ملخص
اتهمت الحكومة الروسية نظيرتها الأميركية، ممثلة في "مكتب الاستطلاع الوطني"، بالتجسس على برامج وأنشطة بعض الدول.
هناك سؤال يشغل كثيرين أخيراً، ويأتي ضمن أسئلة سباق التسلح النووي العالمي، ويدور حول وجود رابط حقيقي بين حروب أميركا النووية وشبكة "ستارلينك" للأقمار الاصطناعية؟ والإجابة غامضة ولا يمكن التصريح بها حتى الآن لأنها غير مدعومة بأدلة قاطعة، فعلى رغم إشارة كثير من المواقع العلمية والإخبارية إلى صحة هذه المعلومة، فإنه لا يوجد دليل واحد على هذا الإدعاء، فهناك مواقع علمية متخصصة بالأسلحة النووية سربت أثناء الحرب الإسرائيلية - الإيرانية أنباء عن تجسس الإدارة الأميركية على خصومها النوويين بدلاً من تحسين شروط التفاوض معهم.
وفي الثاني من يوليو (تموز) الجاري أطلقت "سبيس إكس" 27 قمراً اصطناعياً جديداً دفعة واحدة من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا، وتواصل "سبيس إكس" على رغم كل هذه الاتهامات توسيع "شبكة ستارلينك" التي تضم الآن أكثر من 7900 قمر اصطناعي.
ريبة كبيرة
أما كيف تكونت هذه الريبة الكبيرة حول دور "ستارلينك" التجسسي المزعوم فالإجابة هي أن السبب المباشر لتلك الريبة هو تصريحات مسؤولين حكوميين كبار، من روسيا تحديداً، والتي نشرتها وكالات إخبارية عالمية، إضافة إلى ما ردده بعض أعتى خصوم ترمب السياسيين من المجتمع العلمي الأميركي، وأبرزهم جون ولفستال، وهو متخصص عالمي معترف به في مجال الأسلحة النووية والردع وسياسات الأمن الدولي.
وتحدث ولفستال صراحة في مواقع علمية مرموقة عن كون الرئيس الأميركي ترمب "لديه ضعف واضح في التفاوض حول برامج خصومه النويين، وأنه يعتمد نهجاً خاصاً لمراقبة المنشآت النووية لهم يقوم على طرق ملتوية مثل استخدام وسائل التجسس على تلك الدول ومنشآتها"، وكل ذلك يأتي في ظل نشاط "ستارلينك" المتصاعد.
دور "الاستطلاع الوطني"
وفي السياق ذاته فإن الحكومة الأميركية، وتحديداً مكتب الاستطلاع الوطني، وهو وكالة استخبارات حكومية أميركية، متهم رسمياً من قبل الحكومة الروسية بالتجسس على بعض برامج وأنشطة هذه الدول السيادية من خلال شبكة الأقمار الاصطناعية "ستارلينك"، إذ تبرز "ستارلينك" في هذه الفترة بوصفها البرنامج الفضائي الأميركي الوحيد الذي لم يتأثر تمويله ولم يتراجع نشاطه خلال الفترة الماضية، على رغم الخفض الكبيرة في موازنة الفضاء الأميركي الحكومي ممثلاً في "ناسا"، والذي انعكس بالضرورة على قطاع الفضاء الأميركي الخاص ممثلاً في الشركة العملاقة "سبيس إكس" تحديداً.
روسيا تهدد
ويدور الحديث حالياً عن أن روسيا تهدد مجدداً بمهاجمة "شبكة ستارلينك"، مستشهدة بأخطار أقمار التجسس الأميركية"، وسط تقارير تفيد بأن شركة "سبيس إكس" تبني مئات أقمار التجسس لمصلحة الحكومة الأميركية.
وفي مقالة نشرت على موقع (uk.pcmag.com) البريطاني بقلم مايكل كان في الـ 20 من مارس (آذار) 2024، يقول الكاتب إن "الحكومة الروسية هددت مجدداً باستهداف 'شبكة ستارلينك' التابعة لشركة 'سبيس إكس' على خلفية تقرير يفيد بأن الشركة تبني مئات أقمار التجسس لمصلحة الحكومة الأميركية"، وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في إفادة صحافية بقولها "نحن على دراية تامة بجهود واشنطن لجذب القطاع الخاص لخدمة طموحاتها الفضائية العسكرية".
توضيح
ومضى مايكل كان في حديثه بأن "زاخاروفا أدلت بهذا التصريح بعد أن تحدثت 'رويترز' مع خمسة مصادر لم تُسمها، أكدت أن 'سبيس إكس' تبني شبكة أقمار التجسس لمصلحة مكتب الاستطلاع الوطني الأميركي، وهو وكالة استخبارات حكومية، ويعد هذا المشروع السري جزءاً من برنامج 'ستارليند' التابع لشركة 'سبيس إكس' والذي يستخدم تقنية 'ستارلينك' الخاصة بالشركة لأغراض الأمن القومي".
ووفقاً لـ "رويترز" فقد منحت الولايات المتحدة "سبيس إكس" عقداً بقيمة 1.8 مليار دولار لبناء أقمار اصطناعية تدور في مدار أرضي منخفض وستكون قادرة على تتبع الأهداف على الأرض، ولذلك يرى كل هؤلاء أنه لا بد من وجود علاقة مباشرة بين بناء شبكة "ستارلينك" والتجسس على برامج الدول النووية الكبرى مثل روسيا والصين، ولكن هذه التحليلات تظل في نطاق التكهنات حتى الآن، ومن دون الإفصاح عن أية أدلة دامغة في هذا الشأن.
إشارة
ومن الضروري هنا الإشارة إلى حادثة وقعت بداية عهد ترمب وتدل على أن الرئيس الأميركي نفسه حجب "معلومات سرية للغاية" عن صاحب شركة "ستارلينك" الملياردير إيلون ماسك، ويعتقد أن هذه الحادثة لها علاقة مباشرة بعمليات التجسس الحكومية الأميركية على واحدة من أعتى القوى النووية العالمية المتحفزة لتطوير بنرامجها النووي بشدة وهي الصين، إذ منع ترمب في بداية عهده وصول معلومات طلبها حليفه ماسك من مساعديه عن الصين.
ما الذي يفعله إيلون؟
ووقتها كان ماسك لا يزال موظفاً كبيراً في البيت الأبيض، وتحت عنوان "ما الذي يفعله إيلون هناك بحق الجحيم؟ دونالد ترمب يمنع ماسك من حضور إحاطة سرية للغاية حول الصين بعد أن أزعج رئيس شركة 'تيسلا' موظفي البيت الأبيض"، كتبت "ديلي ميل" البريطانية في الـ 18 من أبريل (نيسان) الماضي أن "تقارير أفادت بأن ترمب منع ماسك من حضور اجتماع حكومي سري للغاية حول الصين بعد أن أزعج الملياردير مسؤولي البيت الأبيض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت الصحيفة أن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أوقف اثنين من كبار مسؤولي الـ "بنتاغون"، وهما دان كالدويل ودارين سيلنيك، عن العمل بعد تحقيق في هوية من سرب خبر الإحاطة في شأن الصين إلى ماسك، ووفقاً لـ "موقع أكسيوس" فلم يكتف هيغسيث بإلغاء الاجتماع بعد التسريب بل أمر الرئيس الأميركي نفسه الموظفين بإلغائه.
تجاهل
ولذلك من الصعب جداً تجاهل أقوال خصوم ترمب السياسيين وغيرهم من المجتمع العلمي الأميركي وأبرزهم جون ولفستال حول اعتماد الرئيس الأميركي سياسة التجسس على خصومه النوويين، فولفستال كاتب صحافي أميركي مرموق وشرس ضد ترمب، وشغل مناصب رفيعة خلال إدارتي الرئيسين السابقين باراك أوباما وجو بايدن، وهو يدير "برنامج الأخطار العالمية" في اتحاد العلماء الأميركيين، كما أنه عضو في "مجلس العلوم والأمن" في نشرة علماء الذرة، وعضو في "المجلس الاستشاري للأمن الدولي" التابع لوزارة الخارجية الأميركية، ومقدم مشارك لبرنامج "سنموت جميعاً"، وهو بودكاست تكنولوجي وأمني يبث على شبكة راديو الدولة العميقة في الولايات المتحدة.
مشكلة ترمب
أما مشكلة ترمب الرئيسة، وفق بعض العلماء، فهي في كونه يعتمد نهجاً غير تقليدي خلال المفاوضات النووية، إذ تخلى الملياردير الجمهوري في مفاوضاته مع خصوم نوويين كبار عن نهج المتابعة والتفتيش الدقيق على المنشآت النووية، وهو نهج علمي حاز إجماعاً سياسياً كبيراً، مفضلاً اعتماد نهج خاص يقوم على طرق ملتوية مثل استخدام وسائل التجسس على تلك الدول ومنشآتها، وهذا هو سبب الريبة لدى بعض الأوساط العلمية الأميركية التي تشك بتجسس الحكومة في واشنطن على برامج الدول النووية المعادية لها من خلال أضخم شبكة أقمار اصطناعية في العالم.
مبالغة
لكن من الواضح أن بعض أوساط المجتمع العلمي الأميركي تبالغ كثيراً في الدفع باتجاه تحميل ترمب، الذي اشتهر أكثر من أي شيء آخر بعقد الصفقات الرابحة مالياً، المسؤولية الكاملة عما يجري في العالم من سباق محموم للتسلح النووي، ويرى خصومه أنه خلال ولايته الأولى قال إنه يريد التفاوض على اتفاق نووي مع كوريا الشمالية وفشل، ومع إيران لم يحاول قط، ثم انسحب من اتفاق قائم، وكذلك فشل مع روسيا والصين.ش