ملخص
مثلما يعطل الضوء الاصطناعي في الليل العمليات البيولوجية في الحياة البرية، فإنه يتدخل على نحو مماثل في النظام اليومي لدى البشر ويتسبب بتأثيرات صحية كبيرة قد لا يعرف معظم الناس عنها إلا القليل.
يتعرض نحو 80 في المئة من سكان العالم لمستويات عالية من الضوء في الليل مصدرها المصابيح الخارجية الساطعة والمصابيح العادية وصولاً إلى الشاشات في المنازل، ويدرك العلماء بصورة متزايدة أن هذا التلوث الضوئي المفرط يمكن أن يخلف عواقب صحية وخيمة تراوح من قلة النوم إلى سرطان الثدي والسكتة الدماغية وأمراض أخرى.
ومثلما يعطل الضوء الاصطناعي في الليل العمليات البيولوجية في الحياة البرية، فإنه يتدخل على نحو مماثل في النظام اليومي لدى البشر، ويتسبب في تأثيرات صحية كبيرة قد لا يعرف معظم الناس عنها إلا القليل.
كيف يؤثر التلوث الضوئي في جسم الإنسان؟
هناك آليات عدة يمكن أن تفسر تأثير الضوء الاصطناعي على الصحة، إذ يمكن للضوء في الليل أن يؤدي إلى الأرق، وهو ما يشكل في حد ذاته خطراً للإصابة بعديد من الأمراض، كما يقلل الضوء من إنتاج الجسم للميلاتونين، وهو هرمون النوم الذي تفرزه الغدة الصنوبرية في الظروف المظلمة، والذي يتمتع بخصائص مضادة للالتهابات ومثبطة للأورام، وإضافة إلى ذلك يقطع الضوء الدورات اليومية لمجتمع الميكروبات التي تعيش في الأمعاء.
وتقدر الجمعية الطبية الأميركية أن مصابيح ثنائي باعث الضوء (LED) البيضاء لها تأثير أكبر بخمس مرات في إيقاعات النوم اليومية من مصابيح الشوارع التقليدية، فيما وجدت دراسات استقصائية حديثة أن الإضاءة الليلية السكنية الأكثر سطوعاً مرتبطة بانخفاض أوقات النوم وعدم الرضا عن جودته إلى جانب النعاس المفرط وضعف الأداء أثناء النهار وحتى السمنة.
ووفقاً لورقة بحثية نشرت عام 2023 وكتبها ثمانية أطباء وباحثين في مجلة "الجمعية الأميركية لطب الشيخوخة"، فهناك عدد متزايد من البحوث التي تؤكد تعقيد العلاقة بين التلوث الضوئي ومرض ألزهايمر، ومع ذلك هناك حاجة إلى دراسات إضافية لتعزيز المبادئ الأساسية لفهم أفضل لهذه العلاقة.
وعلى عكس المصابيح المتوهجة ذات الطول الموجي الأطول والضوء الكهرماني، تصدر مصابيح ثنائي باعث الضوء التي نستخدمها جميعاً مزيداً من الضوء الأزرق ذي الطول الموجي الأقصر الذي يقمع إنتاج الجسم للميلاتونين بمعدلات كبيرة ويضر بالصحة.
ارتباط التلوث الضوئي بالسرطان
ويرتبط التعرض المفرط للضوء بسرطانات حساسة للهرمونات، خصوصاً سرطان الثدي والقولون والبروستات، وتظهر الدراسات الوبائية أن الأشخاص الذين يعيشون بأعلى مستويات التلوث الضوئي يميلون إلى ارتفاع معدلات الإصابة بهذه السرطانات، وإلى جانب ذلك وجدت دراسات أجريت العام الماضي أن الأطفال الذين يعيشون في مناطق ولاية كاليفورنيا الأميركية ذات الأضواء الخارجية الساطعة كانوا أكثر عرضة للإصابة بنوع من سرطان الدم لدى الأطفال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تدعم جميع البحوث الوبائية وجود صلة بين التلوث الضوئي والإصابة بالسرطان، بما في ذلك الدراسات التي أجريت في المملكة المتحدة، ويرجع هذا الأمر إلى أن تعرض البشر للإضاءة الخارجية يختلف حسب موقع غرفة النوم وسمك ستارة النافذة.
من ناحية ثانية يعد بعض الأشخاص أكثر حساسية للتلوث الضوئي من غيرهم إذ توصلت الدراسات إلى أن تعرض المشاركين في بعض التجارب الطبية لمستويات ضوء مماثلة لتلك الموجودة في المنزل الحديث أدى إلى انخفاض مستوى الميلاتونين لديهم بنسبة 50 في المئة، ولكنهم أظهروا اختلافات في الحساسية تزيد على 50 ضعفاً.
مجموعة واسعة من التأثيرات الصحية
إضافة إلى كل ما ذكرناه يقول العلماء إن التلوث الضوئي يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والاكتئاب والسكتة الدماغية الإقفارية التي تحدث عندما تنقطع أو تقل إمدادات الدم عن جزء من الدماغ.
ويمكن أن تتأثر الخصوبة أيضاً، فالرجال الذين يقيمون في مناطق بها مزيد من الضوء الخارجي في الليل تبين أن لديهم جودة حيوانات منوية أضعف، في حين قد تعاني النساء الحوامل في مناطق مماثلة معدلات أعلى من الولادات المبكرة.
ووجدت دراسات صينية أن تقليل إجمال وقت النوم بسبب التلوث الضوئي يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات الإيقاع اليومي لجسم الإنسان، فتزيد بذلك من مستويات "البروتين التفاعلي سي"، وهو علامة على الالتهاب، إلى جانب علامات التهابية أخرى.
وكل ذلك يضاف إلى حقيقة أن أضواء الشوارع الشديدة السطوع تخلق خطراً على قيادة المركبات لأنها تضيق حدقة العين، فالضوء الأزرق يتشتت في العين أكثر بكثير من الضوء الأحمر، وهذا يجعل من الصعب تحديد الأشخاص أو الأشياء في الطريق.
كيف نخفف من الضرر؟
بعد سنوات من التقاعس، انضمت جمعية "هندسة الإضاءة الأميركية" عام 2020 إلى دعوات توفير الإضاءة الخارجية الأكثر صحة وهذا يعني الحد من أطوال الموجات الزرقاء، واستخدام أدنى مستوى ضوء مطلوب، واستخدام دروع المصابيح لتوجيه الأشعة بدقة أكبر.
لكن الالتزام بهذه الخطوات عالمياً لا يزال منخفضاً إلى درجة كبيرة، لذا علينا أن نقدم على خطوات فردية بسيطة تحد من التلوث الضوئي كأن نطفئ الضوء عند مغادرتنا أي غرفة وهذا الأمر لا يسهم في تقليل تلوث الضوء الإجمالي فحسب، بل يقلل أيضاً من كلف الطاقة في المنزل.
بناءً على ما سبق، من الجيد استخدام الضوء بالمقدار الذي نحتاج إليه تماماً، كما أن تركيب أجهزة التحكم في الإضاءة في كل غرفة يسمح أيضاً باستخدام قدر أقل من الضوء بصورة عامة، ويجب علينا التأكد بأن تكون منازلنا أقل سطوعاً في المساء من طريق إطفاء أو تعتيم الأضواء في المنزل وعلى الشرفات والساحات.
وبينما تتميز أضواء الحمامات بسطوعها فإن إضاءتها أثناء الليل يعني أننا نقمع فعلياً بأيدينا هرمون الميلاتونين، لذا يوصي العلماء باستخدام ضوء ليلي أو إضاءة قاعدة كهرمانية أحدث بدلاً من ذلك.
ومن النصائح التي يمكن ذكرها هنا عدم ترك التلفاز قيد التشغيل طوال الليل كونه يرتبط بسوء النوم، وضرورة وجود ستائر معتمة لنوافذ غرف النوم المواجهة لمصادر الضوء الخارجية، واستبدال مصابيح ثنائي باعث الضوء أو المصابيح الفلورية المدمجة (CFLs) بالمصابيح التقليدية التي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة، أو اللجوء إلى المصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية فهي رخيصة الثمن ولا حاجة إلى صرف الطاقة لتشغيلها.