Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لليسار المغربي "تاريخ من الانشقاقات"... إنها العقيدة

أصبحت الاشتراكية مجرد شعار يبتعد من أصل الفكرة مما أفقدها جوهرها السياسي وباتت تابعة لقوى يمينية أو إدارية

نبيلة منيب زعيمة الحزب الاشتراكي الموحد في المغرب (وكالة الأنباء المغربية)

ملخص

 "تعكس ظاهرة الانشقاقات إلى حد بعيد تشرذم قوى اليسار وتعدد تنظيماتها الحزبية والنقابية، مما جعلها عجلات لتأثيث المشهد السياسي في وقت تعاظمت قوى ما سمي بـ "اليمين"، مثل حزب الاستقلال الذي لم يعان لحد الآن من أي انقسام، وأيضاً ما سمي بالأحزاب الإدارية مثل حزب التجمع الوطني للأحرار".

يقال إن تاريخ اليسار في المغرب هو تاريخ انشقاقاته، وقد يكون هذا القول أبلغ تلخيص لمسارات أحزاب وحركات اليسار في المغرب، إذ لا يكاد يولد حزب يساري حتى ينشق منه آخر، مما يجعل الطيف اليساري مشتتاً ومشرذماً على رغم قوته السياسية والأيديولوجية، وفق مراقبين ومحللين.

ويواجه "اليسار المغربي" الذي يقابله في التصنيف السياسي العام "أحزاب اليمين" أو ما يسمى في المغرب "أحزاب الإدارة"، كثيراً من التحديات والإشكالات التي تقف دون انتشاره وتحقيق نتائج انتخابية وازنة، وعلى رأسها التشتت والتشرذم وضعف القاعدة الشعبية، لكنه لم يفقد بعد إشعاعه الإعلامي والنقابي والاجتماعي.

أحزاب يسارية تاريخية

واليسار في المغرب ليس تياراً واحداً ولا حزباً واحداً ولا حركة واحدة، بل هو طيف شامل وممتد يسع كثيراً من الأحزاب والتيارات والحساسيات والأنوية الفكرية التي تمتح من الفكر اليساري بأدبياته وخلفياته الأيديولوجية بشكل عام، وله تاريخ مديد يعود لبداية مرحلة الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، ممثلاً في أحزاب كانت تغرف من الفكر الاشتراكي والماركسي قبل أن تعتريها تحولات سياسية مؤثرة، كما أن من "اليسار" أيضاً أحزاب حديثة بسبب ظاهرة الانشقاقات.

ولا يمكن الحديث عن أحزاب اليسار في المغرب دون التطرق إلى ما يسميه بعضهم "اليسار التقليدي" أو "اليسار التاريخي"، بل هناك من ينعته بـ "اليسار الأم"، باعتبار أنه يضم أحزاباً قوية بمرجعيات وكوادر سياسية متينة على رأسها "حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الذي يعد امتداداً سياسياً لـ "حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" المنشق عن "حزب الاستقلال" المعروف والقوي خلال فترة ما بعد استقلال البلاد.

وكان "حزب الاتحاد الاشتراكي" يؤمن، كما هو واضح من تسميته، بالفكر الاشتراكي ومارس دور المعارضة للحكومات المغربية المتعاقبة بشراسة جعلته يصطدم أحياناً بالنظام الحاكم، قبل أن يقرر المشاركة في تدبير الشأن العام بقيادة ما سمي "حكومة التناوب" عام 1998 التي ترأسها الزعيم اليساري الشهير الراحل عبدالرحمن اليوسفي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن هذه الأحزاب اليسارية التاريخية أيضاً "حزب التقدم والاشتراكية" الذي كان يسمى "الحزب الشيوعي" بقيادة الزعيم الشيوعي الراحل علي يعتة، غير أن الحزب نزع رداء الشيوعية وتدثر بجبة التقدمية ومارس المعارضة لفترات وجرب الحكومة فترات أخرى، حتى إنه شارك في حكومة قادها "إسلاميو حزب العدالة والتنمية" خلال ولايتين متعاقبتين.

أحزاب يسارية حديثة

ومن مكونات الطيف اليساري المغربي أيضاً أحزاب حديثة التأسيس أو تلك التي خرجت من رحم الانشقاقات، ومنها "حزب الاشتراكي الموحد" الذي أُسس عام 2005 من خلال اندماج "حزب الطليعة" و"حزب اليسار الاشتراكي الموحد"، ويرنو هذا الحزب، وفق مرجعيته التأسيسية، إلى تحقيق "بديل سياسي واقتصادي واجتماعي" للنظام السائد في البلاد، كما يطمح إلى تحقيق نموذج اشتراكي يلبي حاجات المواطنين، فضلاً عن مطالبته بسن إصلاحات دستورية.

ومن أبرز زعامات هذا الحزب اليساري نبيلة منيب التي لا تخفي أنها تحلم بوحدة "اليسار" من خلال تشكيل قطب يساري ديمقراطي قوي يحظى بمكانة في الخريطة السياسية للبلاد، ومن أجل مواجهة ما تسميه "الأصولية الدينية" وأيضاً "أصولية الدولة"، ووفق منيب فإنه يتعين التدرج في بناء الجبهة اليسارية المنشودة من خلال تآلف الحساسيات والجهود ذات التوجه السياسي والفكري نفسه، بغية الوصول إلى الهدف الرئيس ممثلاً في تشييد "دولة الحق والقانون"، وتأمل الزعيمة اليسارية في الوصول يوماً ما إلى نظام "الملكية البرلمانية" بتقوية أدوار ومهمات مؤسسات البرلمان والحكومة عبر إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، وإصلاح دستوري حقيقي يتيح فصل السلطات.

 

ومن الأحزاب الأخرى "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" الذي أُسس عام 1993 منشقاً عن "حزب الاتحاد الاشتراكي"، وكان يؤمن بالماركسية اللينينية قبل أن يتحول بعد سقوط رموز الماركسية في العالم إلى تبني "الاشتراكية الديمقراطية"، وقد تحالفت أحزاب "الحزب الاشتراكي الموحد" قبل انسحابه مع "حزب الطليعة" و"حزب المؤتمر الوطني الاتحادي" لتشكل "فيدرالية اليسار الديمقراطي" التي تهدف إلى تقديم بديل سياسي للبضاعة السياسية المتداولة، مع القرب من المواطنين وتوحيد صف اليساري المتشرذم.

زعامات يسارية

وأنجبت هذه الأحزاب والتيارات اليسارية ضمن مسارها وتاريخها الطويل والمتشعب والمعقد كثيراً من الشخصيات والزعامات الخالدة في الحياة السياسية للمملكة، بينما خف وهج الزعامات اليسارية الجديدة خلال الألفية الثالثة لأسباب عدة، وباستعراض مسارات الزعامات اليسارية المغربية لا يمكن إغفال اسم قيادي يساري بارز اشتهر في العالم بأسره بكونه زعيماً لحركة العالم الثالث، كما عرف كثيراً بمعارضته لحكم الملك الراحل الحسن الثاني، غير أنه اختفى أو قتل فجأة في ظروف لا تزال غامضة وتثير كثيراً من السيناريوهات والتساؤلات والاتهامات منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 1965.

ومن القيادات اليسارية البارزة والراحلة التي سطرت اسمها بحروف من ذهب في سجل الزعماء اليساريين الكبار في المغرب عبدالرحيم بوعبيد الذي كان من بين مؤسسي "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، قبل أن يقود "حزب الاتحاد الاشتراكي" بتسميته الحالية، ليكون أحد أقوى الاحزاب السياسية في البلاد على الإطلاق.

ومن الزعامات اليسارية الشهيرة الأخرى القيادي محمد بنسعيد آيت يدر الذي توفي في فبراير (شباط) 2024 بعد أن قضى عمراً مديداً في معارضة نظام الملك الراحل الحسن الثاني، وكان مناضلاً بارزاً في جيش التحرير، وأسس "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي".

ومن الأسماء اليسارية الأخرى عمر بنجلون، وهو أحد قيادات "حزب الاتحاد الاشتراكي" الذي تعرض للاغتيال عام 1975، ووجهت تهمة القتل حينها إلى جهات وصفت بالمتطرفة، وكان معروفاً بمواقفه الاشتراكية الحازمة ومعارضته للنظام السائد.

ويعد عبدالرحمن اليوسفي أيضاً من أبرز القيادات اليسارية التاريخية، وقد توفي عام 2020 بعد مسار لامع في دواليب "حزب الاتحاد الاشتراكي"، وكان معارضاً للملك الراحل الحسن الثاني قبل أن يتحول إلى أحد أصدقائه، متولياً قيادة "حكومة التناوب" بين عامي 1998 و2002 بفضل مصالحة بين هذا القيادي والنظام الملكي، وانتخابات تشريعية حملت "حزب الاتحاد الاشتراكي" إلى تصدر هذه الاستحقاقات.

عوامل تشرذم "اليسار"

وخلال هذا المسار الباذخ من العطاءات والقيادات والسياسات المعارضة تارة للحكم والمنضمة إليه تارة أخرى، لم تخل الأحزاب اليسارية من ظاهرة الانشقاقات، إذ تتناسل الأحزاب كل مرة اقتربت الصفوف من التوحد، ويوجز أستاذ علوم السياسة عبدالرحيم العلام الأسباب الأساس التي تجعل "اليسار المغربي" مشرذماً وغير موحد في ما سماه "تراجع العقيدة السياسية لدى بعض الأحزاب التي ترفع شعار الاشتراكية"، مضيفاً "يبدو أن الاشتراكية أصبحت في نظر هذه الأحزاب مجرد شعار يبتعد من أصل الفكرة، ومن مؤشرات ذلك التحالفات الحزبية، إذ تحالف 'حزب التقدم والاشتراكية'، الشيوعي سابقاً، مع 'حزب العدالة والتنمية' ذي التوجه الإسلامي، كما تحالف 'حزب الاتحاد الاشتراكي' مع 'حزب التجمع الوطني للأحرار' الذي كان يصفه بالحزب الإداري، إضافة إلى التوجه نحو الخصخصة خلال التدابير الحكومية منذ عهد عبدالرحمن اليوسفي".

 

ويستطرد المحلل ذاته بأنه في مقابل هذه المرونة بخصوص العقيدة السياسية، تبدو الأحزاب اليسارية الأخرى أكثر تشدداً في ما يتصل بتبني الفكر الاشتراكي، وهو ما يمكن تسجيله بخصوص "الحزب الاشتراكي الموحد" و"النهج الديمقراطي".

ومن أسباب عدم توحد الطيف اليساري في المغرب، وفق العلام، "ضعف الجاذبية الحزبية وليس فقط عند 'اليسار'، إذ إن الأحزاب السياسية لم تعد تستقطب عدداً كبيراً من المحزبين مما جعلها تركز على التحالفات مع الأحزاب الأخرى بصرف النظر عن أيديولوجيتها"، مضيفاً أن "الهدف لم يعد التأسيس لقاعدة جماهيرية، وإنما اتجهت الأحزاب إلى تحقيق المشاركة في الحكومات المتوالية وتحقيق مكاسب لأعضائها وقياداتها، مما شجع على الانشقاقات المتوالية والمستمرة، ليس بسبب الخلاف حول المواقف السياسية كما جرى في محطات سابقة، وإنما جراء أسباب ذاتية لبعض القيادات الحزبية".

من المستفيدون؟

من جهته أفاد الباحث في الشأن السياسي والحزبي المغربي محمد شقير بأن "تاريخ 'اليسار' في المغرب هو تاريخ انشقاقاته، فقد انشق عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية 'حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية' الذي انشق عنه 'حزب الطليعة' و'الحزب العمالي' و'حزب المؤتمر الوطني' ليظهر الحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار، في حين انشق عن 'حزب التقدم والاشتراكية' جبهة القوى الديمقراطية، وقبل ذلك ظهرت حركة 'إلى الأمام' التي تحولت إلى 'حزب النهج' الديمقراطي".

وجواباً عن سؤال من هم المستفيدين من تشرذم اليسار المغربي؟ قال شقير إن "ظاهرة الانشقاقات هذه تعكس إلى حد بعيد تشرذم قوى اليسار وتعدد تنظيماتها الحزبية والنقابية، مما جعلها عجلات لتأثيث المشهد السياسي في وقت تعاظمت قوى ما سمي بـ 'اليمين' مثل 'حزب الاستقلال' الذي لم يعان لحد الآن أي انقسام، وأيضاً ما سمي بـ 'الأحزاب الإدارية' مثل 'حزب التجمع الوطني' للأحرار".

واسترسل المتحدث بأن "حزب الأحرار" تبنى بعض أطروحات "اليسار"، وعلى رأسها مقولة الدولة الاجتماعية، إذ كان من المفترض أن تقود قوى اليسار تطبيق هذا المشروع الذي يعتبر يسارياً بامتياز، مما أفقدها جوهرها السياسي وأصبحت تابعة لأحزاب كانت تنعتها باليمينية أو الإدارية.

ومضى شقير قائلاً إن "وضع 'حزب التقدم والاشتراكية' (اليساري) في حكومة بن كيران (الإسلامي) أصدق مثال على ذلك، في حين أن 'الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية' الذي تصدر حكومة اليوسفي أصبح يشحذ من أجل الانضمام إلى حكومة يتصدرها 'حزب الأحرار' بقيادة رجل الأعمال عزيز أخنوش".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير