Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسلسل "يو"... نهاية غرام أميركي بالقتلة المتسلسلين

العمل ودع الجمهور ببطل فقد بريقه ودراما مرتبكة اختارت نهاية تقليدية بعد أن غرقت في خطابات إدانة كراهية النساء

قدرات جو على الخداع في المسلسل وصلت إلى الجماهير العريضة (أنستغرام - الحساب الرسمي للعمل)

ملخص

الموسم الأخير من مسلسل الجريمة والإثارة النفسية "you" الذي يقدم بطلاً محبوباً ورومانسياً، وبعد أن يتمكّن جو من الإفلات من المطاردة، جاء في الحلقات الأخيرة بوداع لا يليق بالعمل الذي يحظى بشعبية ويدين تعنيف النساء، إذ جرى اللجوء إلى الحيلة الأميركية الشهيرة ذاتها، والمستقاة من وقائع كثيرة تتعلق بقتلة متسلسلين في المجتمع هناك، وهي موجات التعاطف الشاسعة التي تطاول المجرم، إذ يصبح أيقونة رومانسية تعاني الاضطهاد بالنسبة إلى الفتيات الباحثات عن الاهتمام الزائد، ويتلقى في محبسه طلبات للارتباط به، وهو أمر يتنافى مع بعض الرسائل التي حاول العمل تمريرها بصورة مباشرة والمتعلقة بتجريم العنف ضد النساء وبرفض التبعية

نجا جو غولدبرج بحياته، لكن الدراما لم تنج، فبعد أربعة مواسم مشوقة من مسلسل الإثارة النفسية والجريمة  YOU - أنت، الذي يحظى بشعبية ضخمة، جاء موسمه الخامس والختامي باختصار مخيباً لآمال الملايين من مشاهديه على مدى سبع سنوات، إذ بدأت "نتفليكس" بث المسلسل منذ عام 2018، مستغلة الهيام التقليدي بدراما الخارجين عن القانون، لكن لم يكن متوقعاً أن ينتهي الحال بجو معبوداً للنساء، في ظل الصحوة التي يمر بها العالم، والحركات الداعية إلى التمعن قبل تمجيد شخصيات مسمومة تمجد العنف.

على رغم أن العمل المأخوذ عن رواية للكاتبة الأميركية كارولين كيبنيس انتهى بعقاب مجتمعي من الدائرة المقربة للمجرم وآخر قانوني، فإنه بدا وكأن الدراما أرادت أن تكرم بطلها وتمنحه ما سعى إليه طوال 50 حلقة، وهو حصد الإعجاب، هذا العاشق المهندم الودود المرهف، المثقف المولع بالقصص الكلاسيكية، صاحب النفس المظلمة القادم من طفولة بائسة كان فيها معنفاً ومنبوذاً حتى من أمه التي دافع عنها، لديه مخزون من الاضطرابات يجعله يبرر أشنع الأفعال ببضعة كلمات يمزجها بمواهبه في الكتابة والبحث والإقناع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

البطل الراوي المنغمس في حكايته، يتهكم على الجميع، ويجد نفسه الأحق بالرعاية والمحبة، لأنه كان مضطراً إلى أن يقتل لأهداف نبيلة، وفقاً لوجهة نظره، ومدعياً أن من حوله كانوا يحبونه هكذا، باعتباره حبيباً مراعياً على استعداد للقتل من أجل حمايتهم، الأمر وصل بأنه وجه حديثه إلى الجمهور (المجتمع) في اللحظات الأخيرة بأن كل ما حدث هم السبب فيه، في إشارة إلى أن نظرات الإعجاب كانت سبباً في تشجيعه وأمثاله على ما يفعل. إذاً المشكلة دوماً في الآخرين، لا المجرم، وفق ما اهتدت إليه الدراما التي ارتبكت في حلقاتها الأخيرة على نحو هوى بها إلى قاع لم يكن متوقعاً أبداً مقارنة بتميز المواسم السابقة.

القاتل المتسلسل يتحول إلى أيقونة رومانسية

يبدو أن فريقي الكتابة، بينهم سيرا جامبل وجريج بيرلانتي، والإخراج منهم ماركوس سيجا وسيلفر تري، فقدوا بوصلة الشخصيات بصورة مفاجئة، وتأرجح البطل الذي يعرفه الجمهور بين المبررات التي يسوقها وتزين له جرائمه، وبين الرغبة في ممارسة الشر الخالص بلا هدف، وتاهت الدراما بين حجج غير منطقية في الأحداث تثير الاستغراب، فكيف يستخف صناع هذا العمل الناجح بما بين أيديهم ويستهينون بجمهورهم إلى هذا الحد؟

مهما كان البطل شريراً إلا أن مبدعه يحرص على ألا يحكم عليه، إذ تستند أفعاله المشينة أخلاقياً عادة إلى مسوغات درامية تتسلسل إلى المشاهد على مهل من منطلق إنساني، وتبدو التوليفة بكاملها متسقة مع بعضها بعضاً، وهو ما كان واضحاً في المواسم السابقة.

لكن بدا الموسم الأخير وكأن هناك واعظاً يقف فوق رأس المبدعين الذين أشرفوا على المسلسل، ناصحاً إياهم بأن يقدموا الإرشاد والعبرة في كل مشهد وكأنهم يتنصلون شيئاً فشيئاً من بطلهم الذي ابتكروه ويتبرؤون منه، لكن هذا لم يمنعهم من اللجوء إلى حيلة مكررة وتقليدية تمثلت في المشهد الختامي للموسم الأخير، إذ قبع جو (بن بادجلي) مثل أي قاتل مسلسل أميركي معتاد في سجنه، يتسلى برسائل المعجبات المنبهرات به، باعتباره نموذجاً نادراً في الحب والاحتواء والاستعداد لارتكاب أي فعل ليجعل شريكته في أمان، ورجل يختار القتل وسيلة أولى ليحمي مكتسباته، وبالطبع نساؤه من ضمن هذه المكتسبات، في تناقض صارخ بين الرسالة التي يتبناها العمل والمتعلقة بتوعية النساء وتحذيرهن من أمثال جو ومن الشخصيات العنيفة المعتلة اجتماعياً بصورة عامة.

 

جماليات الصورة لا تزال تتفوق، وتقنيات السرد على مستوياتها نفسها، كذلك طاقم الممثلين يبدو أنه أكثر اعتناء بالشخصيات التي يقدمونها حتى لو لم يسعفهم النص ولا الحبكة، التي بدأت بانتقال البطل وزوجته الجديدة شارلوت ريتشي (كايت)، إلى أميركا بعد أن عاشوا في لندن أحداثاً مروعة، وخلفا وراءهما مزيداً من الجثث، إذ يستعيد جو ابنه هنري من العائلة التي كانت تحتضنه بعد مقتل والدته البيولوجية على يد الأب العاشق.

وتبدو الأسرة للوهلة الأولى وقد تجاوزت تاريخها الدموي، وأن الانسجام والنجاح والاستقرار ينتظرهم في هذه المرحلة الجديدة، لكن الخلافات العائلية بين كايت وأختيها التوأم، وهذا الميراث الثقيل من المشاحنات والكراهية التي ورثنها من الأب تقلب الموازين، ويجد جو غولدبرج نفسه في دائرة جهنمية، وكالعادة إزهاق الأرواح هي طريقته الوحيدة في الحفاظ على عشه هانئاً، وعلى رغم ذلك فإن العش يشتعل بعد صحوة مبررة درامياً في الحقيقة من زوجته التي تفيق من السبات الرومانسي، فيما هو على جانب آخر يعثر على ضحية جديدة.

دراما هشة وقاتل أميركي تقليدي

وهنا يأتي الارتباك كله، فبرونتي (روز)، الحبيبة الشابة المتقدة حماسة وشغفاً وغراماً، تبدو شخصية مريبة منذ طلتها الأولى في الحلقات، ومع ذلك كان السيناريو يراوغ من دون أن يقدم توجهاً محدداً لها، تارة يبدد الشكوك حول سعيها إلى النيل من جو، وتارة أخرى يؤيدها، إلى أن تنكشف الأمور ويتضح أن الفتاة جاءت لتنتقم من القاتل الذي خلف جثثاً شتى، وبينها صديقتها الكاتبة بيك التي أدت دورها إليزبيث لايال في الموسم الأول، وبطريقة بعيدة كل البعد من المنطق تتبدل رؤية برونتي، التي قدمت دورها ببراعة مادلين بروير، التي تشبه في ملامحها كثيراً الممثلة جوليا غارنر وتتوافق معها في طبيعة الأدوار المركبة والقاتمة التي تجسدها، إذ تعود لأحضان الحبيب المثالي، معتبرة أنها جنت عليه، وأنه يستحق مزيداً من الفرص، على رغم ارتكابه جريمة قتل أمامها.

وعلى ما يبدو فإن قدرات جو على الخداع وصلت إلى الجماهير العريضة، فبعد أن مر بمرحلة من النبذ عبر السوشيال ميديا، تحولت الحالة إلى تعاطف، ثم وله، على طريقة القتلة المتسلسلين والمعتدين الأكثر شهرة من مترصدي النساء مثل تيد باندي وتشارلز مانسون وريتشارد راميرز، وأصبح يحصد الإعجاب بسهولة غير مفهومة، وكأنه ساحر، إذ قدم السيناريو هذه القدرات بطريقة تشبه ما كان يحدث في رواية "العطر" للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، التي تحولت إلى فيلم فيما بعد، فالبطل شديد الإجرام، الذي يقتل كما يتنفس ليصنع عطوراً خرافية، يؤثر في من حوله بشدة، وكأن رائحة الملائكة تفوح منه فيتجاوز حبل المشنقة نفسه، وإن كان مسلسل "YOU" توقف عند إيداع البطل السجن، إلا أنه جعله ينعم أيضاً بكونه مرغوباً ومحبوباً حتى وإن كان من خلف الأسوار.

 

في الحلقات الأخيرة بدأت مواطن الخلل في الظهور دفعة واحدة، وكأن صناع المسلسل أرادوا أن يتخلصوا منه سريعاً بعد هذا الإرهاق الطويل، فتلاشت دوافع الشخصيات وتداخلت أهدافهم، بالتوازي مع الرغبة الجامحة في صنع دراما خطابية، بدلاً من أن تكون الفكرة العامة تسير بصورة مثالية، متحدثة عن الذكورية السامة والتعنيف ضد النساء، وعدم تقبل بعض الرجال لرفض النساء لهم، ومواجهة هذا النبذ بالعنف الأعمى والكراهية الموجهة ضد المرأة.

لكن كل هذه الأمور قدمت في النهاية بوتيرة سريعة ومباشرة على "طريقة التريند"، إذ دخل نشطاء "تيك توك" في المعركة بعدما كشف عن أمر جو، وتوالت الحلقات النقاشية التي تكشف عن جرائمه وتحذر النساء من أمثاله، مع شهادات متكررة من عائلات ضحاياه، وكان هذا الخط أضعف مواطن العمل، نظراً إلى مباشرته كما بدا دخيلاً ولا يشبه أجواء المسلسل، إضافة بالطبع إلى تزاحم الشخصيات الجديدة من دون الاهتمام بإبراز تاريخها النفسي على نحو يرضي المشاهد.

لكن المفاجأة أن جو ظل حراً طليقاً بعد ذلك، وكأن الشرطة في أوروبا والولايات المتحدة تعمل بطريقة بدائية، وكأن تقنية إثبات وجود المتهم الذي تحوم حوله الشبهات في مواقع الجرائم عن طريق الحمض النووي لم تصل إليهم بعد، فمبررات عدم تمكن السلطات الأمنية من إثبات التهم عليه في مواسم سابقة كانت قوية، لكن الأمر بدا ساذجاً حينما أصبح البطل رجل مجتمع مشهوراً، والشهادات والدلائل التي تورطه باتت واضحة للجميع.

ومع ذلك، لم تتمكن منه الشرطة إلا بعد أن استغاثت الضحية المحتملة الأخيرة بها في اللحظات الأخيرة، إذ كاد أن يجهز عليها، كذلك تجرأت الفتاة وأطلقت عليه النار في موضع حساس، جعله يفقد رجولته إلى الأبد ويتحول إلى ميمز مضحكة على السوشيال ميديا التي كثيراً ما استخدمها في تتبع ضحاياه والترصد بهم.

بطل فقد بريقه

تنفلت قدرة جو، المغرم بالكتب والنساء والغارق في عالم المكتبات، في إحكام السيطرة على ما يجري حوله بصورة أكبر هذه المرة بسبب وجود ابنه الصغير معه، وقلقه عليه من علامات الميل إلى العنف التي بدأت تظهر بوضوح وتترجم في حوادث مؤسفة بالمدرسة، كما أن أشباح ماضيه تظهر في صور متعددة، أسوأها عودة ضحيتين كان تخيل أنهما لن تعودا أبداً، إذ اعتقد أن إحداهما فارقت الحياة والثانية لم يكن يتصور أن تخرج من سجنها بهذه السرعة، إذ اتحدتا مع زوجته لتدميره.

 

لكن في النهاية الكتب هي التي أوقعته أيضاً، فلم يتمكن من مقاومة العشيقة الجديدة التي تلتهم القصص الكلاسيكية التهاماً وتناقشه في دوافع الأبطال، وعينيها تبرق كلما قرأت سطراً جديداً له يفرغ فيه طاقته السوداء المتعطشة للدم، إذ احترف قتل الشخصيات على الورق وفي الحقيقة أيضاً.

المونولوج الداخلي، الذي اعتمد عليه تكنيكاً يميز الشخصية منذ الموسم الأول للعمل لإظهار بواطن الشخصية وتفسيراتها المعتلة لتصرفات الآخرين، أصبح مصاباً بالهشاشة الدرامية، وجاء مشوشاً للغاية في هذا الموسم، ولم يقدم رؤية مقنعة لبعض القرارات، فتحول المجرم الدرامي إلى بطل فقد بريقه في لحظاته الأخيرة وهو يودع الجمهور.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون