Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برامج العرب النووية... أحلام وئدت في المهد

شهدت المنطقة تجارب عدة منذ خمسينيات القرن الماضي إلا أنها لم تتطور بالصورة المطلوبة لأسباب كثيرة

فكرت دول عربية كالجزائر وليبيا وتونس في استخدام الطاقة النووية بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا أن هذه الخطوات لم تكتمل (أ ف ب)

ملخص

لماذا حرمت الدول العربية من التكنولوجيا النووية؟ الأسباب كثيرة، من بينها ما هو موضوعي يتعلق بالكلفة المادية وبمصادر اليورانيوم، وما هو استراتيجي يتعلق بالتحولات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة إبان الحرب الإيرانية- العراقية، والضغوط الدولية على عدد من "التجارب الجنينية" في إنشاء مفاعلات نووية صغيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية.

اهتمت دول عربية عدة بالطاقة النووية منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أنها لم تتطور بالصورة المطلوبة لأسباب كثيرة، من بينها ما هو موضوعي يتعلق بالكلفة المادية وبمصادر اليورانيوم، وما هو استراتيجي يتعلق بالتحولات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة إبان الحرب الإيرانية- العراقية والضغوط الدولية على عدد من "التجارب الجنينية" في إنشاء مفاعلات نووية صغيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية.

وبينما يرى عدد من الخبراء أن الطاقة النووية هي طاقة نظيفة تقلص من إنتاج الكربون وذات إنتاجية عالية، يتخوف آخرون من تأثيرات حوادث الإشعاعات النووية ومن صعوبة التصرف في النفايات النووية.

وتخضع تجارب إنتاج الطاقة النووية في الدول العربية إلى توازنات استراتيجية دولية، وعلى رغم أنها تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تعمل على ضمان الاستخدام الآمن والسلمي للتكنولوجيات النووية، فإن الخيط الرفيع الفاصل بين الاستخدام السلمي ومخاوف التحول إلى الاستخدام العسكري أجهض تجارب عدة في العالم العربي.

وبقي إنتاج الطاقة النووية في الدول العربية محتشماً وحبيس تجارب صغيرة تقتصر على الاستخدام الطبي والبحوث العلمية، ما عدا الإمارات العربية المتحدة التي بدأت إنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية بعد نجاحها في إنشاء مفاعلات نووية مع ارتفاع أسعار النفط خلال عامي 2005 و2006.

كما كان لمصر منذ خمسينيات القرن الماضي برنامج لاستعمال الطاقة النووية في توليد الكهرباء، كانت بدايته مركز أبحاث بمدينة "أنشاص" القريبة من العاصمة القاهرة، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والحروب التي شهدتها المنطقة العربية في إطار الصراع مع إسرائيل أجّلت فكرة إنتاج الطاقة النووية.

وإثر توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل، عادت فكرة إنشاء أول محطة كهربائية قرب الإسكندرية، إلا أن حادثة تشيرنوبيل النووية دفعت الحكومة المصرية وقتها إلى إلغاء المشروع، وبعد الاتفاق مع روسيا بدأت مصر فعلياً ببناء أول محطة طاقة نووية في البلاد.

وفكرت دول عربية أخرى كالجزائر وليبيا وتونس في استخدام الطاقة النووية بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا أن هذه الخطوات لم تكتمل.

الطاقة النووية فرصة لتونس

تعول تونس اليوم على الطاقة النووية في الأبحاث العلمية وأنشأت المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية لتعميق البحوث العلمية حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية في البحوث العلمية الطبية والزراعية.

وانضمت تونس في خمسينيات القرن الماضي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأمام ارتفاع أسعار النفط فكرت في إقامة محطة نووية بقوة 600 ميغاواط عام 2006 وأبرمت اتفاق تعاون مع فرنسا ليغطي نحو 20 في المئة من حاجات الطاقة في البلاد على أن ينتهي عام 2020، إلا أن الفكرة أجهضت تماماً.

ويرى المهندس البيئي والمتخصص في الشأن المناخي حمدي حشاد في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنه "على تونس أن تفكر جدياً في استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وتركيز بنية صناعية قوية وللتخفيف من ضغط كلفة الطاقة على موازنة الدولة"، لافتاً إلى أن "أكثر من 60 دولة في العالم تعتمد الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، إلا أن استخدام هذه التكنولوجيا بقي محدوداً في الدول العربية، ما عدا الإمارات العربية المتحدة ومصر وفي المستقبل القريب السعودية، بينما تخلت الأردن عن الفكرة لعدم توافر المياه، وأجهضت طموحات عدد من الدول العربية الأخرى كليبيا والعراق وسوريا".

تقلبات جيوسياسية أرجأت أحلام العرب النووية

وعاد مشروع إطلاق برنامج نووي مدني في الجزائر للواجهة مجدداً بالتعاون مع الصين، وتعتبر الطاقة النووية المدنية في الجزائر مشروعاً قديماً جديداً، إذ تعود أولى تطلعاتها إلى لهذا النوع من الطاقة إلى ثمانينيات القرن الماضي، وعام 1996 أنشئ أول مركز بحثي للتكنولوجيا النووية وأطلق عليه اسم "محافظة الطاقة الذرية"، كما أنشئ مفاعل السلام الذي تبلغ طاقته 1 ميغاواط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ليبيا، وفي أواسط ستينيات القرن الماضي، سعى العقيد الراحل معمر القذافي إلى ضمان تموقع بلاده داخل عالم متحرك في ظل الحرب الباردة والتنافس المحموم بين الشرق والغرب والصراع الدولي حول النفوذ وضمان المصالح الحيوية للدول الكبرى، من خلال جعل ليبيا قوة إقليمية في شمال أفريقيا عبر امتلاك السلاح النووي.

وبعد أعوام طويلة من العقوبات والتقلبات الجيوسياسية في علاقات طرابلس مع الغرب، تخلى القذافي عن طموحاته النووية في ديسمبر (كانون الأول) 2003.

وإثر أحداث فبراير (شباط) عام 2011، علقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعاونها مع ليبيا بسبب عدم الاستقرار الأمني وغياب حكومة مركزية قوية، خصوصاً أن عدداً من التجهيزات ومراكز البحث التي ركزتها ليبيا بالتعاون مع الوكالة الدولية تعرضت للتخريب.

تدمير مفاعل "تموز" العراقي

 وبعد نحو نصف قرن (43 عاماً) من تدمير إسرائيل لأول مفاعل نووي في العراق، وهو مفاعل "تموز" الذي أنشأه بالتعاون مع فرنسا، تفكر الحكومة اليوم جدياً في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وكان العراق يملك ثلاثة مفاعلات نووية في منطقة التويثة جنوب العاصمة بغداد، قبل أن يدمرها التدخل العسكري الأميركي والإسرائيلي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عند لقائه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية عام 2024، عزم بلاده مزاولة نشاطها النووي للأغراض السلمية.

وقال السوداني إن "العراق كان من أوائل الدول التي سعت إلى الانضمام للوكالة والتزام معاهداتها، مضيفاً أن الطاقة النووية يجب أن تكون مصدراً للازدهار وليس لتطوير الأسلحة الفتاكة".

وأودع العراق في أواخر 2023 لدى الوكالة متطلبات انضمامه إلى اتفاق الأمان النووي و"الاتفاقية المشتركة في شأن أمان التصرف بالوقود المستهلك" وأمان التصرف في النفايات المشعة، ويتطلع إلى الدخول مجدداً في مجال التطبيقات السلمية للطاقة النووية.

ولم تسعف إسرائيل الطموح النووي للنظام السوري السابق بقيادة حافظ الأسد وأقرت عام 2018 بأنها دمرت مفاعلاً نووياً سورياً في دير الزور، إلا أن سلطات دمشق نفت أن تكون بصدد إنشاء مفاعل نووي.

وبعدما سمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المواقع المفترضة لوجود أنشطة نووية، أعرب الرئيس السوري أحمد الشرع عن اهتمامه بالحصول على الطاقة النووية في المستقبل.

قصف إيران درس للحالمين بالنووي

بينما تستخدم دول عدة في العالم التكنولوجيا النووية، حرمت الدول العربية من هذا الامتياز لأسباب عدة تتعلق أولاً بالاستقرار وعدم توافر إرادة سياسية قوية لدى أنظمة هذه الدول التي استغلت مواردها الطبيعية إلى حد الاستنزاف.

ويعتقد أستاذ التنمية والتصرف في الموارد حسن الرحيلي خلال تصريح خاص بأن "النظام العالمي الجديد يكيل بمكيالين تجاه دول الجنوب وبقية الدول، ويسمح للدول القوية سياسياً وعسكرياً بامتلاك التكنولوجيا النووية، وجعلها حكراً على دول الهيمنة، باستثناء الهند وباكستان، وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية امتلاك إسلام أباد لقنبلة نووية خطأ تاريخياً".

ويقول إن "الدول العربية اليوم لا تطرح فكرة استخدام التكنولوجيا النووية، وهي بالكاد تكابد من أجل أن تحصل على بعض النماذج المصغرة من المفاعلات النووية لاستخدامها في أغراض البحث العلمي، وبقيت المحاولات في استخدام التكنولوجيا النووية ضعيفة جداً، باستثناء مصر بالتعاون مع روسيا والتي انطلقت في تركيز محطة نووية لإنتاج الكهرباء وهي في طور الإنتاج بمباركة القوى العظمى".

ويرى الرحيلي أن "الهجمة العسكرية الإسرائيلية والأميركية على إيران هي نوع من تلقين درس للراغبين الجدد في امتلاك التكنولوجيا النووية، وإقرار بأن تبقى إسرائيل القوة الكبرى في المنطقة من دون منازع"، واصفاً النظام الدولي بأنه "جائر يعمل على تفقير دول الجنوب".  

ويخلص إلى أن "الدول العربية تخلفت علمياً، وإلى اليوم لا تملك القدرة على حماية السكان والمؤسسات والمنشآت من الإشعاعات في حال استخدمت الطاقة النووية النظيفة، بالتالي سيبقى استخدام الطاقة النووية حكراً على الدول المهيمنة التي تمتلك المعرفة والهيمنة".

وأشار إلى أن "الأنظمة العربية الموجودة حالياً لا تملك قراراتها السيادية، ولا تخدم شعوبها التواقة إلى التطور، وحتى مواردها الطبيعية من نفط وغاز لم تنعكس بالرفاه على شعوبها التي يرزح جزء كبير منها تحت وطأة الفقر والخصاصة"، مشدداً على أن "الديمقراطية هي مفتاح نجاح هذه الدول لأنها تحرر الطاقات وتحرر الإنسان وتشعره بالانتماء، بينما لا يمكن لأنظمة عسكرية أو استبدادية أن تنجح في تحرير طاقاتها".

وفي المقابل، يرى المهندس البيئي والمتخصص في الشأن المناخي حمدي حشاد أن "الطاقة النووية ليست نظيفة بالمعنى الكامل للعبارة، بل هي طاقة صديقة للمناخ من ناحية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلا أنها تتطلب المعرفة العلمية الدقيقة لتفادي الكوارث البيئية كالحوادث النووية والتصرف في النفايات، لذلك فهي طاقة خطرة".

كما يعتبرها الباحث في مجال الطاقة والجيولوجيا محمد غازي بن جميع، "طاقة مكلفة جداً وليست في متناول دول عربية عدة ومن بينها تونس، علاوة على صعوبة توريد اليورانيوم من الدول المنتجة والذي يخضع لبروتوكولات خاصة"، لذلك يستبعد أن يتطور استخدام هذه الطاقة في عدد من الدول العربية.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير