ملخص
لم يصدر أي تعليق على هذا الحدث الضخم من (ناسا) في حين أن شركات من قطاع الفضاء الخاص الأميركي أعلنت المشاركة بالحدث من خلال التقدم بعطاءات لتنفيذ أجزاء من تلك المهمة.
لم يسبق أن شجع علماء الفلك قديماً وحديثاً على عسكرة الفضاء، لذلك من الواضح أن مشروع "القبة الذهبية" الأميركية ما هو إلا مشروع له إدارة عسكرية حصرية بالكامل، بمعنى أنه لن يكون مدعوماً بقوة من النخب البارزة من علماء الفلك الأميركيين، إذ يرى كثير من هؤلاء أن موازنة المشروع الضخمة قلصت بالفعل موازنة البحث العلمي لوكالة الفضاء الحكومية الأميركية "ناسا" إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.
ووفق معطيات البحث حتى هذه اللحظة فإنه لا توجد علاقة مباشرة بين جهود علوم الفضاء الرسمية التي تقودها "ناسا" في سبيل التقدم العلمي للبشرية ومشروع القبة الذهبية بوصفه سلاحاً عسكرياً يحلم به الساسة البارزون وبعض زعماء أميركا الذين كان من أشهرهم رونالد ريغان صاحب حلم "حرب النجوم" في الثمانينيات.
فكرة خيالية
وترى مواقع علمية متخصصة أن مشروع ترمب الدفاعي "القبة الذهبية" قد يحفز سباق تسلح فضائي لا أكثر، فاقتراح الرئيس الأميركي نظاماً دفاعياً يتضمن صواريخ اعتراضية في الفضاء ما هو، وفق علماء الفلك، إلا فكرة خيالية ستكلف مئات المليارات من الدولارات، وقد تسرع من تسليح الفضاء.
وفي حين أنه لا تزال القيادة العلمية لمشروع "القبة الذهبية" غير معروفة، إلا أن القيادة العسكرية أخذت تتضح شيئاً فشيئاً. وإلى الآن لم يصدر أي تعليق بارز على هذا الحدث الضخم المتعلق مباشرة بشؤون الفضاء من وكالة الفضاء الأميركية الحكومية "ناسا"، في حين أن شركات من قطاع الفضاء الخاص الأميركي أعلنت المشاركة بالحدث من خلال التقدم بعطاءات لتنفيذ أجزاء من تلك المهمة، وكان على رأس تلك الشركات "سبيس إكس" المملوكة لرجل الأعمال إيلون ماسك.
عصر جديد من أسلحة الفضاء
مع إعلان الرئيس الأميركي عن مشروع "القبة الذهبية"، أكدت وسائل إعلام كبرى أنه بات من الواضح أن هناك نية أميركية غير مخفية لإطلاق عصر جديد من الأسلحة الفضائية ضمن محاولات حثيثة لإحياء زمن حرب النجوم في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي وتحديداً في زمن زعامة الرئيس الـ40 للولايات المتحدة رونالد ريغان، إذ يعود السؤال الأخلاقي والعلمي حول عسكرة الفضاء إلى الواجهة من جديد، خصوصاً في ظل الواقع الراهن الذي سعت فيه الصين وروسيا كقوتين عالميتين في هذا المجال إلى استثمار أسلحة الفضاء في العمل العسكري للجيوش.
الجانب التقني
لكن الجانب التقني الذي تقدمت فيه الولايات المتحدة على جميع قوى الفضاء العالمية سيحسم الصراع الحالي لمصلحة مشروع القبة الذهبية، وذلك تزامناً مع صعود قطاع الفضاء الخاص بقيادة رجل الأعمال والمستثمر العالمي في مجال الفضاء إيلون ماسك مالك شركة "سبيس إكس" وشركات رائدة أخرى في مجال الاتصالات منها "ستار لينك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق أكدت مجموعة من الخبراء على مواقع علمية متخصصة أنه قد لا يكون نظام الاعتراض الشامل هذا ممكناً. كما حذر بعض الخبراء من أنه حتى لو نجح، سيستغرق بناء القبة الذهبية عقداً من الزمن في الأقل، وسيكلف أكثر من نصف تريليون دولار، وسيسرع من سباق التسلح النووي العالمي وتسليح الفضاء. متسائلين تحديداً عن سلاح الفضاء الروسي: هل هو نووي، وهل يشكل تهديداً لأميركا بالفعل؟
تعليقات "نيو ساينتست"
لكشف واعتراض التهديدات، ستستخدم "القبة الذهبية" كلاً من أجهزة استشعار فضائية وأنظمة دفاع جوي وصاروخي. ويشير ديفيد بورباخ من كلية الحرب البحرية في رود آيلاند، الذي شارك بعض التعليقات مع مجلة "نيو ساينتست" بصفته الشخصية، إلى أن هذا يعني نظاماً شاملاً من "القباب الذهبية" بتقنيات مختلفة لمواجهة مختلف التهديدات. ومع ذلك لا توجد لدى الولايات المتحدة الأميركية حالياً جميع هذه الدفاعات. فعلى سبيل المثال، يفترض أن تستخدم القبة الذهبية صواريخ اعتراضية فضائية في مدار أرضي منخفض، وهو إنجاز تكنولوجي غير مسبوق لم يعرض من قبل، كما يقول توماس غونزاليس روبرتس من معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا.
ما هي القبة الذهبية؟
اسم المشروع مستوحى من نظام القبة الحديدية الإسرائيلي، الذي يستخدم صواريخ أرضية لاعتراض الصواريخ والمدفعية القادمة من مسافات قصيرة نسبياً، لكن القبة الذهبية ستحتاج إلى الدفاع عن مساحة أكبر بكثير، فمساحة أراضي الولايات المتحدة المتجاورة تزيد 350 ضعفاً على مساحة إسرائيل.
ووفقاً لترمب ومسؤوليه، فمن المفترض أن يكون النظام قادراً على مواجهة الصواريخ الباليستية التي يمكن إطلاقها من الجانب الآخر من العالم، وصواريخ كروز المتطورة التي تحلق في مسارات أكثر تسطحاً على ارتفاعات منخفضة، والصواريخ الأسرع من الصوت التي يمكنها الطيران والمناورة بسرعات تتجاوز "5 ماخ"، أي خمسة أضعاف سرعة الصوت. علماً أنه يمكن لهذه الصواريخ حمل رؤوس حربية نووية أو رؤوس حربية متفجرة تقليدية.
كيف ستعمل القبة الأميركية؟
يصف خبراء الدفاع الصاروخي تحدي اعتراض الصواريخ النووية بعيدة المدى بأنه أشبه بـضرب رصاصة برصاصة في الظلام! لأن الأهداف صغيرة، ولا تصدر أي إشارات لاسلكية أو أشعة تحت الحمراء، وسريعة الحركة، كما يقول بورباخ، فحتى الخبراء التقنيون المتفائلون يقرون بأن الاعتراض بنسبة 100 في المئة غير مرجح. فالتحدي الحقيقي سيكون في هدف "القبة الذهبية" المتمثل في إيقاف أعداد كبيرة من الصواريخ العابرة للقارات، مثل هجوم من الصين أو روسيا.
ويقول روبرتس، إن ادعاء ترمب بأن "القبة الذهبية" ستدافع ضد الهجمات الصاروخية من الجانب الآخر من العالم أو حتى من الفضاء يعني أنها ستتطلب كوكبة كثيفة من صواريخ اعتراضية فضائية تدور على الأرجح في مدارات منخفضة حول الأرض، التي يمكنها إخراج الصاروخ من مداره وضربه في غضون دقائق من إطلاقه من أي مكان. ويضيف "عدد الأقمار الاصطناعية المطلوبة أكبر من أي كوكبة أطلقت على الإطلاق". علماً أنه وفي وقتنا الراهن حالياً، تتكون أكبر كوكبة أقمار اصطناعية من نحو 7 آلاف قمر اصطناعي من "ستارلينك" وتشغلها "سبيس إكس".
الكلفة المالية
قد يبدو السؤال عن الكلفة المالية الهائلة لهذا المشروع أمراً لا يذكر أمام أهميته الاستراتيجية وتفصيلاته التقنية والفنية، لكنه سؤال يؤرق كثيراً من المواطنين ونخبة من العلماء الأميركيين بشدة، نظراً إلى كونه يحد من موازنة البحث العلمي في مجال الفضاء بصورة كبيرة، فالكلفة المادية تصل إلى 175 مليار دولار.
يمكن القول، إن علم الفلك وجميع مشاريع الفضاء الأميركية ستذهب في عهد ترمب نحو آفاق عملية وتقنية أكثر من كونها بحثية وعلمية. وهذا الاتجاه الجديد لعلم الفلك يفرض معادلة جديدة للفضاء هي "معادلة البدء بمضاعفة الجهود لحماية الوطن" وذلك وفقاً لما صرح به الجنرال مايكل غيتلين، نائب رئيس عمليات الفضاء في قوة الفضاء الأميركية، الذي سيقود البرنامج. وبذلك يكون علم الفلك قد أصبح مسخراً بالكامل من أجل هدف عسكري وحيد وهو حماية الأراضي الأميركية.
صمت المواقع العلمية
من المثير للجدل فعلاً الصمت الذي تحلت به معظم المواقع العلمية الكبرى المتخصصة في مجال الفضاء. وكأن تلك المواقع جميعها تريد أن تقول إنها لا تزال متحفظة على مشروع "القبة الذهبية" بوصفه مشروعاً عسكرياً بحتاً، إذ كتب بريت تينغلي وهو مدير تحرير موقع "Space.com" الذي يهتم بتقنيات الفضاء الناشئة، ومفاهيم الإطلاق البديلة، وتطورات الفضاء العسكرية، وأنظمة الطائرات من دون طيار، مقالة مطولة بين فيها دور المشروع في عسكرة الفضاء. وقال تينغلي "أطلقت وسائل الإعلام على برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي في زمن الرئيس ريغان لقب (حرب النجوم) نظراً إلى غرابته آنذاك، لكن ذلك كان قبل أن يصبح مدار الأرض مأهولاً بالسلاح، وتنخفض كلف الإطلاق بصورة كبيرة بفضل تكنولوجيا الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام.