ملخص
التقدم التكنولوجي أصبح يقفز اليوم بسرعة تحتاج إلى نسبة جيدة من المجاراة، وإلا فإن كل ما يشار إليه اليوم على أنه ابتكار قد ينضم غداً إلى تصنيف البائد، إضافة إلى اشتعال بيئة شديدة التنافسية للاستفادة الفورية من كل ما يلقيه هذا المجال من أدوات في السوق.
ربما تبدو عبارة "الخوف من أن يفوتنا الذكاء الاصطناعي" غريبة بعض الشيء، بعد أعوام من طرح مخاوف مكثفة حول التكنولوجيا الجديدة واجتياحها عالمنا وسلبها وظائفنا وأدوارنا، بعدما تبعتها موجة أخرى من القلق والنقاشات حول مدى فاعليتها وجدارتها باستحقاق ثقتنا، لكن لا بأس فنحن نتحدث هنا عن البشر وعلاقتهم بالخوف الذي يبدو وكأنه أصبح منطقة راحتهم وسمة زمانهم.
اليوم يعلن البشر للعالم أنه بعد أن كنا نخاف من الذكاء الاصطناعي، نحن نخاف اليوم من أن يفوتنا قطاره وتستثنينا مزاياه.
"فومو أي آي "FoMO-AI
ينتشر اليوم في الأوساط العلمية مصطلح "الخوف من تفويت الذكاء الاصطناعي FoMO-AI" وهو يعبر عن نوع من الخوف المرتكز على عدم مواكبة الأدوات التي تطرح في المجال الجديد أو عدم استخدامها بالصورة الصحيحة أو بالكفاءة مقارنة بالمنافسين، وقد يشعر حتى من يستخدمه وكأن الآخرين يستثمرونه بصورة فضلى.
كذلك يتركز حول الخوف من البقاء خارج هذه المنافسة المحتدمة وما تحمله من فرص ومكاسب، ويشعر به الأفراد والشركات على حد سواء عندما يلاحظون كيف يستفيد من حولهم من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتسخيره وتحقيق المكاسب وامتطاء عربة الفرص المتاحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف تقرير تمكين الأداء الصادر عن منصة "بيترووركس Betterworks" لأداء الموظفين وتفاعلهم الذي شمل 2100 شخص، أن نحو تسعة من كل 10 أشخاص مستخدمين للذكاء الاصطناعي التوليدي بصورة يومية، يقولون إنه يعزز إنتاجيتهم، بينما أفادت النسبة نفسها من المشاركين بتحسن في سرعة وجودة ودقة وإبداع عملهم.
وفي السياق يصرح الرئيس التنفيذي لمنصة "ويبي أي آي Whippy AI" ديفيد دانشجار أن "الموظفين لا يخشون اليوم أن يحل الذكاء الاصطناعي محلهم، بقدر ما يخشون التخلف عن الركب إذا لم تواكب شركاتهم التطور".
الخوف المشروع
لكن لنكن واقعيين قليلاً ونقول إن هذا الخوف بالتحديد مبرر ومشروع ومنطقي جداً، بل إنه مفيد ومحفز على تطوير ذواتنا وترقية أدواتنا، بخاصة أن الذكاء الاصطناعي تغلغل في جوانب حياتنا اليومية والمهنية وغير طريقة معيشتنا وتفاعلنا وعملنا واستحوذت نماذجه على درجة عالية من الاهتمام العالمي، ولهذا الخوف أساس واقعي ومنطقي، فالذكاء الاصطناعي يسرع العمل ويقلص وقت المهام ويخفض الكلف ويسرع عجلة الإنتاج.
وفي هذا الصدد يشير المتخصص في الاقتصاد في منصة يوديمي التعليمية، ميشا فيشر، عبر الإنترنت، إلى الطلب المتزايد على مهارات الذكاء الاصطناعي قائلاً "لم يعد إتقانه مهارة متخصصة، بل أصبحت ضرورية بقدر ما كانت عليه مهارات الحاسوب قبل 30 عاماً".
والحقيقة أن التقدم التكنولوجي أصبح يقفز اليوم بسرعة تحتاج إلى نسبة جيدة من المجاراة، وإلا فإن كل ما يشار إليه اليوم على أنه ابتكار قد ينضم غداً إلى تصنيف البائد، إضافة إلى اشتعال بيئة شديدة التنافسية للاستفادة الفورية من كل ما يلقيه هذا المجال من أدوات في السوق.
لكن ينبغي علينا أولاً فهم شكل ومنبع هذا الخوف حتى نستطيع التعامل معه ومن ثم تجاوزه.
ثلاثة مخاوف رئيسة
في بحث صادر عن مركز أبحاث في إحدى الجامعات الصينية، نشره موقع "ساينس دايركت "ScienceDirect، وضح الباحثون أن ظاهرة "فومو أي آي "FoMO-AI تختلف عن مقياس "الخوف من تفويت الفرص" التقليدي، الذي يركز على المخاوف في شأن تفويت التجارب والمعلومات الاجتماعية، بينما يتناول "فومو أي آي" المخاوف المتعلقة بالتوزيع غير المتكافئ لفوائد الذكاء الاصطناعي، كذلك فإنه يختلف عن قلق الذكاء الاصطناعي المعبر عنه بـ(AIA) والذي يركز على التأثيرات السلبية المحتملة، لأنه "فومو أي آي" ليس مجرد استجابة عاطفية تمنع التفاعل مع الذكاء الاصطناعي بل قد يدفع الأفراد إلى سلوكيات معقدة، مثل التركيز المفرط على اكتساب مهارات التكنولوجيا الجديدة أو الإفراط في استخدام تقنياتها.
وربط الباحثون قلق الذكاء الاصطناعي بثلاثة مخاوف رئيسة، الأول هو الخوف من فقدان السيطرة عليه، والثاني يتعلق بالضغط الناتج عن صعوبة إتقان تقنياته وكلفها، بينما يتركز الثالث حول القلق من أن يحل في نهاية المطاف محل الوظائف البشرية.
التبني التدريجي
لكن يجب الحذر هنا من ألا يدفع هذا الخوف الناس إلى التسرع في خوض غمار هذا العالم بصورة غير مدروسة وتحصيل نتائج سلبية عوضاً عن تلك المرجوة وإهدار الأموال والوقت، وهنا يأتي دور نصائح المتخصصين في هذا المجال، إذ يدعون الناس إلى تعزيز ثقافة التطور والتعلم الفردي والجماعي ليصبح أسلوب حياة في عالم متسارع ومتجدد، من الحصول على فرص للتدريب وتوسيع المهارات والمعارف والتبني التدريجي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتشجيع على التجريب وتقبل الفشل كوسيلة أساس للتعلم.
والأهم من هذا وضع إستراتيجية ورؤية واضحة على ضوء التغيرات الحاصلة اليوم، وتبني أساليب جديدة في التخطيط وبناء نماذج العمل بحيث تحاكي التطورات وتستثمرها، ولكسر العزلة ينصح بالتعاون مع مؤسسات البحث ومقدمي التكنولوجيا وتكوين شراكات إستراتيجية.
وكل المطلوب هو البدء باتزان وروية في سبر أغوار هذا القطاع ومحاولة دمج قدراته في نماذج أعمالنا على المستويين الفردي والجماعي، وبهذا يمكن إدارة هذا الخوف وتحويله إلى فرصة للنمو والابتكار.