Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

50 دقيقة في الرياض أنصف من خلالها ترمب الشعوب العربية

قال الرئيس الأميركي إن المنطقة تحقق الأفضل عندما تدير شؤونها بنفسها، مستنكراً محاولات أسلافه في إلقاء المواعظ وفرض القيم

الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء خطابه في الرياض (أ ف ب)

ملخص

جاء خطاب دونالد ترمب الموجه للشرق الأوسط من الرياض مليئاً بتصريحات اعتبرها أميركيون وعرب "شُجاعة"، كونها تعترف بعواقب ما وصفها بـ "التدخلات الغربية"

دونالد ترمب شخصية مثيرة للاستقطاب في العالم العربي، كما هو الحال في الولايات المتحدة، لكنه عندما اعتلى المنصة في الرياض وتحدث لنحو 50 دقيقة، حمل خطابه رسائل سياسية من أهمها التنديد بإرث قاسٍ من المحاولات الأميركية للتأثير في أسلوب حياة شعوب منطقة الشرق الأوسط، أو التدخل العسكري أو الناعم لتغيير أنظمتها، ملقياً اللوم على سياسات أسلافه.

تأييد أميركي وعربي؟

العالم كله منقسم حول الرئيس ترمب ويشمل ذلك شرائح عربية، فهناك من يرى أن بعض تصريحاته كتلك عن شراء كندا وغرينلاند أو تملّك غزة لا تنم عن حساسية تجاه أهلها. ومع ذلك جاء خطابه للشرق الأوسط من الرياض مليئاً بتصريحات اعتبرها أميركيون وعرب "شُجاعة"، كونها تعترف بعواقب ما وصفها بـ "التدخلات الغربية".

أوضح الرئيس الأميركي بأنه لم يأت ليلقي المواعظ، فالمنطقة تحقق الأفضل عندما تترك لتدير شؤونها، مستشهداً بالنموذج الخليجي. وقال صراحة إن "هذا التحول الهائل لم يكن ثمرة ضوضاء التدخلات الغربية أو الأشخاص الذين يأتون بطائرات فاخرة لإلقاء المحاضرات عن كيفية إدارة شؤونكم"، مضيفاً أن "من يسمون أنفسهم صناع الأمم دمروا أكثر مما بنوا، وكان التدخل في مجتمعات معقدة لم يفهموها أصلاً عملاً كارثياً".

يقول المسؤول السابق في الـ "بنتاغون" بلال صعب إنه "يمكنك أن تبغض ترمب أو سياساته، لكن لا بد من أن تعترف بأن كلمته في الرياض أعمق وأكثر الخطب تأثيراً وإثارة للتفكير من أي رئيس أميركي عن الشرق الأوسط"، وكتب أن "الأمر يتطلب شجاعة سياسية ورؤية إستراتيجية واضحة، كي يقول رئيس أميركي إن السياسات الغربية في بناء الدول وإلقاء المحاضرات على شعوب المنطقة لم تجلب لهم سوى الدمار".

وحظيت كلمة ترمب بتأييد شخصيات أميركية بارزة مثل السيناتور الجمهوري راند بول الذي قال "ما كنت لأعبر عن ذلك بصورة أفضل، فالمحافظون الجدد لم يعرفوا حرباً إلا وأحبوها، والشعب الأميركي لا يزال يدفع الثمن". أما المحلل السابق في الاستخبارات الوطنية، بيري فيلووك، فقال إن "الرئيس ترمب وجه من الرياض ضربة قاصمة لدعاة التدخلات والمحافظين الجدد".

تعزيز المصالح لا فرض القيم

لم يأتِ استنكار الرئيس الأميركي محاولات أسلافه ونظرائه الغربيين في إلقاء المواعظ على دول المنطقة في سياق الصفقات الضخمة المعلنة أخيراً، فقد عبر عن ذلك بوضوح قبل ثمانية أعوام خلال خطابه الأول في الرياض عندما قال لقادة 50 دولة عربية وإسلامية إن إدارته لن تفرض قيمها على شعوبهم أو تتدخل في شؤون دينهم.

وبينما قد يقول البعض إن ترمب يسعى وراء الصفقات، وإنه مستعد لقول أو فعل أي شيء لتحقيق هدفه، إلا أن ذلك لا يبدو أنه يأتي على حساب مصالح حلفائه الخليجيين، فالدعوة إلى إطلاق العنان لتعاون أوسع صدرت من دول الخليج نفسها، ولا سيما في المجالات التقنية والاستراتيجية، غير أن هذه المساعي اصطدمت خلال الأعوام الماضية بسياسات إدارة الرئيس السابق جو بايدن التي كثيراً ما وُصفت من قبل خبراء ومسؤولين أميركيين سابقين بأنها "تميل لتقريب الخصوم وإبعاد الحلفاء".

ومن أبرز الأمثلة على هذا التباين أن السعودية والإمارات تسعيان بقوة إلى تطوير مشاريع طموحة في مجال الذكاء الاصطناعي، تعتمد في جوهرها على الحصول على أشباه الموصلات التي تدخل في صناعات كثيرة ترغب دول الخليج في تعزيزها محلياً، لكن إدارة بايدن فرضت قيوداً صارمة على بيع الرقائق لهذه الدول مما دفعها نحو البحث عن بدائل، قبل أن يلغي ترمب هذه القيود فاتحاً الباب أمام استثمارات ضخمة.

الطريقة العربية جميلة أيضاً

ولم تكن كلمة ترمب متمحورة حول دول الخليج وحسب، بل تطرقت إلى سوريا التي قال إنها "عانت ويلات الحروب وتستحق فرصة للنهوض"، معلناً رفع العقوبات عنها، وهو قرار لاقى ترحيباً عربياً واسعاً، وفُوجئ ترمب نفسه بموجة من التصفيق الحار.

واستشهد الرئيس الأميركي بكابول وبغداد لتسليط الضوء على ما اعتبره فشلاً ذريعاً للتدخلات الغربية، ففي أفغانستان أنهت الولايات المتحدة أطول حروبها تاركة السلطة بيد الحركة التي حاربتها. وفي العراق الذي يخطو اليوم نحو التعافي، تدخلت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لبناء حكم ديمقراطي فتركته ممزقاً بين التجاذبات الطائفية والنفوذ الإيراني.

وقال ترمب إن "الروائع المتلألئة في الرياض وأبوظبي لم يصنعها من يسمون بنائيّ الأمم ولا المحافظون الجدد ولا المنظمات غير الربحية الليبرالية التي أنفقت تريليونات الدولارات وفشلت في بناء كابول وبغداد ومدن أخرى كثيرة، بل إن ولادة شرق أوسط حديث ثمرة جهود شعوب هذه المنطقة نفسها.، فالشعوب التي عاشت هنا طوال حياتها وبنت دولها ذات السيادة، سعت إلى تحقيق رؤاها الفريدة ورسمت مصيرها بطريقتها الخاصة".

وشدد الرئيس الأميركي على أن كل دولة تخطو نحو المستقبل بالأسلوب الذي يناسبها، مشيراً إلى "الطريقة العربية"، وقال مخاطباً الحاضرين في منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي إن "السلام والازدهار والتقدم لم يأت من رفضكم الجذري لإرثكم، بل من احتضان تقاليدكم الوطنية والتشبث بذلك الإرث الذي تحبونه بعمق، لقد حققتم معجزة حديثة بطريقتكم العربية".

إيران وعبارة ترمب "المدوية"

وحتى عندما تحدث ترمب عن إيران فقد ترك الأبواب مفتوحة نحو المصالحة، بل إن الكاتب في "واشنطن بوست" ديفيد إغانتيوس قال إن ترمب لمّح إلى إمكان "إنهاء الصراع غير المعلن بين الولايات المتحدة وإيران منذ 46 عاماً"، إذ حضرت إيران في كلمة ترمب 19 مرة في سياقات مختلفة، مثل دورها في عدم الاستقرار في اليمن وسوريا ولبنان وغزة والعراق، لكن في إحدى المواضع قال إن "أميركا لا تملك أعداء دائمين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستوقفت هذه العبارة إغانتيوس فقال إنها تحمل وقعاً مدوياً في أرجاء المنطقة، فمن خلالها اتخذ الرئيس خطوة لتحقيق هدفه في وقف الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، مع التحذير من أن طهران إن لم توافق على اتفاق نووي وتسلك طريق السلام فستواجه أقصى درجات الضغط.

وإغانتيوس، الذي عُرف بانتقاده لترمب في ملفات عدة، بدا مادحاً لنهجه المزعزع لـ "الأطر الجامدة" التي علقت فيها السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وكتب مذكراً بما قاله ترمب خلال حملته الانتخابية في سبتمبر (أيلول) الماضي بما معناه "أنا أقوم بنسج الحبكة، تتحدث عن تسعة مواضيع مختلفة لكنها في النهاية تترابط بطريقة مذهلة".

وكتب ترمب عن طريقة عمله في كتابه "فن الصفقة" عام 1987 "أعمل بعفوية ولا أحمل حقيبة أوراق، وأحاول ألا أجدول اجتماعات كثيرة، وأترك بابي مفتوحاً، إذ لا يمكن للمرء أن يكون مبدعاً أو ريادياً في ظل بنية تنظيمية جامدة، وأفضل أن آتي إلى العمل كل يوم وأرى ما سيحدث".

وهذا هو نمط ترمب في إعادة ضبط السياسات الأميركية تجاه المنطقة، بحسب الكاتب الأميركي الذي يقول إن "حديث ترمب عن أسلوبه يبدو ضرباً من الهراء في حينه، ولا يجدر المراهنة على أمن إسرائيل أو مصير الشرق الأوسط بناء عليه، لكن السياسة الخارجية الأميركية عالقة منذ عقود في أطر جامدة، وربما آن الأوان لإعادة النظر فيها بعين جديدة".

إسرائيل والمراقبة على الهامش

تمثّلت الخطوة الترمبية الأخرى المزعزعة للنهج التقليدي في تجاهل إسرائيل خلال جولته الإقليمية، فعلى رغم أن هذه الخطوة لا تمثل خروجاً رسمياً عن الالتزام الأميركي الثابت بدعم إسرائيل، لكنها أثارت قلق حكومة بنيامين نتنياهو وهزت افتراضاتها حول مكانتها والدعم غير المشروط، وتجلى إحباط إدارة ترمب من حكومة نتنياهو في لجوئها إلى التفاوض المباشر مع "حماس" لإعادة عيدان ألكسندر، آخر الرهائن الأميركيين الناجين في غزة.

وكانت إسرائيل تشاهد من بعيد خطوة ترمب في تطبيع العلاقات مع الحكومة الجديدة في سوريا، متجاهلاً التحذيرات والمخاوف الإسرائيلية التي تجلت في الضربات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية. وكتب المعلق في صحيفة "إسرائيل اليوم" اليمينية يوآف ليمور إن"تشكيل مشهد الشرق الأوسط يُعاد أمام أعيننا من خلال سلسلة من الاتفاقات والاجتماعات، بينما بقيت إسرائيل في أفضل الأحوال مراقباً على الهامش".

ويصر الجناح المتشدد في الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الحرب في غزة وسط سخط في الرأي العام الإسرائيلي تجاه استمرارها لأكثر من 18 شهراً، وتشير أحداث الأسبوعين الماضيين، بحسب المسؤول في الاستخبارات الوطنية الأميركية سابقاً، جوناثان بانيكوف، إلى وجود تباين واضح في الأولويات، وأن المعاملة الخاصة التي لطالما حظيت بها إسرائيل من الإدارات الأميركية قد لا تحصل عليها هذه المرة.

وأعرب مسؤولون في إدارة ترمب سراً عن استيائهم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يُنظر إليه بأنه عقبة أمام التعهد الانتخابي الذي أطلقه الرئيس بإنهاء الحرب في غزة، مطالبين ببذل جهد أكبر للتوصل إلى وقف إطلاق نار واتفاق لتبادل الرهائن مع حركة "حماس".

وكان ترمب ساعد إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل توليه الرئاسة، لكن إدارته حتى الآن لم تتمكن من تنفيذ وعدها بإنهاء الحرب، وقال خلال كلمته الأخيرة في الرياض إن "شعب غزة يستحق مستقبلاً أفضل بكثير، لكن ذلك لن يحدث، أو لا يمكن أن يحدث، طالما أن قادتهم يختارون الخطف والتعذيب واستهداف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء لتحقيق أهداف سياسية، والطريقة التي يُعامل بها هؤلاء الناس في غزة لا مثيل لها في العالم، فلا يوجد مكان يعامل فيه الناس بهذه القسوة".

المزيد من تحلیل