Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

للمرة الأولى منذ أعوام... مهرجان ترفيهي يعيد شمل شعبي إثيوبيا وإريتريا

أغلقت الحدود المشتركة إثر اندلاع الحرب في إقليم تيغراي عام 2020

يشترك السكان في المناطق الشمالية لإثيوبيا مع السكان الإريتريين في اللغة التغرينية أو التغرنجية وبعض العادات والتقاليد (أ ف ب)

ملخص

أدت الحروب والنزاعات بين إثيوبيا وإريتريا إلى فصل الأهالي وذوي القربى وتفكيك المجتمعات وتعطل المصالح.

على رغم توطيد وترسيخ العلاقات بين شعبي إثيوبيا وإريتريا بحكم صلات الدم والقرابة، إلى جانب التقارب في الثقافات المشتركة والتاريخ الممتد قروناً، لا تزال مناكفات السياسة بين الدولتين الجارتين تؤثر في علاقات البلدين والشعبين، وتقود إلى مدارك النزاعات والحروب... فإلى أي مدى تحقق الصلات بين الشعبين التوافق في سياسات البلدين؟   

في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الشعبين الجارين جرى تنظيم نشاط ترفيهي عبارة عن مهرجان شعبي عند الحدود الإثيوبية - الإريترية في إقليم تيغراي في مشهد فريد، جمع مجتمعات قرى الحدود للمرة الأولى منذ أعوام طويلة، وجذب هذا الحدث التقاربي مجتمعات الحدود ليكون بمثابة لفتة اجتماعية - إنسانية أبعدت المدنيين عن الخلافات السياسية المتطورة بين الدولتين.

فقد أغلقت الحدود بين إثيوبيا وإريتريا إثر اندلاع الحرب في إقليم تيغراي عام 2020 بين الحكومة الإثيوبية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد وسلطات تيغراي بقيادة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" (EPRDF)، وما صاحب ذلك من تطورات سياسية على المستوى الإقليمي. وتسببت الظروف الأمنية في الإقليم بانقطاع المجتمعات الأهلية عن بعضها بعضاً على امتداد حدود البلدين، مما تسبب في فصل الأهالي وذوي القربى في تلك المجتمعات، وكذلك توقف المصالح المتبادلة والزيارات الودية بين الجانبين.

رمزية السلام

الاحتفال الشعبي الذي جمع أعداداً غفيرة من المواطنين في منطقة زالامبيسا الإثيوبية المتاخمة للحدود الإريترية، كان بمثابة "لحظة رمزية للسلام والمصالحة القومية" حسب وصف مصادر محلية إثيوبية. وشمل اللقاء الأهل والأصدقاء من جانبي إقليم تيغراي الإثيوبي مع أقاربهم في الطرف الآخر من الحدود الإريترية بحضور شيوخ القرى والزعماء الدينيين من الجانبين.

وجرى تنظيم احتفالية إعادة فتح جزء من الحدود من قبل نشطاء محليين وشخصيات مجتمعية، حسب مصادر إعلامية محلية، من دون دعم رسمي من السلطات. لكن بعض المنظمين للاحتفال أشاروا إلى أنهم حصلوا على موافقة من المسؤولين في كلا الجانبين بإقليم تيغراي وإريتريا.


ووصف كثيرون من الحاضرين الاحتفال بـ"التجمع العاطفي"، لكنه جاء متأخراً خمسة أعوام، لم يتمكن فيها الأقارب والأصدقاء من التواصل في ما بينهم. وتسببت الحرب التي شهدتها إثيوبيا بين الحكومة الإثيوبية والجهات الداعمة لها و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في تقطيع أواصر تلك المجتمعات على جانبي الحدود. كذلك تسبب إغلاق الحدود في معاناة وتفريق الأهالي في منطقة زالامبيسا والقرى المجاورة لها، والحيلولة دون رؤية بعضهم بعضاً لا سيما بوجود انتشار عسكري عند الحدود، وترتب على ذلك ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية أدت إلى تفكك المجتمعات الأهلية خلال الحرب التي استمرت عامين في تيغراي وانتهت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

وعلى رغم ما تبع من سلام مع "الجبهة الشعبية في إقليم تيغراي" عبر اتفاق "بريتوريا" وإنهاء الحرب، فلا تزال العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا متوترة بسبب ملفات خلافية عدة، بما في ذلك دور إريتريا في صراع تيغراي، وتحفظاتها على اتفاق سلام "بريتوريا". وكان اتفاق السلام الموقع بجنوب أفريقيا في نوفمبر 2022، نص على الانسحاب الكامل للقوات الإريترية من الأراضي الإثيوبية. لكن إريتريا قررت العودة إلى الحدود التي رسمها اتفاق الجزائر الموقع عام 2000. وتشير مصادر إعلامية إلى انتشار جنود إريتريين على الحدود بين إثيوبيا وإريتريا لا يزالون يسيطرون على مناطق عدة يطالب سكانها الإثيوبيون بتطبيق اتفاق "بريتوريا".

ووفق مصادر إعلامية محلية، أجبرت الحرب السابقة الناس على الفرار من منازلهم، ويعيش أكثر من 55 ألف شخص في ملاجئ موقتة في منطقة عدي قرات على بعد 30 كيلومتراً جنوب منطقة زالامبيسا، معتمدين على أقاربهم. وظلت الحدود مغلقة رسمياً على رغم انتهاء الحرب في إقليم تيغراي، وسط توترات سياسية متصاعدة بين حكومتي إثيوبيا وإريتريا.

تعايش وتقارب

تعيش المنطقة الحدودية بين إقليم تيغراي وإريتريا ظروفاً طبيعية متشابهة، وتقارباً بين المجتمعات القبلية في كثير من العادات والصفات التي ظلت متداخلة على مدى زمن. وظل إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا والمناطق المتاخمة في إريتريا امتداداً حياتياً للسكان والأهالي عبر تداخلهم الأسري والعائلي والحياتي. وعلى رغم ما عاصرته القضية الإريترية من تطورات خلال الحروب منذ عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي منتصف القرن الماضي والنظام العسكري للجنرال منغستو هيلا مريام (1974-1991)، إلى حين استقلال إريتريا في مايو (أيار) 1991 واندلاع الحرب مع إثيوبيا بين (1998-2000)، كان مسار الحياة الأسرية مقاوماً على رغم التوترات وإغلاق الحدود أعواماً.

تتميز المنطقة الحدودية بين إريتريا وتيغراي بتضاريس تتداخل فيها المرتفعات الإثيوبية مع الأراضي المنخفضة، وتشمل مناطق جبلية وصحراوية وسهلية. ويقدر سكان إريتريا بـ4 ملايين نسمة في حين يبلغ تعداد سكان إقليم تيغراي 5.9 مليون نسمة. ويشترك السكان في المناطق الشمالية لإثيوبيا مع السكان الإريتريين في اللغة التغرينية أو التغرنجية (وهي اللغة الرسمية في إريتريا) والثقافات المشتركة والعادات والتقاليد والفن، كذلك تجمعهم طبائع متشابهة في الأطعمة والزي القومي. وتمثل مناطق بادمبي وزالامبيسا كنقاط حدودية بين إثيوبيا وإريتريا. وقد أدى التنازع على المنطقتين خلال حكم رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي (المنحدر من قومية تيغراي) إلى الحرب التي استمرت عامين، اختتمت باتفاق الجزائر عام 2000، لكن آثارها مستمرة لغاية اليوم.

وعلى رغم عودة العلاقات بين البلدين في أعقاب اتفاق السلام الذي أبرم عام 2018، بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي بعد عقود من التوتر وهيمنة حالة اللا سلم، عادت علاقات البلدين إلى مربع الخلاف مرة أخرى بسبب اتفاق سلام "بريتوريا" الذي أنهى الحرب بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير تيغراي"، وعارضته إريتريا، لا سيما بعد مطالبة إثيوبيا بالمنفذ البحري (الميناء الخاص) كهدف حيوي، الذي اعتبرته إريتريا استهدافاً مقصوداً لسيادتها على البحر الأحمر في ميناءي "مصوع وعصب"، علماً أن الطلب الإثيوبي لاقى تعاطفاً دولياً.

كل ذلك يشير إلى تنافسات إقليمية تتداخل فيها الأجندة السياسية والعرقية متسببة في بقاء التوتر بين البلدين.


تطور لافت 

وضمن تطور آني لافت، اتهم بيان إريتري رسمي صدر عن وزارة الإعلام الإريترية الجمعة الـ27 من يونيو (حزيران) 2025، الحكومة الإثيوبية باستخدام ما وصفه بـ"ذرائع" في حملاتها الدبلوماسية الأخيرة، بهدف خلق صراع وحشد الدعم الدولي لسياسات وصفها بالمزعزعة للاستقرار. وبحسب البيان الإريتري فإن أديس أبابا كثفت خلال الأيام الماضية من تحركاتها الدبلوماسية، بما في ذلك توجيه رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من قادة الدول، متهمة إريتريا بـ"الاستفزازات المتكررة والتعدي على السيادة الإثيوبية"، وهو ما وصفته أسمرة بـ"حيلة مكشوفة" تسعى من خلالها إثيوبيا إلى تبرير أجندتها الحربية الطويلة الأمد، على حد تعبير البيان.

وأشار البيان الإريتري إلى أن الحكومة الإثيوبية، منذ عامين، تطلق تهديدات عسكرية مباشرة تتعلق بمساعيها إلى الحصول على منفذ بحري، بما في ذلك التلويح بالاستيلاء على موانئ إريترية "بالوسائل القانونية أو العسكرية". وأضاف البيان أن تلك التصريحات ترافقها تحركات تشمل شراء الأسلحة وتنفيذ أعمال تخريبية، مما يشكل تهديداً خطراً لسيادة إريتريا واستقرارها الإقليميين. وختم البيان بالإشارة إلى أن التوترات الحالية تنبع من "الطموحات غير القانونية للنظام الإثيوبي في السيطرة على أراضٍ إريترية ومنافذ بحرية"، داعياً المجتمع الدولي إلى عدم الانخداع بما وصفه بـ"الدعاية الإثيوبية المضللة".

اتهام متبادل

وكانت مصادر محلية إثيوبية أشارت إلى "تزايد حال التوتر بعد توجيه مسؤولين وسياسيين إثيوبيين بدورهم الاتهام إلى إريتريا بدعم ميليشيات ‘الفانو‘، التي تعتبر نفسها المدافع عن قومية الأمهرة، وتخوض حرباً ضد الحكومة المركزية منذ أكثر من عامين، في إقليم أمهرة شمال البلاد".

ويؤكد مسؤولون إثيوبيون، في مناسبات عدة، أن إريتريا تؤوي ميليشيات "الفانو"، وتقدم لها التدريب والسلاح من أجل إضعاف الحكومة الفيدرالية، وهو ما نفته أسمرة.

ووفق مصادر محلية، كانت وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة محمد قد صرحت (بطريقة غير مباشرة) أن "هناك من يظن أن هذه اللحظة مناسبة لإضعاف إثيوبيا عبر تأجيج النعرات القبلية"، مضيفة أن "الشعب الإثيوبي تجاوز هذه المرحلة، ولم يعد من السهل التأثير فيه بمثل هذه المحاولات". وفي إحاطة إعلامية الإثنين الثاني من يونيو، تناولت الوزيرة الإثيوبية أنشطة وإنجازات وخطط قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، كاشفة عن أن البلاد نفذت إصلاحات شاملة في جميع مؤسسات الأمن والدفاع مما عزز من جاهزيتها وقدراتها. وذكرت وزيرة الدفاع الإثيوبية أن رسالتها موجهة إلى من يسعون إلى تأجيج الصراعات في أديس أبابا، معتبرة أن "استمرار تنفيذ أجندات بالوكالة على حساب استقرار إثيوبيا، ستكون له عواقب وخيمة، ويجب على من يقف وراء هذه المحاولات أن يتوقف عند هذا الحد". وأكدت الوزيرة عائشة محمد أن بلادها "تمتلك جيشاً قوياً قادراً على ردع كل من تسول له نفسه المساس بمقدرات البلاد"، مؤكدة أن بلادها لن "تنجر وراء هذه الخطابات، لكن في الوقت ذاته لن تقف مكتوفة اليدين، إذا ما تطورت الأمور لتشكل تهديداً مباشراً لأمننا الوطني".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المكسب الراجح

ويقول أحد السكان الإريتريين "الحروب التي شهدتها المنطقة بين إريتريا وإثيوبيا إلى جانب الحروب القومية والخلافات القبلية، انعكست سلباً على الأهالي في المنطقتين الحدوديتين، ولم يجن منها المواطن البسيط سوى التشرد والجوع، وينبغي على كل الجهات الرسمية والشعبية في كلا البلدين، إلى جانب الجهات الصديقة النظر لمصالح المواطن البسيط في العيش الآمن وتوفير ما يحتاج إليه وتحقيق ما ينشد من استقرار اقتصادي وحياتي ينعكس على شعبي البلدين". ويضيف "التعاون والتكاتف والجلوس إلى طاولة السلام والاتفاق لبناء مستقبل أفضل هو ما ينبغي أن تشهده المرحلة المقبلة، بدلاً من اتهامات وسوء نيات لا تعطي خيراً للمواطن". ويعتبر أن "ما شهدته حدود البلدين من تجمع سلمي للأهالي في المنطقة الحدودية يعطي إشارة حقيقية إلى المطلب الشعبي تجاه السلام الذي يحقق استقراراً ظل مفقوداً أعواماً طويلة".

من جهته، يقول المؤرخ الإثيوبي آدم كامل "انعكاسات الفوضى عاشتها شعوب عدة رجعت أخيراً للسلام باعتباره المكسب الراجح والمقدم على كل الشعارات". يضيف "المنطقة الإقليمية في شمال إثيوبيا عاشت في تعايش مشترك بين السكان وقبائل الطرفين على امتداد تاريخها، وحدث تداخل وتزاوج وتعاون حقق الاستقرار والسلام، وهو ما ينبغي تغليبه ضمن التعددية الإثيوبية والتنوع الذي تعيشه أديس أبابا حالياً في مختلف مناطقها". ويضيف "من أهم الأدلة الحالية نحو غاية السلام حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران التي خلفت أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى، وأدت إلى دمار في كلا البلدين، ليتوصل الجانبان أخيراً للسلام باعتباره الهدف الذي ينبغي أن ينظر إليه وفق توافق ومصالح كبرى لا ينبغي إغفالها". ويتابع كامل "الإريتريون يبحثون عن سلام يحقق لهم الاستقرار الذي ظل مفقوداً، مما انعكس على جوانب اجتماعية، لا سيما مع اشتعال جبهة السودان لتتقلص فرص الاستقرار والهدوء، مما ينذر بأخطار مضاعفة". ويختم "إثيوبيا لا مصلحة لديها في حروب أو نزاعات، وهي ترفع شعار السلام القومي الذي ترجم في سلام تيغراي. وعلى ضوء ما يصرح به رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تجاه هدف السلام والتنمية، تعمل لجان الحوار الوطني من أجل وحدة الرأي والإجماع القومي اللذين يحققان استقرار إثيوبيا ونهضتها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير