Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجمعيات الشهرية "ملاذ شعبي" للهرب من قبضة بنوك الأردن

اقتصاد ظل اجتماعي مبني على الثقة والحاجة المالية الملحة لذوي الدخل المحدود لكنه يحمل بعض الأخطار

يجري التعامل مع أي اتفاق شفهي أو مكتوب بين أطراف الجمعية الشهرية كـ"عقد" غير موثق (رويترز)

ملخص

تشير بيانات البنك المركزي الأردني إلى أن أكثر من 50 في المئة من النساء لا يتعاملن مع البنوك لأسباب عدة، وهو ما يفسر لجوءهن إلى "الجمعية" كملاذ مالي.

في الأحياء الشعبية الأردنية، وعلى شاشات الهواتف التي لا تهدأ عبر مجموعات "واتساب" العائلية والنسائية، يدور اقتصاد خفي نابض بالحياة، يعرف بين الأردنيين بـ"الجمعيات الشهرية"، ويشكل ملاذاً لكثيرين ويحفظ ماء وجههم.

منذ أعوام تحول هذا النوع من الممارسة المالية الجماعية إلى أداة اقتصادية شعبية وآلية تمويل بديلة للفئات المهمشة، تعزز روح التكافل وتعيد تعريف مفاهيم الائتمان والضمان خارج الأطر المؤسسية، بعيداً من المصارف والقروض، وتعكس دينامية مجتمعية متوارثة تتحدى منطق الربح والفائدة، وتتجاوزه إلى تحقيق آمال وطموحات معظم من يعانون تفاقم الضغوط الاقتصادية.

ويرى مراقبون أن مثل هذه الجمعيات بمثابة رئة تنفس مالي لشرائح واسعة من المجتمع الأردني، لكنها تعكس في الوقت ذاته فشل المؤسسات في تقديم بدائل آمنة وميسرة.

اقتصاد الثقة

تقوم فكرة "الجمعية" على التكافل المالي بين مجموعة من الأفراد، وتنتشر بين النساء بصورة أكبر، ويلتزم كل منهم بدفع مبلغ مالي شهري أو دوري بصورة متساوية ليحصل عليه أحد أفراد المجموعة في كل دورة. وتدار الجمعية غالباً من فرد موثوق من دون أي أوراق رسمية أو عقود قانونية، وبثقة تامة بين المشاركين تلزمهم بالسداد.

ويقول مراقبون إن هذه الجمعيات فكرة قديمة لكنها لم تأت من فراغ، بل من فجوة مالية مؤسسية، سببها رفض البنوك وشركات التمويل منح القروض البسيطة من دون ضمانات أو فوائد كبيرة. في حين تلبي هذه الجمعيات الحاجات الآنية، وتأتي كحل مباشر وعملي لعدد من المتطلبات الاقتصادية، كتمويل شراء مستلزمات عاجلة وضرورية.

 

 

لكن آخرين يعتقدون أن مثل هذه الجمعيات على بساطة فكرتها قد تتحول إلى عبء مالي، كونها تفتقد لشبكة أمان أو تدخل خارجي لحل النزاع، في حال انهيارها وتحولها من أداة ادخار إلى دوامة ديون.

وعلى رغم أنها تقوم على الثقة والالتزام الأخلاقي، فإنها ليست محصنة من النزاعات، في ظل غياب أي إطار قانوني رسمي ينظمها. ويقول محامون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، إن بعضاً منهم يلجأ إلى الحلول العشائرية أو الاجتماعية، وفي حالات نادرة يجري رفع دعاوى قضائية فردية بسبب عدم السداد، على رغم ما يواجهه هذا الخيار من صعوبات قانونية في إثبات الحقوق، نظراً إلى عدم وجود عقود رسمية أو مستندات قانونية موثقة، إذ لا توجد مادة محددة في القانون الأردني لتنظيم هذا النوع من الترتيبات المالية.

ويشير أحد المحامين إلى أنه يجري التعامل مع أي اتفاق شفهي أو مكتوب بين أطراف الجمعية كـ"عقد" غير موثق، ويحتاج إلى إثبات الطرف المتضرر.

بديل للبنوك والقروض

وفقاً لإحصاءات رسمية فإن عدداً من الأردنيين بخاصة النساء والشباب، لا يمتلكون حسابات بنكية. وتشير بيانات البنك المركزي الأردني إلى أن أكثر من 50 في المئة من النساء لا يتعاملن مع البنوك، لأسباب تتعلق بعدم الثقة، أو بعدم كفاية الدخل، أو بطبيعة الالتزامات الاجتماعية، وهو ما يفسر لجوء النساء بخاصة غير العاملات إلى "الجمعية" كملاذ مالي، كما أن 26.6 في المئة فقط من النساء في الأردن لديهن حسابات مصرفية.

 يصنف قانونيون فكرة "الجمعيات" كونها غير خاضعة لأية رقابة رسمية بأنها في المنطقة الرمادية ما بين النشاط الاجتماعي والمؤسسة المالية، ويدعو بعضهم إلى تطوير هذه الظاهرة بحيث تصبح صناديق ادخار جماعية مرخصة.

وتشير بيانات حديثة إلى ارتفاع نسبة القروض الصغيرة في الأردن وغياب البدائل الادخارية الرسمية، مما يبرز أهمية الجمعيات المالية الشهرية كبديل شعبي.

وبلغ عدد المقترضين من شركات التمويل الأصغر في عام 2023 نحو 446 ألف مقترض، بزيادة 1.13 في المئة عن عام 2022، أما إجمال محفظة القروض الصغيرة فوصل إلى نحو 400 مليون دولار.

في حين بلغ متوسط قيمة القروض عام 2024 ما يقارب ألف دولار، مما يشير إلى سبب اللجوء للجماعيات الشهرية التي توفر مثل هذه المبالغ المتواضعة.

وأظهرت دراسات ميدانية عديدة، من بينها دراسة البنك الدولي والأردني للتمويل الأصغر عام 2019، أن نحو 60 في المئة من الأسر الأردنية تعتمد على الجمعيات الشهرية كمصدر رئيس للتمويل والادخار. كما أكد 72 في المئة من المشاركين في الدراسة أن الجمعيات تقدم حلولاً أسهل وأسرع من البنوك، بخاصة في المناطق الريفية والأحياء الشعبية.

وفي بحث ميداني أجري عام 2021 شمل مدينة الزرقاء، ثاني أكبر مدينة سكانياً بعد العاصمة عمان وإحدى أفقر المدن الأردنية، أن نسبة كبيرة من النساء في المناطق الشعبية تعتمد على الجمعيات كوسيلة ادخار وتمويل، لأنهن يواجهن صعوبات في الحصول على خدمات مصرفية.

اقتصاد الظل الاجتماعي

يعتقد مراقبون ومختصون أن هذه الجمعيات في جوهرها ليست مجرد أداة مالية، بل هي انعكاس لواقع اجتماعي اقتصادي معقد.

وينبه المحلل المالي عدلي قندح إلى أنه وفي ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة، مثل ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستويات الدخل، يلجأ عدد من الأسر الأردنية إلى الجمعيات المالية الشهرية كوسيلة للتوفير والتمويل، هذه الجمعيات تعتمد على الثقة المتبادلة بين الأعضاء، وتوفر بديلاً فعالاً عن القروض البنكية التي قد تكون غير متاحة أو مكلفة لبعضهم. ويضيف قندح أن هذه الجمعيات تسهم في تعزيز الشمول المالي، خصوصاً في المناطق التي تعاني نقص الخدمات المصرفية، وتلعب دوراً مهماً في دعم الاقتصاد الاجتماعي من خلال تمكين الأفراد من تحقيق أهدافهم المالية بطريقة تعاونية. كما يشير إلى أنها تعكس روح التضامن والتكافل في المجتمع الأردني، وتظهر قدرة الأفراد على تنظيم أنفسهم لمواجهة التحديات الاقتصادية بصورة جماعية، وتعزيز الاستقرار المالي للأفراد والأسر.

جمعيات رقمية

يقول مراقبون اقتصاديون إن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل تعود جذورها لعقود مضت، حين لجأت المجتمعات الريفية إلى ما يعرف بالتمويل التعاوني.

وعلى رغم التطور التكنولوجي وتوسع خدمات القطاع المالي، لا تزال هذه الأداة الشعبية صامدة بقوة، وتتخذ أشكالاً جديدة عبر تطبيقات المراسلة، كتعبير عميق عن غياب البدائل الملائمة للفئات محدودة الدخل.

على منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" وغيره تنتشر إعلانات تدعو إلى المشاركة في جمعيات مالية شهرية وأسبوعية تصل قيمة بعضها إلى نحو 6 آلاف دولار، في حين ابتكر أحد البنوك تطبيقاً أشبه بنظام الادخار الجماعي على شاكلة "الجمعية الشهرية".

ولا يتوقف الأمر عن هذا الحد، إذ تتوفر عدد من المنصات الإلكترونية التي تسهل إنشاء وإدارة الجمعيات الشهرية المالية، بحيث تقدم حلولاً بديلة لعملية تنظيم الجمعيات بصورة تقليدية، وتتيح هذه المنصات الشفافية وتقليل أخطار الغش أو سوء الإدارة، وتوثيق جميع المعاملات بمرونة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في المقابل فتحت هذه الجمعيات الرقمية الباب واسعاً أمام الاحتيال المالي، إذ سجلت حالات متعددة عبر مجموعات وهمية على "واتساب" و"فيسبوك"، قبل أن تختفي الجهات المنظمة من دون أية وسيلة لاسترداد المال.

ففي عام 2022، ووفق تقارير محلية جمعت سيدة تدير جمعية نسائية رقمية عبر "فيسبوك" مبالغ مالية من عشرات النساء، ثم أغلقت حسابها وتوارت عن الأنظار.

ولا توجد جهة رقابية رسمية تشرف على الجمعيات المالية الرقمية، كونها خارج نطاق البنك المركزي الأردني أو هيئة الأوراق المالية.

دعم اجتماعي

يتحدث أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي عن وجود نحو 4 ملايين أردني تحت خط الفقر، ويضيف أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تخيم على غالبية الشعب الأردني، لا سيما وأن 75 في المئة منهم من المتقاعدين والموظفين ذوي الدخل المتواضع. وهنا يشير الخزاعي إلى ظاهرة جمعيات زملاء العمل لسد الحاجة، وأن تكليف المرأة بمتابعة وتنظيم أمور الجمعية يكفل نجاحها أكثر من الشباب، مرجعاً ذلك إلى عنصر الالتزام، خصوصاً أن السيولة المشتركة هنا لها محددات اجتماعية، وهي الظروف الاقتصادية المتشابهة.

ويرى مراقبون أن نجاح هذه الظاهرة يعود لما يتمتع به المجتمع الأردني من روح العائلة والتكافل، مما يجعل من الجمعيات المالية الشهرية شبكات دعم اجتماعي فاعلة، تعزز الترابط بين الأفراد وتمنحهم شعوراً بالاستقرار والأمان المالي.

بدورها أصدرت دائرة الإفتاء في عام 2024 بياناً يوضح الحكم الشرعي لجمعيات الموظفين، وحتى الجيران والأقارب المنتشرة بين الناس، بعدما ثار الجدل حولها، مؤكدة أنها جائزة لأنها تقوم على جمع مبلغ من المال من جميع المساهمين، ثم دفعه لأحدهم بصورة دورية، ولأن هدفها التضامن والتعاون وليس على سبيل القرض.

وعلى رغم عدم وجود أرقام دقيقة حول حجم "الجمعيات المالية" في الأردن، صنف تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2021 المملكة كدولة بها مستوى مرتفع من النشاط الاقتصادي غير الرسمي، وتشكل هذه الجمعيات جزءاً من هذا النشاط.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير