ملخص
بدأ الناس يعملون من منازلهم، وليست الأعمال المكتبية فقط هي التي انتقلت إلى المنزل بل أعمال كثيرة أخرى، ليصبح المنزل منطلقاً إلى عدد من المشاريع التي كانت تتطلب في السابق وجود مقر مستقل خارج البيئات المعيشية الخاصة.
يكمن التحدي الأساس أمام الهندسة المعمارية في التوفيق ما بين الوظيفة والكفاءة والراحة، والعمل الدائم على إيجاد حلول لتحديات تفرضها التغيرات البيئية والاجتماعية والمهنية، لتحقيق الغاية المنوطة بها في توفير مساحة مشتركة سواء في العمل أو المعيشة توفر شروطاً مناسبة للراحة والازدهار لجميع ساكنيها.
التحول الرقمي
أما التحدي الأكبر فيكمن في عصر يتطلب أن تكون المساحات أكثر مرونة وقابلية على التكيف ومتعددة الأغراض، بحيث تشجع على الصحة البدنية والنفسية وتحفز على العمل أيضاً في عصر تسلل فيه العمل إلى منازلنا، إذ كانت المنازل حتى الأعوام القليلة الماضية مخصصة خصوصاً للمعيشة والراحة مع بعض الاستثناءات، لكن بعد التحول الرقمي الأخير والذي رافقه طيف من المتغيرات على جميع المستويات، أصبح من الضروري تكييف منازلنا لكي تتماشى مع المتغيرات من حولنا.
بدأ الناس يعملون من منازلهم، وليست الأعمال المكتبية فقط هي التي انتقلت إلى المنزل بل أعمال كثيرة أخرى، ليصبح المنزل منطلقاً إلى عدد من المشاريع التي كانت تتطلب في السابق وجود مقر مستقل خارج البيئات المعيشية الخاصة.
المساحات الهجينة
وفي المقابل، كانت البيئات العملية مخصصة أيضاً للعمل فحسب، بينما نجد اليوم كيف أدخلت بعض المكاتب وسائل للراحة والقيلولة نظراً إلى طول ساعات العمل وزيادة الجهد المطلوب، فأصبح البشر في حاجة ماسة إلى ما يسمى "المساحات الهجينة".
والحقيقة هنا أن نمط حياتنا برمته أصبح هجيناً، ويتطلب كثيراً من التخصيص والمرونة والاستجابة السريعة والدقيقة والمشاركة الرقمية ودمج العمل والترفيه، وكسر التقييد والجمود الذي كان سائداً خلال وقت سابق، والانفتاح على الإمكانات التي يمكن أن تضمها المساحة من خلال الجمع بين وظائف عدة تجمع العمل والراحة والترفيه معاً، فبدلاً من تصميم مساحات لوظائف محددة، علينا اليوم ابتكار مزيد من البيئات القادرة على تلبية مجموعة واسعة من الاستخدامات، مع التشديد على أهمية جودة هذه البيئات ومراعاتها للصحة البدنية والنفسية على حد سواء، إذ أصبح من الشائع على سبيل المثال أن نرى مكتباً للعمل في غرفة النوم.
التصميم المعياري
وفي هذا السياق تبرز مجموعة من المفاهيم التي تحقق هذا النوع من النمط الهجين في العمارة، منها التصميم المعياري الذي يعبر عنه كمبدأ يقسم المنظومة التصميمية الواحدة إلى أجزاء أصغر تعرف باسم الوحدات، ويصدرها على صورة قطع ثلاثية الأبعاد ليعاد تركيبها من قبل مقتنيها، ويطبق مفهوم التصميم المعياري في مجالات مختلفة مثل الهندسة المعمارية وتصميم المنتجات والتصميم الداخلي والأثاث وتصميم السيارات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها، وتستخدم مصطلحات مثل "التصميم خارج الموقع" و"التصنيع المسبق" و"التصميم المعياري" بالتبادل، لتغطي مجموعة واسعة ومختلفة من الأساليب والأنظمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي التصميم المعياري تُنتج وحدات ثلاثية الأبعاد للمبنى جزئياً أو كلياً في مصانع ومنشآت خاصة خارج الموقع، لترسل إلى موقعها المطلوب وتُجمع هناك، بالتالي هو نوع من تبسيط عملية التصميم إلى الحد الذي يستطيع فيه غير المصممين المشاركة الجزئية فيها.
إعادة الاستخدام التكيفي
ويبرز هنا أيضاً مفهوم المساحات المفتوحة، أي عدم وجود حواجز فاصلة بين المساحة والمناطق المحيطة بها، مثل فتح المطبخ على غرفة الطعام أو جمعهما معاً، بالتالي خلق تدفق سلس بين المساحات، ورحابة، مع السماح لمزيد من الضوء الطبيعي بالدخول إلى المكان.
وبغض النظر عن نوع المساحة فإن فكرة تحويل المكان ليدعم وظيفتين يعيد الاعتبار لساكنيه ويعطي الإنسان الحق في تخصيص منزله بالصورة الذي تناسب نمط حياته هو، أي إن على المكان أن يتكيف مع ساكنيه وليس العكس، على أن يُحول المكان إلى بيئة آمنة ومريحة للإنسان من جهة وتراعي البيئة والاستدامة خلال الوقت ذاته.
الأكيد أن المساحات متعددة الاستخدامات ستحقق استدامة أعلى بمرور الوقت نظراً إلى قدرتها على الجمع بين وظائف وحاجات عدة مرتبطة بالحياة اليومية، وكذلك التكيف بسهولة مع المتغيرات عبر الزمن، إذ لا بد من تحقق شرطين أساسين لنقول عن مبنى إنه مستدام، هما التأثير البيئي الضئيل وتلبية حاجات شاغليه المختلفة.
والأهم أنها تعمل على تقليل الطلب على إنشاءات جديدة من هدم أو فصل أو توسيع وغيرها، وما ينتج منها من النفايات وانبعاثات الكربون، طالما المساحة تلبي عدة حاجات خلال وقت واحد وتغطي أي احتياج ممكن أن يظهر مع الوقت، وبذلك تندرج ضمن مفهوم إعادة الاستخدام التكيفي الذي يشير إلى المساحات التي يمكن إعادة استخدامها لغرض مختلف عن الغرض الذي بُنيت من أجله في الأصل، هو نوع من التحويل وإعادة التدوير.
وهذا الأمر ينطبق على تحويل وظيفة مبنى قائم إلى استخدام جديد مع الحفاظ على أهميته التاريخية وخصائصه المعمارية، بالتالي تبرز أهمية هذا المفهوم كنهج مستدام يحافظ على الموارد ويقلل من النفايات ويطيل العمر الافتراضي للمبنى، وهذا كله يتقاطع مع مقولة أن "المبنى الأكثر استدامة هو المبنى الذي بُني بالفعل".