Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق سرية تكشف موقف مبارك من هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل

الرئيس المصري الراحل أثار الملف خلال لقاءات في لندن واعتبر أن الأمر يزيد من احتمالات الانفجار في المنطقة

كانت زيارة مبارك إلى لندن في ذلك التوقيت حدثاً مهماً في سياق العلاقات المصرية البريطانية (اندبندنت عربية)

ملخص

حين سُئل مبارك عن النوايا الحقيقية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين فضل أن يلزم الحذر، مؤكداً إدراكه تعقيدات شخصية صدام ومكانته داخل العراق، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الزعامة الإقليمية لا تُقاس بالقوة وحدها، وقال "قد يكون صدام قائداً عظيماً في بلده، لكن ليس في العالم العربي".

في منتصف مايو (أيار) من عام 1990 اختتم الرئيس المصري محمد حسني مبارك جولة دبلوماسية بارزة شملت سلطنة عُمان وكوريا الشمالية والصين، وانتهت بالاتحاد السوفياتي، قبل أن يحط في العاصمة البريطانية لندن في الفترة من الـ16 إلى الـ18 من الشهر ذاته.

في ذلك التوقيت، كانت زيارة مبارك إلى لندن حدثاً مهماً في سياق العلاقات المصرية البريطانية، إذ التقى خلالها رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر التي أقامت له مأدبة عشاء رسمية مساء الـ17 من مايو، في إشارة واضحة إلى عمق الاهتمام البريطاني بتلك الزيارة، كذلك أجرى المسؤولون البريطانيون سلسلة من اللقاءات الدبلوماسية الرفيعة المستوى مع الوفد المصري المرافق، فما الذي دار في لقاءات مبارك بلندن؟

الهجرة السوفياتية وإسرائيل على طاولة لندن

كشفت وثائق بريطانية رُفعت عنها السرية عن أنه في الفندق الذي أقام فيه الرئيس المصري، زار وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد ووزير الدولة للشؤون الخارجية وليم والدغريف، الرئيس مجاملة، أعقبها اجتماع منفصل مع وزير الخارجية المصري آنذاك، عصمت عبدالمجيد. وشهدت الزيارة أيضاً لقاءات بين وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور بطرس غالي، ومستشار الخزانة البريطاني، وكذلك اجتماع عبدالمجيد والدكتور كمال الجنزوري، نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط، مع السيد وزير الاقتصاد للخزانة البريطانية ريتشارد رايد. وقد وُثقت كل هذه الاجتماعات تفصيلياً ضمن السجلات الرسمية.

 

تناولت المحادثات خلال الزيارة طيفاً واسعاً من القضايا، شملت ملفات الشرق الأوسط الحساسة، إضافة إلى عدد من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك. وقد أظهرت هذه المحادثات توافقاً ملحوظاً في وجهات النظر بين الطرفين، من دون بروز خلافات جوهرية، وهو ما اعتُبر مؤشراً إلى نجاح الزيارة.

وفق الجانب البريطاني، أشارت الوثائق إلى أن هذه الزيارة ربما أسهمت في إزالة أي شعور بالفتور من الجانب المصري حيال تقارير عن زيارة بريطانية مرتقبة إلى القاهرة كانت ستُجرى على نطاق أصغر. وبهذا، مثلت زيارة الرئيس مبارك إلى لندن محطة ناجحة في مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين، ضمن سياق دولي متغير يتطلب تنسيقاً مستمراً بين العواصم المؤثرة.

وخلال لقاء الرئيس المصري بحضور وزير الخارجية عصمت عبدالمجيد، والدكتور كمال الجنزوري، والدكتور بطرس غالي، استعرض مبارك واحدة من أكثر القضايا حساسية آنذاك، التي تمثلت في موجة الهجرة اليهودية الكثيفة من الاتحاد السوفياتي المنهار باتجاه إسرائيل.

بحسب الوثائق البريطانية، كان واضحاً أن مبارك لا يسعى إلى التدخل في الشؤون الداخلية لموسكو، بل أكد أنه لم يطلب من الرئيس ميخائيل غورباتشوف وقف الهجرة، إلا أن جوهر الموقف العربي – كما أوضحه – كان يرتكز على ضرورة حصول الدول العربية على ضمانات بعدم توطين هؤلاء المهاجرين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبحسب ما نُقل، فإن غورباتشوف أبدى تفهماً للمخاوف العربية، وأشار إلى أنه سيناقش الأمر مع المجلس الأعلى السوفياتي. غير أن مبارك كان واضحاً في تحذيره من تداعيات هذا الملف، فقد عبّر عن قناعة راسخة بأن استمرار توطين اليهود السوفيات في الأراضي المحتلة من شأنه أن يشعل فتيل مواجهات دموية واسعة النطاق، ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ربما تمتد آثارها إلى مصالح اليهود في مناطق مختلفة من العالم.

وكان لافتاً أن مبارك استحضر في حديثه التصريحات المتطرفة التي أدلى بها آنذاك أرييل شارون، الذي طرح فكرة "توطين الفلسطينيين في الأردن" كحل بديل، إذ رأى مبارك في هذا الطرح تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي، محذراً من أن مثل هذه الاقتراحات لا تؤدي إلا إلى تعميق الغضب العربي والفلسطيني، وتزيد من احتمالات الانفجار.

 

أما على صعيد عملية السلام، فقد أبدى الرئيس المصري نوعاً من التحفظ المشوب بالحذر، مشيراً إلى أن الأمور ستظل ضبابية حتى تتضح معالم الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وحين سُئل عن موقف منظمة التحرير الفلسطينية، فرّق بين أعضاء المنظمة في الخارج، الذين وصفهم بأنهم أكثر صبراً، وأولئك في الداخل، الذين يسيطر عليهم شعور بالغضب والاحتقان نتيجة الأوضاع المتدهورة. على رغم ذلك، أشار مبارك إلى أن وتيرة العنف آنذاك كانت في تراجع نسبي، وإن ظلت الانتفاضة الفلسطينية عرضة لتقلبات حادة، وأثنى على ياسر عرفات، مؤكداً أنه قدّم كثيراً من التنازلات في سبيل إنجاح العملية السلمية، وأن الكرة الآن في ملعب الطرف الإسرائيلي.

مساعي مبارك إلى "ترشيد" سياسات صدام

ضمن جدول أعمال زيارته الرسمية إلى لندن في مايو 1990، لم يغب عن بال الرئيس المصري الوضع المتوتر داخل النظام العربي، لا سيما في ظل التصعيد المتزايد من قبل العراق بقيادة صدام حسين، فخلال محادثاته مع الجانب البريطاني، تناول مبارك – إلى جانب القضايا الإقليمية الكبرى كالهجرة اليهودية السوفياتية وعملية السلام – التحضيرات الجارية لعقد قمة عربية مرتقبة، والدور المصري في توجيه دفتها نحو مخرجات معتدلة تحافظ على التوازن في علاقات الدول العربية مع الغرب، إذ أكد مبارك خلال حديثه أن مصر مستعدة لتحمّل العبء السياسي لضمان أن تخرج القمة العربية بموقف مسؤول ومتزن، يعكس حرصاً عربياً على الاستقرار ويأخذ في الاعتبار العلاقات مع الشركاء الأوروبيين، سواء في الغرب أو في الكتلة الشرقية التي كانت تشهد آنذاك تحولات عميقة. ومع أن عودة السفير البريطاني إلى بغداد كانت مؤشراً إلى نية بريطانيا ترميم العلاقات، إلا أن الجانب العراقي كان قد بدأ باتخاذ إجراءات عدائية ضد بعض الشركات البريطانية، مما زاد من حدة التوتر.

في هذا السياق، بادر مبارك بالإعلان عن نيّته التحدث مباشرة مع الرئيس العراقي صدام حسين، في محاولة لتطويق التوتر وإقناعه بضرورة إصلاح علاقاته مع بريطانيا، وهي رسالة سبق أن نقلها إليه شخصياً.

غير أن مبارك، حين سُئل عن نوايا صدام الحقيقية، فضل أن يلزم الحذر، مؤكداً إدراكه تعقيدات شخصية صدام ومكانته داخل العراق، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الزعامة الإقليمية لا تُقاس بالقوة وحدها. وفي تعبير دبلوماسي محمّل بالدلالات، قال مبارك "قد يكون صدام قائداً عظيماً في بلده، لكن ليس في العالم العربي". بهذه العبارة، وضع مبارك حدوداً ضمنية للطموحات العراقية التي كانت تتجاوز الدور القطري، وحاول تذكير الحضور بأن مصر، بتاريخها وموقعها، لا تزال في طليعة القيادة العربية.

اللافت أن القادة العرب، بحسب ما أفاد مبارك، كانوا يميلون إلى عقد القمة في القاهرة، ربما ثقة بقدرة مصر على إدارة الحوار ومنع الانزلاق نحو صدامات داخل الصف العربي. إلا أن مبارك أبدى حذراً دبلوماسياً بعدم السعي إلى عزل صدام أو إحراجه، إدراكاً منه أن أية محاولة لتهميش العراق قد تأتي بنتائج عكسية في لحظة إقليمية شديدة الهشاشة.

مبارك وسياسة "الباب المفتوح"

لم يقتصر الرئيس المصري محمد حسني مبارك على مناقشة القضايا الكبرى المتعلقة بفلسطين والعراق، بل أدى دور الوسيط الإقليمي النشط في محاولة لتقريب وجهات النظر بين المملكة المتحدة وعدد من الدول العربية ذات العلاقات المتوترة أو المقطوعة مع الغرب، وعلى رأسها ليبيا وسوريا.

خلال لقاءاته في بريطانيا، تناول مبارك ملف العلاقات المتدهورة بين لندن وطرابلس، مشيراً إلى أن العقيد معمر القذافي كان خلال الأشهر الـ12 الماضية أكثر اعتدالاً في سلوكه، وأنه بحاجة إلى التشجيع لا إلى العزلة. واستشهد الرئيس المصري بقدرته الشخصية على التأثير في القذافي، لافتاً إلى أنه نجح، على سبيل المثال، في إقناعه بتخفيف لهجة خطابه خلال احتفالات طبرق، وهي مناسبة اعتاد الزعيم الليبي استغلالها لمهاجمة الغرب.

كذلك نقل مبارك عرضاً مباشراً من الجانب الليبي، تضمن استعداد ليبيا للاعتذار علناً عن حادثة مقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر عام 1984، التي كانت نقطة تحول حادة في العلاقات الثنائية، بل حتى دفع تعويضات عنها. في المقابل، طلب الليبيون تسوية قضية عقد نظام الدفاع الجوي الذي دفعوا مقابله أموالاً من دون تسلم المعدات، مع اقتراحين واضحين: إما تسليم المعدات أو إعادة الأموال. واعتبر مبارك أن قبول بريطانيا بهذا العرض قد يكون مفتاحاً لبداية جديدة في العلاقات مع ليبيا، وعرض التوسط شخصياً إذا لم تكن لندن راغبة في الانخراط المباشر مع نظام القذافي.

 

وعلى رغم حذر الجانب البريطاني، الذي شدد على حساسية الملف بسبب استمرار سقوط ضحايا في لندن نتيجة الأسلحة التي كانت تصل إلى الجيش الجمهوري الأيرلندي، فإنهم وعدوا بأخذ مبادرة مبارك بالاعتبار، خصوصاً في ضوء الرسالة التصالحية التي نقلها.

أما في ما يخص سوريا، فقد استكمل الرئيس المصري حسني مبارك دوره البارز كجسر اتصال بين العواصم الغربية من جهة، والأنظمة العربية ذات المواقف المتشددة من جهة أخرى، في وقت كانت فيه منطقة الشرق الأوسط تشهد تطورات معقدة، فقد أشار المسؤول البريطاني إلى أن دمشق لم تقدم حتى تلك اللحظة أية بادرة ملموسة لطمأنة لندن في شأن علاقتها بـ"الجماعات الإرهابية"، وهي اتهامات كثيراً ما لاحقت النظام السوري، خصوصاً في الثمانينيات. وعلى رغم هذه المخاوف الغربية، أبدى مبارك استعداده التام للتوسط مع الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، سواء بشكل مباشر أو عبر قنوات غير رسمية، بهدف تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بقضية الرهائن الأجانب المحتجزين في لبنان، التي كانت تعتبر من أعقد الملفات السياسية والأمنية في تلك الفترة، فقد أبلغ الرئيس السوري حافظ الأسد الرئيس مبارك بأنه سيبذل كل ما في وسعه لحل هذه القضية الإنسانية، لكن في الوقت ذاته عبّر عن مخاوف أمنية شخصية تتعلق بتداعيات أية قرارات متسرعة قد يتخذها، مشيراً إلى أن هذه القرارات قد تعرض حياته للخطر، وهو ما يُظهر الحساسية المفرطة تجاه الوضع الأمني في سوريا، فضلاً عن التوازنات الداخلية الدقيقة في لبنان التي كانت تتحكم في مسار الأحداث.

جهود مصرية للتهدئة بين الهند وباكستان

لاحظت أنه على رغم وجود بعض الاتصالات بين الهند وباكستان في تلك الفترة، فإن الأجواء العامة كانت تكتنفها توترات كبيرة. كانت هناك حال من الجمود والتردد بين الطرفين، مما جعل الموقف أكثر تعقيداً. وأيد الرئيس مبارك هذا التقييم بدقة، مؤكداً أن التحديات كانت حقيقية ولا يمكن التغاضي عنها، وأضاف أن رئيس وزراء الهند قد أخبره شخصياً بأن نيودلهي لا ترغب في الدخول في حرب جديدة، وهي رسالة كان من المهم أن تُسمع من كلا الجانبين. وعلى رغم ذلك، فقد كانت الظروف تظل غير مواتية لتحقيق أي تقدم ملموس في التوصل إلى تسوية.

وفي هذا السياق، أوضح الرئيس مبارك أنه سيبذل قصارى جهده لمحاولة جمع القادة الهنود والباكستانيين معاً على طاولة المفاوضات، إذ كان يرى أن الحوار المباشر بين الطرفين هو الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله تخفيف التوترات وتحقيق أي نوع من التقدم، وعلى رغم التحديات الكبيرة التي كانت تحيط بالعملية، فقد وافقت لندن على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً يكمن في أن تتحدث الهند وباكستان معاً بشكل مباشر، بعيداً من الوساطات التي قد تكون قد فشلت سابقاً في تقديم حلول حاسمة.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق