Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخوف من الإشعاع يوقظ هيئة الرقابة النووية السعودية من سباتها

تساؤلات مجتمعية حول جاهزية خطة الطوارئ في حال تعرض المنشآت الإيرانية لهجوم قد يؤدي إلى تسرب مواد مشعة

تعد "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" السعودية الجهة المسؤولة عن حماية الإنسان والبيئة من أخطار التعرض الإشعاعي (هيئة الرقابة النووية )

أثارت الضربات الإسرائيلية على منشآت نووية إيرانية موجة قلق إقليمي تجاوزت الأبعاد العسكرية المباشرة، لتفتح الباب أمام مخاوف متزايدة من احتمال حدوث تسرب إشعاعي يمتد أثره إلى دول الجوار.

وجاءت هذه الهواجس مدعومة بتقارير صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكدت فيها رصد تلوث نووي ومواد كيماوية في بعض المواقع المستهدفة داخل الأراضي الإيرانية.

وتحول مفاعل "بوشهر"، المطل على الخليج العربي، إلى محور قلق خاص لدى السعوديين، نظراً إلى قربه الجغرافي من المنطقة الشرقية في المملكة، واعتماده على بنية قديمة نسبياً من حيث المعايير الهندسية والسلامة، مما يجعل أي استهداف مباشر أو غير مباشر له مدعاة لتحذيرات بيئية وصحية.

ويزيد من خطورة الموقف احتمال تسرب المواد المشعة إلى مياه الخليج، التي تشكل المصدر الرئيس لتحلية مياه الشرب في معظم دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع تزايد الحديث عن الأخطار النووية في سياق التصعيد الإقليمي، بدأ ملف الإشعاعات يتقدم في وعي الرأي العام السعودي باعتباره مسألة تمس الصحة العامة والأمن البيئي، مما أعاد تسليط الضوء على دور "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" التي تأسست في مارس (آذار) 2018.

وظلت الهيئة خارج دائرة التفاعل الإعلامي منذ إنشائها، على رغم حساسية مهماتها في مراقبة التلوث الإشعاعي وضمان معايير السلامة على المستوى الوطني.

وتعد "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" الجهة المسؤولة عن حماية الإنسان والبيئة داخل البلاد من أخطار التعرض الإشعاعي، وتنظيم الاستخدامات السلمية كافة للطاقة النووية، إضافة إلى تولي تنفيذ التزامات السعودية في المعاهدات والاتفاقات الدولية ذات الصلة، وتمثيلها رسمياً أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

سبات عميق

ومع تصاعد المخاوف من تداعيات الهجمات داخل العمق الإيراني، بدأت "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" تكثيف حضورها الرقمي عبر حسابها الرسمي في منصة "إكس"، في مسعى إلى طمأنة المجتمع السعودي والتصدي لما اعتبرته صوراً ذهنية مغلوطة حول خطر التسرب الإشعاعي.

وأظهر رصد أجرته "اندبندنت عربية" أن الهيئة نشرت نحو 11 منشوراً عبر حسابها منذ اندلاع التصعيد الإيراني في الـ13 من يونيو (حزيران) حتى تاريخ اليوم، تنوعت بين رسائل تطمين وتقارير متابعة وتوضيحات رسمية، وهو رقم يوازي ما نشرته الهيئة خلال شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) مجتمعين.

وأكدت الهيئة في منشوراتها أن القراءات الإشعاعية داخل المملكة "ضمن المعدلات الطبيعية"، مشيرة إلى أن البيئة المحلية لا تظهر أي مؤشرات مقلقة، وأنها في حالة جاهزية تامة لمواجهة أي طارئ قد ينجم عن تطورات المشهد النووي في المنطقة.

وأعلنت الهيئة عبر منصتها الرسمية على "إكس" أن مركز العمليات التابع لها يعمل على مدار الساعة لرصد الإشعاعات في محيط المملكة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات احترازية في حال وقوع أي طارئ قد يهدد السلامة البيئية أو الصحة العامة.

وأوضحت أن محطات تحلية المياه في السعودية مزودة بأنظمة تقنية متقدمة قادرة على إزالة الملوثات الإشعاعية في حال رصدت، مشيرة إلى تكثيف عمليات المراقبة والتحليل لضمان سلامة المياه المنتجة.

 مخاوف المواطنين

وعلى رغم هذه التطمينات المتكررة، تصاعدت في الأيام الماضية تساؤلات واسعة بين السعوديين حول مدى واقعية احتمال تأثر المملكة بتسرب إشعاعي مصدره الأراضي الإيرانية، لا سيما في ظل الغموض الذي أحاط ببعض الأنباء والتقارير المتداولة.

وطالب عدد من المستخدمين على المنصات الرقمية بمزيد من الشفافية والتوعية، وسط حالة من القلق العام غذتها الصور الذهنية المرتبطة بالحوادث النووية الكبرى في العالم.

وفي منشور أثار تفاعلاً لافتاً، اعتبرت الهيئة أن انتشار الصور الذهنية السلبية لدى شريحة واسعة من الجمهور يمثل أحد أكبر التحديات في حالات الطوارئ النووية والإشعاعية، لكونه يضعف القدرة على تقييم الأخطار بصورة واقعية، ويزيد من حدة القلق العام.

ودعت في السياق ذاته إلى الالتزام بالبيانات والتقارير الرسمية الصادرة عنها، وتجنب الانسياق وراء التصورات والمبالغات غير المستندة إلى وقائع علمية أو قياسات ميدانية موثوقة.

وأكدت الهيئة أن من بين أبرز أهدافها حماية الإنسان والبيئة من الآثار الضارة للإشعاعات المؤينة، سواء تلك الناتجة من مصادر طبيعية، أو من الأنشطة والممارسات الصناعية والطبية، إلى جانب دورها في الرقابة على المرافق والمنشآت النووية داخل المملكة، وضمان التزامها بالمعايير الوطنية والدولية ذات الصلة.

وتشمل مهمات الهيئة أيضاً الوفاء بالتزامات السعودية في الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بعدم انتشار الأسلحة النووية، والعمل على تعزيز منظومتي الأمان والأمن النوويين على المستوى المحلي.

وفي إطار إعداد هذا التقرير، تواصلت "اندبندنت عربية" مع هيئة الرقابة النووية والإشعاعية للاستفسار عن مستوى الجاهزية في حال رصد أي تسرب إشعاعي من خارج الحدود، إضافة إلى تفاصيل خطة الاستجابة الوطنية للطوارئ الإشعاعية، إلا أنها لم تتلق رداً حتى لحظة النشر.

مواقع الرصد الإشعاعي

تشير بيانات منشورة على الموقع الرسمي لهيئة الرقابة النووية والإشعاعية إلى أن شبكة الرصد التابعة لها تغطي ما يقارب 400 موقع داخل المملكة، تعمل على قياس الجرعات الإشعاعية بصورة مستمرة، وترتبط مباشرة بمركز عمليات الطوارئ النووية، إذ تفعل آليات التنبيه الفوري في حال اكتشاف أي مستويات غير طبيعية.

وتندرج هذه الشبكة ضمن النظام الدولي لمعلومات الرصد الإشعاعي (IRMIS) التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في إطار اتفاق الإخطار المبكر، مما يتيح للسعودية ودول الجوار إمكانية أعلى للتنسيق والاستجابة العاجلة في حال وقوع أية حادثة نووية عابر للحدود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتولى الهيئة إعداد الأطر التنظيمية والرقابية التي تحكم الاستخدامات النووية والإشعاعية في البلاد، كما تقود تنفيذ الخطة الوطنية للاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية، بالتعاون مع 33 جهة حكومية، إلى جانب رئاستها للجنة الوطنية الدائمة للطوارئ النووية. 

ويشمل دورها المستمر الإشراف على الجوانب الوقائية في الظروف الاعتيادية والاستثنائية على حد سواء، بما في ذلك الرقابة على المواد والمصادر المشعة والتفتيش الدوري، ورفع الجاهزية للتعامل مع الطوارئ، إلى جانب برامج التوعية العامة، والتنسيق مع الجهات المحلية والدولية ذات العلاقة، بما يعزز منظومة الأمن الإشعاعي على المستويين الوطني والإقليمي.

فوبيا الإشعاع

كثيراً ما ارتبطت كلمة "إشعاع" في الوعي الجمعي بالخطر والموت البطيء، غير أن علماء الفيزياء والطب الإشعاعي يحذرون من أن الخوف قد يكون أحياناً أكثر فتكاً من المادة نفسها.

وهذا ما عبر عنه أستاذ الفيزياء بجامعة أكسفورد ويد آليسون، حين كتب في مؤلفه "الإشعاع والمنطق: أثر العلم في ثقافة الخوف"، أن "الخوف من الإشعاع قتل أناساً أكثر من الإشعاع ذاته"، في انتقاد واضح للصورة النمطية التي تشكلت منذ منتصف القرن الـ20 حول أخطار الإشعاع المؤين.

منذ إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، ترسخ في الوعي العام تصور قاتم تجاه كل ما يرتبط بالإشعاع، من دون تمييز دقيق بين مستوياته، أو تفريق بين الاستخدامات المدنية والعسكرية له، مما ولد حالة من الرهبة الجماعية، تتجدد مع كل حادثة نووية، حتى وإن لم يكن التأثير الفعلي في الصحة العامة كبيراً بالمعايير العلمية.

وتعززت هذه الصورة مع كارثة تشيرنوبل في أوكرانيا عام 1986، إذ أرسل عمال الإطفاء والطوارئ إلى المفاعل المتفجر من دون تجهيزات كافية للحماية من الجرعات العالية، مما أدى إلى وفاتهم لاحقاً متأثرين بالإشعاع، وفقاً للرابطة العالمية للطاقة النووية، مما عمق المخاوف في المجتمعات وأعاد فتح النقاش حول الأمان النووي.

لكن المشهد لم يكن دوماً بهذه القتامة، فحين وقعت كارثة فوكوشيما دايتشي في اليابان عام 2011، كانت أمواج التسونامي التي ضربت الساحل قبل الانفجار هي السبب الرئيس في سقوط أكثر من 10 آلاف قتيل، بينما ظل التسرب الإشعاعي تحت السيطرة، ولم تسجل أية وفيات مباشرة مرتبطة به بين المدنيين، بحسب السلطات اليابانية.

وفي تقرير لاحق، اعتبرت لجنة الأمم المتحدة العلمية المعنية بآثار الإشعاع الذري أن التأثير الأكبر لكارثة تشيرنوبل لم يكن فيزيائياً بل نفسياً، إذ أشارت إلى أن العواقب الصحية الأشد تمثلت في ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب زيادة مقلقة في تعاطي الكحول والأفكار الانتحارية، مما يعكس حجم الأثر النفسي الممتد لما تصفه اللجنة بـ"فوبيا الإشعاع"، التي قد تكون أخطر من التلوث ذاته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير