ملخص
فيما تناقش التحليلات الإسرائيلية الإجماع السياسي حول ضرب إيران وقدرة نتنياهو على استغلال هذا التوافق غير المسبوق لأحزاب المعارضة وتحويله إلى رافعة سياسية، يرى محللون أن نتنياهو لا يواجه مجرد تحديات أمنية أو سياسية، بل أزمة مركبة تهدد شرعية وجوده السياسي داخلياً وخارجياً.
في خضم الضربة الإسرائيلية المباغتة على إيران التي بدأت منذ الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحاته التي قال فيها إن "إسرائيل تخوض حرباً وجودية ستغير وجه الشرق الأوسط"، مشدداً على الوحدة والترفع عن الخلافات الداخلية، ومعلناً أن توجيه ضربة قاصمة لإيران وقيادتها العسكرية وعلمائها النوويين، وتدمير مستودعات إنتاج الصواريخ الإيرانية، والقضاء على مشروعها النووي هو ما يجب أن تجتمع عليه إسرائيل. وبالفعل بعد خلافات وصراعات داخلية عمقت الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، أعلنت المعارضة الإسرائيلية (باستثناء الأحزاب العربية)، توحيد صفوفها خلف الجهد العسكري، وعلقت أشهراً من الانتقادات الحادة لنتنياهو إلى حين انتهاء الحرب، مع التأكيد أن فكرة إطاحة الحكومة قائمة، لكن لن تكون في خضم معركة وجودية.
وتتشكل أحزاب المعارضة الإسرائيلية من مجموعة من الأحزاب السياسية التي لا تشكل جزءاً من الائتلاف الحاكم في الكنيست، وتتنوع بين أحزاب يسارية ووسطية ويمينية، إضافة إلى الأحزاب العربية التي تمثل المجتمع العربي في إسرائيل. وتشغل أحزاب المعارضة الرئيسة الخمسة، إضافة إلى أربعة أحزاب أصغر مستقلة مجتمعة 53 مقعداً في الكنسيت. وشهدت إسرائيل آخر انتخابات تشريعية في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أسفرت عن تشكيل حكومة من أقصى اليمين الديني والقومي، والتي وصفها مسؤولون أوروبيون وأميركيون، بينهم الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بأنها "الأكثر تطرفاً" في تاريخ إسرائيل.
صعود جديد
انقلاب رأي المعارضة وتغير موقفها كانا أمراً لافتاً بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً أن أقطابها شنوا هجوماً حاداً على حكومة نتنياهو، قبل أيام قليلة من ضربة إيران، بعد فشل تمريرهم مشروع قانون حل الكنيست بالقراءة التمهيدية، والذي يعني الانتظار لستة أشهر قادمة (وفقاً لقانون أساس الكنيست) لتقديم طلب جديد بحل الكنيست، وهو ما مثل هزيمة كبيرة. ويرى محللون أن دعم المعارضة أي تحرك عسكري ضد إيران لا يعني بالضرورة الاصطفاف السياسي خلف نتنياهو، الذي يواجه أزمات داخلية متراكمة منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويحاكم في ثلاث قضايا فساد، تشمل الرشوة وخيانة الأمانة ومطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، بل محاولة لتثبيت قدرتها الحكيمة على القيادة وسط القرارات المصيرية بما فيه مصلحة للمجتمع الإسرائيلي، خصوصاً أن تصريحات قادة المعارضة، وفي مقدمتهم رئيسها يائير لبيد تدعم بقوة أي عمل عسكري ضد المنشآت النووية والعسكرية بإيران.
ووفقاً لما قاله رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الذي أظهرت استطلاعات رأي، قبل الحرب، أنه المرشح الأوفر حظاً دائماً لاستبدال نتنياهو إذا أجريت انتخابات مبكرة، للقناة الـ13 الإسرائيلية "لا يوجد يمين، لا يسار، لا معارضة ولا ائتلاف عندما يتعلق الأمر بالحرب على إيران". في حين كشفت نتائج استطلاعات الرأي التي نشرت في إسرائيل قبل أيام قليلة، أنه على عكس الحرب على غزة، فإن الحرب على إيران ساعدت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على استرداد قسم كبير من شعبيته، فقد أظهرت استطلاعات صحيفة "معاريف" الإسرائيلية التي تجرى كل أسبوع منذ سنتين، أنه في حال جرت انتخابات مبكرة للكنيست الآن، فإن حزب الليكود سيرتفع إلى 27 مقعداً (بدل 23 مقعداً في الاستطلاعات قبل شهر)، ويكون بذلك الحزب الأكبر. وحتى في حال دخول حزب جديد برئاسة رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، المعركة الانتخابية، فإن الليكود بقيادة نتنياهو سيتفوق عليه للمرة الأولى في الاستطلاعات، ويكون الحزب الأكبر مع 24 مقعداً مقابل 23 مقعداً لحزب بينيت المناهض لنتنياهو. ويجمع الشارع الإسرائيلي المنهك جراء الانقسام السياسي الداخلي وحرب غزة على أهمية الحرب على إيران كحالة تعبئة تقودها "منظومة الأمن القومي" ومؤسسات الدولة العميقة التي ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديداً مصيرياً، وسط تخوف من تطور المواجهة إلى صراع مباشر ومدمر، خصوصاً بعد أكثر من 615 يوماً من الحرب على غزة وانهيار الثقة بالقرار السياسي والاستراتيجي. وفي استطلاع "معاريف" أخيراً، قال 83 في المئة إنهم يؤيدون الحرب على إيران، فيما رأى 49 في المئة إن هدفها يجب أن يقتصر على مكافحة المشروع النووي، مقابل 43 في المئة قالو إنهم يؤيدون الاستمرار فيها لإسقاط النظام في طهران.
وبحسب بن كسبيت، وهو معلق في صحيفة "معاريف" ومن أشد المنتقدين لنتنياهو، فإن الأخير "يعيش حالياً حالاً من النشوة. وهذا مبرر جزئياً. لقد تحول فجأة من أبي القنبلة الإيرانية إلى أبي الأمة". وأضاف، "لقد نجح الرجل الذي هددنا بكوارثنا في تحويل مساره في اللحظة الأخيرة، واتخذ قراراً تاريخياً شجاعاً يثبت جدارته، في الأقل حتى الآن".
فوارق كبيرة
في الماضي القريب وصفت المعارضة الإسرائيلية رئيس الوزراء بأنه "خطر على أمن الدولة ولسيادة القانون وأن عليه أن يرحل فوراً"، وتناغمت جهودها مع الأصوات التي تتعالى وتطالب بإسقاط حكومة اليمين وإجراء انتخابات مبكرة، وإلى جانب سلسلة الاحتجاجات في الشوارع والإضرابات عن الطعام في إسرائيل التي بدأت في أوائل عام 2023 استجابة لضغط الحكومة الحاكمة من أجل إصلاح قضائي واسع النطاق، يسود اعتقاد واسع في صفوف الإسرائيليين أن نتنياهو يدير الحرب على غزة بدوافع سياسية شخصية، للحفاظ على حكومته التي تشير استطلاعات رأي إلى تراجع شعبيتها. وعلى رغم اتهامه بالمسؤولية عن اندلاع الحرب، وعن إخفاق الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف التي وضعت لها، إلى جانب تحميله وزر إطالة أمد الحرب كونها تخدم مصلحته السياسية والشخصية واتهامه بأنه يسعى إلى توسيع نطاقها إلى حرب متعددة الساحات، تزداد التساؤلات يوماً بعد يوم عن الأسباب التي تقف وراء نجاح نتنياهو بالبقاء في منصبه والاستئثار بصنع القرار، خصوصاً في ما يتعلق بشن الحروب ومستقبلها.
ويرى محلل الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن ضعف المعارضة الإسرائيلية وتفككها في مواجهة الحكومة إلى جانب أنها فاقدة أي بديل للسياسة التي يعرضها نتنياهو، وعلى وجه الخصوص لما يوصف بأنه "اليوم التالي" للحرب أحد أبرز وأهم الأسباب، وأضاف "لا وجود لمعارضة حقيقية بالنسبة إلى المسائل الأساسية التي يمكن أن تغير صورة إسرائيل في المدى القريب أو البعيد، كالاحتلال والحرب والديمقراطية، ففي هذه المسائل لا توجد فوارق كبيرة بين اليمين والوسط واليسار، وثمة دولة تتكلم بصوت واحد ولديها وجهة نظر واحدة ورأي واحد". ولعل الدليل الأبرز على ذلك هو تصويت الكنيست الإسرائيلي في فبراير (شباط) 2024 بغالبية 99 عضو كنيست ضد تسعة أعضاء تأييداً لقرار الحكومة معارضة الاعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إحباط شعبي
على رغم الزخم الذي تحققه المعارضة في الشارع الإسرائيلي يرى الباحث في معهد "ترومان" للسلام في الجامعة العبرية روني شاكيد أن التركيبة السياسية في الكنيست الإسرائيلي ما زالت تمنح نتنياهو أرجحية برلمانية، وبحسب تعبيره "ليس هناك صوت شجاع داخل حزب الليكود قادر على مواجهة نتنياهو ورفع صوته". وتأمل المعارضة في الانتخابات المقبلة 2026 أن يتغير هذا الواقع، خصوصاً إذا ما استمرت الضغوط الداخلية والخارجية بالتصاعد، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب كلفة الحرب، وازداد الإحباط الشعبي لدى الإسرائيليين الذين أصبحوا مضطربين، بصورة متزايدة، بسبب الضربات وخطورة الأوضاع الأمنية والسياسية التي تجد إسرائيل نفسها في خضمها وتعتبر غير مسبوقة في تاريخها كله. وبحسب توصيف اللواء في الاحتياط عاموس يادلين الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، ومعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة "تل أبيب"، فإن الحرب طويلة الأمد في مواجهة "حماس" في القطاع، تزامناً مع تصعيد في ساحات أخرى، سيعرض المخطوفين الإسرائيليين للموت في أنفاق "حماس"، وستتورط إسرائيل في حرب استنزاف طويلة، وسيستمر الاقتصاد الإسرائيلي في التدهور، وستنخفض مكانة إسرائيل في العالم إلى درك جديد، وسيشتد وقع الملاحقة القضائية ضدها في المحاكم الدولية.
وفيما تناقش التحليلات الإسرائيلية الإجماع السياسي حول ضرب إيران، وقدرة نتنياهو على استغلال هذا التوافق غير المسبوق لأحزاب المعارضة وتحويله إلى رافعة سياسية، يرى محللون أن نتنياهو لا يواجه مجرد تحديات أمنية أو سياسية، بل أزمة مركبة تهدد شرعية وجوده السياسي داخلياً وخارجياً.