ملخص
الهجوم على مشروع تجديد مقر "الفيدرالي" يفتح جبهة جديدة بين ترمب وباول وتبريرات البنك لا تقنع البيت الأبيض
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفة في الأوساط المالية الأسبوع الماضي، بعدما كشف عن أنه ناقش مع عدد من المشرعين الجمهوريين إمكان عزل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، قبل أن يعود ويتراجع عن الفكرة، واصفاً إياها بأنها "غير محتملة للغاية".
على رغم هذا التراجع، جاء رد فعل الأسواق فورياً، إذ هبطت الأسهم وارتفعت عوائد السندات، قبل أن يستعيد المستثمرون بعض الهدوء إثر تصريحات ترمب التوضيحية.
وأثار التلويح بعزل رئيس "الفيدرالي" موجة انتقادات واسعة، حتى من قلب "وول ستريت"، إذ أكد رؤساء أكبر البنوك الأميركية ضرورة إبقاء البنك المركزي بمنأى عن الضغوط السياسية.
وقال الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان تشيس"، جيمي ديمون، خلال مكالمة أرباح الأربعاء الماضي، إن "استقلالية الاحتياطي الفيدرالي أمر حيوي".
ويحذر الاقتصاديون من أن تدخل السياسيين في قرارات "الفيدرالي" يميل إلى تحفيز خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد على المدى القصير، وهو ما يكسبهم شعبية فورية، لكنه يحمل تبعات تضخمية قاسية لاحقاً.
تحفيز الاقتصاد مغر في الأجل القصير
ويقول نائب رئيس "الفيدرالي" السابق والمتخصص في الشأن الاقتصادي في جامعة برينستون، آلان بليندر، "ثمة توافق عالمي تقريباً: عندما يتحكم السياسيون في السياسة النقدية، ترتفع مستويات التضخم... تحفيز الاقتصاد مغر في الأجل القصير، لكن كلفة التضخم المرتفع تظهر لاحقاً".
منذ وصوله إلى السلطة، لم يتوقف ترمب عن الضغط على "الفيدرالي" لخفض الفائدة. وفي الشهر الماضي أطلق تصريحاً ساخراً قال فيه "لدينا شخص يرفض خفض الفائدة، ربما عليَّ الذهاب إلى الاحتياطي الفيدرالي بنفسي. هل يمكنني تعيين نفسي؟ سأكون أفضل منهم جميعاً".
وفي تصريحات لاحقة من المكتب البيضاوي، اعتبر ترمب أن خفض الفائدة لا يدعم الاقتصاد فحسب، بل يسهم أيضاً في تقليص كلفة خدمة الدين العام الأميركي، موضحاً أن ذلك "يوفر تريليونات الدولارات من مدفوعات الفائدة".
لكن هجومه لم يتوقف عند السياسة النقدية، إذ انتقد ترمب أيضاً إنفاق "الفيدرالي" على مشروع تجديد مبناه الرئيس، الذي تتجاوز كلفته 2.5 مليار دولار.
وفيما أشار إلى تجاوزات في الإنفاق، برر "الفيدرالي" الكلفة بارتفاع أسعار المواد والخدمات، مؤكداً أن المشروع سيسمح لاحقاً بدمج عمليات المجلس في مكان واحد، مما يؤدي إلى تقليص النفقات التشغيلية على المدى البعيد.
في الأثناء، يزداد قلق الأسواق من أن تسييس قرارات "الفيدرالي" قد يدفع إلى تخفيضات غير محسوبة في أسعار الفائدة، مما يفاقم التضخم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى مديرة مشروع "هاملتون" وكبيرة الباحثين في مؤسسة "بروكينغز"، ويندي إيدلبيرغ، أن المخاوف من فقدان استقلال البنك المركزي يمكن أن ترفع التوقعات التضخمية وتجبر المستثمرين على المطالبة بعوائد أعلى.
المخاوف من تدخل سياسي مباشر
وقالت "عندما يخشى المقرضون من تضخم قادم، فإنهم يرفعون أسعار الفائدة لحماية أموالهم"، وضربت مثالاً مبسطاً "إذا اقترضت من عمك، واعتقد أن الأسعار سترتفع بشدة خلال الأعوام القادمة، فسيطلب منك فائدة مرتفعة".
ويستحضر بعض الاقتصاديين تجربة السبعينيات كتحذير من أخطار تسييس "الفيدرالي"، ففي عام 1972، مارس الرئيس ريتشارد نيكسون ضغوطاً على رئيس "الفيدرالي" آنذاك، آرثر بيرنز، لخفض الفائدة قبل الانتخابات، وهو ما اعتبر لاحقاً من العوامل التي أدت إلى انفلات التضخم.
وبعد نحو عقد، في 1981، اضطر "الفيدرالي" إلى رفع الفائدة إلى 20 في المئة للسيطرة على التضخم، مما أدى إلى دخول الاقتصاد في ركود وارتفاع معدل البطالة إلى 10 في المئة.
من جانبه شبه كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بوتوماك ريفر كابيتال" والمؤلف المشارك لكتاب "أسطورة الاستقلال: كيف يحكم الكونغرس الاحتياطي الفيدرالي"، مارك سبيندل، الحاجة إلى ضبط السياسة النقدية بالحمية الغذائية، قائلاً "إذا كنت تأكل الحلوى باستمرار، فلا بد أن تأكل خضاراً في النهاية. وهذا ما يحدث مع الاقتصاد".
وعلى رغم المخاوف من تدخل سياسي مباشر، يذكر البعض بأن "الفيدرالي" لا يعمل في عزلة تامة، بل يخضع لرقابة دورية من الكونغرس، بما يشمل مثول رئيسه أمام النواب مرتين في العام، إلى جانب ضرورة موافقة مجلس الشيوخ على تعيينات أعضاء مجلس إدارته السبعة.
ورشح ترمب باول لرئاسة "الفيدرالي" عام 2017، ثم أعاد الرئيس جو بايدن ترشيحه لولاية ثانية، من المقرر أن تنتهي في مايو (أيار) 2026.
وفي ختام حديثها، أكدت إيدلبيرغ أن "الفيدرالي" يجب ألا يعمل "خلف جدران مغلقة"، لكن تسييسه بصورة كاملة يهدد استقرار الاقتصاد الأميركي.