Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا بين الحرب الأوكرانية ومراقبة تجارة الأسلحة العالمية

موسكو تنظر شزراً لتسلح "الناتو" والهياج الأوروبي ضدها والدور الإسرائيلي ليس بعيداً من المشهد

تعمل موسكو على إعداد رد عسكري بالدرجة الأولى على حلف شمال الأطلسي من دون توتر عصبي أو انفعال (أ ف ب)

ملخص

يشمل البرنامج التسليحي الجديد لـ"الناتو" تعزيز قدرات الجيوش الأوروبية في مجالات الأسلحة الثقيلة والأنظمة الدفاعية المتقدمة، ومراكمة مخزونات الذخيرة، وتطوير البنية التحتية العسكرية المشتركة، وهذا يتطلب إنفاقاً مالياً ضخماً وغير مسبوق، مع التركيز على تحديث المعدات العسكرية التي تعود إلى عقود ماضية، وإعداد الحلف لأي سيناريو صدامي محتمل في المستقبل، لا سيما مع روسيا التي يعدها الخطر الأول.

شكل سقوط جدار برلين عام 1989 نهاية للحرب الباردة، لكن إطلاق حلف شمال الأطلسي (الناتو) في السادس من يونيو (حزيران) الجاري، أكبر برنامج لإعادة التسليح منذ نهاية الحرب الباردة، يعكس تصاعد التوترات الجيوسياسية والتوجه لتعزيز الجاهزية الدفاعية في وجه التهديدات المتزايدة، ويعيد إحياء حرب باردة جديدة ليس مع روسيا وحدها، بل ومع الصين وحلفائها، ويأتي ذلك على خلفية الحرب الروسية- الأوكرانية المستعرة منذ 40 شهراً واستجابة لضغوط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي لا تزال تطالب بزيادة الإنفاق العسكري للحلف.

ويشمل البرنامج التسليحي الجديد لـ"الناتو" تعزيز قدرات الجيوش الأوروبية في مجالات الأسلحة الثقيلة والأنظمة الدفاعية المتقدمة، ومراكمة مخزونات الذخيرة، وتطوير البنية التحتية العسكرية المشتركة، وهذا يتطلب إنفاقاً مالياً ضخماً وغير مسبوق، مع التركيز على تحديث المعدات العسكرية التي تعود إلى عقود ماضية، وإعداد الحلف لأي سيناريو صدامي محتمل في المستقبل، لا سيما مع روسيا التي يعدها الخطر الأول.

وفي حين ظلت الأهداف التفصيلية للخطة سرية لضمان بقاء "الناتو" "خصماً غير متوقع" بالنسبة لروسيا، فقد شهدت متطلبات القدرات العسكرية زيادة بنحو 30 في المئة مقارنة بالمستويات السابقة، كما يأتي الهدف الجديد لزيادة الإنفاق الدفاعي استجابة للعجز الحالي وللمعايير التخطيطية المحدثة.

ابتزاز أميركي

وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، مارس ضغوطاً قوية على حلف شمال الأطلسي للتوصل إلى اتفاق لزيادة الإنفاق الدفاعي يرضي الرئيس دونالد ترمب الذي يشارك بقمة مرتقبة للحلف في وقت لاحق هذا الشهر، وكان الرئيس الأميركي طالب أعضاء "الناتو" بالاتفاق في الاجتماع المقرر في الـ24 والـ25 من يونيو الجاري في لاهاي بهولندا، على زيادة الميزانيات المخصصة للدفاع لتشكل خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة.

وقال هيغسيث أثناء اجتماع مع نظرائه من البلدان المنضوية بـ"الناتو" في بروكسل "أنا هنا لضمان أن كل بلد في ’الناتو‘ يفهم أن على الجميع العمل معاً، على كل بلد المساهمة بهذا المستوى البالغ خمسة في المائة"، وأضاف "رسالتنا ستبقى واضحة، الردع والسلام من خلال القوة، لكن لا يمكن أن تكون هناك حالة اعتماد، لا يمكن أن يكون ولن يكون هناك اعتماد على أميركا في عالم مليء بالتهديدات".

ويأتي هذا في ظل مؤشرات إلى عودة الحرب الباردة، إذ ينشغل "الناتو" في البحث عن تعزيز الأمن العسكري للقارة العجوز رداً على الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا من دون أفق واضح للسلام أو تسوية سياسية.

ومن جهة أخرى تتزايد الدلائل التي تشير إلى تشكيل تكتلين جديدين، حيث تتنافس على النفوذ في العالم كل من الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، مع دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران من جهة أخرى.

قلق مقيم

بالنسبة للخبراء، فإن البرنامج التسليحي الجديد لـ"الناتو" إضافة إلى قرار معاودة نشر أسلحة أميركية عام 2026 على الأراضي الألمانية قادرة للوصول إلى الأراضي الروسية، لا يخلو من حساسية بالغة لموسكو وحلفائها، إذ إن الخوف من أن تصبح برلين هدفاً للأسلحة الروسية ينتشر على نحو واسع في ألمانيا، تماماً مثلما يثير تسليحها هواجس قديمة ومخاوف قديمة متجددة في العالم.

لكن في تقدير المستشار الألماني فريدريش ميرتس فإن هذا القرار سيكون "ضمانة للردع والسلام" في نفس الوقت، على رغم من افتقاده إلى الإجماع داخل البلاد، لا سيما من جانب اليسار الراديكالي الذي أعلن عن مخاوفه من تحويل ألمانيا من جديد إلى ساحة حرب في المستقبل.

ولا تريد الجبهة المناهضة لإعادة تسليح "الناتو" تحمل العبء العسكري والدفاعي للاتحاد الأوروبي بجانب الاقتصادي أيضاً، فضلاً عن السوابق التاريخية التي كلفت أوروبا والعالم خسائر مادية وبشرية ضخمة ودماراً هائلاً خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

رد فعل روسيا

في أول رد فعل على الخطوة الأطلسية التي لم تفاجئ موسكو، قال مسؤول روسي كبير في الكرملين لـ"اندبندنت عربية" "سنعمل على إعداد رد عسكري بالدرجة الأولى على ذلك، من دون توتر عصبي أو انفعال"، مشيراً إلى أن البرنامج التسليحي الضخم لـ"الناتو" هو "حلقة جديدة في سلسلة التصعيد وتكتيك الترهيب ضد موسكو".

وفي السياق، قال مارك روته الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إنه شعر بالذهول من نجاح روسيا التي تمكنت من التفوق بشكل كبير على جميع دول التحالف في إنتاج مختلف أنواع الذخيرة الأساسية، ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن روته قوله، إن "التغييرات التي شهدتها روسيا في هذا المجال، كانت مذهلة حقاً".

وأكد روته أن روسيا تنتج في ظل ظروف الصراع كمية من الذخيرة الأساسية في ثلاثة أشهر تعادل ما تنتجه دول الحلف بأكملها في عام واحد، ولفت الأمين العام الانتباه خلال ذلك إلى أن اقتصادات دول "الناتو" أكبر من الاقتصاد الروسي بـ25 مرة، ودعا روته إلى مراعاة هذه الحقيقة وزيادة إنتاج الذخيرة.

واقترح الأمين العام لحلف "الناتو" زيادة الإنفاق الدفاعي من اثنين في المئة إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وإنفاق 1.5 في المئة أخرى من الناتج المحلي الإجمالي على تطوير البنية التحتية، وقال روته عقب اجتماع وزراء دفاع الحلف في بروكسل، "اقترح زيادة الإنفاق الدفاعي إلى خمسة في المئة بشكل عام، منها 3.5 في المئة للإنفاق الدفاعي المباشر، و1.5 في المئة للاستثمارات المتعلقة بالدفاع والأمن مثل البنية التحتية والصناعة".

وأكد أيضاً أن الوزراء اتفقوا على أهداف جديدة لدول الحلف بشأن القدرات الدفاعية، مع التركيز على الأسلحة البعيدة المدى، ومنظومات الدفاع الجوي والصاروخي، والقوات البرية المتنقلة.

ووافق "الناتو" خلال اجتماع وزراء دفاعه على أكبر خطة لتطوير قدراته العسكرية منذ الحرب الباردة لمواجهة "التهديد الروسي"، بما يشمل تعزيز الأسلحة البعيدة المدى والقوات البرية، ويتضمن القرار الذي تم اتخاذه خلال اجتماع وزراء الدفاع في بروكسل أهدافاً جديدة لتعزيز القدرات العسكرية، مع تحديد واضح للمساهمات المطلوبة من كل دولة عضو في جهود الردع والدفاع المشترك.

واستندت هذه الخطط إلى استراتيجيات دفاع حديثة، تأخذ في الاعتبار تقارير استخباراتية تشير إلى أن روسيا، ورغم الأحداث الأوكرانية، قد تكون قادرة على خوض صراع عسكري مع "الناتو" خلال الأعوام القليلة المقبلة، ورجح وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أن تتفق دول "الناتو" حتى قمتها المقررة في لاهاي على زيادة إنفاقها الدفاعي إلى خمسة في المئة من ناتجها الإجمالي.

وفي صيف العام الماضي، أكد الرئيس فلاديمير بوتين في الجلسة العامة لمنتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، أن روسيا زادت إنتاج الذخيرة بأكثر من 20 ضعفاً وتتقدم عدة مراحل على العدو في تكنولوجيا الطيران، وعد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف أن بلاده باتت أقوى بكثير مما كانت عليه قبل 20 عاماً، وأكثر استعداداً للصراع مع الغرب "لكنها تعتمد على الدبلوماسية بدلاً من القوة العسكرية".

وأكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن تقليص حلف "الناتو" قواته في شرق أوروبا سيخدم أمن القارة بأكملها، وقال "أود أن أذكر بأن مقترحاتنا التي قدمناها لواشنطن وبروكسل في ديسمبر (كانون الأول) 2021 تضمنت ضرورة توفير ضمانات قانونية ملزمة ومستدامة بعدم توسع حلف الأطلسي شرقاً، وعدم نشر أسلحة هجومية قرب حدود روسيا، أؤكد أن موقفنا في هذا الشأن ثابت، وتقليص الوجود العسكري لـ’الناتو‘ في شرق أوروبا سيخدم أمن القارة بأكملها".

ورداً على سؤال حول احتمال سحب "البنتاغون" 10 آلاف جندي من أوروبا، أضاف "الوقت سيظهر ما ستتوصل إليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في النهاية، النخبة الحاكمة في بروكسل والمفوضون في الهياكل فوق الوطنية للاتحاد الأوروبي مشبعون بأيديولوجية معاداة روسيا، ليس من شأني الخوض في تفاصيل مواقف المشاركين في هذه المناقشات".

وتعد روسيا عملية التسليح المتزايدة لحلف "الناتو" بعد الحرب الباردة تهديداً لسلامة المنطقة الأوروبية، وتنظر إليها كخطوة استفزازية تزيد من حدة التوتر وتزيد من احتمالية وقوع صراع عسكري، وتعتقد موسكو أن هذا التسليح يهدف إلى احتواء روسيا، وأن حلف "الناتو" يسعى إلى توسيع نفوذه في المنطقة على حساب روسيا التي لا يزال يرى فيها عدواً رئيساً.

 

 

وترى روسيا أن هذه العملية هي جزء من استراتيجية "الناتو" للتحضير للعدوان على روسيا، وأن الحلف يسعى إلى بناء قوة عسكرية تفوق القوة الروسية، وأن عملية التسليح المتصاعدة للحلف هي محاولة لتوسيع نفوذه في المناطق المجاورة لروسيا، مثل أوكرانيا وأرمينيا وجورجيا وكازاخستان فضلاً عن دول البلطيق التي ينشر فيها قوة أمنية كبيرة.

ونظراً للتهديدات التي تشكلها عملية التسليح المنتظرة لحلف "الناتو"، فإن روسيا أبدت ردود فعل عسكرية للرد عليها، مثل زيادة الإنفاق العسكري، وتطوير أسلحة جديدة، وزيادة وجودها العسكري في المناطق المجاورة لـ"الناتو"، ويعد الخبراء الروس أن عملية حشد الحلف للسلاح على مقربة من الحدود الروسية، من شأنها أن تزيد من احتمالية وقوع صراع عسكري بين روسيا وحلف "الناتو"، وأن هذا الصراع قد يكون له عواقب وخيمة.

ومنتصف 2024، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن أن بلاده لا بد أن تستأنف إنتاج الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى ذات القدرة النووية، ثم تفكر في مكان نشرها.

ويحذر خبراء من البرنامج التسليحي الجديد لحلف شمال الأطلسي، سيؤدي عاجلاً أو آجلاً لإعادة إطلاق سباق تسلح دولي محموم بين أكبر قوتين نوويتين، ويقول هانز مولر كريستنسن وهو مدير مشروع المعلومات النووية باتحاد العلماء الأميركيين، إن كل طرف يستخدم تصرفات الطرف الآخر لتبرير المزيد والمزيد من الإجراءات الرامية إلى تعزيز قدراته العسكرية.

ويلخص رأيه تعقيباً على الرد الروسي المحتمل بالقول، "سلكنا هذا المسار من قبل، وكلفنا هذا الأمر عدة عقود لنخرج بدروس قاسية حول أخطار التصعيد وسباق التسلح ونشر الصواريخ متوسطة المدى في أوروبا".

حرب باردة تنزلق إلى حرب نجوم

يبدو أن العالم يتجه في الوقت الراهن بنسق حثيث إلى المربع الأول للصراع الذي كان سائداً بين المعسكرين الشرقي والغربي، ولكن هذه المرة ربما تكون حرب نجوم، هناك كثير من الجوانب التقنية اليوم تتجاوز ما كان سائداً في الحرب الباردة مثل طبيعة الأسلحة، بما فيها أسلحة الليزر والطائرات المسيرة والصواريخ الفرط صوتية، وهذا يشكل خطراً أكبر بكثير من مجرد حرب باردة جديدة.

ويمكن أن تكون هذه الأخطار مضاعفة بالعودة إلى التطورات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا وإمكانية نشر قوات من "الناتو" في هذا البلد، مما يجعل هذا الحلف في مواجهة مباشرة وحرب معلنة ضد روسيا، كما أن إعادة نشر صواريخ أميركية على الأراضي الأوروبية قد تعطي ذريعة لواشنطن لاستعادة الهيمنة المباشرة على القارة العجوز، وهو ما قد يدفع إلى زيادة التوتر مع روسيا ودول آسيوية أخرى مثل الصين وكوريا الشمالية، وهذا ليس من مصلحة الدول الأوروبية.

توريط "الناتو" في الصراع الأوكراني

قال السيناتور الأميركي تومي توبرفيل (جمهوري عن ولاية ألاباما) إن رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي يحاول جر "الناتو" إلى صراع مع روسيا لأنه يدرك أن أوكرانيا تخسر الصراع.

وأضاف السيناتور في مقابلة إذاعية عندما سُئل عما إذا كان زيلينسكي يحاول جر "الناتو" إلى صراع مع روسيا "لا شك بتاتاً في ذلك، لأنه (زيلينسكي) لا يستطيع الفوز في هذه الحرب بمفرده، إنه يعلم أنه خاسر"، وأعرب تابيرفيل عن ثقته في أن كييف، تسعى عمداً إلى تصعيد العمل العسكري من خلال قرارها مهاجمة المطارات العسكرية الروسية أخيراً.

وتابع عضو مجلس الشيوخ الأميركي "زيلينسكي ديكتاتور، خلق مجموعة كبيرة من المشاكل المختلفة، اختفت كميات كبيرة من أموالنا، ولا أحد يطالب بتحديد أين هي"، وأعرب السيناتور عن اعتقاده أن الرئيس الأميركي ترمب سيتمكن من المساعدة في التوصل إلى تسوية للصراع، وقال "يجب أن يتم لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزيلينسكي لتتم صياغة خطة سلام، لم يرغب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في ذلك وتركنا مع مشاكل يعمل ترمب على حلها".

وذكرت مسؤولة المشتريات العسكرية الألمانية أن أمام الجيش الألماني ثلاثة أعوام لحيازة الأسلحة المعدات العسكرية اللازمة "للتصدي للهجوم الروسي المحتمل على دول الحلف".

وقالت رئيسة المكتب الاتحادي للمشتريات العسكرية أنيت لينيغك إمدن في حديث لصحيفة "تاغشبيغل" في برلين في الثامن من يونيو الجاري "يجب حيازة كل ما هو ضروري لنكون على أتم الجهوزية للدفاع عن البلاد بحلول عام 2028"، وأضافت لينيغك، أن على الجيش حيازة كل المعدات اللازمة قبل عام من ذلك لأنه "لا يزال يتعين على الجنود التدرب على استخدامها".

وأعربت المسؤولة الألمانية عن ثقتها بتحقيق ذلك بفضل تيسير معاملات شراء المعدات العسكرية والمبلغ المقدر بمئات مليارات اليورو الذي خصصته حكومة فريدريش ميرتس الجديدة للإنفاق الدفاعي، وأضافت أن مكتبها سيرفع مشاريع شراء المعدات العسكرية إلى مجلس النواب، بحلول نهاية العام الجاري على أن تعطى "الأولوية للمعدات الثقيلة مثل دبابات ’سكاي رينجر‘ المضادة للطائرات أو النموذج الذي سيستبدل مركبة النقل المدرعة ’فوشز‘".

من جهته زعم المفتش العام للجيش الألماني كارستن بروير أخيراً أن روسيا قد تكون قادرة اعتباراً من عام 2029، على "شن هجوم واسع على أراضي دول حلف شمال الأطلسي".

وجعل المستشار فريدريش ميرتس إعادة تسليح الجيش الألماني الذي عانى نقصاً في التمويل لفترة طويلة، أولوية لائتلافه الحكومي مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ليصبح "أقوى جيش تقليدي في أوروبا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما عن الأخطار الاقتصادية، فيمكن القول إن أغلب الشارع الألماني والأوروبي يعارض التورط في حرب أوكرانيا بسبب تداعياتها الاقتصادية وما نجم عنها من زيادة في التضخم والاستنزاف المالي الذي كان يفترض أن يستخدم في تقوية الاقتصادات الوطنية ولإنعاش منطقة اليورو والتعافي من تداعيات جائحة كورونا.

وفي تقديرنا، يمكن أن تشكل الحرب الباردة الجديدة ضغطاً مضاعفاً على الاقتصاد وعلى الشركات العاملة في ألمانيا وأوروبا، وقد تدفعها التداعيات الأمنية إلى المغادرة إلى أميركا اللاتينية أو آسيا وأي مناطق أخرى أكثر استقراراً وأمناً، وقد حذرت سارة فاغينناخت الرئيسة السابقة لحزب اليسار الراديكالي "دي لينك" من أن إعادة نصب الصواريخ الأميركية ستزيد من أخطار تحويل ألمانيا إلى مسرح حرب جديدة.

في الوضع الحالي يواجه الجميع صعوبة في فهم ما يحاول الأوروبيون فعله في أوكرانيا، في ظل عجز جميع الساسة الداعمين للحرب ببروكسل وباريس ولندن وغيرهم عن تحديد أو كشف أهدافهم طويلة وقصيرة المدى، ليصبح المشهد واضحاً "حرب من أجل الحرب باستخدام أوكرانيا" حتى هذا الهدف الفظيع والمبهم يبدو هلامياً إذا ما نظرنا لقصورهم العسكري والاقتصادي والسياسي.

"الناتو" يحشد أكبر القوى لمواجهة تهديد روسي محتمل، وإذا كان التهديد الروسي احتمالاً بالنسبة للأوروبيين فإن التهديد الغربي لروسيا وفق قادتها هو فعلي وواقع مجسد بتوسيع "الناتو" شرقاً ونشر الأسلحة قرب حدود روسيا ودعم الساسة الموالين للغرب في أوكرانيا، لذلك يعد رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، أن خطة للأوروبيين تقضي بمواصلة الحرب ضد روسيا لـ10 أعوام مقبلة.

إسرائيل تساعد أوروبا في التسلح ضد روسيا

أوروبا وحلف "الناتو" ككل في حاجة ماسة للأسلحة، وقد استغلت إسرائيل هذا الوضع على الفور، وصلت شحنات الأسلحة الإسرائيلية إلى دول الاتحاد الأوروبي إلى مستوى قياسي، ولا تشعر تل أبيب بأي حرج من أن هذه الأسلحة في أوروبا مُصممة بوضوح للعدوان على روسيا.

المجمع الصناعي العسكري الروسي يعمل بشكل أفضل من جميع المجمعات الصناعية الأوروبية مجتمعة، فقد حققت روسيا نجاحاً باهراً في إنتاج الذخيرة، التي تُشكل أساس أي عمل عسكري.

الحديث عن عجز أوروبا عن اللحاق بركب روسيا في إنتاج الأسلحة والذخائر، يلزمها بتعويض هذا النقص على حساب قواتها ومواردها، على الأقل في المستقبل القريب، لذلك تتبنى دول الاتحاد الأوروبي برامج متنوعة لإعادة تأهيل مجمعها الصناعي العسكري، إلا أن خبراء عسكريين يرون أن هذه الإجراءات، في أفضل الأحوال، ستُحدث أثراً يتمثل في إنتاج أسلحة جديدة خلال بضعة أعوام، أما في أسوأ الأحوال، فلن تُنتج شيئاً على الإطلاق، نظراً لارتفاع التكاليف في أوروبا، ولن تُقدم الشركات الخاصة على الاستثمار في إنشاء ورش عمل جديدة من دون ضمان طلبات جديدة، لذلك، فإن السبيل الوحيد أمام الاتحاد الأوروبي لتعويض هذا التأخر هو استيراد الأسلحة، بما في ذلك من دول تنتقدها بروكسل بشدة.

على سبيل المثال، من جهة، يتهم مسؤولو بروكسل وقادة الدول الأوروبية إسرائيل بتنظيم إبادة جماعية ضد سكان قطاع غزة، حيث لقي 50 ألف شخص حتفهم خلال ما يقرب من عامين من الصراع، ويقول وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ساخطاً "لقد حولت القسوة العمياء وحصار المساعدات الإنسانية القطاع إلى فخ مميت، يجب أن يتوقف هذا، إنه انتهاك صارخ لجميع قواعد القانون الدولي".

وفي الوقت الذي تهدد فيه باريس، وكذلك لندن وبروكسل، تل أبيب بإعادة النظر في علاقاتها التجارية معها، أي فرض عقوبات عليها وحتى حصار، تُعزز أوروبا تعاونها العسكري مع إسرائيل بشكل ملحوظ، لا سيما في مجال الأسلحة عالية التقنية، ففي عام 2024، تجاوزت قيمة صادرات إسرائيل من الأسلحة للقارة العجوز 7 مليارات يورو (8 مليارات دولار)، بمعنى آخر، تُدين أوروبا إسرائيل سياسياً، وتُغذيها اقتصادياً.

من جانبها، تُظهر السلطات الإسرائيلية نهماً سياسياً، إنهم لا يهتمون بالنقد والإهانات من أوروبا لأنهم يدركون ما هو السوق الواعدة التي تنفتح أمامهم الآن، إنهم يدركون أن أوروبا في الأعوام القادمة يمكن أن تصبح واحدة من أكبر أسواق الأسلحة في العالم، مما يجعلها تحل محل شرق آسيا والشرق الأوسط وتحتل المركز الأول.

نمو الإنفاق العسكري عالمياً

الإنفاق الدفاعي ينمو في كل مكان، ووفقاً لمعهد "سبيري" في عام 2024، زاد بنسبة 9.4 في المئة في المتوسط في جميع أنحاء العالم مقارنة بالعام الماضي، وهذا رقم قياسي للفترة بأكملها منذ نهاية الحرب الباردة، وبالأرقام المطلقة، يبلغ الإنفاق العسكري حوالى 2.7 تريليون دولار، ومقابل هذا المبلغ، يبدو الإنفاق الأوروبي، للوهلة الأولى، باهتاً، ألمانيا 89 مليار دولار، وبريطانيا 82 مليار دولار، وفرنسا 65 مليار دولار، ومع ذلك، إذا أخذنا النمو كنسبة مئوية، فإن أوروبا تعادل ضعف المتوسط العالمي تقريباً فقد نما الإنفاق الدفاعي في العالم القديم بنسبة 17 في المئة تقريباً.

 وهذا ليس الحد الأقصى، تتطلب قيادة "الناتو" من الدول الأعضاء زيادة قدرات دفاعها الجوي الوطني بمقدار خمسة أضعاف، ولهذا الغرض، من المخطط زيادة مستوى الإنفاق الدفاعي إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على سبيل المثال، بالنسبة لألمانيا (التي أصبحت بالفعل رائدة من حيث نمو الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي 28 في المئة مقارنة بعام 2023)، يجب ألا يكون 89 مليار دولار حالياً، بل 233 مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف.

ليس من المستغرب أن يكون هذا البلد خصوصاً بالنظر إلى خطط المستشار فريدريش ميرز لإعادة تسليحه شريكاً واعداً للغاية لتل أبيب، لقد أقاموا بالفعل تعاوناً وثيقاً من قبل، وهكذا، في عام 2023، اشترت برلين نظام الدفاع الجوي "آرو3" من الإسرائيليين، ودفعت مبلغاً قياسياً قدره 4 مليارات دولار للمجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي ويجب نقل النظام هذا العام إلى برلين.

يذكر حلف "الناتو" أن أولوية المشتريات الدفاعية هي أنظمة الدفاع الجوي والطائرات من دون طيار، وفي هذه الأنظمة يتخصص المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، والسلطات الإسرائيلية سعيدة، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت ذات مرة "نفخر بقدرتنا على ضمان أمن وحماية مواطني ألمانيا وأوروبا"، في الوقت نفسه، لا يخجلون إطلاقاً من شراء أوروبا معداتهم لخوض صراع مع روسيا.

والأمر لا يتعلق بـ"ضمان أمن مواطني ألمانيا وأوروبا" فموسكو لن تهاجم أحداً في نهاية المطاف، بل بدعم العسكرة الأوروبية والخطط العدوانية ضد روسيا، وهو ما لا تخفيه أوروبا، التي يتحدث قادتها عن حصار بحر البلطيق والسيطرة على الملاحة في البحر الأسود.

 

 

من الناحية الرسمية، ليس لدى إسرائيل ما تُخفيه هنا، فأوروبا ليست خاضعة لعقوبات دولية ولا في حالة حرب رسمية مع قوة ثالثة، ومن الناحية الأخلاقية، لا جدوى من تقديم أي شيء، بالطبع، قد يُغضب المرء من إعادة تسليح إسرائيل للرايخ الرابع المُستقبلي، ونكرانها الكبير لجميل لشعب الروسي الذي أنقذ اليهود من المحرقة التي دبرتها ألمانيا النازية، لكن تل أبيب انحرفت عن تاريخها في اللحظة التي بدأت فيها بمساعدة ودعم النازيين الأوكرانيين علناً، والأحفاد الأيديولوجيون لمرتكبي المذابح اليهودية في كييف ولفوف، الذين نشطوا في بابي يار.

مع ذلك، يجب ألا تنسى تل أبيب أن هناك قواعد غير مكتوبة للعلاقات الدولية، ويقولون إنه من غير اللائق إفسادها من قبل دولة يعتمد أمنها المادي بشكل مباشر على حسن تصرفها، وهذا يعتمد على روسيا، لقد نجحت موسكو في الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع خصوم إسرائيل الإقليميين تقريباً، مع إيران و"حماس" و"حزب الله" والحوثيين، بل والدول العربية.

في الوقت نفسه، لم تكن لدى روسيا أي قيود رسمية أو أخلاقية على بيع أي نوع من الأسلحة التقليدية لجميع الجهات الفاعلة الحكومية التي قد تُقوض أمن إسرائيل بشكل خطر، لكن روسيا لم تبعها، لأنها تلتزم في سياستها الخارجية بمبدأ بسيط للغاية "نتعاون مع كل من هو مستعد للتعاون معنا، ولا نتعاون ضد دول ثالثة إذا لم تكن معادية لنا".

لذلك، لم تساعد موسكو الحوثيين ولا "حزب الله" ولا إيران في صراعهم مع إسرائيل، لأنها عدت أن إسرائيل لا تعادي روسيا، ولكن إذا غيرت تل أبيب نهجها الآن، وإذا زودت أوروبا بالصواريخ (والتي قد يُعاد تصديرها إلى أوكرانيا)، فسيكون لموسكو كل الحق الأخلاقي في اعتبار إسرائيل ليس فقط دولة غير صديقة، بل حتى دولة معادية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على تصدير الأسلحة الروسية إلى الشرق الأوسط.

واتهم الأستاذ المساعد في جامعة المالية الروسية غيفورغ ميرزايان، أوروبا بتعزيز تعاونها العسكري مع إسرائيل، وتبنيها موقفاً معادياً لروسيا، وكتب في مقال بصحيفة "فزغلياد" الروسية، أن الاتحاد الأوروبي يحاول تعويض تأخره في صناعة الأسلحة عن روسيا عبر الاستيراد من إسرائيل، رغم انتقاداته العلنية للسياسات الإسرائيلية في غزة، وكشف أن صادرات الأسلحة الإسرائيلية لأوروبا سجلت رقماً قياسياً عام 2024، حيث بلغت قيمتها 7 مليارات يورو (8 مليارات دولار)، وهو ما يمثل نصف إجمالي صادرات إسرائيل من الأسلحة.

وحذر الخبير الروسي من أن توريد إسرائيل أسلحة لأوروبا قد يؤدي إلى وصولها لأوكرانيا، مما قد يدفع روسيا لاعتبار إسرائيل "دولة معادية"، وأشار إلى أن موسكو امتنعت سابقاً عن بيع أسلحة لدول يمكن أن تهدد أمن إسرائيل.

المفهوم الاستراتيجي الجديد لـ"الناتو"

بإعادة توجيه استراتيجيتها لـ"إعادة أميركا عظيمة مرة أخرى"، تضغط الولايات المتحدة في الوقت الراهن على حلف "الناتو" لرفع الميزانية الدفاعية لدوله ووصولها لمستويات غير مسبوقة حتى في عز الحرب الباردة، وتأمر الحلف تحت التهديد والابتزاز بعدم حماية دوله وبسحب القوات الأميركية من أوروبا ليفعل الشيء نفسه، ومن الأهمية بمكان ليس فقط وضع توجهات وإرشادات جديدة في الاستراتيجية، بل أيضاً إحداث تغيير في دور حلف شمال الأطلسي نفسه.

مع نهاية الحرب الباردة، وتفكك حلف وارسو، وانهيار الاتحاد السوفياتي، تلاشى دافع "التهديد السوفياتي" الذي حافظ لوقت طويل على وحدة "الناتو" تحت قيادة أميركية لا جدال فيها، والآن، ثمة خطر من أن يتخذ الحلفاء الأوروبيون خياراً آخر، أو أن يعدوا "الناتو" عديم الفائدة في ظل الوضع الجيوسياسي الجديد الذي نشأ في أوروبا، لذلك تمارس عليهم واشنطن سياسة "العصا والحزرة" لتبقي الدول الأوروبية المنضوية في الحلف تحت قيادتها ورهن إشارتها.

فعلى عكس التهديد "السوفياتي الشيوعي" الذي كان سائداً في الماضي، تحاول واشنطن إيهام "الناتو" بأن أمن التحالف يواجه الآن أخطاراً متعددة الجوانب والاتجاهات، ولذلك، يصعب تقييمها والتنبؤ بها، ويمكن أن تُسبب التوترات أزمات خطرة تهدد الاستقرار في أوروبا، بما في ذلك صراعات مسلحة قد تشمل دولاً غير أعضاء في "الناتو" أو حتى تحدث في دول الحلف نفسها، وفي مواجهة هذه الأخطار وغيرها، يظل العنصر العسكري في التحالف هو العامل الأهم، لكن الواقع الجديد هو أن هذا العنصر يخدم بشكل متزايد المفهوم الأوسع للأمن، ومن خلال تعريف الأمن بأنه لا يقتصر على شمال الأطلسي، تدفع الولايات المتحدة نحو بناء "’الناتو‘ أكبر وأقوى وأكثر تسليحاً".

ما لم يتغير في "الطفرة الجينية" لحلف "الناتو" هو التسلسل الهرمي داخل الحلف، فالقائد الأعلى للقوات في أوروبا يبقى جنرالاً أميركياً، يُعينه رئيس الولايات المتحدة، أما التعيينات في جميع المناصب القيادية الرئيسة فتخضع لسيطرة "البنتاغون" مباشرة.

يعلن البيت الأبيض صراحة أن "حلف ’الناتو‘، بصفته الضامن للأمن الأوروبي، يجب أن يلعب دوراً قيادياً في دفع أوروبا نحو مسار التكامل والأمن"، وعلى خلاف التصريحات الأميركية المهددة بسحب قواتها من أوروبا، فإن "البنتاغون" فعلياً سيحتفظ بنحو 100 ألف جندي وضابط في أوروبا لتعزيز الاستقرار في المنطقة، والحفاظ على علاقات واشنطن الحيوية عبر الأطلسي، والحفاظ على قيادة الولايات المتحدة في "الناتو".

الأطلسي يستولي على جيران روسيا في أوروبا الشرقية

في عام 1999، بدأ حلف "الناتو" التوسع ليشمل دول حلف وارسو والاتحاد السوفياتي السابق، وقُبلت أول ثلاث دول من حلف وارسو السابق في "التحالف الأطلسي" وهي بولندا وجمهورية التشيك، والمجر، ثم في عام 2004، قُبلت سبع دول أخرى إستونيا ولاتفيا وليتوانيا (التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي سابقاً)، وكذلك بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا (التي كانت جزءاً من حلف وارسو سابقاً)، وسلوفينيا (التي كانت جزءاً من يوغوسلافيا سابقاً).

في أبريل (نيسان) 2008، اتُخذ قرار في قمة بوخارست بضم ألبانيا (التي كانت عضواً في حلف وارسو سابقاً) وكرواتيا (إحدى جمهوريات يوغوسلافيا سابقاً)، إضافة إلى ذلك، كانت مقدونيا وأوكرانيا وجورجيا (التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي سابقاً) تستعد للانضمام إلى التحالف، وأكد "الناتو" استمرار "سياسة الباب المفتوح" للسماح لدول أخرى بالانضمام إليه عاجلاً أم آجلاً.

وهكذا، تُحقق الولايات المتحدة نواياها في بناء أوروبا قائمة على توسع الاتحاد الأوروبي، وأوروبا قائمة على توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، أصبحت دول أوروبا الشرقية، بما فيها جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، تحت السيطرة المباشرة للولايات المتحدة، التي تحتفظ بموقعها المهيمن في الحلف، وهنا تجدر الإشارة مجدداً إلى أن القائد الأعلى لقوات الحلف في أوروبا هو، بحكم ما يشبه حق الوراثة، جنرال أميركي يُعينه رئيس الولايات المتحدة، وأن جميع مناصب القيادة الرئيسية تُدار مباشرة من "البنتاغون".

علاوة على ذلك، يجب على الدول الأعضاء الجدد استبدال أسلحتهم وبنيتهم التحتية العسكرية إلى معايير "الناتو"، وهذا يصب في مصلحة الصناعة العسكرية الأميركية، حيث إن شراء الأسلحة الأميركية هو شرط وضعته واشنطن لقبول هذه الدول في الحلف، وبهذه الطريقة، توفر الولايات المتحدة لنفسها مجموعة كاملة من الأدوات العسكرية والاقتصادية، وبالتالي السياسية، لإبقاء هذه الدول في وضع أعضاء "الناتو" العاديين تحت تبعيتهم المباشرة لواشنطن، وليس هذا فحسب، فمنذ انضمام بولندا وجمهورية التشيك والمجر وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وكذلك سلوفاكيا وسلوفينيا ورومانيا وبلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي بين عامي 2004 و2007، تلقت واشنطن أدوات ضغط قوية داخل الاتحاد الأوروبي من أجل إعطاء توجيه أو آخر لقراراتها السياسية والاستراتيجية.

استراتيجية تدمير الدول

تتمثل استراتيجية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في تدمير الدول التي لا تخضع كلياً أو جزئياً لسيطرة الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى، تلك التي تقع في مناطق غنية باحتياطيات النفط أو تحتل موقعاً جيوستراتيجياً مهماً، وعلى قائمة الدول المراد تدميرها الدول التي لا تمتلك قوة عسكرية ولا يمكنها الرد بتهديد قوة المدمرين أنفسهم، وتبدأ العمليات بدق أسافين في الشقوق الداخلية الموجودة في كل دولة، في الاتحاد اليوغوسلافي في التسعينيات، تم تأجيج النزعات الانفصالية وإشعالها، وتم تقديم الدعم، بما في ذلك الدعم المسلح، للجماعات والقطاعات العرقية والسياسية التي كانت معارضة لحكومة بلغراد، تم تنفيذ هذه العمليات باستخدام مجموعات قيادية جديدة، غالباً ما تشكلت من سياسيين دخلوا السياسة من أجل المال أو أماكن في أروقة السلطة.

وفي الوقت نفسه، يتم تنفيذ حملة دعائية غير مسبوقة لإقناع الرأي العام بأن الحرب ضرورية لإنقاذ هؤلاء المواطنين المهددين بالدمار بسبب نزوة "الديكتاتور الدموي"، ثم طُرحت مسألة التدخل العسكري في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والدافع وراء هذا التدخل هو الحاجة إلى إزاحة ديكتاتور يقتل المدنيين العزل (في حالة يوغوسلافيا، سلوبودان ميلوسيفيتش)، ويكفي ختمٌ يُشير إلى "الموافقة على جميع الإجراءات اللازمة"، ولكن حتى لو فشل هذا (كما في حالة يوغوسلافيا)، تُنفذ العملية على أي حال، تنطلق الآلة العسكرية الأميركية "الناتو" المُجهزة مُسبقاً، وتُشن هجوماً جوياً وبحرياً واسع النطاق، وتُنفذ عمليات برية داخل البلاد التي خلف حولها "الحصار الحديدي" فراغاً.

مواجهة عسكرية جديدة بين الغرب والشرق

تعارض موسكو أضخم برنامج لتسلح "الناتو" وكذلك "الدرع الصاروخية" التي من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بشن ضربة نووية أولى مع العلم أنها يمكن أن تحيد ضربة انتقامية، وتعارض موسكو التوسع الشرقي لحلف شمال الأطلسي وخطط الولايات المتحدة و"الناتو" لتدمير كوريا الشمالية وإيران كجزء من استراتيجية تستهدف منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها، ويُنظر إلى كل هذا في موسكو على أنه محاولة لكسب ميزة استراتيجية على روسيا والصين أيضاً.

صعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف "الناتو" الضغط العسكري على روسيا في الأعوام الأخيرة، وقبل اندلاع الأزمة في أوكرانيا، كان لدى الغالبية العظمى انطباع بأن الحرب لا تهدد إلا المناطق "المضطربة"، مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولم يلاحظ أحد أن أوروبا "المسالمة"، التي تسير على خطى الاستراتيجية الأميركية، ستجد نفسها عاجلاً أم آجلاً مجدداً على خط المواجهة مع روسيا وربما مع الصين في سياق سباق تسلح ومواجهة عسكرية لا تقل خطورة عن مواجهات الحرب الباردة، وكل ذلك في خدمة واشنطن وأهدافها الرامية إلى جعل "أميركا عظيمة مرة أخرى" وسيدة من دون منازع على العالم بأسره.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات