ملخص
في عام هو الأشد قسوة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، تواصل إسرائيل تهجير سكان مسافر يطا قسراً عبر تدمير القرى وملاحقة السكان والنشطاء، وسط صمت دولي مطبق. في المقابل، يوسع المستوطنون سيطرتهم على الأرض يوماً بعد يوم، والجيش لا يتدخل إلا لحماية هذا الواقع المفروض بالقوة.
يجلس جابر الدباسة فوق كومة من الأنقاض المتناثرة.
يقول الرجل، وهو أب لخمسة أطفال "نشعر بالظلم، خذلنا عالم يدعي الإنسانية ولا يفعل شيئاً". هذه الأنقاض كانت يوماً ما منزله العائلي في قرية خلة الضبع في الضفة الغربية المحتلة، قبل أن تدمرها الجرافات الإسرائيلية بالكامل تقريباً.
كان عام 2025 قاسياً على الفلسطينيين في الضفة الغربية، إذ قتل 80 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية في شمال الضفة وحده، بينهم 14 طفلاً. وفي أواخر مايو (أيار) الماضي جاءت الضربة الكبرى مع إعلان إسرائيل الموافقة على بناء 22 مستوطنة جديدة. وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش حذر من أن إسرائيل "لن تتوقف حتى تحصل المنطقة بأكملها على وضعها القانوني الكامل وتصبح جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل"، في تعبير واضح عن السياسات الاستيطانية العدوانية التي ينتهجها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
في الخميس الخامس من يونيو (حزيران)، أحيا الفلسطينيون ذكرى النكسة، وهي المناسبة التي تخلد ذكرى التهجير القسري لنحو 300 ألف فلسطيني خلال حرب يونيو 1967. بعد ما يقارب ستة عقود، يقول سكان الضفة الغربية المحبطون لـ"اندبندنت" إن الوضع الحالي أسوأ من أي وقت مضى.
يوضح الدباسة، وهو يندب الحياة التي تنتظر أبناءه الخمسة "لقد ضاع مستقبلهم، ولا نستطيع أن نوفر لهم ولو القليل. الوضع مأسوي للغاية".
والدباسة هو أحد سكان قرية خلة الضبع الذين بقوا في أرضهم، ممن يعيشون في خيام وكهوف سكنية هناك منذ أن هدمتها الآليات الإسرائيلية في الخامس من مايو. وتقول قوات الاحتلال الإسرائيلي إن القرية "مبنية بشكل غير قانوني ضمن منطقة تدريب عسكرية" وإن الفلسطينيين يعيشون فيها بشكل غير قانوني. لكن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان تناقض هذا الزعم وتؤكد أن التهجير القسري للفلسطينيين من مسافر يطا غير قانوني.
وقالت منظمة العفو الدولية الخميس في بيان لها لمناسبة ذكرى النكسة "يجب على إسرائيل أن تكف على الفور عن الممارسات غير القانونية التي تؤدي إلى التهجير القسري للفلسطينيين، بما في ذلك الهجمات على المناطق السكنية، وتدمير الممتلكات والبنية التحتية، والقيود الواسعة على حرية الفلسطينيين في التنقل". واتهمت المنظمة إسرائيل بإدارة "نظام فصل عنصري لا يعرف الشفقة".
ومنذ تدمير قرية خلة الضبع، يتجول المستوطنون يومياً بين الأطلال التي بقيت من القرية، حيث يرعون أغنامهم ويخربون الهياكل التي لا تزال قائمة فيها على أمل إبعاد الفلسطينيين عن الأرض نهائياً، كما يقول السكان. وتظهر تسجيلات مصورة مستوطنين يقفون وسط الركام، بينما يراقبهم ثلاثة جنود من بعيد، بأيد في جيوبهم، وسط تجاهل كامل.
يقول الدباسة: "أطفالنا يجدون صعوبة في الوصول إلى المدرسة ويعيشون في قلق وخوف. لا يمكننا حمايتهم من المستوطنين. ليس لدينا عيادات، ولا مدارس، ولا أماكن ترفيهية للأطفال". ويضيف نشطاء أن تسعة منازل، و10 خزانات مياه، وأربع حظائر حيوانات، ومركزاً مجتمعياً، ومعظم ألواح الطاقة الشمسية في القرية، سويت بالأرض بواسطة الجرافات في أقل من ساعتين، فيما كان السكان يراقبون من تلة قريبة قرية بكاملها تتحول إلى أرض قاحلة تنعى أرزاق أهلها.
تعد مسافر يطا، وهي مجموعة من التجمعات السكانية الواقعة في تلال جنوب الخليل، واحدة من أكثر المناطق تضرراً من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، بعدما أعلنتها القوات الإسرائيلية منطقة رمايات عسكرية في ثمانينيات القرن الماضي. فبعد عقود من المعارك القانونية، قضت المحكمة العليا عام 2022 بعدم وجود عوائق قانونية تمنع طرد الفلسطينيين من منازلهم.
كثير من السكان أعادوا بناء منازلهم مراراً بعدما هدمتها الجرافات. آخرون لجأوا إلى الكهوف التي جرى ترميمها على يد نشطاء وسكان محليين لتصبح صالحة لسكن العائلات. ويقول جابر دباسة إن عملية الإخلاء الأخيرة كانت المرة الثامنة التي يهدم فيها منزله خلال الأعوام الثمانية الماضية.
ويقول السكان إن اعتداءات المستوطنين على القرى الفلسطينية تزايدت خلال العام الماضي، مدفوعة بسياسات الحكومة الإسرائيلية الداعمة للاستيطان. وتنتشر أسبوعياً مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مستوطنين ملثمين ومسلحين يهاجمون قرى فلسطينية في الضفة الغربية.
"نحن غارقون بالحزن والضعف. ماذا يمكننا أن نفعل؟"، يتساءل محمد هشام حريني، وهو ناشط يبلغ من العمر 22 سنة ويقيم في قرية التواني القريبة. "الناس خائفون، يشعرون بالرعب، ويتمنون وجود من يقف إلى جانبهم كي لا يشعروا بأنهم وحدهم".
وفي مكالمة هاتفية الجمعة الماضي، قال حريني إنه يستعد مع نشطاء آخرين وسكان محليين لزيارة ما تبقى من خلة الضبع. وأضاف "لا أعرف ما إذا كنا سنعود بسيارة إسعاف، أو بسيارة جيب عسكرية، أو بسيارة جيب شرطة". وتابع "إن الوضع أسوأ من أي وقت مضى، وأكثر خطورة. يشعر الناس أنهم قد تركوا وحدهم، والمجتمع الدولي يكتفي بالوقوف متفرجاً".
وبعد أيام، تم اعتقال حريني أثناء جلوسه في خيمة مع ناشطين آخرين في خلة الضبع. وتلقي الشرطة الإسرائيلية القبض بشكل روتيني على الناشطين والسكان في المنطقة. وبين المعتقلين السيدة الإيرلندية ديدري مورفي، البالغة من العمر 70 سنة، التي ظلت حتى الجمعة رهن الاحتجاز بينما كانت تستأنف قرار ترحيلها، والمواطنة السويدية سوزان بيورك، وكلتاهما مقيمة في المملكة المتحدة. يقول الجيش إن دخول المنطقة محظور بموجب أوامر عسكرية.
يلفت محمد حريني، وهو ابن عم محمد هشام حريني إلى أن "الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ونتوقع أن يكون هناك مزيد من تردي الأوضاع في المستقبل". وفي سياق حديثه عن المستوطنين، أشار إلى عدم وجود "سلطة لإيقافهم عند حدهم، فهم يتجولون يومياً، ويطلقون النار، ويسرقون الأراضي. وكل من يهب للدفاع عن حقوقه سيتعرض للهجوم".
ويقول الجيش الإسرائيلي إن قواته "ملزمة التحرك لوقف الانتهاكات" في حالات استعمال العنف ضد الفلسطينيين، و"باحتجاز أو تأخير المشتبه فيهم حتى وصول الشرطة إلى الموقع"، لكن الفلسطينيين يؤكدون أن السلطات الإسرائيلية لا توفر لهم أية حماية تذكر.
وقد وجه ناشطون، بمن فيهم باسل عدرا، المخرج الحائز جائزة الأوسكار عن فيلمه الوثائقي "لا أرض أخرى"، الذي يصور عنف المستوطنين والجيش في مسافر يطا، نداءً عاجلاً للصحافيين والناشطين من المجتمع الدولي للتوجه إلى الضفة الغربية.
وغرد عدرا على منصة "إكس" مرفقاً مقطع فيديو يظهر مستوطنين إسرائيليين يقفون وسط أنقاض خربة خلة الضبع: "ليس من السهل عليَّ أن أكتب هذا، بيد أن مجتمع مسافر يطا الذي أنتمي إليه سيدمر إذا لم ينضم إلينا على الأرض مزيد من الناشطين والصحافيين على وجه السرعة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أثناء إحدى هذه الزيارات التي قادها عدرا في وقت سابق من هذا الأسبوع، منع جنود إسرائيليون ملثمون نحو 20 صحافياً من دخول القرى.
ومع اقتراب النقاش من نهايته، عبر حريني عن شكره للمجتمع الدولي على دعمه، لكنه أضاف أن مجتمع مسافر يطا، وهو ينظر إلى مستقبل قاتم، يقول الآن: "نحن في حاجة إليكم هنا، على الأرض".
أما الجيش الإسرائيلي، فاعتبر أن "مهمة الجيش الإسرائيلي هي الحفاظ على أمن جميع سكان المنطقة، والعمل على مكافحة الإرهاب والأنشطة التي تعرض مواطني دولة إسرائيل للخطر".
وأضاف "يتم تطبيق القانون على الهياكل غير القانونية بما يقتضيه القانون والأولويات العملياتية، وهذا مرهون بموافقة القيادة السياسية. وقد تم تشييد المباني في خلة الضبع والمناطق المجاورة بشكل غير قانوني، ولذلك جرى هدمها بعدما تم منح أصحابها فرصة لتقديم اعتراضاتهم".
وأكد الجيش أنه "يراقب التطورات في المنطقة ويتصرف وفقاً للأنظمة". وقد تواصلت "اندبندنت" أيضاً مع الشرطة الإسرائيلية للتعليق.
© The Independent