ملخص
كثيراً ما كانت الجماعات الإرهابية في طليعة من يستغل الفضاء الرقمي لنموها، ويبدو أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى الفصل الأحدث في هذا التوجه.
تسابق وكالات مكافحة الإرهاب الزمن للحفاظ على تفوقها وإحباط الهجمات، في وقت باتت فيه الأدوات الرقمية أكثر سهولة في الوصول والاستخدام.
وكثيراً ما وصفت سلطات مكافحة الإرهاب محاولاتها لملاحقة الجماعات الإرهابية ومتابعة استخداماتها للأدوات الرقمية وتطبيقات التواصل الاجتماعي بأنها أشبه بلعبة اصطد الخلد أو (Whac-a-Mole)، إذ تظهر التهديدات في مكان جديد كلما أغلقت نافذة أخرى.
استغلت جماعات جهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وسلفه "تنظيم القاعدة"، وكذلك جماعات نازية جديدة مثل القاعدة (The Base)، الأدوات الرقمية لأغراض التجنيد، والتمويل السري عبر العملات المشفرة، وتنزيل نماذج أسلحة للطباعة ثلاثية الأبعاد، ونشر تقنيات تنفيذ العمليات بين أتباعها، بينما وجدت أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات نفسها متأخرة دائماً بخطوة.
ومع مرور الوقت، تطور العمل على إحباط الهجمات والحفاظ على التفوق التكنولوجي في مواجهة هذه الجماعات، خصوصاً مع تزايد الموارد مفتوحة المصدر المتاحة على الإنترنت، التي تجعل من السهل للجماعات الإرهابية الوصول إلى أدوات كانت في الماضي حكراً على الجهات الحكومية أو المختصين.
والآن ومع دخول الذكاء الاصطناعي مرحلة متقدمة من التطور، وتحوله إلى أدوات مجانية وسهلة الوصول في صورة تطبيقات متاحة للجميع، تسارع وكالات الأمن لمواكبة التحدي الجديد.
قلق بالغ
في حين قالت مصادر مطلعة على جهود مكافحة الإرهاب داخل الحكومة الأميركية لصحيفة "الغارديان"، إن وكالات أمنية عدة تشعر بقلق بالغ إزاء الكيفية التي تجعل بها تقنيات الذكاء الاصطناعي الجماعات المعادية أكثر كفاءة في التخطيط والتنفيذ، ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) التعليق على هذه المعلومات.
وقال مؤسس ومدير منظمة "تك ضد الإرهاب" آدم هادلي، وهي جهة رقابية مدعومة من المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، للصحيفة "توقعاتنا البحثية كانت دقيقة، إذ نرى الإرهابيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتسريع أنشطتهم القائمة، وليس بالضرورة لإحداث ثورة في قدراتهم العملياتية". وأضاف "الأخطار المستقبلية تشمل استغلال الإرهابيين للذكاء الاصطناعي في تطوير التطبيقات والمواقع بسرعة، لكن في جوهر الأمر فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يعزز التهديدات الناشئة عن تقنيات موجودة أساساً، بدلاً من أن يخلق تهديدات جديدة كلياً".
وحتى الآن، بدأت جماعات مثل "داعش" وغيرها من الكيانات المتطرفة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً روبوت المحادثة "تشات جي بي تي" من "أوبن إيه آي"، لنشر الدعاية وتوسيع نطاق التجنيد بوسائط متعددة وبطرق جديدة ومتطورة. وعلى غرار التهديد الذي يشكله الذكاء الاصطناعي لقطاعات العمل الحديثة حول العالم، الذي قد يعزز من ثروات كبار الأثرياء، فإنه يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى قضايا الأمن العام.
الدعاية والترويج
وقال المدير التنفيذي لمعهد الحوار الاستراتيجي لمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا مصطفى أياد للصحيفة، "يمكنك أن تأخذ شيئاً مثل نشرة إخبارية لتنظيم الدولة الإسلامية، وتحولها الآن إلى قطعة صوتية"، مضيفاً أن أنصار التنظيم والمجموعات الداعمة له فعلوا ذلك، إلى جانب إنتاجهم لسلاسل صور تعد مركزية.
وتابع أياد، متفقاً مع ما قاله آدم هادلي، "كثير مما يقوم به الذكاء الاصطناعي هو تمكين ما هو موجود بالفعل، كما يعزز قدراتهم في مجال الدعاية والترويج، وهو جزء أساس من ذلك".
ولم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يخفي افتتانه بالذكاء الاصطناعي، بل بات يعترف علناً بالفرصة التي يتيحها هذا التطور، إذ وزع على أنصاره عبر قناة مشفرة دليلاً بعنوان "أدوات الذكاء الاصطناعي وأخطاره". وفي أحد أعداد مجلاته الدعائية الأخيرة، قدم التنظيم تصوراً لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وأكد ضرورة تبنيه ضمن عملياته.
وجاء في مقالة بالمجلة "بالنسبة إلى كل فرد، بغض النظر عن مجاله أو خبرته، أصبح فهم تعقيدات الذكاء الاصطناعي أمراً لا غنى عنه"، مضيفاً "[الذكاء الاصطناعي] ليس مجرد تقنية، بل قوة تعيد تشكيل الحرب". وفي المقالة نفسها، أوضح كاتب من التنظيم أن خدمات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون بمثابة "مستشارين رقميين" و"مساعدين بحثيين" لأي عضو في التنظيم.
كيفية تصنيع المتفجرات
وفي غرفة محادثة نشطة يستخدمها تنظيم الدولة للتواصل مع أتباعه ومجنديه، بدأ المستخدمون يناقشون مختلف الطرق التي يمكن أن يستخدم بها الذكاء الاصطناعي كأداة مفيدة، إلا أن بعضهم أبدى حذراً. أحد المستخدمين تساءل عما إذا كان من الآمن استخدام "تشات جي بي تي" للسؤال عن "كيفية تصنيع المتفجرات"، معبراً عن قلقه من احتمال مراقبة الجهات الأمنية لذلك، وهي من ضمن المخاوف المتزايدة في شأن الخصوصية المحيطة بالروبوت منذ ظهوره.
ورد عليه أحد الداعمين بطرح بديل أقل لفتاً للانتباه، إذ اقترح تحميل "مخططات وتعليمات لصنع نموذج أولي بسيط لمركبة يتحكم بها عن بعد".
أصبح أسلوب الدهس بالشاحنات وسيلة مفضلة للتنظيم في هجماته الأخيرة التي نفذها أنصار له وعناصر مباشرة، وفي مارس (آذار) الماضي نشر حساب مرتبط بالتنظيم مقطع فيديو لصناعة قنبلة باستخدام الذكاء الاصطناعي، يظهر فيه شخصية رمزية (أفاتار)، ويعرض وصفة يمكن تنفيذها باستخدام أدوات منزلية بسيطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبدت أيضاً الجماعات اليمينية المتطرفة اهتماماً بالذكاء الاصطناعي، إذ وجهت بعض حسابات أنصارها إلى استخدامه في إنشاء صور دعائية مضللة (ميمز)، فيما لجأ آخرون إلى الذكاء الاصطناعي لتصميم صور دعائية لأدولف هتلر.
وأشار أياد إلى أن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي هذه شكلت "نعمة" للجماعات الإرهابية، خصوصاً في ما يتعلق بأمنهم التشغيلي، كاستخدام أدوات تشفير صوتية تخفي الهوية، مما يسمح لهم بمزيد من التخفي وتعزيز قدراتهم العملياتية اليومية.
الجماعات الإرهابية في طليعة من يستغل الفضاء الرقمي
وكثيراً ما كانت الجماعات الإرهابية في طليعة من يستغل الفضاء الرقمي لنموها، ويبدو أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى الفصل الأحدث في هذا التوجه، ففي يونيو (حزيران) 2014 حين لم يكن تنظيم الدولة قد ترسخ بعد في الوعي العالمي، بث عبر "تويتر" صوراً ورسائل توثق تنفيذ إعدامات جماعية لأكثر من ألف رجل أثناء اقتحامه مدينة الموصل، مما دفع جنود الجيش العراقي حينها إلى الفرار. وبعد إعلان "الخلافة" وتوسيع نطاق عمليات التنظيم الإلكترونية، شُرع في حملة منسقة بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى لقمع وجود التنظيم على الإنترنت. ومنذ ذلك الحين، ركزت أجهزة الاستخبارات الغربية على تتبع التشفير، والعملات المشفرة، وتطبيقات الرسائل المشفرة، ومواقع الأسلحة القابلة للطباعة ثلاثية الأبعاد.
لكن التخفيضات الأخيرة في موازنات عمليات مكافحة الإرهاب حول العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، أضعفت هذه الجهود.
وقال هادلي "نقطة الضعف الأكثر إلحاحاً تكمن في تدهور بنية مكافحة الإرهاب"، مضيفاً "المعايير انخفضت بصورة كبيرة، والمنصات والحكومات لم تعد تركز على هذا المجال كما في السابق".
وأوضح أن هذا التراجع يتزامن مع تطور "محتوى مدعوم بالذكاء الاصطناعي أكثر تعقيداً"، داعياً شركات مثل "ميتا" و"أوبن إيه آي" إلى "تعزيز الآليات القائمة، بما في ذلك مشاركة البصمات الرقمية والقدرات التقليدية للرصد"، والعمل على تطوير أدوات "إشراف على المحتوى" تكون أكثر فاعلية في مواجهة الاستخدام الإرهابي للذكاء الاصطناعي.
وختم قائلاً "نقطة ضعفنا لا تكمن في قدرات الذكاء الاصطناعي الجديدة، بل في تراجع قدرتنا على الصمود في وجه الأنشطة الإرهابية القائمة على الإنترنت".