ملخص
قال المحلل السياسي الروسي ديمتري يلوفسكي إن ماكرون يحاول الآن أن يكون حلقة وصل بين الغرب وروسيا، ونظراً إلى أن الرئيس ترمب هو الزعيم الغربي الوحيد الذي يتحدث إلى بوتين، يبقى كل الآخرين في الخلفية، ينتظرون ليروا ماذا يقولون ويفعلون.
في وقت تواجه أوكرانيا هجمات جوية روسية مستمرة، أعلنت الولايات المتحدة وقف تسليم صواريخ الدفاع الجوي وغيرها من الأسلحة المخصصة لكييف، حيث أفاد مسؤولون أميركيون بأن الأمر يتعلق بالحاجة إلى تعزيز مخزونات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
القرار الذي وصفه عضو لجنة الدفاع في البرلمان الأوكراني فيدير فينيسلافسكي بأنه "مؤلم"، يعكس تراجع التزام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساعدة كييف في حربها مع روسيا. وشدد مسؤولو الإدارة الأميركية على ضرورة التركيز بصورة أكبر على التهديدات طويلة الأمد الآتية من الصين وحاجات الجيش الفورية في الشرق الأوسط. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي "اتخذ هذا القرار لوضع مصالح أميركا أولاً"، عقب مراجعة أجراها "البنتاغون" للمساعدات العسكرية الأميركية.
ووفق ما ورد في وسائل الإعلام الأميركية، فإن شحنات الأسلحة كانت في بولندا عندما صدر قرار إيقاف تسليمها، وشملت صواريخ اعتراضية من نظام "باتريوت" للدفاع الجوي وصواريخ جو-جو وصواريخ "هيلفاير" جو-أرض، وصواريخ أرض-أرض وقذائف مدفعية وصواريخ "ستينغر" أرض-جو. وقال وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات في "البنتاغون" إلبريدج كولبي إن وزارة الدفاع ستقدم إلى ترمب خيارات للاستمرار في المساعدات العسكرية لأوكرانيا بما "يتماشى مع هدفه المتمثل في إنهاء هذه الحرب المأسوية"، وأضاف أن "الوزارة تُجري فحصاً دقيقاً وتُكيّف نهجها لتحقيق هذا الهدف، مع الحفاظ أيضاً على جاهزية القوات الأميركية لتلبية أولويات الإدارة الدفاعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قرار واشنطن جاء في وقت حرج تمر به كييف التي تعتمد بصورة كبيرة على تلك الأسلحة للدفاع الجوي ولدعم الخطوط الأمامية، ويأتي بعد ثلاثة أيام فقط من أعنف هجوم روسي مشترك بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أوكرانيا منذ بداية الاجتياح الشامل عام 2022. وأطلقت روسيا موجات هائلة من الطائرات المسيّرة والصواريخ ضد أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة. ففي يونيو (حزيران) الماضي وحده، أرسلت روسيا أكثر من 5 آلاف طائرة مسيّرة مفخخة نحو المدن الأوكرانية، مما أسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
إنهاء الحرب
القرار الذي أحدث صدمة داخل كييف التي سارعت إلى استدعاء السفير الأميركي لديها، يأتي امتداداً لسياسات الرئيس الأميركي الذي يصر على تسوية الحرب، رافضاً ضخ مزيد من الأموال لتسليح أوكرانيا وألقى باللوم على الجانب الأوكراني والغربي حيالها. كما أنه بعد ضرب الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية، أعرب بعض المسؤولين الأوروبيين عن قلقهم من أن واشنطن قد تقرر تحويل أنظمة الدفاع الجوي المخصصة لأوكرانيا إلى الشرق الأوسط.
وورثت إدارة ترمب صلاحية إرسال ما يصل إلى 3.85 مليار دولار من الأسلحة من مخزونات "البنتاغون" إلى أوكرانيا، لكنها امتنعت عن القيام بذلك. كما أنها لم تطلب من الكونغرس تمويلاً إضافياً لبرنامج منفصل يُعرف باسم "مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا" الذي تُخصص من خلاله أموال لكي تتمكن كييف من شراء الأسلحة من شركات الدفاع الأميركية. وفي الوقت نفسه، عارض ترمب إجراء من الكونغرس لفرض عقوبات ورسوم جمركية على موسكو وداعميها بسبب عدم إنهاء الحرب، كما دعا أخيراً إلى إعادة انضمام روسيا لـ"مجموعة السبع".
ويتناقض القرار مع تصريحات ترمب خلال قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي عقدت في هولندا الأسبوع الماضي، عندما أشار إلى إنه سيفكر في بيع أسلحة دفاع جوي من نوع "باتريوت" لكييف. وقال رداً على سؤال من صحافي أوكراني "هم يريدون صواريخ مضادة للصواريخ، كما يسمونها، وهي صواريخ ’باتريوت‘، وسنرى إن كان بإمكاننا توفير بعضها"، مضيفاً أن الحصول عليها صعب جداً، لكنه لم يستبعد ذلك.
ويبدو أن قرار ترمب الذي عارضته كييف ورحب به الكرملين قائلاً إنه سيضع نهاية أسرع للصراع، يأتي في إطار تفاهم ما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب التي تجاوزت ثلاثة أعوام. ويعمل ترمب وحلفاؤه الجمهوريون في الكونغرس على تأمين وقف دائم لإطلاق النار في أوكرانيا. وعلى رغم أن توقف نقل الأسلحة لتقييم المخزونات أمر شائع في الإدارات الجديدة، فإن مسؤولاً مطلعاً تحدث إلى شبكة "أن بي سي نيوز" الأميركية، قال إن هناك مخاوف إزاء التوقيت الذي يحدث فيه ذلك، فأوكرانيا بحاجة لأن تجلس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا من موضع قوة.
وهذه هي المرة الثانية التي تعيد فيها إدارة ترمب توجيه أسلحة كانت مخصصة لأوكرانيا للقوات الأميركية، إذ ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الشهر الماضي أن "البنتاغون" أبلغ الكونغرس سراً بأن صواعق خاصة تُستخدم في الصواريخ التي تُطلقها أوكرانيا لإسقاط المسيّرات الروسية، قد خُصصت لوحدات القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط، فيما كان الكونغرس خصص تمويلاً لهذا النظام ليُقدَّم إلى أوكرانيا، لكن "البنتاغون" أشار إلى أنه يمتلك الصلاحية للاحتفاظ به للاستخدام الأميركي بموجب بند في قانون الإنفاق العسكري الطارئ الذي جرى تمريره العام الماضي.
البحث عن دور
النهج الذي يتبعه ترمب حيال إنهاء الحرب في أوكرانيا والذي يرى بعضهم أنه يمنح روسيا اليد العليا في المفاوضات، كثيراً ما أثار قلق شركائه الأوروبيين الذين باتوا يشعرون بتجاهل الرئيس الأميركي للأمن الأوروبي وتهميشهم في شأن المحادثات الخاصة مع بوتين حول إنهاء الحرب في أوكرانيا. ففي وقت سابق من العام الحالي، أعرب قادة أوروبيون عن قلقهم من أن يصار إلى تهميشهم في تلك المفاوضات عندما أجرت واشنطن مفاوضات مع روسيا استضافتها الرياض في فبراير (شباط) الماضي. وكتبت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس في منشور على حسابها بمنصة "إكس" أنه "في أية مفاوضات، يجب أن يكون لأوروبا دور مركزي".
وقبيل "مؤتمر ميونيخ للأمن" في فبراير الماضي، حذر رئيس أكبر شركة دفاع ألمانية أرمين بابيرغر خلال مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، من أن الدول الأوروبية تُركت وحيدة في "طاولة الأطفال" خلال المحادثات الخاصة بمستقبل أوكرانيا بسبب عقود من عدم الاستثمار الكافي في الدفاع، قائلاً إن الأوروبيين أصبحوا مثل الأطفال الذين تخصص لهم طاولة منفصلة، بينما الولايات المتحدة وروسيا تجريان مفاوضات حول مستقبل أوكرانيا.
وربما هذا ما دفع بتحول كبير في موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أجرى أمس الثلاثاء، اتصالاً هاتفياً للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام مع نظيره الروسي بوتين. ووفق ما جاء في بيان الرئاسة الفرنسية، فإنه خلال الاتصال الذي امتد لأكثر من ساعتين، اتفق الرئيسان على "مواصلة الاتصالات" في شأن أوكرانيا وإيران إذ إنهما ناقشا الملفين. وشدد ماكرون على "دعم فرنسا الثابت لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها" و"دعا إلى إقرار وقف لإطلاق النار في أقرب مهلة ممكنة وبدء مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا للتوصل إلى تسوية دائمة ومتينة للنزاع".
وفي تعليقات لوكالة "تاس" الروسية، قال المحلل السياسي ديمتري يلوفسكي إن ماكرون يحاول الآن أن يكون حلقة وصل بين الغرب وروسيا، ونظراً إلى أن ترمب هو الزعيم الغربي الوحيد التي يتحدث إلى بوتين، يبقى كل الآخرين في الخلفية، ينتظرون ليروا ماذا يقولون ويفعلون. ويعتقد يلوفسكي بأن "ماكرون أيضاً يحاول أن يكون لاعباً مستقلاً ويحافظ بطريقة ما على الحوار مع الرئيس الروسي".
ووفق يلوفسكي فإن المحادثة كانت ذات قيمة لموسكو، بحيث أعطتها فرصة أخرى لتوضيح موقفها وشروطها لأي اتفاق سلام مع أوكرانيا للنخبة الغربية.