمقدورها سوى رسم مربعاتٍ صغيرة ومتراصة باللون الأسود. فالأرض التي كانت تلهو بها أمام منزلها وترسم ما فيها من أزهار وأشجار زيتون وحمضيات جُرفت بالكامل واقتلع كل ما فيها بأمرٍ من الجيش الإسرائيلي، الذي صادرها وأراضي أخرى بأمر عسكري غير قابل للنقاش أو الاعتراض، لإنشاء سياجٍ أمني لحماية المستوطنين الذين يسلكون "شارع 60" بحجة حمايتهم من خطر إلقاء الحجارة. وإلى جانب أكثر من 8000 فلسطيني من بلدتها، ستعيش الطفلة داخل جدارٍ شائك وسيكون مصيرهم مرتبطاً ببوابة حديدية تفتح وتغلق بأمر من الجيش. وبحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فقد أسفرت عمليات التجريف لإقامة جدار بعمق 6 أمتار وطول 1500 متر حول بلدة سنجل، والتي بدأت منذ 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، عن تجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، واقتلاع 200 شجرة، بينها 135 شجرة زيتون معمرة، وعزل البلدة عن محيطها وفصل ما لا يقل عن 47 منزلاً تقع في محيط الجدار عن بقية البلدة.

وفقاً لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فقد "أصدرت إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 14 أمراً عسكرياً لإنشاء مناطق عازلة حول المستوطنات، وأقامت 60 بؤرة استيطانية واستولت على أكثر من 52 مليون متر مربع من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية تحت مسميات مختلفة، منها إعلان محميات طبيعية، وأراضي الدولة، وأوامر عسكرية وغيرها. وبينت الهيئة أن المساحة التي تم الاستيلاء عليها بمسمى ‘أراضي الدولة‘ بلغت أكثر من 24 مليون متر مربع، وهي تعد المساحة الأكبر منذ أكثر من ثلاثة عقود". وأشارت إلى أن أوامر المصادرة للأراضي تزامنت مع إصدار إخطارات لهدم منازل ووقف البناء الفلسطيني في مناطق عدة، بلغت العام الماضي وحده 939 إخطاراً. وبحسب أرقام الهيئة، نفذ المستوطنون خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي أكثر من 860 اعتداء ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية.

عنف مضاعف

منذ السابع من أكتوبر 2023، فرضت السلطات الإسرائيلية حصاراً مشدداً على بلدة سنجل من خلال إغلاق مداخلها الرئيسة وإقامة بوابة عسكرية على المدخل الرئيس من الجهة الجنوبية، ونصب حواجز عسكرية على المداخل الأخرى. كما أصدرت في فبراير (شباط) 2024، أمراً عسكرياً بمصادرة 30 ألف متر مربع من الأراضي المحاذية للشارع العام، وأضافت عليها أمر مصادرة لما يقرب من 15 ألف متر مربع أخرى من الأراضي، بهدف إنشاء السياج العازل. وبحسب رئيس المجلس البلدي معتز طوافشة، فإن "محاصرة البلدة ومصادرة نصف أراضيها جاءت مصاحبة لاعتداءات عنيفة من قبل المستوطنين بطرق غير مسبوقة". وأكد أن السلطات الإسرائيلية رفضت اعتراض الأهالي على مصادرة أراضيهم وإقامة الجدار، وتذرعت بأن "قرارات وضع اليد أمنية وعسكرية وغير قابلة للاعتراض". وبيّن طوافشة أن "نحو 8 ملايين متر مربع من الأراضي الزراعية القريبة من المستوطنات شمال شرقي البلدة، مهددة بالعزل الكلي، وعرضة للسيطرة الإسرائيلية التامة". ووفق الأدلة التي تحققت منها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فقد شملت هجمات المستوطنين وبمساندة من وحدات الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان، اعتداءاتٍ على الفلسطينيين وسرقة الممتلكات والمواشي وحرق المركبات والمنازل، علاوة على تهديد السكان بالقتل في حال عدم مغادرتهم منازلهم وأراضيهم بصورة نهائية. ويحيط بلدة سنجل 4 مستوطنات ضخمة أبرزها "شيلو" و"معاليه ليفونه"، ومعسكر للجيش. ويرى فلسطينيون أن الجدران العازلة التي تقيمها السلطات الإسرائيلية بمحاذاة القرى الفلسطينية أو تلتف حولها بحجة حماية المستوطنين أو تشكل مناطق أمنية سياسية استيطانية جديدة، تهدف إلى عزل البلدات عن بعضها بعضاً وتحويلها لسجون كبيرة. وفيما يتساءل آخرون عن غياب دور قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في حماية المدنيين من هجمات المستوطنين المتكررة، يؤكد مدير البحث الميداني في منظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية كريم جبران، أن عنف المستوطنين يحمل أهدافاً سياسية أوسع، "تسعى لفرض المزيد من السيطرة على الأراضي بما فيها ضم وتهويد المنطقة "جيم"، وتوسيع الاستيطان عبر ترحيل الفلسطينيين قسراً من أراضيهم وبناء بؤر استيطانية وجدران عازلة من شأنها حصر الوجود الفلسطيني في أماكن محددة".

جدران عازلة

عالمياً، تعتبر إسرائيل من الدول الرائدة في تطوير وبناء الجدران العازلة، فالأمر بالنسبة إليها لا يتوقف على صب الإسمنت ووضع الحواجز والأسلاك الشائكة، بل هي صناعة ضخمة تقوم على علوم إدارة السكان والضبط والمراقبة واستخدام التكنولوجيا المتطورة والتقنيات العالية في حماية الحدود، ومعرفة كل ما يحصل وراءها. وقد أدى التفوق في هذا المجال لخلق عشرات الشركات الإسرائيلية التي تعمل في مجال البحث والتطوير في كل ما يتعلق بصناعة الجدران والحواجز والبوابات الإلكترونية وأنظمة الرقابة التي تدخل في بناء الجدران العازلة.  وإلى جانب بنائها جداراً مع مصر في عام 2012، ثم جداراً مع لبنان في 2018، وجدراناً متعددة مع قطاع غزة، تستمر الحكومة الإسرائيلية منذ 2002، في بناء جدار إسمنتي بطول 710 كيلومترات، يمر 85 في المئة منه في عمق الضفة الغربية، والباقي على حدود الخط الأخضر، ما يؤدي إلى ضم 9.4 في المئة من مساحة الضفة بما فيها شرق القدس. ووفقاً للأرقام الإسرائيلية الرسمية، فقد أنجز منه حتى نهاية عام 2022 نحو 65 في المئة، سيطرت إسرائيل عبره على منطقة الأغوار، وتتبعت مواقع المستوطنات الإسرائيلية تمهداً لضمها، كما أن مساره في المنطقة الشمالية من الضفة يعزل أكثر من 5 آلاف فلسطيني بمناطق مغلقة. وقد أكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في وقت سابق، مدى حضور القطاع الخاص الإسرائيلي العامل في صناعات الجدران على الصعيد العالمي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب الصحيفة فإن دولة المغرب استعانت بالتكنولوجيا والخبرات الإسرائيلية لبناء جدار فاصل ما بين المغرب والصحراء الغربية. كما أن الهند استدعت إسرائيل لتخطيط الجدار مع باكستان، وأسهمت شركات إسرائيلية متخصصة في بناء جدران مماثلة في كينيا والصومال. وتضاف إلى الجدار على طول امتداده أسلاك شائكة وخنادق عرضها 4 أمتار وبعمق 5 أمتار، بهدف منع مرور المركبات والمشاة، إضافة لطرق دوريات ومراقبة، يصل عرضها إلى 12 متراً، وطريق ترابية رملية لتقصي الأثر عرضها 4 أمتار وتقع خلف الطريق العسكري مباشرة إلى جانب أبراج مراقبة مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار. وقد صنفت إسرائيل المنطقة الواقعة بين الجدار العازل والخط الأخضر في الضفة الغربية على أنها "منطقة التماس"، وأعلنتها "منطقة مغلقة".

شكوك رسمية

على رغم كل هذا التفوق والتطور الإسرائيلي منقطع النظير في مجال الجدران العازلة وصناعتها، لا تزال إسرائيل وفقاً لتقرير "مراقب الدولة" الإسرائيلية لعام 2023 "عاجزة" عن ضبط حدودها مع الضفة الغربية، إذ تبيّن أن نحو نصف الجدار يعتبر غير مؤهل للرقابة وغير قادر على تحقيق غايته المرجوة. ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، فإن عدد الفلسطينيين المتسللين من الجدار يعتبر عالياً جداً، ومن منطقة قلقيلية وجنين وطولكرم وصل عدد الفلسطينيين المتسللين إلى 1.4 مليون شخص. فقط 1 في المئة أمسك بهم. وتتكلف إسرائيل سنوياً بما معدله 161 مليون شيكل (44 مليون دولار) لصيانة الجدار وسد الفجوات ومئات الفتحات التي يحدثها الفلسطينيون فيه. وبحسب تقرير "مراقب الدولة" فإن حملة "كاسر الأمواج" التي شنتها إسرائيل عام 2022 رداً على تسلل فلسطينيين لداخل إسرائيل وتنفيذهم عمليات مسلحة، "قد باءت بالفشل" على رغم أن الجيش تولى تمويل الحملة، ورصد 295 مليون شيكل (80 مليون دولار) هدفت إلى تعزيز قوات الجيش على طول الجدار ورفع عددها، إضافة إلى مبلغ 40 مليون شيكل (11 مليون دولار) جرى تخصيصها لإصلاح الفتحات. ويصل عدد المتسللين من 100 فتحة تقريباً متاحة يومياً للفلسطينيين، نحو 6000 شخص. وعلى حد وصف التقرير "عندما كانت إسرائيل تعيد ترميم هذه الأضرار، كان الفلسطينيون يعودون خلال ساعات لتخريبها من جديد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير