Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من جو في مسلسل "يو" إلى زين في "الثمن"... موسم الوقوع في غرام الأبطال "التوكسيك"

الحبيب الرومانسي "السيكوباتي" أصبح هوساً لدى الصناع والجمهور... والدراما تبرر ضعفه الإنساني ليحظى بالتعاطف

بطل مسلسل "you" يترصد الفتيات، وبعد أن يقع في غرامهن يقتلهن كمجرم محترف (حساب المسلسل الرسمي على إنستغرام)

ملخص

هل يمكن لوم #الدراما على تعاطف #الجمهور مع شخصيات الأبطال المؤذية؟ ولماذا أصبح هناك هوس بهذه النوعية من الأعمال؟

الاحتفاء الذي قوبل به ظهور جو غولدبيرغ مجدداً عبر موسم جديد بمسلسل "You" (أنت) باعتباره الشاب الوسيم الرومانسي الحالم الذي يوقعه اهتمامه الفائق بحبيبته في مشكلات تؤدي به إلى ارتكاب جرائم قتل دوماً، أثار الجدل والاستغراب، فإذا كان "الحبيب السام" الذي يؤذي شريكته نفسياً وبدنياً، ويترصدها، ويتجسس عليها، ويشككها في تفاصيل حياتها، يحظى بكل تلك الشعبية بين المتابعين، فمن إذاً يحذر ليل نهار الفتيات من الانخراط في علاقة "سامة" (toxic)؟ أو من الثقة برجل مضطرب يطبق مفاهيمه المغلوطة والمريضة على الطرف الذي يثق فيه؟

الوقوع في غرام جو الذي يجسد شخصيته الممثل بين بادغلي، والتماس الأعذار له باعتباره عانى طفولة تعيسة بسبب تخلي والدته عنه، كان محور نقاش محتدم بين متابعي الدراما على مدار الأيام الماضية، فمن ناحية نجح صناع المسلسل، المأخوذ عن عمل روائي لكارولين كيبنيس، في أنسنة مجرم محترف، بل يمكن وصفه بالقاتل المتسلسل، ولكن المؤكد أن البحث عن شبيه له في عالم الواقع والهيام بشخصيته، يبدو مقلقاً ويتخطى حدود المنطق، بل على الأرجح هو على العكس تماماً مما يحذر منه المسلسل الذي بدأ عرض جزئه الثاني من الموسم الرابع على منصة "نتفليكس" التي نجحت على مدى خمس سنوات في أن تبني قاعدة جماهيرية لمسلسل تشويق وإثارة نفسية من الطراز الرفيع. واللافت أيضاً أن شخصيات الأبطال السامين "التوكسيك" باتت محور اهتمام صناع المسلسلات التلفزيونية في الفترة الأخيرة، سواء عالمياً أو عربياً.

عاشق محترف أم قاتل متمرس؟

الشاب جو "الرومانسي السيكوباتي" كما يسميه جمهوره، يحظى بشعبية كبيرة بين مشاهدي الدراما النفسية، وأيضاً بين المشاهير، ومن بينهم المغنية كاردي بي التي تبدي دوماً إعجابها بالأحداث وببطلها، فيما الممثل الذي يجسد الدور، بين بادغلي، تحدث أخيراً عن رفضه أداء بعض المشاهد العاطفية الجريئة مع البطلات بسبب حرصه على احترام زوجته وتأكيداً على إخلاصه لها، كما كان لديه تصريح يمزح فيه بأنه لا يمانع أن يتم قتل البطل خلال الأحداث، إذاً هو يعلم أن جو يستحق العقاب، ولكن بعض المشاهدين يلتمسون له العذر.
وخلال فصل الشتاء الحالي، تمتلئ المنصات بمن هم أمثال جو الذين لديهم اعتلال اجتماعي ما يحاولون تفريغه في علاقاتهم العاطفية، فإذا كان بطل مسلسل "You" مهووساً بالكتب والقراءة ويتنقل بين الحبيبات مثلما يتنقل بين الصفحات والمدن والهويات، إذ يترصدهن كعاشق محترف ويتفنن في اختيار وسائل قتله لهن "اضطرارياً"، كما يصور العمل، كقاتل محترف أيضاً، فإن هناك أيضاً أبطالاً هم ظاهرياً مثاليون ورومانسيون، لكن أزماتهم النفسية تتحكم في تصرفاتهم ويحاولون الخروج من محنتهم الداخلية بطرق تبدو غريبة، بل ومريبة، وإن لم يصلوا إلى تلك المرحلة من الإجرام، فإن "زين" بطل مسلسل "الثمن" المأخوذ بدوره عن مسلسل تركي عرض قبل 15 سنة هو "Binbir Gece"، الذي تم تعريب عنوانه حينها إلى "ويبقى الحب"، يتحدر ظاهرياً من عائلة كبيرة ومتحقق معنوياً ومادياً، ولديه مؤسسة ناجحة، ويتمتع بوسامة ولياقة بدنية عالية ويبدو من بعيد كشريك حياة مثالي تماماً، لكنه من الداخل على رغم كل هذا اللمعان الذي يغلف به شخصيته معطوب تماماً، فحينما يلتقي بفتاة تعجبه، تظهر فجأة كل عقده مرة واحدة، فهو لا يثق بالنساء، بل ناقم عليهن، ويضعهن في اختبارات طوال الوقت في حاولة منه للتيقن من ولائهن، وأيضاً كي يثبت لنفسه أن كلهن خائنات، لدرجة أنه يطلب من المرأة التي مال لها قلبه أن تقضي معه ليلة مقابل مبلغ مالي كبير، بخاصة أنها بحاجة إلى النقود لسبب إنساني، وهو إجراء جراحة باهظة الثمن لابنها، تتطور الأمور، وتحاول الدراما أن تقنع الجمهور أن زين مجرد ضحية لأفكار مغلوطة، ولكن المؤكد أن الفرصة كانت لديه لتعديل سلوكه، لا سيما أنه مقتدر مادياً، ونال قسطاً جيداً من التعليم والخبرات، إلا أنه اختار الغرور والتمسك بنظرته الضيقة المبنية على مشاهد ملتبسة. العمل من بطولة باسل خياط ورزان جمال ونيقولا معوض، ومن إخراج فكرت قاضي، ويعرض عبر منصة "شاهد".


شخصيات معطوبة

الضرر النفسي ليس عيباً أبداً، ولكن محاولة صبغ الجميع بالأفكار التي يحملها الشخص المتضرر والتعامل معهم على أساسها هو أمر غير منصف، ويوسع دائرة الأذى، كما أنه في حالة وعي الفرد بوجود مشكلات لديه قد تضر بغيره، فمن العدل أن يلجأ إلى المساعدة سريعاً، لا أن يترك الأزمة تكبر حتى تشوش حياته وحياة من حوله، ويتعايش مع أفكاره ويتماهى معها باحترافية لدرجة أن الأمر لا يعد ملموساً بسهولة، بل على العكس قد يبدو جذاباً في نظر النساء وحبيباً تحلم به كل فتاة، ففي حين أن مسلسل "أزمة منتصف العمر" الذي يعرض عبر منصة "شاهد" أيضاً حصد شهرته في البداية بسبب الجدل المجتمعي الذي أثاره بسبب العلاقة التي نشأت بين عمر وفيروز التي هي بمثابة حماة زوجته، باعتبارها زوجة أبيها، ولكن الحقيقة أن عمر الذي يظهر عطوفاً وحنوناً وتقع النساء تحت قدميه، هو شخص متعدد العلاقات وكاذب ومخادع، وينظر إلى النساء نظرة دونية، حيث يعتبرهن كأنهن بحاجة إلى المساعدة دوماً لأنهن غير قادرات على التفكير بشكل سليم، بل هن في نظره مجرد أطفال، وعليه أن يحتويهن وأن يدبر لهن خطط حياتهن، وكل هذا وهو يتحدث بصوت منخفض وهامس ورقيق، بينما واقعياً ينتقل من علاقة إلى أخرى في المحيط نفسه دون أن يشعر بأنه متناقض وأن شخصيته بحاجة إلى تقويم، بل يبرر أفعاله لنفسه، حيث يعاني اضطرباً حاداً في شخصيته بسبب تعرضه لمعاملة سيئة من والدته وهو في سن صغيرة، ومع ذلك فهو بالنسبة إلى البعض ممن يتابعونه، لم يخطئ بمفرده كما أنه لا يقصد الأضرار بغيره عن عمد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"أزمة منتصف العمر" من بطولة كريم فهمي وريهام عبدالغفور، وإخراج كريم العدل. وكانت منصة "شاهد" قد عرضت في وقت سابق أيضاً مسلسل "60 دقيقة" الذي تم تقديمه في قالب من الإثارة النفسية والتشويق، حيث البطل طبيب نفسي وزوج مثالي، لكنه يضغط على ضحاياه مستغلاً خبرته في المهنة، ليسيطر عليهن حتى يغتصبهن، ثم يعود ليستخدم حيله في أن يشككهن في قواهن العقلية ليلمن أنفسهن بدلاً من مواجهته بقوة وحزم. العمل كتبه محمد هشام عبية، وأخرجته مريم أحمدي، وقام ببطولته محمود نصر إلى جانب ياسمين رئيس.


الدراما تبرر والجمهور يتعاطف

الأمر بالطبع لا يتعلق بالمحاكمة الأخلاقية للشخصيات الدرامية، ولكن في كيفية التعاطي معها من قبل فئة من الجمهور، حيث إن عدم الانتباه لسقطاتها النفسية الكبرى يبدو متناقضاً مع الحملات التي انطلقت على مدار الفترة الماضية للتنبيه من عوارض الشخصية السامة، وذلك على خلفية عدد من الحوادث التي راحت ضحيتها فتيات على يد أفراد لديهم اعتلال نفسي واجتماعي تركوه يتفاقم ولم يحصلوا على مساندة ممن حولهم أو من المتخصصين.

ويتحدث الناقد الفني إيهاب التركي عن تاريخ إعجاب المشاهد بالأشرار، مؤكداً أنه أمر قديم، ويتابع "من منا لم يعجب بمحمود المليجي الشرير الداهية وفريد شوقي الشرير الشجيع وستيفان روستي خفيف الظل وعادل أهم المتهكم الساخر؟"، مضيفاً أن "المشاهد يجد نفسه معجباً ومتعاطفاً مع رجل المافيا دون كورليوني في سلسلة أفلام الأب الروحي، لأنه يظهر كرب عائلة مخلص ولأنه يرعى أتباعه"، مفسراً هذا التعاطف بأنه "يكون مع المناطق الإنسانية في الشخصية، ولكنه أيضاً لا يعني قبول القتل والنهب والعنف، فمثلاً في شخصية سعيد مهران بـ"اللص والكلاب" البطل مجرم، لكن المشاهد يتعاطف معه لتعرضه للخيانة".


النساء أيضاً "توكسيك"

بالطبع الشخصيات السامة في الواقع والدراما ليست حكراً على طرف دون آخر، ولكن بسبب تتابع الحوادث أخيراً عربياً وعالمياً التي تتحدث عن ضحايا كثر من النساء لرجال من تلك النوعية، فالتركيز دوماً يكون على الأبطال، وليس البطلات، فيما فكرة الأذى لا تتعلق بنوع بعينه، وهو ما بدا واضحاً في شخصيات متلاعبة كثيرة مثل "فلك" التي جسدتها ديمة قندلفت في مسلسل "ستيليتو" الذي انتهى عرض نسخته العربية أخيراً، وهو كذلك مأخوذ عن عمل تركي، فأينما حلت "فلك" يتبعها الأذى وتبدو كمن تمارس الشر والقسوة وإرباك بالناس بالفطرة دون أن تشعر بأنها أخطأت، ودون تأنيب ضمير، بينما هي ظاهرياً شخصية براقة ومثالية ويحسدها الجميع على تمتعها بالجمال والثقة والنجاح. العمل الاجتماعي المشوق حقق نجاحاً كبيراً، فيما دور المرأة التي تسمم حياة من حولها، سبق تقديمه كثيراً، فقبل سنوات مثلاً قدمته الممثلة زينة في مسلسل "لأعلى سعر" من تأليف مدحت العدل، فجسدت شخصية ليلى التي تحاول تحقيق أهدافها بهدم آمال الآخرين، مستخدمة حيلها وذكائها وقدرتها على التظاهر بالمودة، بينما ما يحركها هو الغيرة، ولكن كان للدور بعض لحظات الضعف الإنساني أيضاً، والعمل بطولة نيللي كريم وأحمد فهمي.
ويعلق الناقد الفني إيهاب التركي بأن "الدراما بشكل عام تحب الشخصيات المعقدة والمركبة، والشخصية الشريرة هي شخصية إنسان هجر طبيعته الخيرة ودخل في صراع مع نفسه ومع من حوله، وهذا النوع من الحكايات يجد صدى واهتماماً ربما أكثر من الشخصية المثالية ذات البعد الواحد". ويصف هذه النوعية من الدراما بالقول إن "الشخصية السامة لا تميل إلى الشر في المطلق، ولكنها تندفع إليه إما عن ضعف إنساني أو ظروف قاهرة أو مبررات خاصة ليس بالضرورة أن تكون مقبولة أخلاقياً أو اجتماعاً، ولهذا يتعاطف المشاهد مع هذه النفوس الحائرة البائسة، وربما يتعاطف مع مبرراتها وسلوكها في إطار أن ما يشاهده عمل درامي خيالي". ويرى التركي أن "كاريزما الشخصية الشريرة في العمل الفني تأتي من السيناريو المحكم الذي يعرض مبرراتها دون أحكام مسبقة، ويسهم أداء الممثل البعيد من المبالغة في جعلها جذابة وذات أبعاد إنسانية".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون