ملخص
يتركز التلوث الخطر في مناطق محددة، ويعزى ذلك إلى وجود مصادر دائمة للتلوث. ويمكن الانطلاق من وجود صلة أكيدة بين تلوث الأنهار بمياه المجارير وتلوث المصبات بسبب عدم تكريرها من جهة، ومن جهة أخرى أزمة المطامر غير الصحية للنفايات التي أقيمت على شواطئ البحار، حيث تصب عصارتها مباشرة في البحر، بالتالي فقد أصبحت حال البحر على صلة مباشرة بفشل إدارة ملف النفايات وتكرير مياه الصرف الصحي بصورة أولية.
يواجه الشاطئ اللبناني خطراً وجودياً، فقد تحول من مقصد للاستجمام والراحة إلى بيئة ملوثة في كثير من المناطق، مهدداً استمرارية مظاهر الحياة البحرية وصحة رواد البحر.
ففي لبنان قد لا تحتاج إلى جهد كبير لتستكشف مستويات التلوث المرتفعة. ففي الميناء – طرابلس (شمال) يستيقظ السكان على بحر أحمر بفعل مواد غامضة تتسرب إلى البحر من دون تكرير.
وفي المنطقة الممتدة من الضبية في المتن وقرب مصب نهر أنطلياس (جبل لبنان)، وصولاً إلى الدورة والكرنتينا على طول ساحل جبل لبنان، أكثر المناطق اكتظاظاً، تسيطر العكارة على مياه البحر مع ما يرافقها من روائح كريهة، والأمر نفسه ينسحب على مناطق عدة من الكورنيش البحري في بيروت، وتلك التي تلي مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، حيث تشترك المجارير والعصارة الناجمة عن المطامر غير الصحية للنفايات في إنتاج الكارثة البيئية في وقت فشلت فيه الحكومات المتعاقبة في معالجتها.
تلوث مساحات واسعة
"مساحات إضافية آخذة في التلوث"، هذا ما لاحظه باحثون بيئيون، إذ تتنوع المصادر بين بيولوجية وكيماوية وعضوية، إضافة إلى التلوث بالنفايات الصلبة بسبب السلوكيات السلبية. وأوضحت دراسة جديدة أجراها "مركز علوم البحار" وضع شواطئ لبنان في مختلف المناطق.
وتوزعت الشواطئ اللبنانية بين مجموعة ملوثة للغاية وأخرى صالحة للسباحة وثالثة حالتها حذرة وغير مأمونة بسبب وجود مصادر عدة للتلوث. وأظهر المسح خطورة في المسابح الشعبية لمدن طرابلس (شمال) وجونية (جبل لبنان) والرملة البيضاء في بيروت، إضافة إلى الضبية وأنطلياس (جبل لبنان). أما تلك المؤهلة للسباحة ففي طرابلس مقابل جزيرة "عبدالوهاب"، ومنطقة أنفة (شمال) شاطئ "تحت الريح"، وسلعاتا – البترون (شمال)، وجبيل (جبل لبنان)، وشاطئ المعاملتين – جونية (جبل لبنان)، والدامور (جبل لبنان)، والشاطئ الشعبي في الصرفند (جنوب)، والمحمية الطبيعية في صور (جنوب)، وشمال مرفأ الناقورة (جنوب). أما المناطق غير المأمونة فهي الشاطئ الشعبي في صيدا (جنوب)، وشارع المطاعم في مدينة صور، وعين المريسة - بيروت، والقليعات – عكار (شمال).
المراقبة متواصلة
في السياق أوضح مدير "المركز الوطني لعلوم البحار" ميلاد فخري ماهية "برنامج مراقبة الشاطئ اللبناني"، "وهو جهد بدأه المركز منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، حيث تتوزع 38 نقطة رصد ثابتة على مختلف الشواطئ اللبنانية. يستخرج الباحثون عينات شهرية بصورة مستمرة بغية الوصول إلى نتائج دقيقة". وأضاف فخري "أظهرت الدراسة أن 63 في المئة من الشواطئ اللبنانية جيدة إلى جيدة جداً، بالتالي فهي آمنة للسباحة، وتمتد من أقصى الشمال إلى الجنوب اللبناني، وأظهرت أيضاً أن 24 نقطة من أصل 38 موقعاً هي في حال سيئة، في مقابل عديد من الشواطئ غير المأمونة والحذرة بسبب مستويات منخفضة من التلوث تتوزع على ثماني نقاط، أي بنسبة 21 في المئة، إضافة إلى ستة مواقع ملوثة جداً تشكل 16 في المئة".
ولاحظ فخري أن "بعض الشواطئ عرضة للتلوث أكثر من غيرها، من هنا نجد أنها قد تزداد في موقع أو تقل في آخر على ضوء كثافة مصادر التلوث التي تتعرض لها الشواطئ الشعبية، أو التي تصب فيها المجارير عبر الأنهار". أما في ما يتعلق بتأثير الحرب الإسرائيلية في لبنان، فأجاب فخري "لقد استخرجنا عينات من البحر في المرحلة التي أعقبت نهاية الهجمات لاستكشاف مدى تأثير الحرب في البيئة البحرية. ويعتقد أن التأثير سيكون قليلاً مقارنة مع مراحل سابقة، ففي عام 2006 استهدفت الاعتداءات الإسرائيلية بصورة مباشرة خزانات النفط في منطقة الجية (جبل لبنان)، مما أدى إلى انتشار بقعة نفطية على طول الساحل اللبناني، وصولاً إلى الساحل السوري وتركيا. أما في الحرب الأخيرة فإن التأثير البيئي كان أكبر في الأراضي الزراعية والأبنية".
تلوث خطر
يتركز التلوث الخطر في مناطق محددة، ويعزى ذلك إلى وجود مصادر دائمة للتلوث. ويمكن الانطلاق من وجود صلة أكيدة بين تلوث الأنهار بمياه المجارير وتلوث المصبات بسبب عدم تكريرها من جهة، ومن جهة أخرى أزمة المطامر غير الصحية للنفايات التي أقيمت على شواطئ البحار، حيث تصب عصارتها مباشرة في البحر، بالتالي فقد أصبحت حال البحر على صلة مباشرة بفشل إدارة ملف النفايات وتكرير مياه الصرف الصحي بصورة أولية.
وأكد خبير العدوى الجرثومية منذر حمزة أن "الدراسات تثبت صلة مباشرة بين تلوث البحر ووجود مصادر دائمة للتلوث الجرثومي"، ناصحاً بعدم السباحة في تلك المناطق نظراً إلى خطورتها على الصحة والحياة. ففي طرابلس مثلاً تتحول مياه نهر أبو علي – قاديشا صيفاً إلى اللون الأسود بسبب كثافة مياه المجارير، وسرعان ما يصب في بحر الميناء - طرابلس.
وأشار حمزة إلى تلوث البحر على مساحات واسعة، "ولا يحتاج الباحث إلى جهد كبير لملاحظتها لأنها بارزة للعيان"، آسفاً لعدم تفعيل عمل محطات التكرير بالشكل الكافي لمعالجة مياه الصرف الصحي، إذ أنفقت الدولة عشرات ملايين الدولارات على محطات لا تقوم بمعالجة إلا كميات محدودة في المراحل الأولى فقط بسبب مشكلات تقنية في التوصيلات والبنى التحتية، "بالتالي فإن الكمية الكبرى تصب في البحر من دون تكرير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أخطار متعددة
وتحدث حمزة عن التلوث الجرثومي والفيروسي، وهو من أخطر صور التلوث التي تمس البحر والمياه على الإطلاق، حيث تحمل مياه المجارير "كميات من البراز الملوث ببعض الأمراض المعدية مثل التيفود والكوليرا وغيرهما، وعندما تصب في البحر بكميات كبيرة، ينخفض عامل الملوحة، بالتالي تتحول السباحة في تلك المنطقة إلى فعل خطر بسبب الاحتكاك بالملوثات أو ابتلاعها أو تسربها إلى الداخل عبر الأنف، حيث تؤدي إلى أمراض جلدية ومعوية والتهابات على مستوى العين أو الأذن والأنف وحتى أمراض تنفسية". وتابع حمزة "تتعدد الأمراض التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان من خلال مياه البحر الملوثة، ويمكن أن تكون بكتيرية أو فيروسية أو طفيلية، وبعضها يمكن أن يكون خطراً".
جراثيم ومجارير
تقود مشكلة تلوث البحر بسبب عدم معالجة مشكلة المجارير إلى التساؤل عن المدى الزمني لاستمرار تلك الجراثيم على قيد الحياة، وحجم ضررها، وأوضح حمزة أن "بعض الجراثيم لا يستمر طويلاً، البعض يستمر ساعات أو أياماً"، لكنه حذر في المقابل "من وجود مصدر دائم ومتجدد للتلوث، مما يشكل جوهر المشكلة، ونحن أمام تدفق مستمر للمواد الملوثة التي تخفض مستوى الملوحة".
وتطرق خبير العدوى الجرثومية إلى مشكلة العصارة الناجمة عن النفايات الغنية بهامش واسع من الملوثات الكيماوية والمعادن الثقيلة والمواد السامة التي تتسلل إلى السلسلة الغذائية للإنسان وتتخزَّن في أجسام الأسماك ويستهلكها المواطن. وشدد حمزة على أن "صحة الإنسان لا يمكن أن تقاس بأي شيء آخر، وحمايتها أولوية"، واصفاً لبنان بـ"البلد المنكوب بيئياً، وما نشهده من انتهاكات لا نجده في أكثر البلدان تخلفاً، وصحة مواطنيه في أسوأ حالاتها بسبب معدلات التلوث المتعاظمة وانتشار أمراض السرطان بسبب تلوث الماء والهواء والطعام". واستهجن في الوقت نفسه "غياب السياسات الوقائية من جهة، ومن جهة أخرى معاناة الحكومة في تأمين الاعتمادات اللازمة لعلاج هؤلاء المرضى"، متسائلاً "أين الدولة من حماية مواطنيها؟"، وحذر من أن البلد قد "يصل إلى رحلة غير القابل للحياة".
جهود للحفاظ على الشاطئ
يزداد تلوث البحر في لبنان خطورة، وتظهر في المقابل مبادرات من قبل ناشطين بيئيين لتحسين جودة الشاطئ على رغم التحديات.
وتحدثت الناشطة هدى نجم من مبادرة Save AbuAli Beach، من خلال تكاتف جهود الناشطين لحماية "شط أبو علي" العمومي والحفاظ على نظافة وأمن المكان وراحة الزوار بالتنسيق مع بلدية كفرعبيدا (شمال)، وأسفت نجم لأن "كثراً من الرواد يغادرون البحر مخلفين وراءهم النفايات على الشاطئ، ناهيك بتسرب البنزين من الطرادات"، ونبهت نجم من أن هناك "تلوثاً صوتياً" بسبب مكبرات الصوت الكبيرة التي يحضرها بعض الرواد.
وحاولت الحملة تسليط الضوء على "بشاعة" تلويث الشاطئ من خلال حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولفتت نجم إلى "بدء تعاون مع البلدية لتأمين عنصر أمن بلدي وحارس لتأمين الشاطئ وحفظ النظام والنظافة ووضع إرشادات للزوار".