Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخليج و"آسيان" يبحثان عن شراكة يعقدها "الخصمان اللدودان"

بينما تمارس واشنطن الضغط على بكين يرى باحث سعودي أن الصين تعتبر أن البيئة الدولية الراهنة تشكل فرصة لها لتنمية نفوذها في "الجنوب العالمي"

وزير الخارجية السعودي يرأس وفد بلاده في قمتي كوالالمبور (الخارجية السعودية)

ملخص

حول القيمة الاستراتيجية التي تشكلها منظمة "آسيان"، فإن مجلة "آسيان ريفيو" الصادرة عن التكتل، توضح أن المنطقة "تعد منتجاً ومصدراً رئيساً لمختلف المنتجات الكهربائية والإلكترونية، وأنها أكبر مصدر في العالم للدوائر الإلكترونية المتكاملة وتخزين بيانات الكمبيوتر وأجهزة الهاتف، وفي الزراعة تعد منتجاً رئيساً لزيت النخيل والمطاط والمحاصيل الزراعية الأخرى، وأكبر مصدر في العالم للرز".

تنظر قوى كبرى ومتوسطة في العالم إلى مجموعة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، بوصفها سوقاً واعدة وسط تنامي الاستقطاب الدولي وتجاذب مناطق النفوذ، بالنظر إلى موقع المجموعة الاستراتيجي القريب من الصين ونمو اقتصادات دولها، لهذا كان لافتاً الاهتمام الخليجي والصيني والأميركي بها، بما يجعلها نقط التقاء الأضداد أحياناً، ومحط أنظار الباحثين عن أسواق جديدة وفرص.

يفسر جزءاً من ذلك ما تشهده العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة من تطور ملاحظ في السنوات الأخيرة، مدفوع بتحولات جيوسياسية واقتصادية عالمية. يأتي مؤتمر ماليزيا في مايو 2025، بحضور الصين، كمحطة بارزة لتعزيز هذه العلاقة، إذ يسعى الطرفان إلى تنفيذ إطار التعاون الثنائي (2024-2028) في سياق عالمي متغير. تستند العلاقة إلى روابط تاريخية واقتصادية عميقة، إذ تشكل المنطقتان مراكز اقتصادية ديناميكية.

وأكد وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا الذي تترأس بلاده دورة "مجلس التعاون" الحالية حرص الخليج على "ترسيخ نهج الشراكة الدولية وتعزيز التواصل مع التكتلات الإقليمية"، مشيراً إلى أن القمتين (الخليج - آسيان، والخليج - آسيان - الصين) تتيحان "تبادل وجهات النظر حول المستجدات الإقليمية والدولية، وتنسيق المواقف في المحافل الدولية".  

 أشار رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في سياق القمة التي اختتمت اليوم في بلاده إلى أن "الاقتصاد الخليجي يعد الأسرع نمواً في العالم، مدفوعاً بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي"، مما يفتح آفاقاً للتعاون مع "آسيان" في مجالات الرقمنة والابتكار، بينما تسعى دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً من النفط، بينما تمتلك دول "آسيان" خبرات في الطاقة النظيفة والتغير المناخي، في حين يبرز التقرير العربي للتنمية المستدامة 2024 أهمية التعاون في "إدارة المياه والزراعة المستدامة والتكيف مع تغير المناخ"، وهي مجالات ذات أولوية مشتركة.  

الكاتب الماليزي أحمد فايز يزيد يؤكد في مقالة نشرتها "ميلي مايل" الماليزية إلى أنه مع استضافة ماليزيا للقمة الـ46 لرابطة دول جنوب شرقي آسيا، والقمة الثانية لرابطة دول جنوب شرقي آسيا ومجلس التعاون الخليجي، والقمة بين رابطة دول جنوب شرقي آسيا ومجلس التعاون الخليجي والصين، جرى إعلان إنجاز مهم، "إذ وصلت خطة الجماعة الاقتصادية لرابطة دول جنوب شرقي آسيا 2025 إلى معدل تنفيذ بنسبة 97 في المئة".

تكامل وفرص وتحديات

وعلى رغم أن هذا الرقم يستحق الثناء بحسب الكاتب فإنه لا يمثل نهاية، بل يمثل منعطفاً حاسماً لعكس المسار الاقتصادي لرابطة دول جنوب شرقي آسيا، وإعادة تقييمه وإعادة تصوره في بيئة عالمية أكثر تعقيداً.

وشدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أمام القمة على أن العلاقات الاقتصادية بين الدول المشاركة توفر "فرصاً واعدة في قطاعات حيوية عديدة تشمل القطاع المالي، والزراعة وصناعة الأغذية الحلال، والطاقةالخضراء والمتجددة، وقد حققت دول المجموعتين تقدما ملحوظاً في مستويات التبادل التجاري حيث شهدت نمواً بنسبة 21% من عام 2023 إلى 2024م، ليبلغ حجم التجارة قرابة 123 مليار دولار في عام 2024م، مما يعكس الإمكانات الكبيرة لشراكتنا، ويبرز أهمية تكثيف الجهود لتسهيل التجارة بين دولنا، وتذليل أي عقبات أمامها". 

في عام 2023 وصل الناتج المحلي الإجمالي لرابطة دول جنوب شرقي آسيا إلى 3.8 تريليون دولار أميركي، مما يجعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم. وفي العام نفسه بلغ إجمالي التجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي 130.7 مليار دولار أميركي، مع تدفقات استثمار أجنبي مباشر بلغت 390.2 مليون دولار أميركي.

وفي الوقت نفسه، ظلت الصين أكبر شريك تجاري لرابطة دول جنوب شرقي آسيا، إذ بلغ حجم التجارة بينهما 696.7 مليار دولار أميركي، و17.3 مليار دولار أميركي من الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما يشير إلى الروابط القائمة الهائلة، فضلاً عن الإمكانات الكبيرة غير المستغلة.

وقال أنور إبراهيم، الذي يشغل أيضاً منصب وزير المالية، "آمل أن تشكل هذه القمة فصلاً جديداً في رحلة آسيان نحو المشاركة الخارجية، وإظهار ما يمكن تحقيقه عندما يعمل الشركاء معاً في احترام متبادل وهدف مشترك".

وكان الرئيس الأميركي ترمب أنهى أخيراً جولة في الخليج وصفت بالتاريخية، عمق فيها الشراكة بين الجانبين ولا سيما مع السعودية، إلا أن المنظومة الخليجية لا تزال ترى في تنويع خياراتها الاقتصادية أفضل من الارتهان إلى أي محور دولي مهما كان مؤثراً.

حول القيمة الاستراتيجية التي تشكلها المنظمة التي انتمت إليها السعودية قبل نحو عامين، فإن مجلة "آسيان ريفيو" الصادرة عن التكتل، توضح أن المنطقة "تعد منتجاً ومصدراً رئيساً لمختلف المنتجات الكهربائية والإلكترونية، وأنها أكبر مصدر في العالم للدوائر الإلكترونية المتكاملة وتخزين بيانات الكمبيوتر وأجهزة الهاتف، وفي الزراعة تعد منتجاً رئيساً لزيت النخيل والمطاط والمحاصيل الزراعية الأخرى، وأكبر مصدر في العالم للرز".

وتزدهر في المجموعة صناعة السيارات، بحسب المجلة، فهي كما تقول "أكبر منتج ومصدر لشاحنات بيك آب في العالم، ومنتج رئيس لبعض طرازات السيارات، وفيها عدد من شركات السيارات العالمية وكبرى شركات تصنيع قطع غيار ومكونات السيارات، ومصانع النسيج وغيرها".

خيال أميركا يطارد حضور بكين

حضور الصين في القمة الثلاثية يعزز التعاون متعدد الأطراف، إذ شارك رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى كوالالمبور لحضور القمة، مما يعكس اهتمام بكين بتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المنطقتين. أشار خبراء إلى أن الصين تلعب دوراً محورياً في ربط أسواق "آسيان" والخليج عبر مبادرة الحزام والطريق، مما يوفر فرصاً لتطوير البنية التحتية والتجارة.

في غضون ذلك أشار أنور إبراهيم إلى أن "الاقتصاد الخليجي يعد الأسرع نمواً، بفضل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي".

ويعتبر الباحث السعودي محمد الصادق المتخصص في الشأن الصيني، في تعليقه على القمة لـ"اندبندنت عربية"، أن المناخ العالمي الحالي الذي عقدت فيه قمة "آسيان" ودول الخليج والصين في ماليزيا، يجعل بكين تنظر إليها "بعيون شاخصة".

وفسر ذلك بأن الصين تربطها علاقات استراتيجية مع الطرفين، فهي من جهة تربطها علاقات تجارية متينة مع دول "آسيان" منذ 34 عاماً، وهي أيضاً شريكة استراتيجية لهذه المنظمة بموجب شراكة استراتيجية شاملة منذ عام 2021. كما عقد الصين القمة الأولى بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في ديسمبر (كانون الأول) 2022 في العاصمة الرياض، إذ اعتمد الجانبان خطة عمل للحوار الاستراتيجي للفترة بين 2023-2027، كما تجدر الإشارة، لكون العام المقبل ستقام النسخة الثانية من هذا اللقاء في العاصمة بكين.

وأضاف "عليه فنحن أمام تحول استراتيجي في العلاقة بين دول الخليج العربي وبين الصين، خصوصاً المملكة العربية السعودية التي تربطها شراكة اقتصادية استراتيجية معها، فقد تخطى حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز 100 مليار دولار في عام 2023. كما تعد الصين المستورد الأكبر لنفط المملكة، إذ تصدر المملكة 1.8 مليون برميل يومياً، أي ما يربو على 50 مليون برميل من النفط الخام إلى الصين شهرياً، وبلغ حجم صادرات الصين إلى المملكة العربية السعودية 167.2 مليار دولار في عام 2023".

25 في المئة من سكان العالم

تلك المؤشرات هي التي جعلته يرى بكين تنظر اليوم لهذا الاجتماع بعيون شاخصة نحو "واقع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً، وواقع دول آسيان ودول مجلس التعاون والصين خصوصاً، فهي ترى أن هذه فرصة للتأثير في طبيعة الشراكات التجارية الدولية، التي قد تشكلها من خلال هذا الاجتماع مع مجموعة من الدول تمثل 28 في المئة من إجمالي التجارة العالمية، وعدد سكان يبلغ أكثر من ملياري نسمة أي ما يزيد على 25 في المئة من سكان العالم، وهي توفر أسواقاً ضخمة وإمكانات نمو واعدة، بما يسمح لها من توقيع اتفاق تجاري محسن مع هؤلاء، وتقليل الحواجز التجارية بين الأعضاء وبينها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظل صعود جماعي للجنوب العالمي، بحسب القراءة الصينية، فإن هذا الباحث الصادق يشرح رؤية بكين بأنها تؤمن بأن "التعاون الجديد قد ينشأ عنه كتلة جديدة ذات نفوذ كبير وتأثير كبير في الاقتصاد العالمي، لا يكون الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة هم الطرف المهيمن على قرارته الاقتصادية، خصوصاً وأن دول آسيان تعتبر من الدول الأكثر تضرراً من ’حرب الرسوم الجمركية‘ الأميركية التي قد تصل إلى 49 في المئة على الدول الأعضاء، مما قد يتسبب باهتزازات اقتصادية واجتماعية في هذه الدول، إذا ما طبقت عليها، ومن مصلحة هذه الدول اليوم البحث لنفسها عن ملجأ آمن جديد، وحكومة بكين لن تمانع أن تلعب هذا الدور في هذه البيئة وهذا الظرف".

 وترى مجموعة "جي بي مورغان" المالية أن التكتل الآسيوي لا يزال يحتفظ بحيويته على رغم تراجع قفزاته الرائجة في العقدين الماضيين، وإن كانت التحديات هي الأخرى لم تزل قائمة، "فمع ازدياد عدد السكان والزخم الاقتصادي الإيجابي، لا يزال جنوب شرقي آسيا يواجه تحديات في إنشاء اتحاد اقتصادي سياسي مترابط عبر دول آسيان الـ10، فعلى سبيل المثال لا توجد عملة مشتركة ولا حدود مفتوحة كما الحال في الاتحاد الأوروبي".

ويرى محللو المجموعة الرائدة أن "محافظة كل بلد على لوائح مالية خاصة به من شأنها أن تعقد حركة الأموال، فبينما تتسم لوائح سنغافورة بالمرونة، تخضع فيتنام لرقابة شديدة، وبينهما تأتي كل من إندونيسيا وماليزيا والفيليبين وتايلاند في منطقة وسط".

"سوق غير مستغلة"

أما لماذا هي منطقة واعدة، فإن تقرير "جي بي مورغان" في يونيو (حزيران) الماضي عن التكتل أشار إلى أن عمل دول "آسيان" على دمج اقتصاداتها في بعضها وجذب الاستثمار الأجنبي من خلال منظمتها، نجح في "دفع النمو السريع في بلدانها من خلال مؤشرات عدة، أبرزها الزيادة السكانية السريعة والتحول العالمي نحو تنويع سلاسل التوريد"، فينظر إليها على أنها "سوق استهلاكية غير مستغلة"، طبقاً لما نقلت المجموعة عن المنتدى الاقتصادي العالمي حول المنطقة الذي أكد أنه بحلول 2030 ستكون "واحدة من كل ست أسر مستهلكة على مستوى العالم، هناك في جنوب شرقي آسيا".

ووصف أنور في ترحيبه بالزعماء الحضور المناسبة بأنها "لقاء عقول لأشخاص يريدون تطوير بلدانهم، ويؤمنون بالاستقلال والحقوق والديمقراطية ويريدون تعزيز التجارة وزيادة الاستثمارات"، ملتفتاً إلى رئيس مجلس الدولة في الصين لي تشيانغ، بحسب ما نقلت الصحافة الماليزية، قائلاً "أرجو أن تطمئن (بأن) رابطة دول جنوب شرقي آسيا موجودة هنا كصديق للصين، ويجب أن تستمر هذه الشراكة في البناء على الثقة المتبادلة"، في إشارة إلى طمأنة هواجس بكين نحو التكتل، الذي يراهن الغرب على تعويضه الصين ولو جزئياً.

  مواقف ترمب فرصة لمن؟

لكن الباحث الصادق في حديثه مع "اندبندنت عربية" يشير إلى أن ذلك لا يعني أن الصين لا تزال تمارس النفوذ الخشن على جيرانها طبقاً لأيدولوجيتها الحادة قبل عقود، "فينظر كثير من المراقبين إلى السياسة الصينية الخارجية من منظور إيديولوجي صرف. بمعنى أن هذه الدولة القائمة على نظام الحزب الواحد لابد لها بالضرورة أن تكون في حالة تضاد مع النظم التي لا تشبهها، الآن وعلى رغم اكتساب تلك القراءة لوجاهة جزئية، إلا أنها لا تعكس حقيقة التغير الكبير الذي حدث للسياسية الخارجية الصينية منذ عهد دينغ شياو بينغ، القائم على تقديم المصالح الاقتصادية على ما عداها".

بيد أنه استدرك بأنه على رغم ذلك فإن الصين ما زالت تحافظ على "أركان رئيسة في سرديتها الأيديولوجية للصراع مع الغرب، ومن ضمن تلك السردية ضرورة تعاون وتوحد ما تطلق عليه ’دول الجنوب العالمي‘ في وجه دول الشمال الاستعماري، لا سيما وهي تنظر إلى العالم اليوم نظرة تفاؤلية، في ما يتعلق بمكانتها ودورها الحالي والمستقبلي".

في التقييم الاستراتيجي الصيني للقوى العالمية، وفق الكاتب، تنظر الصين لكون البيئة الدولية الحالية تشكل لها فرصة هائلة للبروز كقوة عظمى، كما تشكل أمامها تحديات، لكنها تجد فرصتها أكبر في ظل ما يحدث داخل الولايات المتحدة مع قدوم الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وإطلاقه "حرب الرسوم الجمركية" على العالم، فيما سماه "يوم التحرير"، وهو تحول إن جرى بالشكل والصورة التي تقرأها الصين، فإنه سيسهم في تحويل الولايات المتحدة من دولة رائدة في الشراكات الاستراتيجية وقائدة للعالم في الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا، إلى دولة متقوقعة على ذاتها، تفتش عن سياسات حمائية آحادية الجانب، تطلق عليها الصين "عقيدة الغاب"، لكونها تحرص على تحقيق الفائدة لطرف واحد هو الولايات المتحدة الأميركية، التي تسعى إلى فرض هيمنتها على العالم من دون الاكتراث لمصالح الآخرين.

 
 
 
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير